أيها الرجل اخسر العالم كله ...ولكن لاتخسر نفسك !!!

حمدان

عضو مميز
التسجيل
1 فبراير 2006
المشاركات
6,558
الإقامة
kw
البورصة.. انهيار وانتحار (1-3)
أيها الرجل اخسر العالم كله.. لكن لا تخسر نفسك!





كتبت د. رضوى فرغلي:
انهيارات سريعة ومفاجئة في مؤشر الاسهم بدّلت حياة الكثيرين على مستوى العالم.. والكويت.
حركة عشوائية بين اللونين الاخضر والاحمر قضت على احلام اشخاص علقت كثيرا في الفضاء. صدمة قوية افقدت الكثيرين توازنهم، وخسارات قاسية قسوة الموت.
حالات كثيرة لم تفق من هول الصدمة بعد، بل تدهورت بهم الامور ودخلت في منعطف اجتماعي ونفسي واسري خطير. امثلة كثيرة لاشخاص ما زال يطاردهم شبح الخسارة وربما الفقر، ويسلبهم سعادتهم واقبالهم على الحياة. لجأ بعضهم الى شراء الاسهم بطريقة «الآجل»، آملين ان تحقق لهم ارباحا مضاعفة، لكن ما حدث ان خسارتهم قد وقعت وتكبدوا المعاناة النفسية وضاعت احلام روادتهم وغازلت عقولهم سرا، فدفعتهم للمضاربة من دون ان يخبروا احدا من افراد اسرتهم الا حينما فقدوا السيطرة على مشاعرهم المهزومة، واصبحوا بحاجة شديدة إلى من يشاركهم او يخفف عنهم معاناتهم، ويبث فيهم روح الامل، خصوصا اولئك المتعاملين ممن هم في مرحلة عمرية تسمح لهم بتدارك الكارثة، كونهم في سن ما بين 20 و 40 عاما، تلك السن التي يحلم فيها كل شخص بتكوين نفسه ماديا، حتى يستقر فيما بعد ويحصد نتيجة ما بذل من جهد ووقت. لكن في حالة الاعتماد على البورصة فقط كوسيلة للاستثمار، تأخذهم الاوهام بعيدا عن شاطئ الواقع سعيا وراء مكاسب سريعة من دون تعب او مثابرة، فيأتي الخذلان قاسيا ويحتاج الى قوة نفسية وارادة للبداية من جديد.

باعوا بيوتهم
حلم الثراء السريع دفع عددا كبيرا من المضاربين الى الاقتراض من البنوك ورهن عقاراتهم، والمغامرة بمكافأة تقاعدهم، لكن الحلم تحول الى كابوس مزعج، واضفى اللون الاحمر على حياتهم صخبا لا ينتهي حين فقدوا معظم رؤوس اموالهم، وربما كلها وكذلك ما استدانوه واصبحوا مطالبين بسداد القروض، ومهددين بخسارة كل ثرواتهم ومدخراتهم.. وحتى بيوتهم، اضافة الى الالم النفسي والاجتماعي الذي يشعرون به حين تطاردهم القضايا، وترن في اسماعهم احكام قضائية تضخّم من ازمتهم المادية، وتقلل من تقبلهم للصورة السلبية عن الذات ونظرات الآخرين لهم وربما تخلي البعض عنهم.
لم تؤثر البورصة على صغار المستثمرين فقط، انما انعكست بوضوح على اثرياء كانت خسارتهم فادحة بفقدانهم كل اموالهم وباتوا يعانون ازمة من نوع خاص، كيف سيواجهون افراد اسرهم؟ هل سيتقبل اودلادهم الانحدار فجأة الى مستوى اقتصادي واجتماعي اقل؟ كيف ستتصرف الزوجة التي اعتادت حياة مرفهة وعناية فائقة بالتفاصيل التي تستنزف اموالا طائلة للحفاظ على مظهر اجتماعي معين؟ كيف سيتحول الزوج نفسه فجأة من نمط حياة الى آخر لم يعتده، او ربما لا يملك القدرة النفسية على اعتياده؟ حالات كثيرة قد لا تستطيع فيها الاسرة التكيف مع الوضع المادي الجديد، مما يفتح باب الخلافات الزوجية والاسرية على مصراعيه ويهدد الاسرة بتصدع حقيقي لا بسبب فقدانها الاموال، وانما بسبب افتقاد الترابط العائلي وسيادة ثقافة مغلوطة تجعل من الرجل محترما ومقدرا طالما كان ممولا جيدا لاسرته ويوفر لها دخلا ماديا مرضيا، وفقدانه ذلك الدور يفقد هيبته ومكانته القيادية في الاسرة.
وعلى الرغم من ان الازمة بالغة والخسائر من الصعب تعويضها في معظم الحالات، فان الخاسرين حريصون على الكتمان، وعدم افتضاح امرهم، وعدم التصريح بالخسارة ولا بالمشكلات الاسرية والزوجية التي يعانون منها، مما خلق صعوبة حقيقية في رصد مظاهر الاضطراب النفسي والاجتماعي والجنسي بين المتضررين من انهيارات البورصة، وهو الامر نفسه في بقية الدول العربية والخليجية حيث التعتيم على كل مشكلة، لكن احيانا ينفجر البعض مرضاً او انتحاراً او كآبة او شكوى صارخة تطلب العلاج والمساندة، ولعل ما حدث اخيراً في دول كثيرة من حالات انتحار يؤكد عمق الازمة.

