هل أثبتت الأزمة المالية أن كارل ماركس على حق؟
فيليب كولنز - ذي تايمز
ترجمة: محمد حسن
بينما تواجه اسواق المال ازمة الهبوط بدأت سمعة كارل ماركس في الصعود، فهل حان وقته؟
ما زال النظام المالي العالمي يواجه الازمات، وتوقفت اسواق الاقراض عن التعامل، وامتلكت الدولة حصة تجعلها تسيطر على بعض البنوك وباتت الحكومة توفر الضمان لايداعات المصارف، وشرع الناس يفكرون في حفظ اموالهم في الخزائن او شراء الذهب ان كان في استطاعتهم تحمل اسعاره، وبدأ الرأسماليون يفقدون وظائفهم، ويفقد العمال ممتلكاتهم وبيوتهم، فهل جاءت ساعة كارل ماركس اخيراً؟
هكذا يعتقد الاربعون الف حاج ممن اخذوا طريقهم هذا العام الى تريير المدينة البروسية التي ولد فيها ماركس في عام 1818، وكذلك بعض الاكاديميين الماركسيين الذين بدأوا يسمعون اصواتهم عبر البرامج الاذاعية والتلفزيونية معلنين انهم ظلوا يدركون منذ زمن بعيد ان ذلك الامر سوف يحدث.
كتابات تمحو شكسبير
وربما شاركهم هذا الاعتقاد القراء ممن بدأوا اخيراً في شراء كتاب «رأس المال» لكارل ماركس الذي يحتوي على تحليله الاقتصادي الشهير، فقد نقل عن اصحاب المكتبات في برلين قولهم ان القراء يخطفون الكتاب من ارفف المكتبات، وحتى اذا صدق هذا الامر، فان هذا الكتاب سوف يعود اليهم سريعاً كذلك، ورأس المال سوف يجد من يقرأه الى وقت يكون الناس فيه قد نسوا بعض كبار الكتاب مثل وليام شكسبير.
وهذا الكتاب ليس سهل القراءة، وبصفة عامة فان معظم الناس يتفادون الكتب التي تحتوي معادلات رياضية، ومقدمة الكتاب لا يستطيع الشخص العادي فهمها، وعند التوغل فيه يصبح اكثر صعوبة، ويذكر كتاب «رأس المال» بتعريف الشاعر الانكليزي فيليب لاركين للرواية الانكليزية التي قال ان لديها بداية، وربكة، ونهاية.
ولكن يبدو ان ماركس قد توصل الى امر مهم، وتتركز نقطته الاساسية على ان هنالك انباء جيدة، واخرى سيئة، وقدم في البداية الانباء السيئة الا وهي: ان الرأسمالية بغيضة، فالعمال يجري استغلالهم، ويثري الرأسماليون على حسابهم، اما الانباء الجيدة فهي قوله ان تلك الانباء السيئة ليست بغيضة فقط، بل انها تواجه مصيراً محتوماً فهي سوف تسقط تحت عبء تناقضاتها الداخلية الخاصة، كما حدث في حالة ليمان برذرز.
كراهية ماركس
وغضب ماركس غير موجه اساساً الى الرأسماليين كأفراد، فزميله الذي شاركه عمله، وصديقه الالماني العظيم فريدريك انغلز كان يمتلك مصنعاً في مانشستر، ومن دون ما قدمه له انغلز، لما تمكن ماركس من انجاز كتابه، وفي الواقع من دون انغلز لما تمكن ماركس حتى من الحصول على وجبة طعام، وبلغت كراهية ماركس للرأسمال الى درجة لم يكن لديه اي مال، وقد يكون من المفارقة تأليفه لذلك العمل الذي يدين الرأسمالية، بينما كان يعيش على صدقتها.
وعملية الاستغلال ليست قاصرة على الفرد بل انها تعد شائعة في مجتمع تقوم فيه طبقة باستغلال طبقة اخرى. والبرجوازية، اي تلك الطبقة التي تمتلك وسائل الإنتاج، تستغل طبقة العمال.
والبروليتارية سلعتها او بضاعتها الوحيدة هي قوة عملها، وهي ترغم على بيع نفسها مثل الرقيق. وبالتالي تجدها تعاني من الاغتراب من طبيعتها الوحيدة. وكل شي آخر اي الفن والثقافة والمعتقد، ما هو الا مجرد امور تشغل الاهتمام، صنعها المنتجون لابقاء اذهان العاملين مشغولة عن مصيرها الثوري. وكما نقول حاليا انها تشغلها عن الاهتمام بالاقتصاد.
