دروس غير مستفادة... من الأزمات المالية والاقتصادية العالمية

ريفالدو

موقوف
التسجيل
26 أغسطس 2003
المشاركات
698
دروس غير مستفادة... من الأزمات المالية والاقتصادية العالمية


بقلم - د. رشاد عبده

يتفق الكثير من المحللين مع المقولة التاريخية والاقتصادية والفلسفية والسياسية بأن التاريخ يعيد ذاته، وكذا مع مقولة أن الأزمات المالية والاقتصادية العالمية تعود لتتكرر من جديد، وإن اتخذت صوراً وأشكالا مختلفة تحمل نفس الأسباب، والتي يتمثل أهمها في ذلك النقص الحاد في السيولة والانحسار الشديد في الائتمان المصرفي وانعدام الثقة بين الإفراد والمؤسسات المالية من جانب، وبين المؤسسات المالية وبعضها البعض من جانب آخر.
وعلى الرغم من ادعاء البعض في المعتاد بأن تلك الأزمات، ما هي إلا أزمات عارضة غير مسبوقة، إلا أن الأمر المؤكد هو أن ثمار الأزمات الحالية تحمل في طياتها بذوراً لأزمات أخرى قادمة، بما يؤكد تكرار هذه الأزمات وإن اختلفت قليلا في مسبباتها، وأن من يدفع الثمن الأكبر في هذه الأزمات هم عادة غير المتسببين فيها، والأمثلة على ذلك قديمة ومتعددة، بدءاً من أزمة زهرة التيوليب الهولندية في القرن السابع عشر، إلى فقاعة بحر الجنوب في القرن الثامن عشر، مروراً بتدهور السوق الآجلة للقطن في القرن التاسع عشر، ثم الكساد الكبير في بداية القرن العشرين نتيجة للتلاعب في سوق الأوراق المالية، وما تلا ذلك من مقامرات مالية مستغله تلك التسهيلات الائتمانية السهلة الممنوحة دون ضوابط، اعتمادا على تدفق الكثير من المدخرات ورؤوس الأموال إلى أوعية مالية غير مساندة لأنشطة إنتاجية، وذلك بالنظر لمحدودية المجالات الاستثمارية والتي تتصف بالعوائد المتواضعة.
وما حدث بالأزمات السابقة، هو نفسه ما حدث مع انهيار الأسواق المالية في دول جنوب شرق آسيا في عام 1997، وكذا ما حدث في الربع الأخير من عام 2008 يضاف إليها أزمة الرهن العقاري وما ترتب عليها من أزمة سيولة وتوقف عن منح الائتمان، وانعدام للثقة في المؤسسات المالية المختلفة، دون أن يهتم أحد بالالتفات أو استعادة الدروس المستفادة من الأزمات السابقة ودراسة وتحليل توصيات المؤتمرات المحلية والدولية لتجنب الوقوع في مثل هذه الأزمات من جديد.... وكأن العالم لا يرغب في الاستفادة من تلك التوصيات والدروس السابقة سواءً عدم تطبيق معايير الشفافية والإفصاح، أو الاهتمام بتعظيم قيمة المعلومات وكفاءة الأسواق، أو تفعيل قواعد الرقابة الداخلية للحد من الانفلات الواضح في منح الائتمان لمن يستحق ومن لا يستحق من المقترضين.
وكان علينا إدراك وتحليل حالة التراخي التي كانت عليها مؤسسات الرقابة في عدد كبير من الدول المتقدمة وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض من الدول الأوروبية الكبرى والتي اشترطت إخضاع القطاعات المالية بالأسواق الناشئة لإجراءات الفحص والمتابعة من خلال لجان مشتركة من صندوق النقد والبنك الدوليين، فيما عرف ببرنامج تقييم القطاعات المالية، في الوقت الذي امتنعت فيه هذه الدول المتقدمة عن إخضاع قطاعاتها المالية لهذا الفحص الذي يعمل على التعرف على المشكلات المالية والاقتصادية أولاً بأول وقبل تفاقمها، ولم تهتم الدول المتقدمة كثيراً بذلك التراخي الرقابي، اعتمادا منها على ارتفاع معدلات النمو وزيادة التدفقات النقدية والمالية بالأسواق، بحيث تغطى كافة الأخطاء وضعف الرقابة وانتشار الفساد.