انتحار وموت مفاجئ
استوقفتني حالتان لرجلين مصريين، شنق احدهما نفسه، ومات الاخر اثر ازمة قلبية حادة.. لم يحتملا صدمة الخسارة، فقرر الاول انهاء مأساته بطريقته الخاصة.. ويحمل اختياره لطريقة موته دلالة رمزية قوية، ليس فقط لانه تخلص من نفسه الخاسرة او قضى على ذاته الفاشلة التي لم يستطع التكيف معها وتقبلها في كل حالاتها، وانما تكمن الدلالة في استعراض هذا الموت وتعليق جسده مشنوقا متدليا في مهانة امام الجميع الذي يعبر عن عدوان شديد على الذات، واعتذار ضمني للاخرين عن صورة أبوية أو زوجية او انسانية لم يستطع الحفاظ عليها.. احساس شديد بالذنب وضعف المواجهة ويأس بلغ حده الاقصى، مما دفعه لاستجماع ماتبقى لديه من شجاعة لوقف نزيف الخسارات في استسلام ابدي.
اما الرجل الثاني، فلم يمهله العمر كثيرا ليفكر في طريقة الخلاص من الازمة، تولى جسده تلك المهمة الشاقة، واتخذ قرارا داخليا غير خاضع للمراجعة حين توقف قلبه فجأة استجابة لحالة احباط شديدة، وحزن لم يحتمل آلامه.. رحيل هادئ من دون صخب، واستكانة لروح تعبت من الفقد، ونفس هزمتها الخسارة، ولم تمتلك الثقة الكافية في استرجاع او تعويض ما راح، فأصبحت الحياة لديه مقابل النجاح، والموت مقابل الفشل.

