الخميس عطله
عضو نشط
- التسجيل
- 10 ديسمبر 2006
- المشاركات
- 46
الأزمة... هل هي أزمة؟
بقلم جاسم خالد السعدون
قبل نحو 370 عاماً، أو في عام 1636، توافق الناس في هولندا المزدهرة التي كانت إحدى شركاتها التجارية تسيطر على جزء كبير من مقدرات الشرق الغني، على إعطاء قيمة لما ليس له قيمة، اذ بيعت بصيلة (شتلة) لزهرة توليب مريضة بنحو 76 ألف دولار أميركي. استمرت تلك المبالغة الطاغية بضع سنوات قبل أن تنفجر اول ازمة مالية ضخمة في التاريخ الموثق في عام 1637، بعد انفجارها تم بيع نفس نوعية البصيلة بأقل من دولار. وقبل نحو 27 عاما، توافق الناس في الكويت المزدهرة بعد زيادتين رئيسيتين في اسعار النفط، على تقديم عرض لشراء متر مربع واحد لدكان في سوق المناخ، بمليون دينار كويتي، ودفع خلو رجل (قفلية) في دلال بنفس السوق نحو مليوني دينار كويتي لنقله من دكان إلى آخر، وبعد انفجار الفقاعة، ربما لم يعد سوق المناخ كله يساوي قيمة الدكان وخلو دلاليه، بينهما، وفي سبعينيات القرن الثامن عشر، حدثت توافقات مماثلة بين الناس في كل من فرنسا 1719، وبريطانيا 1720، وفي ستينيات القرن الثامن عشر 1763، وعشرينيات القرن العشرين 1929، في الولايات المتحدة الاميركية. وبعدهما توافق الناس أيضا على ان أفكار، مجرد أفكار، شباب الانترنت، منتجات لا يمكن قياس قيمها بالاسقاط على التاريخ، لأنها قيم مستقاة من الاقتصاد الجديد أو اقتصاد المستقبل، وبيعت تلك المعجزات بألف ضعف قيمها الاسمية، حتى هوت في ربع عام 2001.
وعندما يتوافق الناس على خطأ وردي صريح، لا يريدون الاستماع الى صوت نشاز يحذرهم، ومن يفعل، فهو مجرد متشائم لا يريد الخير للناس، بينما العكس صحيح، ولكن، مالنا والتاريخ، ان هناك فأسا بالرأس في الوقت الحاضر، لننزعها اولا، ثم نتحاسب، والسؤال المشروع بعد الاعتراف بأن الفأس بالرأس، هل لدينا ازمة؟ ام هي مرة أخرى توافق الناس فيها على ان لدينا ازمة، وهو توافق عكسي؟
الاجابة للاسف لن تكون قاطعة، فمن المؤكد ان العالم يمر بأزمة من المرحلة الثانية، اي انها تخطت اسعار الأصول الى المستوى الثاني، وأصابت بشدة القطاع المالي، ونحن جزء من هذا العالم المترابط، وهي ازمة، لان الناس توافقوا على انها ازمة لدينا ايضا، فأي صوت نشاز يقول غير ذلك فسيتهم، وفي وقت الالم، بأنه متفائل لا قدر الله، وهي تهمة اشد وقعا من تهمة التشاؤم، ولكنها ليست ازمة، لو تجرد احد من المختصين في الاقتصاد، وقام بجهد في احتساب وقراءة المؤشرات التي ترجح او لا ترجح وجود الأزمة، وهو جهد ضائع كما ضاعت جهود زمن التوافق على الرواج، ولكنه مفيد من باب التوثيق.
فأزمات الاوراق المالية، ثلاث مراحل متدرجة في الخطورة، أولاها وأخفها وأقصرها تلك التي تصيب أسعار الاصول، المتعارف على تسميتها بحركات التصحيح، صغيرة كانت او كبيرة، من أمثلتها الصارخة ما حدث عندما بدأت ازمة تصحيح في هونغ كونغ، ومرت بالولايات المتحدة، وانتهت في اوروبا، وكانت الكويت يومئذ تشتري اسهم بريتيش بتروليوم، يومئذ هبط مؤشر الداو جونز نحو 22.6% في يوم واحد، اكبر هبوط في تاريخه، وأصرت تاتشر رغم الازمة على المضي بتخصيص البريتيش بتروليوم، ولأنها ازمة من الدرجة الاولى، تعافت الاسواق بحدود اشهر وبلا تدخل، أما المرحلة الثالثة وهي الأخطر، فهي عندما تمتد ازمة هبوط اسعار الاصول الى الاقتصاد الحقيقي مروراً بالقطاع المالي، وأزمة الكساد العظيم في عام 1929 كانت مثالا صارخا عليها، عندما ظل النمو سالبا لسنوات في الولايات المتحدة، التي فقد فيها الداو جونز 40% في أسابيع، وأفلست نصف الشركات والمصارف، وبلغ معدل البطالة 33%.