تحفيز البروليتارية
والاقتصاد هو الطاقة التي تحرك التاريخ، فكل مرحلة تفسح الطريق امام اخرى افضل في مسيرة محتومة تقود الى قيام الشيوعية.
فالمشاعية البدائية للمجتمعات العشائرية قادت الى مرحلة العبودية التي بدورها خلفها الاقطاع. وتحول تجار الاقطاع الى رأسماليين استغلوا العمال، وحفزوا البروليتارية على الثورة والادارة المؤقتة للعمال تقود الى ادارة ازلية لليوتوبيا الاشتراكية. وحالماتبدأ هذه العملية في الانطلاق لا يمكن ايقافها.
ولا توجد مقارنة بين ذلك التحليل وقضية الهبوط في اسواق المال. فمن الصعب النظر الى المصرفيين على انهم طبقة بروليتارية محرومة تعمل تحت وطأة وعي غائب. وهي إذا كانت مستغلة البتة، فإن المكافآت المالية سوف تخفف الضربة التي تتلقاها. فالمراتب الادارية العديدة التي يحصل معظمها على رواتب عالية، شغلت الفجوة التي تفصل في ما بين البرجوازية والبروليتارية. ولا توجد هنا اي ارهاصات لحدوث ثورة تقودها الطبقة العاملة. ولكن ربما اذا ما غيرت الحكومة اجراءات العمل المرنة فإن الثورة قد تبدأ.
تنبؤات صحيحة
بيد أنه عندما يشرع ماركس بالتنبؤ بالمستقبل تجيء تلك التنبؤات خاطئة، فهو كمتنبئ يبدو مثل المنجم. ويسهل ماركس الامور بالنسبة لنا حيث يقدم في «البيان الشيوعي» عشر خطوات نحو تحقيق الشيوعية. وهذا الكتاب ليس مجرد دليل عملي، بل يعتقد انه تناول علمي لما قد يحدث. ولكن في الحقيقة لا يمكن اعطاؤه الدرجة الكاملة عند تقييمه، فقد صدقت بعض اقواله ولم تصدق اخرى.
فقد قال ماركس انه سيكون هناك نظام متطور للغاية لضريبة الدخل، ويمكننا القول ان لدينا ذلك. كما قال ان على الدولة تولي زمام السيطرة على توفير الائتمان، غير ان عمليات انقاذ البنوك بمليارات الدولارات امر لم يتوقعه ماركس. وطالب ماركس بوجود نظام تعليمي عام مجاني لجميع الاطفال، ووقف عمالة الاطفال في المصانع، وهي ممارسات قرر الرأسماليون التوقف عنها، ولم تتحقق المطالبة بفرض سيطرة الدولة على المصانع.
الملكية سرقة
وهناك بعض التنبؤات ما زالت تبدو بعيدا في الافق، فالمواطنون البريطانيون المفتونون بسوق العقار لم يلتفتوا كثيرا لشعار ماركس القائل ان الملكية سرقة. ربما كانت معاملات وكلاء العقار سرقة وحقوق الميراث تم تعزيزها بدلا من الغائها، لان البريطانيين حريصون على ملكياتهم لا يتخلون عنها حتى بعد الموت. وإذا استبعدنا هيذة الاذاعة البريطانية وشبكة السكك الحديد واعادة تنظيم خدمة الحافلات، فإننا لم نشهد بعد عملية السيطرة المركزية على وسائل الاتصالات والنقل وتركيزها في يد الدولة، كما لا توجد بوادر على وجود جيش من العمال الزراعيين في دولة تشكل فيها الزراعة اقل من واحد في المائة من الدخل المحلي الاجمالي. واخيرا فإن الدولة لم تتول امر توزيع السكان في ما بين القرية والمدينة. فإذا رغب اي شخص لسبب غير مفهوم ان يقيم في الريف الانكليزي، يسمح له بذلك.
وهنالك بعض غريبي الاطوار في شبكة الانترنت ممن يعتقدون ان معظم الدول باتت مسبقا تطبق الشيوعية من دون ان تدرك ذلك، ولكن إذا كانت النهاية قد اقتربت فإننا قد نكون في ثلث الطريق المؤدي إليها.