ومع انخفاض معدلات النمو في الولايات المتحدة الأمريكية اعتبارا من عام 2006 بدأ الحديث حول إصابة الاقتصاد الأمريكي بحالة من الركود، وبدلاً من لجوء المسؤولين الأمريكيين لاتخاذ بعض الإجراءات الاحتوائية لمواجهة ذلك الركود، استمرت عمليات منح الائتمان بشكل منفلت، وظهر العديد من الأخطاء وعدم الانضباط وقصور الرقابة إلى السطح، وتم في البداية الإعلان عن بعض الخسائر المحدودة، أعقبها اضطرار الحكومة إلى التدخل في محاولة منها لإنقاذ بعض المؤسسات الكبرى من خلال عمليات الدمج القسرى، إلى أن تفجرت الأزمة في بداية الربع الأخير من عام 2008 حين سمحت السلطات الأمريكية بإفلاس وانهيار بنك ليمان براذرز الذي يعد رابع أكبر بنك استثماري أمريكي، فكان ذلك بمثابة الإعلان الرسمي عن بداية الأزمة المالية العالمية الكبرى الحالية.
وعندما آنت لحظة عدم قدرة المؤسسات المالية على السداد، بدأت سلسلة الانهيارات والإفلاسات بشكل متتابع.... وفى ظل سيادة حالة عدم الثقة المرتبطة بعدم توفر السيولة، في أعقاب فترات الإفراط في الثقة، سادت الأسواق حالة من القلق، سرعان ما تحولت إلى هلع وفزع، انقلبت إلى حالة من الفوضى العارمة التي قضت على الكثير من المؤسسات المالية، واتسعت نطاق الأزمة لتشمل بالإضافة إلى القطاع المالي كافة القطاعات التجارية والاقتصادية من صناعة وزراعة وغيرها.... وما ترتب على ذلك من زيادة في إعداد المتعطلين والفقراء.
وتشير كافة الدراسات والتوقعات على استمرار حالة الكساد العالمي لما لا يقل عن عامين قادمين، وأن معدلات النمو في عام 2009 في العديد من الدول المتقدمة سواء الأوروبية أو الأمريكية سوف تؤل إلى الصفر وربما تقل عن ذلك في بعض الدول، في ظل عدم قدرة الكثير من المؤسسات المالية والائتمانية على القيام بدورها الائتماني والتنموي.... وأنه لا سبيل أمام هذه المؤسسات للخروج من الأزمة سوى استعادة الثقة المفتقدة وعودة السيولة المالية، وتركيز أكبر على كفاءة الأسواق وتطبيق لمعايير الشفافية وتفعيل لقواعد الرقابة الداخلية والحد من العمليات المنفلتة لمنح الائتمان، إلا للمشروعات والأنشطة التي لها جدوى اقتصادية قائمة عل أسس علمية وعملية سليمة.

* نقلاً عن صحيفة الشرق القطرية .
 

ريفالدو

موقوف
التسجيل
26 أغسطس 2003
المشاركات
698
4 سبل للخروج من الأزمة المالية العالمية

سبل للخروج من الأزمة المالية العالمية


بقلم - جيه. برادفورد ديلونج

حين يسقط اقتصاد دولة ما في هاوية الكساد، فإن الحكومات تستطيع أن تجرب أربع وسائل لإعادة معدلات تشغيل العمالة إلى مستوياتها الطبيعية والإنتاج إلى مستوياته "الممكنة". وهذه الوسائل الأربع هي بالتحديد: السياسة المالية، سياسة الائتمان، السياسة النقدية، والتضخم.

والتضخم هو الوسيلة التي نستطيع أن نشرحها على نحو مباشر أكثر من غيرها: حيث تلجأ الحكومة إلى طباعة كميات كبيرة من الأوراق النقدية، ثم تنفقها. ووجود الأوراق النقدية الإضافية في السوق من شأنه أن يؤدي إلى رفع الأسعار. ومع ارتفاع الأسعار فلن يرغب الناس في الاحتفاظ بالنقود في جيوبهم أو في حساباتهم المصرفية ـ ذلك أن قيمتها تتناقص بمرور كل يوم ـ بل سيعمدون إلى التعجيل بإنفاقها، في محاولة لإخراج ثرواتهم من فخ النقود منخفضة القيمة وتوظيفها في العقارات التي تستحق قيمتها. وهذا الإنفاق يخرج الناس من البطالة بتوفير فرص العمل، ويدفع الاستفادة من القدرات إلى مستوياتها الطبيعية والإنتاج إلى مستوياته "الممكنة".

ولكن العقلاء من الناس يفضلون تجنب التضخم. فهو يشكل وسيلة بالغة الخطورة، لأنه يهدد بتقويض معايير القيمة، ويجعل الحسابات الاقتصادية شبه مستحيلة، ويحول إعادة توزيع الثروات إلى مسألة عشوائية. ولقد عبر جون ماينارد كينـز عن هذا حين قال: "لا توجد وسيلة أكثر براعة وضمانا للنجاح في قلب الأسس التي يقوم عليها المجتمع من إفساد قيمة المال. إذ إن هذه العملية تحشد كل القوى الخفية للقوانين الاقتصادية إلى جانب الدمار، وهي تفعل ذلك على نحو لا يتمكن حتى ولو واحد في المليون من الناس من إدراكه وتشخيصه..". ولكن الحكومات تلجأ إلى التضخم قبل أن تسمح بأزمة اقتصادية عظمى ثانية ـ ونحن نفضل كثيراً ألا نذهب إلى هذا الحد في حال توافر أي وسيلة بديلة لاستعادة معدلات تشغيل العمالة والإنتاج الطبيعية.

إن الوسيلة المعيارية لمحاربة الكساد البادئ تتلخص في الاستعانة بالسياسة النقدية. فحين تهدد معدلات تشغيل العمالة والناتج بالانحدار، يشتري البنك المركزي سندات حكومية للصرف الفوري، وبهذا يعمل على تقليص عمر الأصول الآمنة التي يحتفظ بها المستثمرون. وفي وجود عدد أقل من الأصول الآمنة المدرة للربح في السوق المالية، فإن أسعار الثروة الآمنة ترتفع. وهذا من شأنه أن يجعل من المجزي بالنسبة إلى الشركات أن تستثمر في توسيع نطاق قدراتها، وبالتالي مقايضة الأموال النقدية التي تستطيع توزيعها على حملة أسهمها اليوم من أجل وضع أفضل للسوق يسمح لها بمكافأة حملة الأسهم في المستقبل. وهذا الدعم للإنفاق الحالي لصالح المستقبل يعمل على إخراج الناس من البطالة ويدفع إلى استغلال القدرات بصورة أفضل.

