ياسر الروقي
عضو نشط
أظهرت التحقيقات مع موظف تقاضى رشاوى للإفادة من موقعه الأمني الحساس أنه كان ذا سيرة حسنة ثم تغير بشكل مفاجئ بعد زواج جديد اثر مرض زوجته، وازدياد مطالب الزوجة الجديدة ما يفتح الباب لتقييم أثر ضغوط بعض أفراد الأسرة في انحراف الأفراد سواء كانوا موظفين أم غير ذلك، وقد قرأت تحقيقا مع لص الهواتف المتنقلة قبل ثلاث سنوات، كان يحول حصيلة السرقات بشكل فوري الى أسرته متوقعا أن يلقى القبض عليه في أي وقت، وعندما علم أن الصحافة التقت أسرته في بلده وأنهم نفوا علمهم بمصدر الأموال وأصابهم الغضب من تحول ابنهم الى السرقة، قال: «الآن يقولون هذا الكلام، وقبل ذلك كانوا يضغطون عليّ للحصول على المال بأي طريقة لتلبية طلباتهم الكثيرة».
في لقاء مع مسؤول أمني سألته: «كيف وصلت هذه المسألة الى القطاع الأمني؟» فقال: «انها مشكلة مزعجة، هناك عدد كبير من العسكريين لا تقنعهم رواتبهم الكبيرة ولا المميزات التي تقدمها الوزارة لهم مما هو غير متاح لنظرائهم في بقية وزارات الدولة، ومع ذلك فإن أكثر ملاك شركات تأجير السيارات هم من العاملين في الوزارة اضافة الى العديد من الأنشطة التجارية التي بلا شك تدفع العسكري الى منعطفات ومنحدرات سلوكية لتلبية طلبات العمل التجاري، وبالطبع لابد أن يحدث تضارب بين عمله الأمني ومصالحه الشخصية مهما بلغ من حرص على الفصل بينهما، وما لم تتخذ الوزارة موقفا حاسما من هذه القضية التي رفعنا فيها شكاوى متعددة فإن الشق سيتسع الى درجات أخطر مما تتصور».انتهى.
إن ضغوط الأسرة وكثرة مطالبها المادية من الزوج حفرة من حفر جهنم لبعض الأزواج (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) ويتحمل المجتمع جزءا كبيرا من المسؤولية في عدم تخفيف حمى التسابق على المظاهر الزائفة كارتداء الساعات الثمينة والملابس الفاخرة واقتناء السيارات الفارهة، يجب أن يتجه الإعلام بقوة نحو رفع شأن الاعتدال في أمور المعيشة والثناء على الوسطية في الإنفاق (والذين اذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) وتتحمل الأسر الميسورة - من موقع القدوة- العبء الأكبر في تغيير مسار التنافس في الانفاق الأهوج، بدءا من حفلات الزواج وما يحدث فيها من تبذير، مرورا بممارسات مرهقة كالسفر المكلف الذي تراه عند تسلم الحقائب في المطار، ومثل ذلك يقال عن مصاريف بناء المنزل وتأثيثه، قلت لصديق ذات مرة «السيراميك في الحمام هل هو مهم الى الحد الذي يشتريه بعضنا بأربعة أضعاف السعر الطبيعي طلبا لنقشة معينة؟ هل يهتم مستخدم الحمام بالنقوش الغريبة والعجيبة، أم أنه البذخ الممجوج؟».
أذكر أن صديقا اصطحب أحد المسنين الى عيادة أسنان حكومية، كانت مساعدة الطبيبة تجلس أمامه وقد زينت أذنيها بأقراط كبيرة وسرحت شعرها بما يتناسب مع حفلات الزواج وليس مكان العمل ولبست مثل ذلك، كان المسن يتلفت باتجاهها والطبيبة تحاول تعديل اتجاه وجهه لمعالجة أسنانه، وعندما صعب الأمر عليها طلبت من مساعدتها الخروج من الغرفة وفضلت العمل بغير مساعدة متعبة، ومثل ذلك يقال عن بعض الطالبات اللاتي لا يفرقن بين اللقاءات العائلية وقاعات الدراسة، يا ناس اتقوا الله في أنفسكم وفي آباء يجمعون لكم مصروف الشهر بشقاء وتعب لا حد له، ومن نجا من الانحراف السلوكي في جمع المال لم ينج من الضغوط النفسية - وما تسببه من أمراض - لتوفير متطلبات العيش الكريم لكم، فلماذا السرف وهذه الممارسات الرديئة؟
كلمة أخيرة:
طلب عبدالملك الإذن للدخول على والده عمر بن عبدالعزيز، فقال الحاجب «انه نائم» وأصر الابن، فقال الحاجب «ألا تدعونه يستريح؟» سمع عمر فأذن له بالدخول، فقال عبدالملك «بلغني أنك ستوقف السهلة» وهي مزرعة كبيرة ذات غلة وفيرة ومنها عامة رزق عمر بن عبدالعزيز، فقال «نعم» قال «متى ستفعل؟» قال «غدا إن شاءالله» قال عبدالملك «وما يدريك أنك تعيش الى الغد؟واذا عشت أن نيتك لا تتغير؟» قال «فماذا ترى؟» قال «اذا صليت العصر فاخطب الناس وأعلمهم بقرارك» فأخذه عمر وضمه الى صدره وهو يقول «الحمد لله الذي جعل لي من ذريتي من يعينني على أمر ديني».