مارتن جاك..استاذ زائر في جامعة رينمين في بكين ترأس تحرير مجلة «الماركسية اليوم»
اظهرت الازمة ان الرأسمالية ليست نظاماً ديناميكيا فقط، بل انه نظام معرض بطبيعته للازمات، وفي هذه الحالة نجد ان ماركس كان محقاً، فخلال كل فترة من فترات النمو الاقتصادي والازدهار يتم تناسي هذا الامر في خضم التفاخر بان الازدهار الذي يعقبه انهيار قد ولى الى غير رجعه، وقد دحضت الازمة الحالية ذلك التفاخر، ولكن ليس فقط ماركس من اعادت اليه هذه الازمة الاعتبار بل كينز ايضاً، فقد ظللنا نسمع طوال ثلاثين عاماً ان السوق يعرف تماماً ما هو الافضل، وان الدولة في افضل احوالها تعتبر شراً لا بد منه، وفي هذه الازمة شهدنا ان السوق قد يخلق ارتباكات كبرى ذات عواقب وخيمة، وان الحكومة فقط تعد قوية بما يكفي ولديها شرعية كافية، كممثلة لجميع المواطنين، لكي تتدخل وتعمل على تصحيح الوضع، ويعتبر هذا شاهدا على نهاية عصر الليبرالية الجديدة والعودة الى الديموقراطية الاشتراكية.
ميك هيوم..كاتب ماركسي في صحيفة التايمز
جاء تحليل ماركس وتحديده لميل النظام الرأسمالي للسقوط في الأزمات، صحيحاً، ولكنه لم يتنبأ بالانهيار «الحتمي» لهذا النظام. واليوم نجد الكثير من الناس ممن لم يقرأوا أو يفهموا ماركس يحاولون تحويله إلى عدو الرأسمالية والمتنبئ بانهيارها وانه كاهن. وليس ثوريا يتبنى الاشتراكية العلمية.
فقد ظل ماركس يؤكد دوماً ان حل الأزمة سوف يعتمد في نهاية المطاف على عوامل سياسية وان الإنسان يصنع تاريخه وان لم يمكن ذلك تحت ظروف من اختياره. بيد ان المسألة مازالت تكمن في انه لا يوجد بديل أو صراع سياسي حول مستقبل المجتمع. واننا نجد بدلا من ذلك، ان كان في حالة الجمهوريين اليمينيين في الولايات المتحدة او حزب العمال في بريطانيا، سياسات إدارية لإدارة الدولة تهدف إلى الحفاظ على أكبر قدر من الوضع القائم ما أمكن ذلك. وتحولت البقية منا إلى مجرد مشاهدين سلبيين بدلاً من أن نكون أعضاء سياسيين نشطين. وماركس لن يبتسم في قبره معبراً عن فرحه كما أشار البعض، لكن إذا بدرت منه مشاعر فانها ستكون قليلاً من الاكتئاب بسبب ضياع الفرص. وإن كل من يشمت من مصائب الإنسان يعتبر شخصاً غبياً.
شهادات يسارية حول أزمة الرأسمالية
بدأ الناس يستمعون الآن الى بعض الاصوات اليسارية التي لم يكن يلتفت احد الى ما كانت تقوله قبل بروز الازمة المالية العالمية الاخيرة، وقد جاء الآن وقت السماع لما تقول.
جون ماكدونيل..عــضــو البـــرلمان البــريــطانـي
يجب توزيع «رأس المال» و«الأجور والأسعار والربح» على جميع وزراء الحكومة كدليل موجه حول اسباب ازمات الرأسمالية. فذلك سيتيح لهم فهم الطبيعة الاستغلالية الكامنة، وعدم الاستقرار في هذا النظام الاقتصادي الذي يضع آلاف الناس في صفوف العاطلين عن العمل كل شهر، ويحول العديد الى مشردين من دون مأوى. كما اقترح عليهم ايضا بعدها قراءة عمل روبرت اوين حول التعاونيات وكتابات انطونيو غرامش في السجن حول الانتصارات في معركة الافكار، وكتاب ارنست مانديل «اواخر عصر الرأسمالية»، وكتاب رالف ميليبان «الاشتراكية لعصر الشكوك».
