سؤال مهم:لماذا لا تتجه الكويت إلى الفائدة الصفرية؟

baderalnajdi

عضو نشط
التسجيل
7 سبتمبر 2008
المشاركات
528
الإقامة
الكويت
أ.د. محمد إبراهيم السقا

إذا كان العالم يتجه الآن نحو معدلات تقترب من الصفر، فإن المعدلات الحالية للفائدة في دولة الكويت تعد مرتفعة جدا، مقارنة بالمستهدفات المعلنة للبنك المركزي في ما يتعلق بمستويات معدل الفائدة الاسمي على الدينار الكويتي. فقد درج بنك الكويت المركزي على الحفاظ على هامش بين معدل الفائدة الاسمي على الدينار ومعدل الفائدة الاسمي على الدولار الاميركي، وذلك لمصلحة الدينار الكويتي في حدود ما بين 0،25% إلى 0،5%، بهدف الحد من تدفقات رؤوس الأموال الى الخارج، والمحافظة على استقرار معدلات الصرف، وإذا كان الوضع كذلك فإن معدل الفائدة الأساسي في الكويت يجب ان ينخفض بصورة حادة، بحيث لا يتجاوز معدل الفائدة الأساسي الآن حدود ما بين 0،5% إلى 0،75%.

وبقاء معدلات الفائدة عند مستوياتها الحالية في الكويت يعني انها تنحرف بشكل واضح عن اتجاهها العام بالنسبة لمعدل الفائدة على الدولار الاميركي. وعلى ذلك فإن هناك حاجة إلى خفض معدلات الفائدة في الكويت عند مستويات قريبة من هذه المستويات الدنيا، الامر الذي سيشجع جهود البنك المركزي المبذولة لمعالجة اوضاع سوق المال ويخفض من تكاليف الاقتراض للشركات المتعثرة، خصوصا في ظل المعدلات المرتفعة نسبيا للتضخم في دولة الكويت.


ماذا عالمياً؟

أعلن البنك المركزي الياباني أنه سوف يعود مرة أخرى لسياسات معدل الفائدة الصفري التي اتبعها في التسعينات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وذلك بتخفيض معدل الفائدة الى 0.01%، أي حوالي صفر%، وكان الاحتياطي الفدرالي قد أعلن في 16 ديسمبر الماضي أن معدل الفائدة المستهدف هو ما بين 0.0% الى 0.25% ، وأنه لا حدود لتخفيض معدل الفائدة في الولايات المتحدة، أي أن معدل الفائدة من الممكن ان يصل الى أرضيته الصفرية.

وقد جاء هذا الإعلان رد فعل للتطورات الاقتصادية والمؤشرات السيئة التي كشف عنها سوق العمل في صورة ارتفاع لمعدلات البطالة، وانخفاض استثمار قطاع الأعمال وكذلك انخفاض الإنتاج الصناعي، ومن ثم فإن جميع المؤشرات التي تشيرالى تراجع الأداء الاقتصادي الأميركي، مما يعني أن القطار قد وصل بالفعل الى محطة الكساد.

انخفاض معدلات الفائدة الى مستويات قريبة من الصفر أصبح اليوم ظاهرة عالمية في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية.

ان انخفاض معدلات الفائدة الاسمية الى الصفر، يؤدي تحول معدلات الفائدة الحقيقية الى معدلات فائدة سالبة في حال وجود أي معدل موجب للتضخم، ويعني ذلك أن الذين يستثمرون في شراء السندات الحكومية انما يقومون بتحويل جانب من ثرواتهم الى البنوك المركزية لهذه الدول.

كذلك فإن هذا الوضع يؤدي الىاثارة قلق المودعين حول مودعاتهم المصرفية، ولذلك نجد أنه في ظل معدلات الفائدة الصفرية، سوف يقاوم المستثمرون الرغبة في شراء السندات الحكومية أو ايداع أموالهم في البنوك، مما يؤدي الى ازدياد تفضيل السيولة لدى الجمهور ومن ثم ينشأ في الاقتصاد ما يسمى بمصيدة السيولة.