بيد أن المشكلة في السياسة النقدية هي أن البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم بادرت كاستجابة لهذه الأزمة إلى شراء كميات ضخمة من السندات الحكومية الآمنة باستخدام قدر هائل من الأموال النقدية على نحو من شأنه أن يجعل أسعار الثروة الآمنة في المستقبل القريب راكدة تماماً ـ سعر الفائدة الاسمية على السندات الحكومية صفر. ولا تستطيع السياسة النقدية أن تجعل الثروة الآمنة أكثر قيمة في المستقبل. وهذا أمر سيئ للغاية، لأننا إن كنا نستطيع منع الكساد بالاستعانة بالسياسة النقدية وحدها لكنا فعلنا ذلك، بما أنها الأداة السياسية التي نعرفها على أفضل وجه فيما يتصل باستقرار الاقتصاد الكلي التي تحمل أقل قدر من المجازفة فيما يتصل بالآثار الجانبية الضارة التي تفرضها على عملية توزيع الثروة.

الأداة الثالثة هي سياسة الائتمان. إننا نود لو نتمكن من دعم الإنفاق على الفور من خلال حمل الشركات على الاستثمار ليس فقط في المشاريع التي تشتمل على مقايضة الأموال النقدية الآمنة الآن في مقابل الأرباح الآمنة في المستقبل، بل أيضاً في المشاريع التي تشتمل على قدر من المجازفة أو عدم اليقين. ولكن قِلة من الشركات في الوقت الحاضر قادرة على جمع الأموال اللازمة لذلك.

إن المشاريع التي تنطوي على مجازفة تتوافر بتكاليف مخفضة للغاية اليوم، وذلك لأن قدرة سوق مال القطاع الخاص على تحمل المجازفة قد انهارت. ولم يعد أحد راغباً في شراء أصول جديدة وتحمل أي قدر إضافي من الشكوك وعدم اليقين، وذلك لأن الجميع يخشون أن يكون شخصا آخر على قدر من الدراية أعظم منهم ـ أو على وجه التحديد، من يشتري الآن فهو أحمق لا محالة. ورغم أن البنوك المركزية ووزراء المالية على مستوى العالم كانوا عاكفين على ابتكار عديد من السياسات البارعة والإبداعية لتحفيز الائتمان، إلا أنهم لم يصادفوا نجاحاً يذكر حتى الآن.

ويقودنا هذا إلى الأداة الرابعة: السياسة المالية. وهي السياسة التي تقضي بأن تبادر الحكومة إلى الاقتراض والإنفاق، وبهذا تخرج الناس من البطالة وتدفع استغلال القدرات إلى مستوياته الطبيعية. ولكن هذه الوسيلة لا تخلو من عيوب: الخسارة اللاحقة المتمثلة في تحمل أعباء الديون الحكومية الإضافية غير المغطاة الناتجة عن الاقتراض، والخوف من أن يؤدي التراكم السريع للديون إلى ثنى مستثمري القطاع الخاص عن بناء الأصول المادية، التي تشكل القاعدة الضريبية بالنسبة إلى الحكومات القادمة التي ستضطر إلى تسوية الديون الإضافية.

ولكن حين لا يتبقى أمامنا سوى أداتين، وكل منهما ليست مثالية لأداء المهمة المطلوبة، فإن العقل يملي علينا أن نجرب الأداتين ـ سياسة الائتمان والسياسة المالية ـ في الوقت نفسه. وهذا هو ما تحاول إدارة أوباما أن تقوم به في هذه اللحظة.
* نقلاص عن صحيفة الاقتصادية .
 