نظرة أخرى
لم يصل الامر في الكويت الى حد الانتحار لكن الخسارة بكل اشكالها موجعة ومحبطة في كل زمان ومكان، وان ظل تأثيرها متباينا من انسان الى اخر، فهناك نوعان من الخاسرين: الاول يتعافى بسرعة من الم الخسارة، ويلملم ذاته المبعثرة ويتخذ من ضعفه المادي حافزا للمضي قدما نحو الثبات والنجاح مرة اخرى، مهما كان المشوار طويلاً او مرهقا، فالنقود بالنسبة له مهمة، لكنها ليست اهم من نفسه واسرته وحياته.. لديه من القناعة اللا شعورية بالنجاح، والقدرة النفسية، والثقة ما يؤهله للوقوف ثانية والتصدي للازمات والمواقف الصعبة، وتحويل الفشل الى نجاح، حتى وان تخلى عنه الاقربون.
اما النوع الثاني، وهو من ادت به الخسارة الى الانتحار او الموت او المرض وتوقفت به الحياة عند تلك اللحظة من دون القدرة على تجاوزها، هو شخص علاقته بذاته مضطربة، وحبه لنفسه مشروط، فهو يحب نفسه ويقدرها ويتقبلها في حال النجاح والثراء فقط، ولا يتحملها في الازمات، فيقرر التخلص منها او يجعلها حبيسة الاضطرابات السلوكية واضطرابات النوم والاكل، ويقدم نفسه فريسة سهلة للقلق والاكتئاب واجترار الألم، تلك المعاملة السلبية مع الذات تنعكس على معاملة الاخرين له، فكيف يطلب المرء من المحيطين به ان يحترموه ويقدروه ويساندوه في ازمته ويحبوه من دون شروط وفي كل الاحوال، وهو يفتقد الى كل هذه الاشياء في تعامله مع نفسه؟!
ان الوازع الروحي الصادق والقوي، وتقبل الذات كما هي في النجاح والفشل، والقوة والضعف، تجعلنا نتعامل بثقة مع الحياة، وتجبر الاخرين على التعامل معنا من المنطلق نفسه، ويتواطأ الكون معنا ليحقق لنا احلامنا وطموحاتنا التي تحتمل دوما الربح والخسارة، فغالبا ما يكون الإخفاق اساس النجاح والشدائد تصنع الرجال، وليس مهما ان تخسر العالم كله، بل المهم ألا تخسر نفسك.
 

jarrah_aam

عضو مميز
التسجيل
3 نوفمبر 2005
المشاركات
5,279
الخسارة يا اخوان هي خسارة الدين وخسارة الاخرة اما ما دون ذلك فلله ما اعطى ولله ما اخذ.
نسال الله بركة في الرزق , وصحة في الجسد , وثباتا عند السؤال ونسالك اللهم الجنة , ولذة النظر الى وجهك الكريم.. اللهم امين
 

jassem_9

عضو نشط
التسجيل
6 أغسطس 2008
المشاركات
66
الإقامة
الكويت
البورصة.. انهيار وانتحار (1-3) .... أيها الرجل اخسر العالم كله.. لكن لا تخسر نفسك!



كتبت _ د. رضوى فرغلي:

انهيارات سريعة ومفاجئة في مؤشر الاسهم بدّلت حياة الكثيرين على مستوى العالم.. والكويت. حركة عشوائية بين اللونين الاخضر والاحمر قضت على احلام اشخاص علقت كثيرا في الفضاء. صدمة قوية افقدت الكثيرين توازنهم، وخسارات قاسية قسوة الموت.

حالات كثيرة لم تفق من هول الصدمة بعد، بل تدهورت بهم الامور ودخلت في منعطف اجتماعي ونفسي واسري خطير. امثلة كثيرة لاشخاص ما زال يطاردهم شبح الخسارة وربما الفقر، ويسلبهم سعادتهم واقبالهم على الحياة.

لجأ بعضهم الى شراء الاسهم بطريقة «الآجل»، آملين ان تحقق لهم ارباحا مضاعفة، لكن ما حدث ان خسارتهم قد وقعت وتكبدوا المعاناة النفسية وضاعت احلام روادتهم وغازلت عقولهم سرا، فدفعتهم للمضاربة من دون ان يخبروا احدا من افراد اسرتهم الا حينما فقدوا السيطرة على مشاعرهم المهزومة، واصبحوا بحاجة شديدة إلى من يشاركهم او يخفف عنهم معاناتهم، ويبث فيهم روح الامل، خصوصا اولئك المتعاملين ممن هم في مرحلة عمرية تسمح لهم بتدارك الكارثة، كونهم في سن ما بين 20 و 40 عاما، تلك السن التي يحلم فيها كل شخص بتكوين نفسه ماديا، حتى يستقر فيما بعد ويحصد نتيجة ما بذل من جهد ووقت. لكن في حالة الاعتماد على البورصة فقط كوسيلة للاستثمار، تأخذهم الاوهام بعيدا عن شاطئ الواقع سعيا وراء مكاسب سريعة من دون تعب او مثابرة، فيأتي الخذلان قاسيا ويحتاج الى قوة نفسية وارادة للبداية من جديد.