وتعد ظاهرة مصيدة السيولة نادرة الحدوث من الناحية العملية. وكان جون ماينارد كينز عالم الاقتصاد المعروف قد أدخل فكرة مصيدة السيولة خلال الكساد العالمي الكبير في القرن الماضي، وهي الحالة التي يصل فيها معدل الفائدة الى الصفر أو يقترب من الصفر، على سبيل المثال في بداية عام 1933 بلغ معدل الفائدة على أذون الخزانة الأميركية لمدة 3 أشهر ما يساوي 0.05%.

وقد عادت ظاهرة مصيدة السيولة الى السطح مرة أخرى في نهاية التسعينات في اليابان، حيث انخفض معدل الفائدة تماما الى الصفر في النصف الثاني من عقد التسعينات في القرن الماضي، كذلك تضاعفت القاعدة النقدية في اليابان من خلال اجراءات تقليدية وغير تقليدية لزيادة مستويات الأسعار ولتشجيع الطلب الكلي. ولمعدل الفائدة الصفري العديد من الآثار أهمها ضعف فعالية السياسة النقدية.

• ضعف فعالية السياسة النقدية وبصفة خاصة في ظل مناخ التضخم المنخفض، حيث تفقد السلطات النقدية احد أهم أدواتها للتحكم في النشاط الاقتصادي وهو تعديل مستويات معدل الفائدة بما يتناسب مع مستويات النشاط الاقتصادي المستهدف، حيث لا تستطيع السلطات النقدية تخفيض معدل الفائدة عندما يبلغ مستويات أرضيته الصفرية، ومن ثم يفقد معدل الفائدة فعاليته كأداة من الأدوات التي يمكن أن يستخدمها البنك المركزي في هذه الأوضاع. ووفقا لقاعدة "تايلور" فان البنك المركزي يستطيع أن يعدل معدل الفائدة عند المستويات المناسبة لتحقيق مستهدفاته المرتبطة بالنشاط الاقتصادي وبصفة خاصة التوظف. وعندما يصل معدل الفائدة الى الصفر، يفقد البنك المركزي هذه الأداة، حيث ان معدل الفائدة الاسمي لا يمكن أن ينخفض عن مستواه الصفري.

• في حال فقدان السلطات النقدية قدرتها على خفض معدلات الفائدة لدفع مستويات النشاط الاقتصادي، فان خياراتها تصبح محدودة الى الحد الذي قد يدفع السلطات النقدية الى اتخاذ تدابير غير تقليدية في ادارة السياسة النقدية، على سبيل المثال زيادة القاعدة النقدية لزيادة عرض النقود والتغلب على التوقعات الانكماشية في مناخ الأزمة. أي أنه في ظل معدلات الفائدة الصفرية فإن أي اجراء للسياسة النقدية يجب أن يأتي من خلال أدوات أخرى غير الأدوات التقليدية للسياسة النقدية، مثل زيادة عرض النقود من خلال توسيع القاعدة النقدية أو شراء البنك المركزي للأصول المالية، أو استخدام الاحتياطيات من النقد الأجنبي.

• عندما تنخفض معدلات الفائدة الى المستويات الصفرية، فان ذلك يؤدي الى انخفاض واضح في المودعات لدى البنوك، ومن ثم، فانه على الرغم من أن معدلات الفائدة بين البنوك قد تكون صفرا، فان البنوك ربما تحاول الحفاظ على معدلات الفائدة على المودعات موجبة، لكي تشجع الجمهور على الاستمرار في الإيداع.

• قد تشجع معدلات الفائدة الصفرية الأجانب على الاقتراض من السوق المحلي للاستفادة من فروق معدلات الفائدة، خصوصا اذا كانت معدلات الصرف مستقرة، وذلك في اطار عمليات تحكيم لمعدلات الفائدة. غير أن هذا التحكيم يتوقف عندما تصل معدلات الفائدة الى مستوياتها الصفرية في كل الدول.