ريفالدو

موقوف
التسجيل
26 أغسطس 2003
المشاركات
698
مادوف" وجه جديد من أوجه الفساد

مادوف" وجه جديد من أوجه الفساد


بقلم - د. لويس حبيقة

تزدهر عمليات الفساد في العالم وفي كل القطاعات. هنالك مؤشرات علمية دورية تصدرها مؤسسات دولية جدية. الأسباب متعددة ولا تقتصر على الحاجة المادية، وإنما هي خاصة أخلاقية ومرتبطة بالجشع. فالفساد لا يقوم به عموما الفقراء، وإنما أصحاب القدرات والسلطة تماما كما حصل مع "برني مادوف" المتمول والمستثمر الأمريكي الذي أساء أمانة أصدقائه وسلبهم ما يقارب الـ 50 مليار دولار. هنالك جشع وغباء في نفس الوقت من قبل المستثمرين ساهما في فتح طريق الغش الواسع أمام "مادوف". لا يمكن التعميم في هذه المواضيع، الا أن ضروب الفساد خاصة في ظل الأزمة المالية امتدت من مؤسسات القطاع الخاص إلى العام لتضرب قواعد النظام الاقتصادي الحر. فالفساد لا يقتصر على السرقة المباشرة للأموال، وإنما يصل إلى سوء الإدارة والرقابة والتعامل مع الزبائن والمواطن. "مادوف" مسجون في منزله بانتظار تقييم الخسائر والأصول، ولابد من أن تشكل تجربته السيئة دروسا للجميع وخاصة لطلاب الجامعات إذ تبقى الوقاية أفضل بكثير من العلاج.
تتطلب محاربة الفساد جرأة من قبل المحاربين بحيث يواجهون تكتلات كبرى مالية وسياسية ذات نفوذ إقليمي وربما دولي. كي تكون الحرب فاعلة، من الضروري أن يكون المهاجمين من أصحاب الكفاءة والسمعة الحسنة. لا يمكن لفاسدين أن ينجحوا في محاربة أمثالهم، فلا مصلحة لهم بها أولا ولن يستطيعوا التنفيذ ثانيا. ما يدهش كثيرا هو امتداد الفساد إلى الرياضة بحيث يضرب المنافسة التي تعتبر ركيزة التفاعل الرياضي. فالرياضة هي أخلاق وتدرب الشباب والشابات على المنافسة الحقيقية النوعية تحضيرا للانتقال إلى الحياة الواقعية والعمل. فالتنافس الرياضي الأخلاقي ضروري ليس لمصلحة اللاعبين فقط وإنما أيضا لمصلحة المتفرجين. هنالك شباب يتجنبون دخول المنافسة الرياضية عندما يعلمون بوجود غش أو يتقاعدون باكرا، وبالتالي تخسرهم الرياضة والمجتمع. من الغش المنتشر رياضيا هو استعمال المتنافسين للمنشطات الممنوعة لهدف الفوز وما يتبعه من ربح مادي كبير من نواحي الإعلان والتسويق والتنويه الاجتماعي والشهرة الإعلامية.
من مشاكل الرياضة سوء توزيع الدخل حيث يحصل عدد قليل من الرياضيين على معظم الدخل، أي أن المنافسة الحقيقية ضعيفة. هنالك مشكلة أخرى وهو عدم تناسب الدخل أحيانا مع إنتاجية الرياضي، وهذا يزعج الرياضيين الآخرين. هنالك تمييز بين الرياضيين لا يخفى على أحد ويرتبط بالعرق أو الدين أو الجنس أو المصدر الجغرافي للاعب أو غيرها من العوامل. لا شك أن للنوادي وأصحابها دورا كبيرا في إطلاق شخص أو آخر بناء على عوامل شخصية لا ترتبط بالضرورة بالرياضة.
في اليابان، تعتبر مصارعة السومو Sumo الرياضة الوطنية بامتياز منذ أكثر من ألف سنة، فتحقق بالتالي إيرادات كبرى للاعبين. دخل الفساد إلى هذه اللعبة بحيث يتفق أحيانا على النتيجة قبل بدء المباراة، فيحقق البعض أرباحا كبرى من جراء الرهانات كما يحصل الخاسر المعين أموالا كبيرة لقبوله سلفا بالنتيجة كما لغش المتفرجين. هنالك كتاب صدر في سنة 1999 اسمه Yaocho أي المباريات المغشوشة كتب من قبل مصارع سابق فضح الفساد في اللعبة. في سنة 2002 وجد الكاتب مع زميله، وهو مصارع سابق أطلق التهم نفسها، مقتولين.
هنالك فوائد مالية كبرى يجنيها الفاسدون من الغش في الرياضة كما في كل القطاعات. إلا أن الحقيقة تشير إلى تأثر الرياضيين الفاسدين سلبا من جراء أعمالهم. فهنالك رياضيون أهينوا وطردوا عندما انتشرت أعمالهم الفاسدة. لكن هنالك شائعات تشير إلى استمرار هذه الأعمال المشينة في العديد من الرياضات في بعض الدول. يجب على الجمعيات المتخصصة والرقابة التحقق منها. في اختصار ينتشر الفساد في كل القطاعات ووصلها مع "مادوف" إلى حدود جديدة. من هنا ضرورة وجود حكومات غير فاسدة تحارب هذه الآفة عبر السياسات العامة التالية:
أولا: تنفيذ اللامركزية الإدارية إذ تظهر كل الدراسات تراجع الفساد عندما تصغر الدائرة ويتوزع الإنفاق العام بشكل أفضل. تبقى فرص الفساد والارتشاء أكبر عبر الموازنات المركزية الكبيرة، لذا توزيعها وتقسيمها جغرافيا يقلل من شهية طرفي الفساد.
ثانيا: تقوم بعض الشركات الكبرى بتمويل الفساد دوليا عبر رشوة المسؤولين الحكوميين للحصول على عقود سخية تناسب تخصصاتها وإمكاناتها. تساهم هذه الأعمال في عولمة الفساد وزيادة سرعة انتشاره في كل الدول. تقول هذه الشركات إنها تضطر إلى الرشوة لأن قواعد اللعبة في الدول النامية وبعض الناشئة غير واضحة، وبالتالي غير شفافة وتفتقد إلى التنافسية. تقول إنه لا يمكنها الحصول على عقود إلا عبر هذه الطرق الملتوية. هذه تفسيرات غير مقبولة، إذ تساعد على انتشار الفساد خاصة في الدول الفقيرة إلى حدود لا يمكن محاربته فيما بعد. عموما لا يمكن محاربة الفساد إلا عبر إصدار قوانين صارمة تطبق لمعاقبة الفاسدين والمفسدين. فالولايات المتحدة أصدرت مثلا في سنة 1977 قانونا يمنع على الشركات الأمريكية رشوة المسؤولين الحكوميين في الخارج لهدف الحصول على عقود. تعتبر هذه الرشوة جرما، وبالتالي يعاقب من يقوم بها بقساوة على هذا الأساس. في آخر سنة 1997 وقعت الدول المنضمة إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD على اتفاقية تتعهد عبرها بمعاقبة الشركات التي ترشي المسؤولين في الخارج وخاصة في الدول النامية. تنفذ هذه الاتفاقية منذ بداية سنة 1999. لا شك أن الفساد يبقى مزدهرا بالرغم من وجود هذه الاتفاقيات مما يشير إلى ضعف أو سوء التطبيق، أو إلى حصول الفاسدين على امكانيات تقنية تفوق ما تحصل عليه الأجهزة الرسمية المحاربة لهم.
ثالثا: الخصخصة حيث تنتقل المؤسسات العامة جزئيا أو كليا إلى إدارة أو ملكية القطاع الخاص. ترتكز هذه النظرية على وجود فساد أكبر في القطاع العام من الخاص، وهذا صحيح. إلا أن الصحيح أيضا هو أن القطاع الخاص يمول الفساد في القطاع العام ويستفيد منه وهذا سيئ. إلا أن الحقيقة أيضا هو أن مجموع الفساد يخف عندما تنتقل المؤسسات إلى القطاع الخاص حيث تكون المصلحة الفردية قوية من قبل الفريقين. لذا قام العديد من الدول بخصخصة قطاعات أساسية داخلها كالنقل والاتصالات والكهرباء والمياه وغيرها. أهم عمليات الخصخصة حصلت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتقال العالم أجمع تقريبا إلى النظام الاقتصادي الحر (مثلا 124 عملية خصخصة في سنة 1991 و 183 في السنة اللاحقة و 326 عملية في سنة 1994 و 342 في سنة 1996). حتى سنة 2000 حصلت 2477 عملية خصخصة في 108 دول، بينها 1539 بطريقة البيع. في القطاعات توزع المجموع إلى 184 في الاتصالات و 331 في القطاع المالي و 129 في النقل و 312 للخدمات العامة كالكهرباء والمياه. في النقل مثلا خصخصت الدول مطاراتها ومرافئها وجسورها وطرقها، حيث يبني القطاع الخاص ويستثمر المنشاءات لفترة من الزمن. أما التوزيع الجغرافي لعمليات الخصخصة حتى سنة 2000، فكانت 30% منها في أوروبا الغربية و 22,5% في أمريكا اللاتينية و 18% في آسيا وأوقيانيا و 13,5% في إفريقيا و12% في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والباقي في شمال أمريكا. هنالك أشكال مختلفة للخصخصة، ولكل منها مزايها وحدودها.
رابعا: تعتبر العقوبات الاقتصادية مصدرا كبيرا للفساد ومشجعا له. تساهم العقوبات المفروضة على بعض الدول في تشجيع السوق السوداء وبالتالي الفساد الإجرامي. فالعقوبات الاقتصادية مضرة من الناحية الأخلاقية حتى لو كانت مبررة سياسيا. تشير كل الدراسات إلى أن العقوبات غير فاعلة لتصحيح الأهداف أي لا تصيب، بل تخلق فسادا وموجة عداء تجاه المعاقبين يتطلب إزالتهما وقت طويل من الزمن.