باعوا بيوتهم

حلم الثراء السريع دفع عددا كبيرا من المضاربين الى الاقتراض من البنوك ورهن عقاراتهم، والمغامرة بمكافأة تقاعدهم، لكن الحلم تحول الى كابوس مزعج، واضفى اللون الاحمر على حياتهم صخبا لا ينتهي حين فقدوا معظم رؤوس اموالهم، وربما كلها وكذلك ما استدانوه واصبحوا مطالبين بسداد القروض، ومهددين بخسارة كل ثرواتهم ومدخراتهم.. وحتى بيوتهم، اضافة الى الالم النفسي والاجتماعي الذي يشعرون به حين تطاردهم القضايا، وترن في اسماعهم احكام قضائية تضخّم من ازمتهم المادية، وتقلل من تقبلهم للصورة السلبية عن الذات ونظرات الآخرين لهم وربما تخلي البعض عنهم.

لم تؤثر البورصة على صغار المستثمرين فقط، انما انعكست بوضوح على اثرياء كانت خسارتهم فادحة بفقدانهم كل اموالهم وباتوا يعانون ازمة من نوع خاص، كيف سيواجهون افراد اسرهم؟ هل سيتقبل اودلادهم الانحدار فجأة الى مستوى اقتصادي واجتماعي اقل؟ كيف ستتصرف الزوجة التي اعتادت حياة مرفهة وعناية فائقة بالتفاصيل التي تستنزف اموالا طائلة للحفاظ على مظهر اجتماعي معين؟ كيف سيتحول الزوج نفسه فجأة من نمط حياة الى آخر لم يعتده، او ربما لا يملك القدرة النفسية على اعتياده؟ حالات كثيرة قد لا تستطيع فيها الاسرة التكيف مع الوضع المادي الجديد، مما يفتح باب الخلافات الزوجية والاسرية على مصراعيه ويهدد الاسرة بتصدع حقيقي لا بسبب فقدانها الاموال، وانما بسبب افتقاد الترابط العائلي وسيادة ثقافة مغلوطة تجعل من الرجل محترما ومقدرا طالما كان ممولا جيدا لاسرته ويوفر لها دخلا ماديا مرضيا، وفقدانه ذلك الدور يفقد هيبته ومكانته القيادية في الاسرة.

وعلى الرغم من ان الازمة بالغة والخسائر من الصعب تعويضها في معظم الحالات، فان الخاسرين حريصون على الكتمان، وعدم افتضاح امرهم، وعدم التصريح بالخسارة ولا بالمشكلات الاسرية والزوجية التي يعانون منها، مما خلق صعوبة حقيقية في رصد مظاهر الاضطراب النفسي والاجتماعي والجنسي بين المتضررين من انهيارات البورصة، وهو الامر نفسه في بقية الدول العربية والخليجية حيث التعتيم على كل مشكلة، لكن احيانا ينفجر البعض مرضاً او انتحاراً او كآبة او شكوى صارخة تطلب العلاج والمساندة، ولعل ما حدث اخيراً في دول كثيرة من حالات انتحار يؤكد عمق الازمة.

انتحار وموت مفاجئ

استوقفتني حالتان لرجلين مصريين، شنق احدهما نفسه، ومات الاخر اثر ازمة قلبية حادة.. لم يحتملا صدمة الخسارة، فقرر الاول انهاء مأساته بطريقته الخاصة.. ويحمل اختياره لطريقة موته دلالة رمزية قوية، ليس فقط لانه تخلص من نفسه الخاسرة او قضى على ذاته الفاشلة التي لم يستطع التكيف معها وتقبلها في كل حالاتها، وانما تكمن الدلالة في استعراض هذا الموت وتعليق جسده مشنوقا متدليا في مهانة امام الجميع الذي يعبر عن عدوان شديد على الذات، واعتذار ضمني للاخرين عن صورة أبوية أو زوجية او انسانية لم يستطع الحفاظ عليها.. احساس شديد بالذنب وضعف المواجهة ويأس بلغ حده الاقصى، مما دفعه لاستجماع ماتبقى لديه من شجاعة لوقف نزيف الخسارات في استسلام ابدي.

