الله يجزاك خير الجزاء
وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا لَعِب وَلَهْوٌ وَلَلدَّار الْآخِرَة خَيْر لِلَّذِينَ
يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } . وَهَذَا تَكْذِيب مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار الْمُنْكَرِينَ الْبَعْث
بَعْد الْمَمَات فِي قَوْلهمْ { إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } , يَقُول تَعَالَى
ذِكْرُهُ مُكَذِّبًا لَهُمْ فِي قِيلهمْ ذَلِكَ : { مَا الْحَيَاة الدُّنْيَا } أَيّهَا النَّاس , { إِلَّا لَعِب وَلَهْو }
يَقُول : مَا بَاغِي لَذَّات الْحَيَاة الَّتِي أَدْنَيْت لَكُمْ وَقَرَّبْت مِنْكُمْ فِي دَاركُمْ هَذِهِ وَنَعِيمهَا
وَسُرُورهَا فِيهَا وَالْمُتَلَذّذ بِهَا وَالْمُنَافَس عَلَيْهَا , إِلَّا فِي لَعِب وَلَهْو ; لِأَنَّهَا عَمَّا قَلِيل تَزُول
عَنْ الْمُسْتَمْتِع بِهَا وَالْمُتَلَذِّذ فِيهَا بِمَلَاذِّهَا , أَوْ تَأْتِيهِ الْأَيَّام بِفَجَائِعِهَا وَصُرُوفهَا فَتَمُرّ عَلَيْهِ
وَتَكْدُر كَاللَّاعِبِ اللَّاهِي الَّذِي يُسْرِع اِضْمِحْلَال لَهْوه وَلَعِبه عَنْهُ , ثُمَّ يُعْقِبهُ مِنْهُ نَدَمًا
وَيُورِثُهُ مِنْهُ تَرَحًا . يَقُول : لَا تَغْتَرُّوا أَيُّهَا النَّاسُ بِهَا , فَإِنَّ الْمُغْتَرَّ بِهَا عَمَّا قَلِيل يَنْدَم .
{ وَلَلدَّارّ الْآخِرَة خَيْر لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } يَقُول : وَلَلْعَمَل بِطَاعَتِهِ وَالِاسْتِعْدَاد لِلدَّارِ الْآخِرَة
بِالصَّالِحِ مِنْ الْأَعْمَال الَّتِي تَبْقَى مَنَافِعهَا لِأَهْلِهَا وَيَدُوم سُرُور أَهْلهَا فِيهَا , خَيْر مِنْ
الدَّار الَّتِي تَفْنَى فَلَا يَبْقَى لِعُمَّالِهَا فِيهَا سُرُور وَلَا يَدُوم لَهُمْ فِيهَا نَعِيم .
{ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } يَقُول : لِلَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّه فَيَتَّقُونَهُ بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه
وَالْمُسَارَعَة إِلَى رِضَاهُ . { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } يَقُول : أَفَلَا يَعْقِل هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ
حَقِيقَةَ مَا نُخْبِرُهُمْ بِهِ مِنْ أَنَّ الْحَيَاة الدُّنْيَا لَعِب وَلَهْو , وَهُمْ يَرَوْنَ مَنْ يُخْتَرَم مِنْهُمْ
وَمَنْ يَمْلِك فَيَمُوت وَمَنْ تَنُوبُهُ فِيهَا النَّوَائِب وَتُصِيبهُ الْمَصَائِب وَتُفْجِعُهُ الْفَجَائِعُ ؟
فَفِي ذَلِكَ لِمَنْ عَقَلَ مُدَّكَر وَمُزْدَجَر عَنْ الرُّكُون إِلَيْهَا وَاسْتِعْبَاد النَّفْس لَهَا , وَدَلِيل
وَاضِح عَلَى أَنَّ لَهَا مُدَبِّرًا وَمُصَرِّفًا يَلْزَم الْخَلْقَ إِخْلَاصُ الْعِبَادَة لَهُ بِغَيْرِ إِشْرَاك
شَيْء سِوَاهُ مَعَه .