* نقلاً عن صحيفة الشرق القطرية .
 

ريفالدو

موقوف
التسجيل
26 أغسطس 2003
المشاركات
698
تجليات الأزمة المالية لم تظهر كلها بعد

تجليات الأزمة المالية لم تظهر كلها بعد

بقلم - د . محمد عبدالحميد الفقي


يعيش العالم بأسره تجليات الأزمة المالية الطاحنة التي فاجأت أوساطه ونظمه المختلفة جراء ما تعرض له القطاع المالي الأمريكي بشكل خاص، والمنظومة الاقتصادية للرأسمالية المعولمة بشكل عام .

وحيث تعد الولايات المتحدة أكبر سوق لاستقطاب رؤوس الأموال فإن هذه الأزمة لا بد أن تطال اقتصاديات العالم بأسره - بنسب متفاوتة - نظرا لتشابك العلاقات المالية الدولية . فتأثر دول العالم بالأزمة المالية- التي نبعت من الولايات المتحدة- متوقف على قوة حساباتها الراهنة، واحتياطياتها من العملات الأجنبية، وموقفها النقدي . من هنا فإن جميع الدول ستضار، ولا يمكن أن تكون الدول النامية بمعزل عن الاضطرابات المالية التي تواجهها الدول الغنية . أما وقد هدأ الزخم الإعلامي وبدأ رصد التجليات فالكل يسأل ماذا حدث؟ إنها مشكلة ائتمان تقليدي وفقدان ثقة .ويتمثل ذلك في سلسلة خسائر اقتصادية ملموسة ناتجة عن الإغراق في الديون العقارية (السكنية بشكل خاص والتجارية)، وديون بطاقات الائتمان، وديون ائتمانية مختلفة، وعجز كلي عن السداد، فضلا عن العامل النفسي حيث تفقد الثقة بين المصارف، وثقة المستثمر في الأسواق، كما لم تعد هناك مصداقية لجدوى آليات النظام المالي المعولمة مثل آليات تحويل الديون والقروض إلى سندات مركبة، كما أفقدت الأزمة ثقة المستثمر في قدرته على تقييم الدين بشكل حقيقي .

