وقفة أولى مع الاقتصاد السعودي...... مقال جيد

دخيل الله

عضو نشط
التسجيل
17 يونيو 2006
المشاركات
450
http://www.alaswaq.net/views/2008/12/12/20055.html

د. محمد بن ناصر الجديد

بدأت منظومة الاقتصاد السعودي مطلع هذا العقد رحلة عبور الموجة
الخمسينية الثانية (2000 - 2050) بعد أن عبرت الموجة الخمسينية الأولى (
1950 - 2000) بنجاح، مسجلة مستويات اقتصادية مرموقة ستمكنها، بإذن
الله، من مواصلة المسيرة بما يعود بالنمو والرخاء المستديمين على جميع
مكوناتها.

ولما تحمله رحلة عبور الموجة الخمسينية الثانية من تحديات وآفاق مختلفة
في الكم والنوع عن تلك التي ظهرت إبان رحلة عبور الموجة الخمسينية
الأولى، فإنه من الأهمية بمكان قراءة سجل الرحلة الماضية في محاولة
لتوظيف دروس الأمس بما يحقق آفاق الغد.

وعلى الرغم من تحفظ عدد ليس بالقليل من المختصين على منهجية قراءة
الماضي لرسم ملامح المستقبل، إلا أن هذه المنهجية استطاعت أن تضع
مساحة من الجدوى في أدبيات وتطبيقات العلوم الحديثة بما لا يسمح
بتجاهل فرضياتها ونتائجها.

يعد ابن خلدون من أشهر العلماء في اتباع منهجية قراءة الماضي لرسم
ملامح المستقبل. فهو المنشئ الأول لعلم الاجتماع عندما عالجت أبحاثه
ومقدمته الشهيرة المظاهر الاجتماعية بأسلوب إبداعي أسهم في ربط
المؤشرات الحالية بالتطورات المقبلة.

لعلي أقتبس من مقدمة ابن خلدون ما يوضح نظرته إلى علم الاجتماع
والتاريخ، وأهمية عدم تجاهل الماضي عند رسم ملامح المستقبل. يقول
ابن خلدون:

"من الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم والأجيال
بتبدل الأمصار ومرور الأيام. وهو داء شديد الخفاء. إذ لا يقع إلا بعد أحقاب
متطاولة. فلا يكاد يتفطن له إلا الآحاد من أهل الخليقة. وذلك أن أحوال
العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر.
إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال. وكما يكون
ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار، فكذلك يقع في الآفاق والأقطار
والأزمنة والدول. سنة الله تعالى التي خلت في عباده".


ألقت أبحاث ومقدمة ابن خلدون بظلال تأثيرها في كثير من علماء الاجتماع
والاقتصاد. من أهم علماء الاجتماع، الإيطالي فيكو، والألماني ليسينج،
والفرنسي فولتيد. ومن أهم علماء الاقتصاد، الروسي كوندراتيف، والنمساوي
شمبتير، والإنجليزي مالتوس.

عكف العالم الروسي كوندراتيف على دراسة الظواهر الاقتصادية التي مرت
بمنظومة الاقتصاد العالمي الحديث في محاولة لتفسير حالات النمو والتباطؤ
الاقتصادية التي حلت بمنظومة الاقتصاد العالمي الحديث منذ منتصف القرن
الثامن عشر الميلادي وحتى بداية القرن العشرين الميلادي.

خرج كوندراتيف بنتيجة خلاصتها أن منظومة الاقتصاد العالمي الحديث مرت
بخمس موجات متسلسلة. راوحت الموجة الواحدة في طولها قرابة 50 إلى
60 عاما. تشابهت هذه الموجات في الخواص، والسلوك، والتأثير، وتباينت في
المحركات الرئيسة لنموها وتباطئها الاقتصادي.

أطلق كوندراتيف على الموجة الأولى عصر الثورة الصناعية، وحدد بدايته في
1771. وأطلق على الموجة الثانية عصر الآلات البخارية والسكك الحديد،
وحدد بدايته في 1829. وأطلق على الموجة الثالثة عصر الحديد والكهرباء
والصناعات الثقيلة، وحدد بدايته في 1875.

وأطلق على الموجة الرابعة عصر النفط والسيارات والإنتاج الغزير، وحدد
بدايته في 1908. وأطلق تلاميذ كوندراتيف على الموجة الخامسة عصر
المعلومات والاتصالات، الذي تمر به حاليا منظومة الاقتصاد العالمي الحديث
منذ 1971.

أحد هؤلاء التلاميذ العالم النمساوي شمبتير. حيث رغب شمبتير في تفصيل
الموجات الخمس أعلاه على منظومة الاقتصاد المحلي بهدف تفسير التباين
بين نمو وتباطؤ منظومة اقتصاد محلي عن أقرانها من بقية منظومات
الاقتصادات المحلية.

خرج شمبتير بنتيجة خلاصتها أن كل منظومة اقتصاد محلي تمر بأربع موجات
صغيرة في الوقت ذاته الذي تمر فيه منظومة الاقتصاد العالمي الحديث
بالموجة الكبيرة. تعيد هذه الموجات الأربع الصغيرة نفسها في كل موجة
كبيرة. يراوح معدل طول الموجة الصغيرة نحو عشرة أعوام. وتجسد كل
موجة صغيرة حالة منظومة الاقتصاد المحلي من حالات النمو والتباطؤ،
ومنشأ تحدياته وآفاقه.

وجد شمبتير أن الموجتين الصغيرتين الأولى والثانية موجتا نمو، وأن
الموجتين الصغيرتين الثالثة والرابعة موجتا تباطؤ. كما وجد في السياق ذاته
فيصلا بين موجات النمو والتباطؤ عبارة عن حالة انهيار اقتصادي مؤقت تصيب
منظومة الاقتصاد المحلي بسبب عدم استيعاب مقاومتها المستجدات
المحيطة بها.

كثيرة هي الفوائد التي نستنتجها عند قراءة سجل رحلة عبور منظومة
الاقتصاد السعودي الموجة الخمسينية الأولى من منظور أبحاث وأدبيات
العلماء: ابن خلدون، كوندراتيف، وشمبتير.

ففي هذه القراءة من الوقائع ما لا يساعد على تفسير المؤشرات الاقتصادية
والاجتماعية والسياسة الحالية لرسم الملامح المقبلة فحسب، وإنما ما
يمكن من إعداد المقومات الكفيلة باغتنام فرص الغد وبلوغ آفاقه.

*عن صحيفة"الإقتصادية" السعودية
 
أعلى