ايريك هوبسبوم..مـــــؤرخ مـــاركـــســي
يبدو ان الاهتمام بكارل ماركس يعد نوعاً من اعادة الاعتبار له، بما ان تحليله للرأسمالية قد اشار الى العولمة، والازمات الدورية وعدم الاستقرار، وخلال العقود القليلة الماضية اعتقد الناس ان السوق سوف ينظم كل شيء، وهو امر بدا لي وكأنه قول من اقوال اللاهوت لا يمت للواقع بصلة، ومن الامور الجيدة ان نجد ان الناس باتوا يأخذون مثل هذا التحليل بجدية اكثر مما كان عليه الوضع لفترة طويلة، وذلك لانه يخلتف عن التحليل التقليدي الذي ظل مسيطرا على معظم الحكومات والعديد من الايديولوجيات عبر السنين. ومن الغريب اكتشاف ان ما ظل المرء يردده لفترة طويلة ويجد الاستهجان بدأ يؤخد جدياً، ولكن ليس هذا هو الامر الاهم بل علينا إدراك ان مرحلة من هذا النظام الدولي المعين قد انتهت، ويجب علينا التفكير في آخر. وسوف يأخذ الامر فترة طويلة قبل أن يستقر ولكننا بكل تأكيد لن نعود إلى ما كنا عليه إبان الثمانينات والتسعينات وهذا وضع جيد.
كلير فوكس..مــديــرة مـعــهد الأفـــكـــار
ما يزعجني هو نبرة الشماتة تلك التي تظهر في بعض التحليلات الماركسية الزائفة للنظام. فهناك عملية تبسيط مخل تجري للماركسية الآن. فالماركسية ليست نوعا من انواع الديانات التي تلحق العقاب بالضالين، حيث نجد الآن المصرفيين يتعرضون لذلك. ويبدو ان البعض يرفض الاعتراف بان ذلك يعني ظهور فترة من التقشف المفروض على الناس العاديين. وان اهم مقولة لماركس كانت تدور حول دور الانسان كعامل للتغيير.
فالمجتمع لا يستطيع التغيير ما لم تكن لديه فكرة واضحة حول السياسة والافكار، وان هذا الامر يتطلب ان يرى الناس انفسهم كأدوات لصنع التاريخ، وان يشاركوا في ذلك بنشاط.
فيليب كولنز - ذي تايمز
ترجمة: محمد حسن
بينما تواجه اسواق المال ازمة الهبوط بدأت سمعة كارل ماركس في الصعود، فهل حان وقته؟
ما زال النظام المالي العالمي يواجه الازمات، وتوقفت اسواق الاقراض عن التعامل، وامتلكت الدولة حصة تجعلها تسيطر على بعض البنوك وباتت الحكومة توفر الضمان لايداعات المصارف، وشرع الناس يفكرون في حفظ اموالهم في الخزائن او شراء الذهب ان كان في استطاعتهم تحمل اسعاره، وبدأ الرأسماليون يفقدون وظائفهم، ويفقد العمال ممتلكاتهم وبيوتهم، فهل جاءت ساعة كارل ماركس اخيراً؟
هكذا يعتقد الاربعون الف حاج ممن اخذوا طريقهم هذا العام الى تريير المدينة البروسية التي ولد فيها ماركس في عام 1818، وكذلك بعض الاكاديميين الماركسيين الذين بدأوا يسمعون اصواتهم عبر البرامج الاذاعية والتلفزيونية معلنين انهم ظلوا يدركون منذ زمن بعيد ان ذلك الامر سوف يحدث.
كتابات تمحو شكسبير
وربما شاركهم هذا الاعتقاد القراء ممن بدأوا اخيراً في شراء كتاب «رأس المال» لكارل ماركس الذي يحتوي على تحليله الاقتصادي الشهير، فقد نقل عن اصحاب المكتبات في برلين قولهم ان القراء يخطفون الكتاب من ارفف المكتبات، وحتى اذا صدق هذا الامر، فان هذا الكتاب سوف يعود اليهم سريعاً كذلك، ورأس المال سوف يجد من يقرأه الى وقت يكون الناس فيه قد نسوا بعض كبار الكتاب مثل وليام شكسبير.
وهذا الكتاب ليس سهل القراءة، وبصفة عامة فان معظم الناس يتفادون الكتب التي تحتوي معادلات رياضية، ومقدمة الكتاب لا يستطيع الشخص العادي فهمها، وعند التوغل فيه يصبح اكثر صعوبة، ويذكر كتاب «رأس المال» بتعريف الشاعر الانكليزي فيليب لاركين للرواية الانكليزية التي قال ان لديها بداية، وربكة، ونهاية.