وما الجديد وحالات التعثر قد وجدت منذ عام مضى، ولماذا تفجرت مجددا؟ نعم الأزمة بدأت في فبراير/شباط ،2007 فيما عرف بأزمة الرهن العقاري حيث تسبب التوقف عن سداد قروض العقارات بكثافة في إفلاس مؤسسات مصرفية متخصصة، كما قامت المصارف بشطب ما يزيد على 500 مليار دولار من الأصول المتعثرة، وجمعت رسملة جديدة بما قيمته 200 مليار دولار حتى منتصف العام ،2008 إلا أن خسائر ائتمانية جديدة برزت مع تراجع قيمة الديون، وأثار ذلك مخاوف المستثمرين في المؤسسات المالية التي تتحمل أعباء وقروضاً مختلفة، وازدادت المخاوف بإفلاس “بنك ليمان برازر” ومن بعده أضخم شركة تأمين عقاري (اةء) ولديها كمية ضخمة من السندات المرتبطة بالرهونات العقارية (سكنية وتجارية) . وتراجعت قيمة هذه الرهون بحدة في العام 2007 لتدخل بذلك الشركة أزمة مالية عاتية انتهت بطلب الحماية من الدائنين، ولم يكن هناك بد من تدخل حكومي بضخ سيولة قدرها 85 مليار دولار أمريكي من الخزانة الأمريكية، لأنها أكبر حجما من بنك “ليمان برازر” وسقوطها سيأخذ في طريقه الكثير من المؤسسات والبنوك الأمريكية والعالمية التي تؤمن على سنداتها لدى الشركة .

إن القيمة السوقية للسندات وعوائدها تعتمد على تقييم شركات معتمدة . فإن هذه السندات يتم تقييمها (لتساير الواقع) بناء على قدرة العميل/ المدين على الوفاء، وبما أنه ليس كل من اشترى عقارًا له القدرة نفسها على الوفاء فإن كل السندات ليست متساوية، ومعنى ذلك أن السندات التي تم التأكد من قدرة المدين فيها على الوفاء بشكل مؤكد سيكون تصنيفها a، وهناك سندات أخرى بالطبع سيكون تصنيفها b وبعضها ستصنف c بسبب العجز عن الوفاء .

ولتلافي هذه الإشكالية (وهي عدم سواسية السندات) قامت البنوك بتعزيز مراكز السندات عن طريق اختراع طرق جديدة للتأمين بحيث يقوم حامل السند بدفع رسوم تأمين شهرية كي تضمن له شركة التأمين سداد قيمة السند إذا أفلس البنك أو صاحب العقار الذي شجع المستثمرين في أنحاء العالم على اقتناء المزيد من هذه السندات، والنتيجة التوقف عن سداد الأقساط، ففقدت السندات قيمتها وأفلست البنوك الاستثمارية، وصناديق التحوط، أما الذين اشتروا تأميناً على سنداتهم فإنهم حصلوا على قيمتها بالكامل، فنتج عن ذلك إفلاس شركة التأمين الكبرى (aig) ومن ثم فإن عمليات الإفلاس أجبرت البنوك على تخفيض عمليات الإقراض لتخفيف المخاطر الأمر الذي أثر سلباً في كثير من الشركات الصناعية والشركات الإنتاجية التي تحتاج إلى سيولة لتسيير عملياتها اليومية، ليبدأ بذلك شبح الكساد الأعظم في الظهور الأمر الذي أجبر الحكومات على ضخ السيولة بكميات هائلة لإنعاش المنظومة الاقتصادية التي توشك على الانهيار تحت ضغط ديون الاستثمار في الديون .



ومن هنا تتضح تجليات عبقرية منظومة الاقتصاد الورقي الذي سبب الأزمة المالية العالمية (الربا المعولم) . سلسلة لا متناهية في إطار ما يعرف بالمشتقات، وهي في حقيقتها تعاملات وهمية بدأت بالتوسع في القروض العقارية والرهونات ثم المضاربات بالأسعار وعقود البيع الآجل وصفقات التبادل ليصل حجم المشتقات المالية إلى 500 تريليون دولار أمريكي، بينما حجم الاقتصاد العالمي بأكمله 60 تريليون دولار، وحجم السوق الأمريكي 30 تريليون دولار . وعلى الرغم من هذا التبسيط فقد لا يتمكن أحد حاليا من إدراك كل الإبعاد الحقيقية وراء الأزمة، والأصابع التي تديرها، كما قد لا يتمكن كثيرون من التحكم في مساراتها والعثور على الطرق الأنجع للتعاطي معها، وأكثر من ذلك فإن هذا الانهيار الأعظم المتوقع والذي يعيش العالم مقدماته ربما تجاوز بحجمه وقوته أصحاب القرار أنفسهم؛ حيث تصطدم قراراتهم بجدار الأزمة دون النفاذ إلى جوهرها ما يعني أن الأزمة أقوى من اللاعبين، والأمر يحتاج إلى ترميم جوهري أو صيانة عامة لمنظومة النظام الاقتصادي العالمي بأكمله أو إعادة النظر فيه، ليقوم على أسس سليمة، فما هي تجليات الأزمة وتداعياتها؟ وحجم تأثيرها في أنحاء المعمورة؟ والأعباء التي ستتحملها الحكومات والشعوب لإنقاذ اقتصاد عالمي على وشك الانهيار، متناغم الحلقات الربوية محكم العبقرية؟ وأين أداء المصارف الإسلامية بوضعها الراهن وهل يمكن اعتبارها نموذجا إنقاذياً - وفق الثوابت التي قامت عليها المصرفية الإسلامية - يمكن تقديمه للبشرية برسالة واضحة المعالم ناصعة الأداء؟ وهل سيبقي النظام المالي العالمي أحادي القطبية كما هو عليه الحال، أم أن هناك نظاما آخر يمكن أن يولد على ضوء هذه الأزمة العاتية؟ وهل سيكون للأمة العربية والإسلامية دور فاعل في رسم معالم النظام المالي المقبل؟


* نقلاً عن صحيفة الخليج .
 

