ريفالدو
موقوف
- التسجيل
- 26 أغسطس 2003
- المشاركات
- 698
دروس غير مستفادة... من الأزمات المالية والاقتصادية العالمية
بقلم - د. رشاد عبده
يتفق الكثير من المحللين مع المقولة التاريخية والاقتصادية والفلسفية والسياسية بأن التاريخ يعيد ذاته، وكذا مع مقولة أن الأزمات المالية والاقتصادية العالمية تعود لتتكرر من جديد، وإن اتخذت صوراً وأشكالا مختلفة تحمل نفس الأسباب، والتي يتمثل أهمها في ذلك النقص الحاد في السيولة والانحسار الشديد في الائتمان المصرفي وانعدام الثقة بين الإفراد والمؤسسات المالية من جانب، وبين المؤسسات المالية وبعضها البعض من جانب آخر.
وعلى الرغم من ادعاء البعض في المعتاد بأن تلك الأزمات، ما هي إلا أزمات عارضة غير مسبوقة، إلا أن الأمر المؤكد هو أن ثمار الأزمات الحالية تحمل في طياتها بذوراً لأزمات أخرى قادمة، بما يؤكد تكرار هذه الأزمات وإن اختلفت قليلا في مسبباتها، وأن من يدفع الثمن الأكبر في هذه الأزمات هم عادة غير المتسببين فيها، والأمثلة على ذلك قديمة ومتعددة، بدءاً من أزمة زهرة التيوليب الهولندية في القرن السابع عشر، إلى فقاعة بحر الجنوب في القرن الثامن عشر، مروراً بتدهور السوق الآجلة للقطن في القرن التاسع عشر، ثم الكساد الكبير في بداية القرن العشرين نتيجة للتلاعب في سوق الأوراق المالية، وما تلا ذلك من مقامرات مالية مستغله تلك التسهيلات الائتمانية السهلة الممنوحة دون ضوابط، اعتمادا على تدفق الكثير من المدخرات ورؤوس الأموال إلى أوعية مالية غير مساندة لأنشطة إنتاجية، وذلك بالنظر لمحدودية المجالات الاستثمارية والتي تتصف بالعوائد المتواضعة.
وما حدث بالأزمات السابقة، هو نفسه ما حدث مع انهيار الأسواق المالية في دول جنوب شرق آسيا في عام 1997، وكذا ما حدث في الربع الأخير من عام 2008 يضاف إليها أزمة الرهن العقاري وما ترتب عليها من أزمة سيولة وتوقف عن منح الائتمان، وانعدام للثقة في المؤسسات المالية المختلفة، دون أن يهتم أحد بالالتفات أو استعادة الدروس المستفادة من الأزمات السابقة ودراسة وتحليل توصيات المؤتمرات المحلية والدولية لتجنب الوقوع في مثل هذه الأزمات من جديد.... وكأن العالم لا يرغب في الاستفادة من تلك التوصيات والدروس السابقة سواءً عدم تطبيق معايير الشفافية والإفصاح، أو الاهتمام بتعظيم قيمة المعلومات وكفاءة الأسواق، أو تفعيل قواعد الرقابة الداخلية للحد من الانفلات الواضح في منح الائتمان لمن يستحق ومن لا يستحق من المقترضين.
وكان علينا إدراك وتحليل حالة التراخي التي كانت عليها مؤسسات الرقابة في عدد كبير من الدول المتقدمة وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض من الدول الأوروبية الكبرى والتي اشترطت إخضاع القطاعات المالية بالأسواق الناشئة لإجراءات الفحص والمتابعة من خلال لجان مشتركة من صندوق النقد والبنك الدوليين، فيما عرف ببرنامج تقييم القطاعات المالية، في الوقت الذي امتنعت فيه هذه الدول المتقدمة عن إخضاع قطاعاتها المالية لهذا الفحص الذي يعمل على التعرف على المشكلات المالية والاقتصادية أولاً بأول وقبل تفاقمها، ولم تهتم الدول المتقدمة كثيراً بذلك التراخي الرقابي، اعتمادا منها على ارتفاع معدلات النمو وزيادة التدفقات النقدية والمالية بالأسواق، بحيث تغطى كافة الأخطاء وضعف الرقابة وانتشار الفساد.