ولكن يبدو ان ماركس قد توصل الى امر مهم، وتتركز نقطته الاساسية على ان هنالك انباء جيدة، واخرى سيئة، وقدم في البداية الانباء السيئة الا وهي: ان الرأسمالية بغيضة، فالعمال يجري استغلالهم، ويثري الرأسماليون على حسابهم، اما الانباء الجيدة فهي قوله ان تلك الانباء السيئة ليست بغيضة فقط، بل انها تواجه مصيراً محتوماً فهي سوف تسقط تحت عبء تناقضاتها الداخلية الخاصة، كما حدث في حالة ليمان برذرز.
كراهية ماركس
وغضب ماركس غير موجه اساساً الى الرأسماليين كأفراد، فزميله الذي شاركه عمله، وصديقه الالماني العظيم فريدريك انغلز كان يمتلك مصنعاً في مانشستر، ومن دون ما قدمه له انغلز، لما تمكن ماركس من انجاز كتابه، وفي الواقع من دون انغلز لما تمكن ماركس حتى من الحصول على وجبة طعام، وبلغت كراهية ماركس للرأسمال الى درجة لم يكن لديه اي مال، وقد يكون من المفارقة تأليفه لذلك العمل الذي يدين الرأسمالية، بينما كان يعيش على صدقتها.
وعملية الاستغلال ليست قاصرة على الفرد بل انها تعد شائعة في مجتمع تقوم فيه طبقة باستغلال طبقة اخرى. والبرجوازية، اي تلك الطبقة التي تمتلك وسائل الإنتاج، تستغل طبقة العمال.
والبروليتارية سلعتها او بضاعتها الوحيدة هي قوة عملها، وهي ترغم على بيع نفسها مثل الرقيق. وبالتالي تجدها تعاني من الاغتراب من طبيعتها الوحيدة. وكل شي آخر اي الفن والثقافة والمعتقد، ما هو الا مجرد امور تشغل الاهتمام، صنعها المنتجون لابقاء اذهان العاملين مشغولة عن مصيرها الثوري. وكما نقول حاليا انها تشغلها عن الاهتمام بالاقتصاد.
تحفيز البروليتارية
والاقتصاد هو الطاقة التي تحرك التاريخ، فكل مرحلة تفسح الطريق امام اخرى افضل في مسيرة محتومة تقود الى قيام الشيوعية.
فالمشاعية البدائية للمجتمعات العشائرية قادت الى مرحلة العبودية التي بدورها خلفها الاقطاع. وتحول تجار الاقطاع الى رأسماليين استغلوا العمال، وحفزوا البروليتارية على الثورة والادارة المؤقتة للعمال تقود الى ادارة ازلية لليوتوبيا الاشتراكية. وحالماتبدأ هذه العملية في الانطلاق لا يمكن ايقافها.
ولا توجد مقارنة بين ذلك التحليل وقضية الهبوط في اسواق المال. فمن الصعب النظر الى المصرفيين على انهم طبقة بروليتارية محرومة تعمل تحت وطأة وعي غائب. وهي إذا كانت مستغلة البتة، فإن المكافآت المالية سوف تخفف الضربة التي تتلقاها. فالمراتب الادارية العديدة التي يحصل معظمها على رواتب عالية، شغلت الفجوة التي تفصل في ما بين البرجوازية والبروليتارية. ولا توجد هنا اي ارهاصات لحدوث ثورة تقودها الطبقة العاملة. ولكن ربما اذا ما غيرت الحكومة اجراءات العمل المرنة فإن الثورة قد تبدأ.
تنبؤات صحيحة
بيد أنه عندما يشرع ماركس بالتنبؤ بالمستقبل تجيء تلك التنبؤات خاطئة، فهو كمتنبئ يبدو مثل المنجم. ويسهل ماركس الامور بالنسبة لنا حيث يقدم في «البيان الشيوعي» عشر خطوات نحو تحقيق الشيوعية. وهذا الكتاب ليس مجرد دليل عملي، بل يعتقد انه تناول علمي لما قد يحدث. ولكن في الحقيقة لا يمكن اعطاؤه الدرجة الكاملة عند تقييمه، فقد صدقت بعض اقواله ولم تصدق اخرى.
