الفساد في الكويت

ستوكاستك

عضو نشط
التسجيل
3 أبريل 2008
المشاركات
67
بناء الدولة.. الشراكة ومسألة الفساد

الخميس, 16 أكتوبر 2008
أحمد شهاب
أوان

شهدت الأسواق العالمية، خلال الأيام القليلة الماضية، انهيارات مؤلمة، تكبدت فيها غالبية دول العالم خسائر فادحة، كان نصيب دول الخليج منها كبيرا، فقد كان لتداعيات الأزمة المالية في أميركا تأثير نفساني ارتد على المستثمرين في السوق الخليجية، من المؤكد أن الأزمة الاقتصادية أكبر من دول الخليج، وأن آثار التدهور الاقتصادي العالمي انسحب بشكل أو بآخر على جميع الدول العربية، بما فيها الكويت، ولذلك فإن الأزمة وتداعياتها أمر مفهوم ومنطقي إلى درجة كبيرة، وهي قابلة للتحسن والعلاج مثل غيرها من الأزمات.

لكن من غير المفهوم أن يتباطأ التحرك الحكومي إلى هذا الحد، ولا تتدارك الدولة الكارثة التي حلت على المستثمرين، كبارهم وصغارهم، بإجراءات شفافة ومفهومة، وحسب التسريبات الصحافية التي لا يعلم أحد مدى دقتها، فإن الأموال التي ضخت لدعم السوق بلغت 8 مليارات دينار، وحسب المحللين الماليين، فإن عددا محدودا من الشركات استفاد من هذه السيولة قدّرها البعض بخمس شركات فقط، فيما حجبت الأموال عن معظم شركات السوق، أو تمت المضاربة عليها فقط!

من المتوقع أن تكون هناك شركات محظية تنعم بخيرات الدولة أكثر من سواها، مثلها مثل الأشخاص الذين يحظون بمناصب رفيعة، بسبب ارتباطاتهم العائلية، لا كفاءتهم الشخصية، ومثل الآلاف من المواطنين المحرومين من المناصب والامتيازات الوظيفية، على رغم كفاءاتهم العالية، وأيضا لأسباب فئوية أو اجتماعية، وقد أصبح هذا عرفا يتجرع بمرارة في الكويت، وكان الأجدر بالحكومة أن تكشف استراتيجيتها في دعم السوق، فلا أحد يعرف حتى الآن تفاصيل الخطة الحكومية، وإلى أين سوف تتجه، ومتى تتوقف؟

الكل يعرف أن الأزمة عالمية ومتشعبة، ولو اعترفت الدولة بهذا الأمر، لتفهم المواطنون والمستثمرون أبعاد الأزمة، ولكن ماذا عن تصريحات كبار المسؤولين في الدولة في أن السوق الكويتية بمنأى عن الأزمة العالمية؟ ومن يتحمل وزر مثل هذه التصريحات غير الشفافة وغير المسؤولة، والتي كبدت المستثمرين المزيد من الخسائر بلا أدنى شعور بالمسؤولية؟

الأكثر حيرة أن الاعتراف بالأخطاء التي وقعت من قبل بعض المسؤولين، لم يرافقه تقديم أحد إلى المساءلة، وبالطبع لم يتبرع أحد باستقالة طوعية من منصبه، على العكس فإن المخطئ يكافأ ويكاد يمنح أوسمة البطولة الوطنية على إخفاقاته المستمرة، على رغم أن أبسط ما ينبغي اتخاذه من إجراءات هو إحالة المعنيين إلى لجنة تحقيق مختصة تعمل على استكشاف أبعاد التصريحات المضللة التي صدرت من قبل بعض كبار القيادات والمسؤولين في الدولة، وأن تبحث فيما إذا كانت ثمة جهات أو أطراف استفادت أو سوف تستفيد منها على حساب صغار المستثمرين؟!

المساءلة عن الكارثة المالية وأسبابها، وعن أبعاد التصريحات المضللة، وعن حركة المال ومدى حياديتها، وتحديد الجهات التي استفادت منها وتضخمت أرصدتها من ورائها، هي خطوة صحية يجب أن تُبادر إليها الحكومة الآن كإجراء عاجل، فرفع مؤشر البورصة، وضخ سيولة في السوق، والحديث عن رغبات حكومية بتحويل الكويت إلى مركز مالي، أمر لا يقدم ولا يؤخر، ولا يغيّر من الواقع المتردي لمنظورات التنمية الاقتصادية، إذا لم يتزامن مع إجراء حازم في مكافحة الفساد وضرب رجاله، وهو أمر لا يستقيم من دون أن تضع الدولة إستراتجية وطنية شاملة في مكافحة الفساد تكشف من خلالها مواطن الفساد.

