الذعر والهلع ينتابان الاسواق التي تساقطت مثل الدومينو لا حديث هذه الأيام الا عن الأزمة المالية العالمية، حيث ظهرت مصطلحات عديدة سيطرت على التحاليل مما زاد من اشاعة الهلع بين الناس.
والغريب حقا أن الكثيرين من هؤلاء، ولاسيما في الدول العربية لا يتوانون عن التأكيد بأنهم لا يعرفون التفاصيل وأسباب الأزمة وكيف حدثت. ومما زاد من الحيرة، عودة النقاشات الايديولوجية مثل الأزمة الهيكلية للنظام الرأسمالي أو الأزمة الدورية للرأسمالية أو سقوط النموذج الليبرالي وعودة التأميم والاشتراكية.
بطبيعة الحال فانه وحسب الأخصائيين، ما يحدث أثناء الأزمة المالية أمر بسيط، ولكن يتم تفسيره عادة بكلمات ومصطلحات معقدة وهو ما يزيد في واقع الأمر من حالة الذعر.
ولعل من أفضل من نجحوا مؤخرا في تقديم صورة مبسطة يقدر الانسان العادي على فهمها، الباحث الفرنسي الشاب طوماس غينولي.
وفق غينولي فان ما يلخص الأزمة هو مفعول الدومينو، فكيف ذلك.
تخيلوا أن هناك صفين من الدومينو تم وضعهما الى جانب بعضهما البعض، وهناك صف آخر من الدومينو تم وضعه خلفهما: الصفان الأماميان يقعان، وكرد فعل تتابعي تسقط البقية.
في الولايات المتحدة، تقوم مؤسسات اقراض بتمويل أصول وعقارات وممتلكات وبضائع لأناس يكون واضحا من الأول أنهم ليسوا قادرين على الوفاء بالتزاماتهم المالية.
ينبغي على هؤلاء خلال السنتين الأوليين دفع فوائد تلك القروض، وفي السنة الثالثة يقومون بدفع الدين وفوائده.
ولكن هناك حاليا الكثير من هؤلاء الذين لا يقدرون على الدفع، وهو ما يعني أن قيمة تلك القروض قد ضعفت، وهذا هو أول دومينو في الصفين الأولين.
في الولايات المتحدة أيضا، هناك مؤسسات اقراض توافق على ديون تمنح بموجبها أموالا لأناس يملكون عقارا يتم استخدامه ككفالة أو ضمانة للقرض.
ولكن منذ شهور بدأ الطلب على العقارات في التضاؤل الى أن وصل الى حد التجمد حيث ليس هناك طلب أصلا على شراء العقارات.
وأدى ذلك بطبيعة الحال الى هبوط أسعار العقارات، وهو ما يدفع مؤسسات الاقراض الى طلب السيولة والتعويض من أولئك الأشخاص الذين لا يملكون بالضرورة مالا.
ولذلك تبدأ تلك المؤسسات في المعاناة من أجل الحفاظ على قيمة تلك القروض والديون، وهو ما يضعف من قيمتها في السوق والتعاملات المالية، وهذا هو الدومينو الثاني.
هذه المؤسسات المالية، قامت بتحويل تلك القروض الى »أصول« أي أنها حولتها الى منتوج جديد يمكن بيعه وشراؤه في البورصة، أي مثل أن تكون تدين لشخص بالمال ويقوم هذا الشخص ببيع دينك لشخص آخر.
ونظرا لكون »الأرباح الموعودة« من هذه العملية كانت مرتفعة، فقد أقدمت صناديق الاستثمار على شراء هذه »الأصول« في البورصة.
ولكن، مع بدء هذه الأصول في فقدان قيمتها،أرادت صناديق الاستثمار التخلص منها ببيعها.
ولكن المشكل أنه ليس هناك من مشترين باستثناء راغبين في الشراء بأسعار متدنية، وهذا هو الدومينو الثالث.
ولتجنب مشاكل انعدام السيولة، تقوم صناديق الاستثمار هذه ببيع أصول أخرى تملكها في البورصة ولا علاقة لها بهذه القروض، وبفعل ذلك، ولاسيما التسرع، تهبط قيمة هذه الأصول، ولكن زيادة على ذلك، فان البنوك التي اشترت منها هذه الصناديق تلك الأصول، تخسر الكثير من الأموال، وهذا هو الدومينو الرابع.
هذه البنوك التي فقدت الكثير من الأموال وتعاني من نقص السيولة، ستحاول الحصول على الأموال بواسطة الاقتراض من بنوك أخرى، وهو أمر يومي في الأسواق ويعرف بالسوق بين البنوك.
ولكن ولأن كل بنك يجهل حقيقة وعمق المشكل المالي الذي يعاني منه البنك الآخر، فانه يرفض بالتالي اقراضه، وذلك يعني تزايد عدد البنوك التي تعاني من مشاكل سيولة حتى لو كان وضعها جيدا وغير مشمولة بالأزمة: وهذا هو الدومينو الخامس.
وبطبيعة الحال، اذا كان هناك عدد كبير من البنوك تعاني من مشاكل السيولة فان النشاط المالي ككل يتأثر، ولذلك فان البنوك المركزية (الأمريكي والأوروبية) تقرض تلك البنوك أموالا، والهدف هو الحفاظ على توازن على المدى المتوسط: وهذا هو الدومينو السادس.
والعاملون في البورصة يحتاجون دائما الى سيولة تحت أيديهم حتى لا يكونوا مضطرين الى بيع أصول كل مرة يطلب فيها أحد مستثمريهم مالا يستحقه عليهم.
ولأن الكثير من أصول البورصة والأسهم تنخفض، فانهم يبيعونها سواء للحصول على السيولة أو بفعل الذعر من الوضع الذي تمر به السوق.
ويؤدي ذلك الى مزيد من الهبوط في قيمة تلك الأصول: وهذا هو الدومينو السابع.
وهذا ما يفسر لماذا تهبط قيمة الأصول والأسهم ولماذا تعاني البنوك من السيولة ولماذا يبيع الكثير من المتعاملين في البورصة كيفما اتفق ومن دون تفكير.