فقد قال ماركس انه سيكون هناك نظام متطور للغاية لضريبة الدخل، ويمكننا القول ان لدينا ذلك. كما قال ان على الدولة تولي زمام السيطرة على توفير الائتمان، غير ان عمليات انقاذ البنوك بمليارات الدولارات امر لم يتوقعه ماركس. وطالب ماركس بوجود نظام تعليمي عام مجاني لجميع الاطفال، ووقف عمالة الاطفال في المصانع، وهي ممارسات قرر الرأسماليون التوقف عنها، ولم تتحقق المطالبة بفرض سيطرة الدولة على المصانع.
الملكية سرقة
وهناك بعض التنبؤات ما زالت تبدو بعيدا في الافق، فالمواطنون البريطانيون المفتونون بسوق العقار لم يلتفتوا كثيرا لشعار ماركس القائل ان الملكية سرقة. ربما كانت معاملات وكلاء العقار سرقة وحقوق الميراث تم تعزيزها بدلا من الغائها، لان البريطانيين حريصون على ملكياتهم لا يتخلون عنها حتى بعد الموت. وإذا استبعدنا هيذة الاذاعة البريطانية وشبكة السكك الحديد واعادة تنظيم خدمة الحافلات، فإننا لم نشهد بعد عملية السيطرة المركزية على وسائل الاتصالات والنقل وتركيزها في يد الدولة، كما لا توجد بوادر على وجود جيش من العمال الزراعيين في دولة تشكل فيها الزراعة اقل من واحد في المائة من الدخل المحلي الاجمالي. واخيرا فإن الدولة لم تتول امر توزيع السكان في ما بين القرية والمدينة. فإذا رغب اي شخص لسبب غير مفهوم ان يقيم في الريف الانكليزي، يسمح له بذلك.
وهنالك بعض غريبي الاطوار في شبكة الانترنت ممن يعتقدون ان معظم الدول باتت مسبقا تطبق الشيوعية من دون ان تدرك ذلك، ولكن إذا كانت النهاية قد اقتربت فإننا قد نكون في ثلث الطريق المؤدي إليها.
مارتن جاك..استاذ زائر في جامعة رينمين في بكين ترأس تحرير مجلة «الماركسية اليوم»
اظهرت الازمة ان الرأسمالية ليست نظاماً ديناميكيا فقط، بل انه نظام معرض بطبيعته للازمات، وفي هذه الحالة نجد ان ماركس كان محقاً، فخلال كل فترة من فترات النمو الاقتصادي والازدهار يتم تناسي هذا الامر في خضم التفاخر بان الازدهار الذي يعقبه انهيار قد ولى الى غير رجعه، وقد دحضت الازمة الحالية ذلك التفاخر، ولكن ليس فقط ماركس من اعادت اليه هذه الازمة الاعتبار بل كينز ايضاً، فقد ظللنا نسمع طوال ثلاثين عاماً ان السوق يعرف تماماً ما هو الافضل، وان الدولة في افضل احوالها تعتبر شراً لا بد منه، وفي هذه الازمة شهدنا ان السوق قد يخلق ارتباكات كبرى ذات عواقب وخيمة، وان الحكومة فقط تعد قوية بما يكفي ولديها شرعية كافية، كممثلة لجميع المواطنين، لكي تتدخل وتعمل على تصحيح الوضع، ويعتبر هذا شاهدا على نهاية عصر الليبرالية الجديدة والعودة الى الديموقراطية الاشتراكية.
ميك هيوم..كاتب ماركسي في صحيفة التايمز
جاء تحليل ماركس وتحديده لميل النظام الرأسمالي للسقوط في الأزمات، صحيحاً، ولكنه لم يتنبأ بالانهيار «الحتمي» لهذا النظام. واليوم نجد الكثير من الناس ممن لم يقرأوا أو يفهموا ماركس يحاولون تحويله إلى عدو الرأسمالية والمتنبئ بانهيارها وانه كاهن. وليس ثوريا يتبنى الاشتراكية العلمية.