أما ما يحدث في العالم المتقدم حاليا، فهو ازمة في مرحلتها الثانية، وحكمها حكم ما سبقها من صناعة البشر، فعندما توافقت مؤسسات مالية وعقارية عريقة على اعطاء قيمة عالية لمساكن الناس، واقرضوا ما قيمته 12 ترليون دولار اميركي، بقروض تفوق قيمة المنازل بما يتراوح بين 110% و125%، لمجرد تربح الشركات والمديرين في الزمن القصير، انتقلت الازمة حالا من ازمة اسعار اصول الى ازمة قطاع مالي، لذلك جاء افلاس او خطر افلاس كل من: بير ستيرنز، وليمان براذرز وميرل لينش وaig، ومورغان ستانلي، وغولدمان ساكس، ونورثرن بانك، وبرادفورد وبنغلي، وفورتيس، وهايبو ريال ستيت وغيرها، وبعضها عاش وتخطى حقبة الكساد العظيم، لذلك تدخلت الحكومة الاميركية ورصدت 700 مليار دولار لدعم القطاع المالي، حتى لا تنقل الازمة الى المرحلة الثالثة وتصيب بمقتل الاقتصاد الاميركي، الذي يمثل ربع الاقتصاد العالمي، وتدخلت ايضا الحكومات الاوروبية لنفس المبرر، والذي يمثل اقتصادها ربعا آخر من اقتصاد العالم.
واذا استثنينا تداعيات المدى المتوسط الى الطويل اذا ما انتقلت ازمة العالم الى المرحلة الثالثة، وذلك في تقديري ما لن يحدث، فستقع الكويت على الضفة الاخرى من الاوضاع التي تعيشها الدول المتقدمة، فلكي تكون مرشحة للمرحلة الاولى من الازمة، نحتاج الى الاتفاق على ان اسعار الاصول مرتفعة الى مستويات توافق الناس عليها، ولكنها لا تعكس قيمها الحقيقية، وظني ان معظم اسعار اسهم الشركات المدرجة دون هذه المستويات بكثير، وبعضها دون قيمته الدفترية، ولكي تدخل الكويت المرحلة الثانية من الازمة، لابد ان تكون البنوك الكويتية متورطة في قروض مقابل رهون لا تساوي قيمتها، والبنوك الكويتية لا تقبل رهن المنازل، ولا تقرض بضمان الاسهم والعقار الا بضمانات تساوي 150% من قيمة القرض، وجميع البنوك من دون استثناء اصدرت بيانات مالية عالية الربحية، ولكي تتحول الازمة الى المرحلة الثالثة، لابد لمؤشرات الاقتصاد الكلي ان تؤكد هذه الاحتمالات، وفي الكويت كل من الموازنة العامة والحساب الجاري في فائض قياسي، والنمو الاسمي للاقتصاد برقمين، أي 10% واكثر، وعمالة الكويتيين %80 حكومية ومؤمنة، وللتذكير فقط عندما حدثت ازمة المناخ، كان اكثر من نصف الشركات المتداولة اسهمها مجرد ورق، والازمة حدثت في سوق غير رسمي، وكان حجم القروض خارج النظام المصرفي (شيكات آجلة) 27 مليار دينار كويتي، وكانت اسعار النفط هابطة، وانتاج النفط بنصف مستواه، وكانت حرب مسعورة قد بدأت على حدودها، وحتى ظروف ازمة عام 1997 كانت أسوأ بكثير، فأسعار النفط لامست الـ10 دولارات اميركية، وبدأت غارات جوية على العراق، ودخلت كل من آسيا وروسيا في ازمة اقتصادية حقيقية، أما ازمتنا الحالية فمعظمها بالمشاعر، ولا بأس من تذويبها بشراء اصول على اسس استثمارية بحتة، أو سياسة نقدية توسعية يعاد تقويمها في ما بعد، ولا اكثر من ذلك.
وفي الختام، أنا اعرف أن التغريد خارج السرب او السباحة عكس التيار، ليس بالموقف المريح او المحبب، ولن يحقق أي نتائج على المدى القصير، فالناس لا تستمتع للنصح لا في الزمن الوردي، ولا في زمن المؤشرات الحمراء أو الزمن الاليم.
ولعل الامر في مثل هذه الأزمان يتطلب تنحي الاقتصاديين والماليين عن دورهم، وإفساح المجال للمختصين في علم النفس لعلهم ينجحون في ما فشلنا ونفشل فيه، ولكننا لن نكون اقتصاديين حقيقيين ما لم ندل برأينا عندما يكون كل حديث الناس هو الاقتصاد، عزاؤنا الوحيد، هو أن يأتي نفر قليل، وبعد زمن طويل ليقول، لقد كنتم وقتئذ على حق.