اما الرجل الثاني، فلم يمهله العمر كثيرا ليفكر في طريقة الخلاص من الازمة، تولى جسده تلك المهمة الشاقة، واتخذ قرارا داخليا غير خاضع للمراجعة حين توقف قلبه فجأة استجابة لحالة احباط شديدة، وحزن لم يحتمل آلامه.. رحيل هادئ من دون صخب، واستكانة لروح تعبت من الفقد، ونفس هزمتها الخسارة، ولم تمتلك الثقة الكافية في استرجاع او تعويض ما راح، فأصبحت الحياة لديه مقابل النجاح، والموت مقابل الفشل.

نظرة أخرى

لم يصل الامر في الكويت الى حد الانتحار لكن الخسارة بكل اشكالها موجعة ومحبطة في كل زمان ومكان، وان ظل تأثيرها متباينا من انسان الى اخر، فهناك نوعان من الخاسرين: الاول يتعافى بسرعة من الم الخسارة، ويلملم ذاته المبعثرة ويتخذ من ضعفه المادي حافزا للمضي قدما نحو الثبات والنجاح مرة اخرى، مهما كان المشوار طويلاً او مرهقا، فالنقود بالنسبة له مهمة، لكنها ليست اهم من نفسه واسرته وحياته.. لديه من القناعة اللا شعورية بالنجاح، والقدرة النفسية، والثقة ما يؤهله للوقوف ثانية والتصدي للازمات والمواقف الصعبة، وتحويل الفشل الى نجاح، حتى وان تخلى عنه الاقربون.

اما النوع الثاني، وهو من ادت به الخسارة الى الانتحار او الموت او المرض وتوقفت به الحياة عند تلك اللحظة من دون القدرة على تجاوزها، هو شخص علاقته بذاته مضطربة، وحبه لنفسه مشروط، فهو يحب نفسه ويقدرها ويتقبلها في حال النجاح والثراء فقط، ولا يتحملها في الازمات، فيقرر التخلص منها او يجعلها حبيسة الاضطرابات السلوكية واضطرابات النوم والاكل، ويقدم نفسه فريسة سهلة للقلق والاكتئاب واجترار الألم، تلك المعاملة السلبية مع الذات تنعكس على معاملة الاخرين له، فكيف يطلب المرء من المحيطين به ان يحترموه ويقدروه ويساندوه في ازمته ويحبوه من دون شروط وفي كل الاحوال، وهو يفتقد الى كل هذه الاشياء في تعامله مع نفسه؟!

ان الوازع الروحي الصادق والقوي، وتقبل الذات كما هي في النجاح والفشل، والقوة والضعف، تجعلنا نتعامل بثقة مع الحياة، وتجبر الاخرين على التعامل معنا من المنطلق نفسه، ويتواطأ الكون معنا ليحقق لنا احلامنا وطموحاتنا التي تحتمل دوما الربح والخسارة، فغالبا ما يكون الإخفاق اساس النجاح والشدائد تصنع الرجال، وليس مهما ان تخسر العالم كله، بل المهم ألا تخسر نفسك.
 

حمدان

عضو مميز
التسجيل
1 فبراير 2006
المشاركات
6,558
الإقامة
kw
البورصة.. انهيار وانتحار (3 ــ 3)
أبناء يطلقون على آبائهم رصاصة الرحمة