المعدل الصفري والمعدل الحقيقي

يعتمد اثر معدلات الفائدة الصفرية على معدل التضخم المتوقع، ومن ثم الأثر على معدل الفائدة الحقيقي. إن معدل الفائدة الحقيقي يساوي معدل الفائدة الاسمي مطروحا منه معدل التضخم المتوقع، فإذا كان معدل التضخم موجبا، فان ذلك سوف يعني أن معدل الفائدة الصفري يحول معدلات الفائدة الحقيقية إلى معدلات سالبة، وهو أمر سيئ بالنسبة للمودعين، إلا أنه يسهم بشكل أفضل في تحقيق المستويات المستهدفة من الطلب الكلي اللازم لتحفيز مستويات النشاط الاقتصادي في المجتمع. ويعني ذلك أن السلطات النقدية في مثل هذه الحال يمكنها تحقيق المستوى المستهدف من الطلب الكلي من خلال استهداف معدل التضخم اللازم لتخفيض معدل الفائدة الحقيقي إلى مستويات سالبة تكفي لحفز الطلب الكلي عند مستويات الناتج التوازني المرغوبة. ويعني ذلك أن معدل التضخم المعتدل كأحد المستهدفات للسياسة النقدية يعد أمرا ضروريا لضمان فعالية السياسة النقدية عند معدل الفائدة الصفري.

غير أن الخطورة الأساسية لمعدل الفائدة الصفري تتمثل في انه يمكن أن يستدرج الاقتصاد العالمي إلى مصيدة الانكماش، وذلك إذا ما تحول اتجاه التوقعات التضخمية نحو النزول خصوصا في ضوء الانخفاض في أسعار الطاقة وغيرها من العوامل التي يتوقع معها أن تستمر الضغوط التضخمية في التراجع. حيث إنه إذا تحول معدل التضخم ليصبح سالبا، فان ذلك يحول معدلات الفائدة الحقيقية من مستويات سالبة إلى مستويات موجبة، على الرغم من أن معدل الفائدة الاسمي يساوي صفرا. ويترتب على ذلك تراجع مستويات الطلب الكلي، الأمر الذي يؤدي إلى تسارع معدل انخفاض التضخم، ومن ثم ميل معدلات الفائدة الحقيقية إلى الارتفاع بمعدلات أكبر، فتتراجع مستويات الطلب الكلي نتيجة لذلك، ويدور الاقتصاد تبعا لذلك في دائرة خبيثة من ارتفاع معدلات الفائدة الحقيقية وتراجع معدلات التضخم، وهو ما يدخل الاقتصاد في ما يسمى بمصيدة الانكماش.

في مثل هذه الحال لا تصلح السياسات النقدية لمعالجة مصيدة الانكماش. ومن ثم يبقى أمام صانع السياسة الاقتصادية سبيلان للخروج من هذه الأزمة، الأول هو اتباع سياسات مالية فعالة من خلال تبني إجراءات تهدف إلى إحداث عجز في الميزانية العامة لإحداث زيادة مستقلة في مستويات الاستهلاك والاستثمار الكلي، ومن ثم تحفيز مستويات الطلب الكلي للخروج من مصيدة الانكماش.

أما السبيل الثاني فهو تهيئة الظروف المناسبة للتوقعات بارتفاع معدل التضخم، بمعنى آخر أن تتبنى السلطات النقدية مستهدفات حول حد أدنى من معدلات التضخم، وغني عن البيان انه لا يمكن تهيئة تلك الظروف من دون توفير المناخ اللازم لرفع مستويات الطلب الكلي بما يغذي التوقعات التضخمية.

العالم الآن إذاً، يواجه معضلة خطيرة في ظل معدلات الفائدة الصفرية، حيث إن أي تدهور في الأداء الاقتصادي الكلي سوف يؤدي إلى ميل معدل التضخم نحو الانخفاض، وهو ما سوف يتبعه تدهور في الأداء عبر دورة الكساد، ومن ثم تزداد فرص احتمال انتشار الكساد العالمي الحاد، أي أنه في ظل هذه الأوضاع ليس من المتوقع إذاً أن ينحسر الكساد العالمي بسرعة، ومن الممكن أن يستمر لفترة طويلة خصوصا مع تراجع معدلات التضخم.

*قسم الاقتصاد – جامعة الكويت
**نقلاً عن صحيفة "القبس" الكويتية
 
أعلى