وحسب رئيس منظمة الشفافية الدولية «كوباس دي سوارت»، فمن الأهمية وجود إرادة سياسية لمكافحة الفساد، واتخاذ قرارات صعبة في هذا الاتجاه، وإيجاد خطط عمل واضحة، فمع غياب الإرادة السياسية يبدو من الصعوبة توقع إمكانية القضاء على الفساد أو الحد منه، بل من المتوقع أن يزدهر الفساد، بحيث يتحول إلى حزب الأمر الواقع، وهو يتحرك بصورة واسعة لسرقة البلد.

التراخي في تنفيذ هذه الإرادة يشيع قناعات لدى عامة الناس، مفادها أن الحكومة لها ضلع في الفساد المستشري، حيث يتهمها الكثيرون بالتساهل تجاه الجرائم المتعلقة بتبذير الأموال العامة، وهذا الاعتقاد، كان ولايزال، هو المدخل الذي يستند إليه لصوص المال العام تحت رداء «الوظائف العليا» في الدولة، لاستهلاك المزيد من خيرات الوطن لمصلحتهم، ومن الضروري أن تُثبت السُّلطة جديتها في ضبط أموال الدولة، وحمايتها من أيدي المتلاعبين.

في كل زاوية من زوايا البلد، هناك فساد يستشري بصورة مرعبة، لا تكاد تفتح حوارا مع أحد المعنيين في أي وزارة، أو منشأة حكومية إلا وتحدث عن الامتيازات غير المحدودة التي يتلقاها المدراء والنافذون في الوزارة، وعن السيارات الفارهة والهدايا الثمينة التي توزع دون حساب للوزراء والوكلاء والنواب والمدراء وغيرهم، وعن السفرات والمهمات الخارجية مدفوعة التكاليف، بمبرر ومن دون مبرر، وعن الصفقات والاتفاقات الخيالية التي تدور تحت الطاولات المخملية، وعن حجم الاستفادة الشخصية من الوظائف العامة، والبدلات المشبوهة في معظم وزارات الدولة، حتى تعجب من كونك في دولة لها قانونها ورجالها، ونظامها العام، ويُثير حيرتك من يتساءل بعد ذلك عن الدلائل على هذه التجاوزات، ثم يتحدثون بعد ذلك عن السر الذي يقف خلف التدهور الاقتصادي، وأزمات السوق، وتباطؤ التنمية.

لا شك أن الفساد يأتي على رأس قائمة الأسباب لإعاقة نمو الاقتصاد ومسيرة التنمية، ولا يمكن أن نتوقع التقدم في المسار التنموي إذا لم نبادر إلى مكافحة الفساد وتقليص حجمه. واعتقد أن الخطوة الأولى التي يجب اتخاذها هي إعادة تأسيس علاقتنا مع الدولة، فلا يخفى أن معظم أصحاب النفوذ يتعاملون مع الكويت بأنها «دولة الفرصة الأخيرة»، ويريد كل طرف أن يقتنص منها أكبر قدر ممكن من المكاسب بطرق قانونية أو غير ذلك، ولن ينتهي الفساد من دون أن نعتبر الدولة مستقرة، وتُمثل المستقبل الآمن لجيل عريض من المواطنين.

وإذا قُدّر لهذا المفهوم أن يتأسس، فإن النتائج ستكون باهرة، سواء من ناحية استقرار سوق المال، أم زيادة دخل المواطنين والحد من البطالة، أو توفير المزيد من الخدمات الصحية والتعليمية المميزة، ويتطلب ذلك تعيين استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الفساد تكشف من خلالها مواطن الفساد ورجاله.

وأقترح هنا ضرورة تثبيت فكرة الشراكة الاجتماعية في مكافحة الفساد لمحاصرة الفساد والفاسدين، من خلال تشجيع المجتمع ومنظماته المدنية للإسهام في مكافحة الفساد، وتعاون الحكومة في تيسير فرص الحصول على البيانات والوثائق المتصلة بقضايا الفساد، ودفع المواطنين للتفاعل مع برامج كشف التلاعب والفساد، عبر حمايتهم والحفاظ على سرية المصدر، وبحث جميع الشكاوى والبلاغات بحيادية والتعامل معها بجدية واهتمام فائقين.

ويرتبط الأمر بكشف المخالفات الإدارية والجرائم المتعلقة بسوء استخدام الوظيفة العامة، ولا يُستثنى من ذلك كبار المسؤولين، بل هم المعنيون أولا بهذا الإجراء، وتكثيف جهود التوعية بمخاطر الفساد عبر التعاون مع الدول والمنظمات الدولية ذات الصلة بمكافحة الفساد، واعتماد مبدأ الشفافية في كل أعمال الدولة والمجتمع، فإنجازات الحكومات المعاصرة تعتمد على حجم التعاون والشراكة مع قوى المجتمع المدني والقطاع الخاص والجهات الاقتصادية والاجتماعية.

كاتب كويتي

ahmed.shehab@awan.com

منقووووووووووووووووووووووول
 
أعلى