ريفالدو

موقوف
التسجيل
26 أغسطس 2003
المشاركات
698
الذهب أم الدولار بقلم - سعيد هلال الشريفي

الذهب أم الدولار




بقلم - سعيد هلال الشريفي

يرجع العديد من المؤرخين الأوروبيين, وفي مقدمتهم البروفسور فيرديناند ليبس, من جامعة سانت غال, مآسي البشرية في العصر الراهن إلى حدثين عظيمين غيرا مجرى الحياة السائدة على سطح هذا الكوكب, بعد أن أشاعا فيها كل هذا الكم من الكوارث, نظرا لوثوق ارتباط هذه المآسي بأزمات سياسية عاصفة, وحروب مدمرة, وانهيارات مالية عاتية, وأزمات اقتصادية خانقة, وفقر مدقع في مساحات واسعة من العالم, وتصاعد مضطرد في المشاعر العنصرية ووتيرة الإرهاب, وهجرة الأدمغة نحو المناطق الأكثر جذبا واستقرارا.
الحدث الأول والأهم الذي اتسم به القرن الماضي, كان في إقدام الولايات المتحدة, كقوة عظمى صاعدة, على إنشاء النظام المالي الفدرالي الاحتياطي عام 1913
أما الحدث الثاني, والذي أتى كنتيجة طبيعية لما سبقه, فهو نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914, وسقوط الذهب كمعيار عالمي وحيد للعملات الرئيسة, ودخول البشرية منذ ذلك التاريخ في حمى الصراع على الثروة والنفوذ من دون أي معيار قيمة, وحتى من دون أية منظومة أخلاقية تستنير بها الأمم في علاقاتها الدولية.
لقد أثبت التاريخ, بما لا يرقى إليه الشك, إن ثمة علاقة وثيقة بين النظام المالي العالمي السائد, ومسائل السلم والحرب على سطح هذا الكوكب. تماما كما أثبت التاريخ الاقتصادي أيضا أن أسواق المال لا يضبطها إلا الذهب كمعيار قيمة, لأنه السلعة الوحيدة القادرة على لعب دور"كفة الميزان" بين تدفق المنتجات والسلع في الأسواق العالمية, وحركة السيولة النقدية في مختلف بقاع العالم, نظرا لمقدرته الفذة على لعب دور البديل بين المال والسلع في أية لحظة, وفي كل مكان من العالم.
وقد أثبت القرن التاسع عشر صحة هذه الفرضيات, الذي شهد طيلة سنواته المائة ازدهارا اقتصاديا وثباتا في أسعار صرف العملات الرئيسية من دون أية هزات, لأنه كان يعتمد الذهب كمعيار أوحد له.
تأتي أهمية نزوع البشرية منذ القدم إلى اعتماد الذهب كمعيار عالمي, من كونه قابلا لتوافق عالمي على سعر ثابت له, بشكل يسمح لكل عملة أن تجري توازنا بين كتلتها النقدية المصكوكة, واحتياطيها من الذهب. وهكذا ظلت العملات الرئيسية, طيلة القرن التاسع عشر, تحظى بتغطية متوازنة لما يعادلها من الذهب, الذي لم يكن يخضع لأية قيود عالمية في حركته عبر الحدود.
لقد حددت جميع الدول الكبرى في القرن التاسع عشر سعرا ثابتا لعملاتها, وعمرا زمنيا في مقابل الذهب, ينتهي بمجملها, باستثناء سويسرا, عام 1914.
من هنا نفهم الدوافع الحقيقية, بين إنشاء النظام المالي الفدرالي الاحتياطي عام 1913, وافتعال الأزمة التي أدت إلى نشوب الحرب العالمية الأولى بعد أقل من سنة على تأسيسه, بهدف وأد الذهب كقيمة معيارية للنشاط الإنساني, وثروات الأفراد والدول, تمهيدا لاستبدالها بالعملة الورقية الأمريكية, التي أتت اتفاقية بريتون وودز عام 1944 في نهاية الحرب العالمية الثانية, لتقره كنقد معياري لنظام مالي عالمي بديل, ودخول البشرية منذ ذلك التاريخ في نفق الحقبة الأمريكية بلا منازع.
لقد تم استبدال الذهب كمعيار عالمي بالورقة النقدية الخضراء, التي تدعي أنها مغطاة باقتصاد عملاق, مركزه في الولايات المتحدة, لكنه متشابك, من خلال الشركات والبنوك العابرة للقارات, مع جميع بلدان العالم.
نحن نعلم من التاريخ أن الإمبراطورية البيزنطية التي دامت 800 سنة, ظلت مزدهرة اقتصاديا إلى حين زوالها, بفضل اعتمادها على الذهب كمعيار ثابت لعملتها التي كانت متداولة في الأسواق العالمية, من بريطانيا مرورا بدول بحر البلطيق, وصولا إلى أثيوبيا. وكذلك كان الدينار العربي طيلة الخلافتين, الأموية والعباسية. وقد ظل متداولا لقرون عديدة, حتى في بلدان لا تقع تحت السيطرة العربية, نظرا لاستقرار سعر صرفه أمام الذهب في الأسواق التجارية العالمية.
لقد قضت الليبرالية الاقتصادية الأمريكية منذ صعودها كإمبراطورية جديدة على كل المعايير الآمنة, التي كانت تكفل الحق بالثروة لأي فرد, ولأي دولة في العالم.
ففي إسقاطها للذهب كمعيار للقيمة, واستبداله بشركات التأمين التابعة لها, والبورصات العالمية التي تدار من قبلها, أحكمت النخبة المالية الصناعية على مقدرات العالم وثرواتهم, التي لم تعد تأخذ قيمتها بما يعادلها من الذهب, بل من كتلة ورقية خضراء, تخضع لأسعار صرف متذبذبة. وهي معرضة للانهيار في أية لحطة, هي والأسواق التي تتداولها, والاقتصاد الوهمي الذي يغطيها.
إنها أكبر عملية قرصنة شهدها التاريخ منذ عام 1914, ولا تزال تجري فصولها, والعالم لا يتعظ, ويستمر بالتعامل بهذه العملة الورقية, التي تسرق جهد الملايين من البشر والدول كل يوم, في أسعار صرف, تدار على شاشات الكمبيوتر, بالريموت كونترول, من قبل وحوش المال في نيويورك.

