صعوبات استبدال النفط بالوقود الحيوي

التسجيل
22 فبراير 2008
المشاركات
358
أعلنت الجمعية الملكية البريطانية في دراسة نشرتها أخيراً، ان الوقود الحيوي، أو الإيثانول، قد يلعب دوراً في مكافحة التلوث، لكنه في الوقت ذاته قد يؤدي إلى خلل بيئي في حال لم يتم التعامل معه بحذر كاف. وتفيد الدراسة بأن التجارب التي تجرى حالياً في بريطانيا والاتحاد الأوروبي لا تؤمّن ضمانات كافية لتحسين البيئة نتيجة لاستخدام هذا النوع من الوقود. ودعا التقرير إلى إجراء بحوث أكثر حول هذا البديل الطاقوي الجديد قبل إنتاجه واستخدامه في شكل أوسع مستقبلاً، كما حض الحكومة البريطانية على تأمين الحوافز المالية لمراكز

البحوث لدعمها في سعيها إلى تحسين كل العوامل المتعلقة بإنتاج الوقود الحيوي، خصوصاً في ما يتعلق بشؤون البيئة. وقال المسؤول عن الدراسة البروفيسور جون بيكيت، «ان الوقود الحيوي يستطيع ان يلعب دوراً مهماً في خفض نسبة التلوث في قطاع المواصلات في بريطانيا والعالم ككل. لكن كارثة ستحصل في حال توسع استخدامه، لما لذلك من آثار سلبية في الأنماط الطبيعية المختلفة». وأضاف: «يجب ألا نضيف مشاكل بيئية أو اجتماعية جديدة إلى عالمنا في محاولتنا التصدي للتغير المناخي».

وتأتي الدراسة البريطانية فيما يحوز الوقود الحيوي على مساندة مطلقة من جانب المرشحين للرئاسة الأميركية من دون استثناء. وتوقعت وزارة الزراعة الأميركية أخيراً ارتفاع أسعار الذرة، إذ يتوقع تقرير لها صدر في 31 آذار (مارس) استمرار ارتفاع الأسعار في المستقبل، بسبب تقلص المساحات المخصصة لزراعة الذرة ما فاجأ الأسواق.

وارتفعت أسعار الإيثانول نتيجة لهذه التوقعات، فوصل السعر الآجل لبوشل الذرة (25 كيلوغراماً) في سوق السلع في شيكاغو إلى نحو ستة دولارات، في مقابل 3.744 دولار قبل سنة فقط. ويوازي كل دولار إضافي في سعر الذرة ارتفاعاً بنحو ربع دولار في كلفة إنتاج الإيثانول.

وتنتج حالياً أربعة بلايين غالون (الغالون يساوي 3.78 لتر) سنوياً من الإيثانول من الذرة، ونحو بليوني غالون من قصب السكر. هذه كميات كبيرة، لكن لا يمكن ان تحل محل الاستهلاك النفطي العالمي الذي يبلغ 87 مليون برميل يومياً من النفط الخام. وينتج الوقود الحيوي إما من الذرة أو حبوب الصويا أو قصب السكر، وثمة محاولات لإنتاجه من جوز الهند.

يذكر ان البدائل المتجددة للطاقة (الشمسية والنووية والوقود الحيوي والرياح) لا تشكل كلها اليوم أكثر من خمسة في المئة من سلة الطاقة المستخدمة عالمياً، ولا يتوقع ان تزداد بصورة ملحوظة عن هذه النسبة في العقدين المقبلين. وتشكل المواد الهيدروكربونية من نفط خام وغاز طبيعي وفحم حجري، أكثر من ثلثي نسبة سلة الطاقة حاضراً، ولا يُتوقع تغير هذه النسب في المستقبل المنظور، على رغم أنها تختلف من بلد إلى آخر. ففي فرنسا، مثلاً، يتم منذ سنوات توليد الكهرباء من الطاقة النووية في شكل رئيس.