ومع انخفاض معدلات النمو في الولايات المتحدة الأمريكية اعتبارا من عام 2006 بدأ الحديث حول إصابة الاقتصاد الأمريكي بحالة من الركود، وبدلاً من لجوء المسؤولين الأمريكيين لاتخاذ بعض الإجراءات الاحتوائية لمواجهة ذلك الركود، استمرت عمليات منح الائتمان بشكل منفلت، وظهر العديد من الأخطاء وعدم الانضباط وقصور الرقابة إلى السطح، وتم في البداية الإعلان عن بعض الخسائر المحدودة، أعقبها اضطرار الحكومة إلى التدخل في محاولة منها لإنقاذ بعض المؤسسات الكبرى من خلال عمليات الدمج القسرى، إلى أن تفجرت الأزمة في بداية الربع الأخير من عام 2008 حين سمحت السلطات الأمريكية بإفلاس وانهيار بنك ليمان براذرز الذي يعد رابع أكبر بنك استثماري أمريكي، فكان ذلك بمثابة الإعلان الرسمي عن بداية الأزمة المالية العالمية الكبرى الحالية.
وعندما آنت لحظة عدم قدرة المؤسسات المالية على السداد، بدأت سلسلة الانهيارات والإفلاسات بشكل متتابع.... وفى ظل سيادة حالة عدم الثقة المرتبطة بعدم توفر السيولة، في أعقاب فترات الإفراط في الثقة، سادت الأسواق حالة من القلق، سرعان ما تحولت إلى هلع وفزع، انقلبت إلى حالة من الفوضى العارمة التي قضت على الكثير من المؤسسات المالية، واتسعت نطاق الأزمة لتشمل بالإضافة إلى القطاع المالي كافة القطاعات التجارية والاقتصادية من صناعة وزراعة وغيرها.... وما ترتب على ذلك من زيادة في إعداد المتعطلين والفقراء.
وتشير كافة الدراسات والتوقعات على استمرار حالة الكساد العالمي لما لا يقل عن عامين قادمين، وأن معدلات النمو في عام 2009 في العديد من الدول المتقدمة سواء الأوروبية أو الأمريكية سوف تؤل إلى الصفر وربما تقل عن ذلك في بعض الدول، في ظل عدم قدرة الكثير من المؤسسات المالية والائتمانية على القيام بدورها الائتماني والتنموي.... وأنه لا سبيل أمام هذه المؤسسات للخروج من الأزمة سوى استعادة الثقة المفتقدة وعودة السيولة المالية، وتركيز أكبر على كفاءة الأسواق وتطبيق لمعايير الشفافية وتفعيل لقواعد الرقابة الداخلية والحد من العمليات المنفلتة لمنح الائتمان، إلا للمشروعات والأنشطة التي لها جدوى اقتصادية قائمة عل أسس علمية وعملية سليمة.
* نقلاً عن صحيفة الشرق القطرية .
بقلم - د. رشاد عبده
يتفق الكثير من المحللين مع المقولة التاريخية والاقتصادية والفلسفية والسياسية بأن التاريخ يعيد ذاته، وكذا مع مقولة أن الأزمات المالية والاقتصادية العالمية تعود لتتكرر من جديد، وإن اتخذت صوراً وأشكالا مختلفة تحمل نفس الأسباب، والتي يتمثل أهمها في ذلك النقص الحاد في السيولة والانحسار الشديد في الائتمان المصرفي وانعدام الثقة بين الإفراد والمؤسسات المالية من جانب، وبين المؤسسات المالية وبعضها البعض من جانب آخر.
وعلى الرغم من ادعاء البعض في المعتاد بأن تلك الأزمات، ما هي إلا أزمات عارضة غير مسبوقة، إلا أن الأمر المؤكد هو أن ثمار الأزمات الحالية تحمل في طياتها بذوراً لأزمات أخرى قادمة، بما يؤكد تكرار هذه الأزمات وإن اختلفت قليلا في مسبباتها، وأن من يدفع الثمن الأكبر في هذه الأزمات هم عادة غير المتسببين فيها، والأمثلة على ذلك قديمة ومتعددة، بدءاً من أزمة زهرة التيوليب الهولندية في القرن السابع عشر، إلى فقاعة بحر الجنوب في القرن الثامن عشر، مروراً بتدهور السوق الآجلة للقطن في القرن التاسع عشر، ثم الكساد الكبير في بداية القرن العشرين نتيجة للتلاعب في سوق الأوراق المالية، وما تلا ذلك من مقامرات مالية مستغله تلك التسهيلات الائتمانية السهلة الممنوحة دون ضوابط، اعتمادا على تدفق الكثير من المدخرات ورؤوس الأموال إلى أوعية مالية غير مساندة لأنشطة إنتاجية، وذلك بالنظر لمحدودية المجالات الاستثمارية والتي تتصف بالعوائد المتواضعة.