كتبت د. رضوى فرغلي:
أيهما أكثر ألماً أن يخسر الإنسان أمواله كلها أم يخسر أبناءه؟ أيهما أكثر مرارة أن يرى الرجل مؤشر الأسهم يطيح بأحلامه واستثماراته أم يرى في عيني ابنه نظرة شماتة وكراهية؟!
لقد تحول انهيار البورصة من فقدان الأموال والعقارات والسندات، إلى مرارة حادة في الصدور ومعركة صامتة بين الآباء والأبناء، بين الخاسر والمتضررين من الخسارة.
كثيرون من الآباء تلقوا ضربتين في وقت واحد: خسارة المال، وخسارة العلاقة الحميمة مع أولادهم.. فهذا ابن غير مبال لا تعنيه الأزمة من قريب أو بعيد، المهم توفير متطلباته الشخصية دون الخوض في تفاصيل.. وآخر وقف أمام أبيه بعين جامدة، وقلب متحجر يحاسبه على أفعاله بوقاحة ويطالبه بتعويض خسارتهم المادية، وثالث لم يحتمل الانهيار المفاجئ في مستوى المعيشة وشعر بخيبة الأمل واللاجدوى في دراسته وعلاقته بالأسرة ككل.. بينما قلة فقط تعاملت بنضج ومساندة ودعم حقيقي وتفهم للوضع الراهن.
إنهم أبناء يتعاملون مع آبائهم بمنطق البنك الممول، أو المشروع الاستثماري الذي يجب أن يحقق لهم أرباحاً مادية، ومستوى اجتماعياً مرموقا، وتعليما في أرقى المدارس والجامعات، وكأنه حق مطلق يجب تنفيذه من طرف واحد دون الإحساس بالمسؤولية والمشاركة في مواجهة الأزمة!
إن خذلاننا في أبنائنا يترك جراحاً لا تندمل، وندبات في الروح يبقى أثرها موجعاً ومثيراً للشجن والانكسار النفسي في أشخاص منحناهم الحياة بكل ألوانها، فتحولت الأفواه التي رضعت محبتنا إلى مدافع تطلق علينا الرصاص، فيزيدون علينا عبء الخسارة.
هنا سؤال يفرض نفسه بقوة، من المسؤول عن تلك العلاقة المشوهة بين الأب وأبنائه؟ هل هي نبت شيطاني أم مسؤولية مشتركة وأسلوب تربية لم يخلق أبوة وبنوة حقيقتين؟
حب ملوث
أغلب الآباء لا يرّبون أولادهم على المشاركة في الحياة وتحمل المسؤولية.. لا يهتمون كثيراً ببنائهم النفسي وتبادل العواطف والمشاعر الإيجابية، لا يخصصون وقتا للحوار العقلاني معهم وترسيخ علاقة محبة وصداقة واحتواء من الطرفين، بل يكتفون فقط بدورهم كبنوك أموال، متصورين أن ذلك ما يخلق تواصلاً فعلياً مع أبنائهم، ويضمن لهم أبناء متورطين فيهم عاطفياً، لكنهم يفاجأون بالحقيقة المرة حين يخسرون أموالهم أو مكانتهم الاجتماعية، ويصدمون بأرصدتهم العاطفية الفارغة في قلوب أبنائهم.
إن رصيدنا من الحب والاحترام والقبول غير المشروط عند أبنائنا هو ما يهوّن علينا خسارات الحياة ويشعرنا أننا صنعنا أبناء يقفون خلفنا، دعما ومساندة ودفعا لتجاوز أزمات لا يعوضها إلا الحب، ولكنه الحب المشترك وليس الملوث بالأنانية، وهذا لا يأتي إلا بالجهد المشترك بين الأب والأم من جانب، والأبناء من جانب آخر، لا أن يتحول الابن إلى مجرد متلق دون أن يشعر بمسؤوليته تجاه أسرته، وانتمائه لأشخاص يوفرون له حياة كريمة.