واستحوذ الوقود الحيوي على اهتمام المراقبين أخيراً، نظراً للأولوية التي أعطته إياها الإدارة الأميركية في محاولتها الحصول على مصدر محلي للطاقة لإنهاء الاعتماد على النفط المستورد، خصوصاً من الشرق الأوسط. ووضعت قوانين لتسريع استخدام الوقود الحيوي في الولايات المتحدة وتوسيعه. ومما ساعد في زيادة الاستخدام المساعدات، والدعم المالي الذي تقدمه الحكومة الفيديرالية للمزارعين لتشجيعهم على زراعة الذرة والاستفادة من هذا الدعم من ناحية، وفرص التسويق الجديدة من ناحية أخرى. وأدت هذه السياسة إلى بروز مشاكل جديدة لم يتطرق إليها تقرير الجمعية الملكية البريطانية في شكل واسع، أهمها مبادرة الكثير من المزارعين الأميركيين إلى زراعة حقولهم ذرة بدلاً من الحنطة والشعير، ما قلص مساحة الأراضي المخصصة لزراعتها ورفع سعر الأعلاف ثم أسعار اللحوم والخبز عالمياً، ناهيك عن أسعار بقية المعجنات.

ينتج الوقود الحيوي في شكل تجاري وواسع منذ منتصف السبعينات في البرازيل، بعد الارتفاع الأول في زيادة أسعار النفط عام 1973. وتم إنتاج الوقود الحيوي من قصب السكر هناك، ولم يؤثر هذا في بقية المنتجات الزراعية، نظراً لتوافر الأراضي الزراعية الشاسعة لزراعة قصب السكر في البلاد، كما لم يتم تصديره أو تصدير التقنية المرتبطة به. وهكذا بقي الوقود الحيوي المنتج في البرازيل محصوراً في هذا البلد، وبقي استخدامه كوقود مخصصاً للسيارات البرازيلية العاملة فيه، فهي لم تُصدر إلى الخارج. وهكذا بقيت آثاره محصورة في البرازيل طوال هذه الفترة إلى ان بدأ استخدام الذرة لإنتاج الإيثانول في الولايات المتحدة وأخيراً في أوروبا. أما الآن، فالوضع يختلف. فقد أخذت تقنية الإيثانول تتوسع عالمياً، وتتوسع زراعة المنتجات المستخدمة في إنتاجه.

يتميز الوقود الحيوي عن بقية البدائل المتجددة بسهولة استخدامه بدلاً من البنزين أو الديزل، والقلة النسبية لكلفة استبدال البنى التحتية في محطات الوقود في حال استخدامه. لكن، وكما هي الحال مع بقية بدائل الطاقة، بدأت تظهر للعيان المشاكل المترتبة عن إنتاج الوقود الحيوي. وأول هذه المشاكل آثاره في أسعار الخبز واللحوم عالمياً. فقد ارتفع بعضها إلى الضعف تقريباً خلال السنة الماضية، ليس فقط بسبب إنتاج الإيثانول، ولكن أيضاً بسبب تحسن مستوى المعيشة في البلدان الآسيوية المكتظة بالسكان، مثل الصين والهند، وتغير أنواع غذاء السكان هناك مع ارتفاع مداخيلهم وزيادة استهلاكهم من هذه الأغذية بالذات. فبروز هذين العاملين في الفترة ذاتها تقريباً، أدى إلى زيادة سريعة وملحوظة في الأسعار العالمية. وتتمثل المشكلة الثانية في الآثار البيئية الناتجة من استخدام الإيثانول، وهي مما أشارت إليه الدراسة البريطانية، وثالثها في الدعم المالي الواسع الذي تقدمه الحكومات المعنية لمراكز البحوث أولاً، ومن ثم للمزارعين لدعم هذه الصناعة، والآثار الاقتصادية في أسعار هذا الوقود في حال توقف المساعدات الحكومية في المستقبل.* كاتب متخصص في شؤون الطاقة

نقلا من http://www.*********.com/forums/index.php?showtopic=26391

akedahmed@yahoo.com
 
أعلى