بقلم جاسم خالد السعدون
قبل نحو 370 عاماً، أو في عام 1636، توافق الناس في هولندا المزدهرة التي كانت إحدى شركاتها التجارية تسيطر على جزء كبير من مقدرات الشرق الغني، على إعطاء قيمة لما ليس له قيمة، اذ بيعت بصيلة (شتلة) لزهرة توليب مريضة بنحو 76 ألف دولار أميركي. استمرت تلك المبالغة الطاغية بضع سنوات قبل أن تنفجر اول ازمة مالية ضخمة في التاريخ الموثق في عام 1637، بعد انفجارها تم بيع نفس نوعية البصيلة بأقل من دولار. وقبل نحو 27 عاما، توافق الناس في الكويت المزدهرة بعد زيادتين رئيسيتين في اسعار النفط، على تقديم عرض لشراء متر مربع واحد لدكان في سوق المناخ، بمليون دينار كويتي، ودفع خلو رجل (قفلية) في دلال بنفس السوق نحو مليوني دينار كويتي لنقله من دكان إلى آخر، وبعد انفجار الفقاعة، ربما لم يعد سوق المناخ كله يساوي قيمة الدكان وخلو دلاليه، بينهما، وفي سبعينيات القرن الثامن عشر، حدثت توافقات مماثلة بين الناس في كل من فرنسا 1719، وبريطانيا 1720، وفي ستينيات القرن الثامن عشر 1763، وعشرينيات القرن العشرين 1929، في الولايات المتحدة الاميركية. وبعدهما توافق الناس أيضا على ان أفكار، مجرد أفكار، شباب الانترنت، منتجات لا يمكن قياس قيمها بالاسقاط على التاريخ، لأنها قيم مستقاة من الاقتصاد الجديد أو اقتصاد المستقبل، وبيعت تلك المعجزات بألف ضعف قيمها الاسمية، حتى هوت في ربع عام 2001.
وعندما يتوافق الناس على خطأ وردي صريح، لا يريدون الاستماع الى صوت نشاز يحذرهم، ومن يفعل، فهو مجرد متشائم لا يريد الخير للناس، بينما العكس صحيح، ولكن، مالنا والتاريخ، ان هناك فأسا بالرأس في الوقت الحاضر، لننزعها اولا، ثم نتحاسب، والسؤال المشروع بعد الاعتراف بأن الفأس بالرأس، هل لدينا ازمة؟ ام هي مرة أخرى توافق الناس فيها على ان لدينا ازمة، وهو توافق عكسي؟
الاجابة للاسف لن تكون قاطعة، فمن المؤكد ان العالم يمر بأزمة من المرحلة الثانية، اي انها تخطت اسعار الأصول الى المستوى الثاني، وأصابت بشدة القطاع المالي، ونحن جزء من هذا العالم المترابط، وهي ازمة، لان الناس توافقوا على انها ازمة لدينا ايضا، فأي صوت نشاز يقول غير ذلك فسيتهم، وفي وقت الالم، بأنه متفائل لا قدر الله، وهي تهمة اشد وقعا من تهمة التشاؤم، ولكنها ليست ازمة، لو تجرد احد من المختصين في الاقتصاد، وقام بجهد في احتساب وقراءة المؤشرات التي ترجح او لا ترجح وجود الأزمة، وهو جهد ضائع كما ضاعت جهود زمن التوافق على الرواج، ولكنه مفيد من باب التوثيق.
فأزمات الاوراق المالية، ثلاث مراحل متدرجة في الخطورة، أولاها وأخفها وأقصرها تلك التي تصيب أسعار الاصول، المتعارف على تسميتها بحركات التصحيح، صغيرة كانت او كبيرة، من أمثلتها الصارخة ما حدث عندما بدأت ازمة تصحيح في هونغ كونغ، ومرت بالولايات المتحدة، وانتهت في اوروبا، وكانت الكويت يومئذ تشتري اسهم بريتيش بتروليوم، يومئذ هبط مؤشر الداو جونز نحو 22.6% في يوم واحد، اكبر هبوط في تاريخه، وأصرت تاتشر رغم الازمة على المضي بتخصيص البريتيش بتروليوم، ولأنها ازمة من الدرجة الاولى، تعافت الاسواق بحدود اشهر وبلا تدخل، أما المرحلة الثالثة وهي الأخطر، فهي عندما تمتد ازمة هبوط اسعار الاصول الى الاقتصاد الحقيقي مروراً بالقطاع المالي، وأزمة الكساد العظيم في عام 1929 كانت مثالا صارخا عليها، عندما ظل النمو سالبا لسنوات في الولايات المتحدة، التي فقد فيها الداو جونز 40% في أسابيع، وأفلست نصف الشركات والمصارف، وبلغ معدل البطالة 33%.