شعرت بالأسى حين عرفت مشكلة أحد المضاربين الذي خسر كل ما يمــلــك تقريبـــاً فأصــبح يعاني تقديرا سلبياً لذاته، وضعفاً شديدا في ثقته بنفسه، وشعورا عميقا بالحزن أفضى إلى حالة اكتئاب، بعد أن واجهه أحد أبنائه وناقشه بحدة جارحة بأنه كأب لم يستطع الحفاظ على الكيان المادي للأسرة، وأنه أساء إدارة أموالهم، وحرمهم مكانة اجتماعية تمكنهم من التعليم الراقي وزواج إخوته البنات بشكل مُشرّف. ولم تكن زوجته عوناً له أو جدار حماية من تقلبات الحياة، بل زادت همومه حين تواطأت مع أبنائها وطلبوا من الأب أن يتركهم ويرحل بعيداً لأن وجوده يذكرهم بالخسارة.
نسور جارحة
كما وصلتني رسالة من شخص فقد رغبته في الحياة والتواجد بين الناس حتى المقربين منه، ولجأ إلى عزلة اختيارية في مكان غير معلوم، ينهشه الحزن ويمزقه الألم لا بسبب الديون التي تراكمت عليه، وخسارته الفادحة، إنما فعل ذلك حين هددته ابنته بالسفر إلى دولة أوروبية لأنها تعجز عن مواجهة أصدقائها ومعارفها وأهل خطيبها، الذي تغيرت مشاعره نحوها فجأة بعدما عادت أسرتها إلى نقطة الصفر، فلم يحتمل الأب كونه مجرد صورة لائقة للتفاخر أمام الآخرين، وأن قيمته في قلب ابنته لا تساوي إلا ورقات ملونة، وبيتا فخما وسيارة أنيقة ومجوهرات تتزين بها.
وسط هذا الكم من الخسارات المادية والنفسية والأُسرية، يحتار العقل وتقفز الأسئلة سهاماً حادة تجرح الصمت: لماذا يتحول الأشخاص إلى نسور جارحة ينهشون بعضهم بعضاً وقت الأزمة؟ لماذا يخذلنا المقربون ويتخذون منا مسافة مؤلمة تزيد من فجيعة الخسارة؟. إنها العلاقات الهشة التي تفضح نفسها في أوقات الشدة، فيتجرأ الأبناء على آبائهم لا من منطق العتاب الحنون أو مراجعة أسباب المشكلة ومحاولة السيطرة على آثارها السلبية، والمساعدة في إيجاد حلول إيجابية، إنما من منطق اصطياد الأخطاء، وعدم الشعور بالطرف الآخر الذي غالباً لم يسع إلى الخسارة بإرادته، لكنهم لا يتورعون عن عقاب ذلك الرجل الذي لم يحقق أسطورة الإنسان الرابح دائما، أو الذي لم يعد قادراً على منحهم مستوى مادياً واجتماعياً يفخرون به، فانتهى دوره وأصبح ورقة خاسرة من السهل التخلي عنها.
فروا إلى الحب
إن الاحتواء والحب وتقدير المشاعر والاحترام، تظل وسائل سحرية لتفادي انهيارات إنسانية تدفع بالإنسان إلى حافة الهاوية، وتجعله يفكر في التخلص من حياته أو حياة من كانوا له مصدرا للاستفزاز وافتقاد الأمن النفسي. لقد وقعت الخسارة بالفعل ولم يعد يجدي التأنيب أو اللوم أو هدم البيوت أو الهرب بعيداً.. ما يجدي هو التعاطف والمساندة الحقيقية ودراسة الوضع الحالي بعناية والاستفادة من أخطاء قد تكون وقعت قصداً أو سهواً، وبالتدقيق قليلاً ندرك أن كل خسارة قابلة للتعويض إلا خسارة الإنسان لنفسه، أو أحبائه كما أنه ليس من الشجاعة والنبل أن نترك شركاءنا في حالات ضعفهم أو نتخلى عنهم أو نقصيهم لمجرد أنهم لم يصبحوا ميسورين مادياً، أو يحققوا توقعاتنا الاجتماعية، فنستغني عنهم كما نستغني عن أحذيتنا القديمة ، فالحياة الأسرية السليمة هي جدل إنساني عميق وصمام أمام ضد أي خسارة مهما كان حجمها. فتعسا لكل ابن يتصور أن أباه لمجرد خسارة المال أصبح مثل حصان عجوز يجب أن تطلق عليه رصاصة الرحمة
!
 
التسجيل
20 ديسمبر 2007
المشاركات
44
نعم البورصه اثرت ناس وهم الشجعان البواسل اما الخرفان الخوافين فهم تواجدهم سوق الغنم مو البورصه اسف على الاسلوب لان المشاركه بايخه
 
أعلى