فقد ظل ماركس يؤكد دوماً ان حل الأزمة سوف يعتمد في نهاية المطاف على عوامل سياسية وان الإنسان يصنع تاريخه وان لم يمكن ذلك تحت ظروف من اختياره. بيد ان المسألة مازالت تكمن في انه لا يوجد بديل أو صراع سياسي حول مستقبل المجتمع. واننا نجد بدلا من ذلك، ان كان في حالة الجمهوريين اليمينيين في الولايات المتحدة او حزب العمال في بريطانيا، سياسات إدارية لإدارة الدولة تهدف إلى الحفاظ على أكبر قدر من الوضع القائم ما أمكن ذلك. وتحولت البقية منا إلى مجرد مشاهدين سلبيين بدلاً من أن نكون أعضاء سياسيين نشطين. وماركس لن يبتسم في قبره معبراً عن فرحه كما أشار البعض، لكن إذا بدرت منه مشاعر فانها ستكون قليلاً من الاكتئاب بسبب ضياع الفرص. وإن كل من يشمت من مصائب الإنسان يعتبر شخصاً غبياً.
شهادات يسارية حول أزمة الرأسمالية
بدأ الناس يستمعون الآن الى بعض الاصوات اليسارية التي لم يكن يلتفت احد الى ما كانت تقوله قبل بروز الازمة المالية العالمية الاخيرة، وقد جاء الآن وقت السماع لما تقول.
جون ماكدونيل..عــضــو البـــرلمان البــريــطانـي
يجب توزيع «رأس المال» و«الأجور والأسعار والربح» على جميع وزراء الحكومة كدليل موجه حول اسباب ازمات الرأسمالية. فذلك سيتيح لهم فهم الطبيعة الاستغلالية الكامنة، وعدم الاستقرار في هذا النظام الاقتصادي الذي يضع آلاف الناس في صفوف العاطلين عن العمل كل شهر، ويحول العديد الى مشردين من دون مأوى. كما اقترح عليهم ايضا بعدها قراءة عمل روبرت اوين حول التعاونيات وكتابات انطونيو غرامش في السجن حول الانتصارات في معركة الافكار، وكتاب ارنست مانديل «اواخر عصر الرأسمالية»، وكتاب رالف ميليبان «الاشتراكية لعصر الشكوك».
ايريك هوبسبوم..مـــــؤرخ مـــاركـــســي
يبدو ان الاهتمام بكارل ماركس يعد نوعاً من اعادة الاعتبار له، بما ان تحليله للرأسمالية قد اشار الى العولمة، والازمات الدورية وعدم الاستقرار، وخلال العقود القليلة الماضية اعتقد الناس ان السوق سوف ينظم كل شيء، وهو امر بدا لي وكأنه قول من اقوال اللاهوت لا يمت للواقع بصلة، ومن الامور الجيدة ان نجد ان الناس باتوا يأخذون مثل هذا التحليل بجدية اكثر مما كان عليه الوضع لفترة طويلة، وذلك لانه يخلتف عن التحليل التقليدي الذي ظل مسيطرا على معظم الحكومات والعديد من الايديولوجيات عبر السنين. ومن الغريب اكتشاف ان ما ظل المرء يردده لفترة طويلة ويجد الاستهجان بدأ يؤخد جدياً، ولكن ليس هذا هو الامر الاهم بل علينا إدراك ان مرحلة من هذا النظام الدولي المعين قد انتهت، ويجب علينا التفكير في آخر. وسوف يأخذ الامر فترة طويلة قبل أن يستقر ولكننا بكل تأكيد لن نعود إلى ما كنا عليه إبان الثمانينات والتسعينات وهذا وضع جيد.
كلير فوكس..مــديــرة مـعــهد الأفـــكـــار
ما يزعجني هو نبرة الشماتة تلك التي تظهر في بعض التحليلات الماركسية الزائفة للنظام. فهناك عملية تبسيط مخل تجري للماركسية الآن. فالماركسية ليست نوعا من انواع الديانات التي تلحق العقاب بالضالين، حيث نجد الآن المصرفيين يتعرضون لذلك. ويبدو ان البعض يرفض الاعتراف بان ذلك يعني ظهور فترة من التقشف المفروض على الناس العاديين. وان اهم مقولة لماركس كانت تدور حول دور الانسان كعامل للتغيير.
فالمجتمع لا يستطيع التغيير ما لم تكن لديه فكرة واضحة حول السياسة والافكار، وان هذا الامر يتطلب ان يرى الناس انفسهم كأدوات لصنع التاريخ، وان يشاركوا في ذلك بنشاط.