وما حدث بالأزمات السابقة، هو نفسه ما حدث مع انهيار الأسواق المالية في دول جنوب شرق آسيا في عام 1997، وكذا ما حدث في الربع الأخير من عام 2008 يضاف إليها أزمة الرهن العقاري وما ترتب عليها من أزمة سيولة وتوقف عن منح الائتمان، وانعدام للثقة في المؤسسات المالية المختلفة، دون أن يهتم أحد بالالتفات أو استعادة الدروس المستفادة من الأزمات السابقة ودراسة وتحليل توصيات المؤتمرات المحلية والدولية لتجنب الوقوع في مثل هذه الأزمات من جديد.... وكأن العالم لا يرغب في الاستفادة من تلك التوصيات والدروس السابقة سواءً عدم تطبيق معايير الشفافية والإفصاح، أو الاهتمام بتعظيم قيمة المعلومات وكفاءة الأسواق، أو تفعيل قواعد الرقابة الداخلية للحد من الانفلات الواضح في منح الائتمان لمن يستحق ومن لا يستحق من المقترضين.
وكان علينا إدراك وتحليل حالة التراخي التي كانت عليها مؤسسات الرقابة في عدد كبير من الدول المتقدمة وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض من الدول الأوروبية الكبرى والتي اشترطت إخضاع القطاعات المالية بالأسواق الناشئة لإجراءات الفحص والمتابعة من خلال لجان مشتركة من صندوق النقد والبنك الدوليين، فيما عرف ببرنامج تقييم القطاعات المالية، في الوقت الذي امتنعت فيه هذه الدول المتقدمة عن إخضاع قطاعاتها المالية لهذا الفحص الذي يعمل على التعرف على المشكلات المالية والاقتصادية أولاً بأول وقبل تفاقمها، ولم تهتم الدول المتقدمة كثيراً بذلك التراخي الرقابي، اعتمادا منها على ارتفاع معدلات النمو وزيادة التدفقات النقدية والمالية بالأسواق، بحيث تغطى كافة الأخطاء وضعف الرقابة وانتشار الفساد.
ومع انخفاض معدلات النمو في الولايات المتحدة الأمريكية اعتبارا من عام 2006 بدأ الحديث حول إصابة الاقتصاد الأمريكي بحالة من الركود، وبدلاً من لجوء المسؤولين الأمريكيين لاتخاذ بعض الإجراءات الاحتوائية لمواجهة ذلك الركود، استمرت عمليات منح الائتمان بشكل منفلت، وظهر العديد من الأخطاء وعدم الانضباط وقصور الرقابة إلى السطح، وتم في البداية الإعلان عن بعض الخسائر المحدودة، أعقبها اضطرار الحكومة إلى التدخل في محاولة منها لإنقاذ بعض المؤسسات الكبرى من خلال عمليات الدمج القسرى، إلى أن تفجرت الأزمة في بداية الربع الأخير من عام 2008 حين سمحت السلطات الأمريكية بإفلاس وانهيار بنك ليمان براذرز الذي يعد رابع أكبر بنك استثماري أمريكي، فكان ذلك بمثابة الإعلان الرسمي عن بداية الأزمة المالية العالمية الكبرى الحالية.
وعندما آنت لحظة عدم قدرة المؤسسات المالية على السداد، بدأت سلسلة الانهيارات والإفلاسات بشكل متتابع.... وفى ظل سيادة حالة عدم الثقة المرتبطة بعدم توفر السيولة، في أعقاب فترات الإفراط في الثقة، سادت الأسواق حالة من القلق، سرعان ما تحولت إلى هلع وفزع، انقلبت إلى حالة من الفوضى العارمة التي قضت على الكثير من المؤسسات المالية، واتسعت نطاق الأزمة لتشمل بالإضافة إلى القطاع المالي كافة القطاعات التجارية والاقتصادية من صناعة وزراعة وغيرها.... وما ترتب على ذلك من زيادة في إعداد المتعطلين والفقراء.
وتشير كافة الدراسات والتوقعات على استمرار حالة الكساد العالمي لما لا يقل عن عامين قادمين، وأن معدلات النمو في عام 2009 في العديد من الدول المتقدمة سواء الأوروبية أو الأمريكية سوف تؤل إلى الصفر وربما تقل عن ذلك في بعض الدول، في ظل عدم قدرة الكثير من المؤسسات المالية والائتمانية على القيام بدورها الائتماني والتنموي.... وأنه لا سبيل أمام هذه المؤسسات للخروج من الأزمة سوى استعادة الثقة المفتقدة وعودة السيولة المالية، وتركيز أكبر على كفاءة الأسواق وتطبيق لمعايير الشفافية وتفعيل لقواعد الرقابة الداخلية والحد من العمليات المنفلتة لمنح الائتمان، إلا للمشروعات والأنشطة التي لها جدوى اقتصادية قائمة عل أسس علمية وعملية سليمة.
* نقلاً عن صحيفة الشرق القطرية .