أما ما يحدث في العالم المتقدم حاليا، فهو ازمة في مرحلتها الثانية، وحكمها حكم ما سبقها من صناعة البشر، فعندما توافقت مؤسسات مالية وعقارية عريقة على اعطاء قيمة عالية لمساكن الناس، واقرضوا ما قيمته 12 ترليون دولار اميركي، بقروض تفوق قيمة المنازل بما يتراوح بين 110% و125%، لمجرد تربح الشركات والمديرين في الزمن القصير، انتقلت الازمة حالا من ازمة اسعار اصول الى ازمة قطاع مالي، لذلك جاء افلاس او خطر افلاس كل من: بير ستيرنز، وليمان براذرز وميرل لينش وaig، ومورغان ستانلي، وغولدمان ساكس، ونورثرن بانك، وبرادفورد وبنغلي، وفورتيس، وهايبو ريال ستيت وغيرها، وبعضها عاش وتخطى حقبة الكساد العظيم، لذلك تدخلت الحكومة الاميركية ورصدت 700 مليار دولار لدعم القطاع المالي، حتى لا تنقل الازمة الى المرحلة الثالثة وتصيب بمقتل الاقتصاد الاميركي، الذي يمثل ربع الاقتصاد العالمي، وتدخلت ايضا الحكومات الاوروبية لنفس المبرر، والذي يمثل اقتصادها ربعا آخر من اقتصاد العالم.
واذا استثنينا تداعيات المدى المتوسط الى الطويل اذا ما انتقلت ازمة العالم الى المرحلة الثالثة، وذلك في تقديري ما لن يحدث، فستقع الكويت على الضفة الاخرى من الاوضاع التي تعيشها الدول المتقدمة، فلكي تكون مرشحة للمرحلة الاولى من الازمة، نحتاج الى الاتفاق على ان اسعار الاصول مرتفعة الى مستويات توافق الناس عليها، ولكنها لا تعكس قيمها الحقيقية، وظني ان معظم اسعار اسهم الشركات المدرجة دون هذه المستويات بكثير، وبعضها دون قيمته الدفترية، ولكي تدخل الكويت المرحلة الثانية من الازمة، لابد ان تكون البنوك الكويتية متورطة في قروض مقابل رهون لا تساوي قيمتها، والبنوك الكويتية لا تقبل رهن المنازل، ولا تقرض بضمان الاسهم والعقار الا بضمانات تساوي 150% من قيمة القرض، وجميع البنوك من دون استثناء اصدرت بيانات مالية عالية الربحية، ولكي تتحول الازمة الى المرحلة الثالثة، لابد لمؤشرات الاقتصاد الكلي ان تؤكد هذه الاحتمالات، وفي الكويت كل من الموازنة العامة والحساب الجاري في فائض قياسي، والنمو الاسمي للاقتصاد برقمين، أي 10% واكثر، وعمالة الكويتيين %80 حكومية ومؤمنة، وللتذكير فقط عندما حدثت ازمة المناخ، كان اكثر من نصف الشركات المتداولة اسهمها مجرد ورق، والازمة حدثت في سوق غير رسمي، وكان حجم القروض خارج النظام المصرفي (شيكات آجلة) 27 مليار دينار كويتي، وكانت اسعار النفط هابطة، وانتاج النفط بنصف مستواه، وكانت حرب مسعورة قد بدأت على حدودها، وحتى ظروف ازمة عام 1997 كانت أسوأ بكثير، فأسعار النفط لامست الـ10 دولارات اميركية، وبدأت غارات جوية على العراق، ودخلت كل من آسيا وروسيا في ازمة اقتصادية حقيقية، أما ازمتنا الحالية فمعظمها بالمشاعر، ولا بأس من تذويبها بشراء اصول على اسس استثمارية بحتة، أو سياسة نقدية توسعية يعاد تقويمها في ما بعد، ولا اكثر من ذلك.
وفي الختام، أنا اعرف أن التغريد خارج السرب او السباحة عكس التيار، ليس بالموقف المريح او المحبب، ولن يحقق أي نتائج على المدى القصير، فالناس لا تستمتع للنصح لا في الزمن الوردي، ولا في زمن المؤشرات الحمراء أو الزمن الاليم.
ولعل الامر في مثل هذه الأزمان يتطلب تنحي الاقتصاديين والماليين عن دورهم، وإفساح المجال للمختصين في علم النفس لعلهم ينجحون في ما فشلنا ونفشل فيه، ولكننا لن نكون اقتصاديين حقيقيين ما لم ندل برأينا عندما يكون كل حديث الناس هو الاقتصاد، عزاؤنا الوحيد، هو أن يأتي نفر قليل، وبعد زمن طويل ليقول، لقد كنتم وقتئذ على حق.