* نقلاً عن صحيفة الشرق القطرية .
 

ريفالدو

موقوف
التسجيل
26 أغسطس 2003
المشاركات
698
العَوْد إلى “المعهود” ليس خياراً

العَوْد إلى “المعهود” ليس خياراً




بقلم - الدومينيك وافراي

جميعنا يدرك أن العام 2008 سيبقى نقطة سوداء في تاريخ الاقتصاد العالمي . وبينما عصفت تقلبات أسعار السلع، وخصوصاً المواد الغذائية والوقود، بحياة الفقراء خلال النصف الأول منه، عاثت الكارثة المالية فساداً في العالم خلال النصف الثاني .
فهل يمكن أن تكون أزمات الغذاء والوقود والمال التي شهدناها العام الماضي، مجرد نذر لكارثة أكبر مقبلة؟ وماذا لو كانت هذه الأزمات مجرد تحذير مبكر من أن نظامنا الاقتصادي الحالي يفتقر إلى عناصر الاستدامة أكثر مما نعتقد؟

شارك في “المنتدى الاقتصادي العالمي” الذي استضافته دبي في نوفمبر/ تشرين الثاني ،2008 أكثر من 700 خبير عالمي لمناقشة أجندة العالم لسنة ،2009 وكان من بين هؤلاء أكثر من 120 خبيراً بارزاً في مجال البيئة والتنمية المستدامة وأمن الإنسان، وخرجوا بنتائج مذهلة . نحن في الواقع نواجه مشكلة أمن بيئي أعمق وأهم وأكثر تعقيداً من الأزمة المالية . وقد يكون العام 2008 مجرد مقدمة لعاصفة اقتصادية هوجاء، لم نشهد مثيلاً لها من قبل .
تمكّنا، خلال السنوات الخمسين الماضية، من جمع ثروة مالية غير مسبوقة، ولكننا في الوقت نفسه لم نقدّر المخاطر التي تهدد مواردنا الطبيعية حق تقدير . وقمنا بتمويل خططنا التنموية الطموحة لرفع مستويات المعيشة، بتكاليف باهظة تمثلت في مواد وخدمات موارد كوكبنا الطبيعية التي لم نعرف قيمتها الحقيقية، والتشوهات الكبيرة والتلوث الذي لحق بهذه الموارد، فضلا عن المخاطر المستقبلية جراء استنزافها وانحسارها المتواصلين . وأولئك الذين هم في منتصف العمر اليوم في الدول الغنية، يمثلون الجيل الثالث المستفيد من فقاعة الموارد الطبيعية التي يتآكلها أول اقتصاد عالمي، منذ منتصف القرن العشرين . وما لم نقم ببعض التغييرات الجوهرية والبنيوية في أسلوب إدارة اقتصادنا، فإنه من غير المحتمل، أن ينعم أطفالنا وأطفال أطفالنا برغد العيش الذي شهدناه نحن .
وهذه بعض الملاحظات المثيرة التي خلص إليها الخبراء في اجتماع دبي، حول الموارد الطبيعية وأمن اقتصادنا ومجتمعنا العالمي في المستقبل:
* إذا ما استمرت التوجهات الحالية، فإن حوالي 4 مليارات نسمة سيعيشون في مناطق تعاني من شح مائي كبير بحلول العام 2030 . وفي الوقت الذي نحاول فيه توفير الغذاء والوقود لعالم أكثر رخاءً وثراءً، فإن وضع المياه يزداد سوءاً . بكلام آخر، إن زيادة إمدادات المياه لم تعد أمراً ممكناً في معظم الأماكن فالأساليب التقليدية التي عهدنا على مدى التاريخ، في استخدام المياه لن تكون صالحة في المستقبل .
* تتوقع “وكالة الطاقة الدولية” زيادة الطلب العالمي على الطاقة بنسبة 45% بحلول عام ،2030 حيث سيشكل الفحم أكثر من ثلث إجمالي هذه الزيادة . وتقف وراء 78% من هذا الطلب، دول خارج “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”، التي تعاني الآن من شح الطاقة بمعدلات عالية . وتقول “وكالة الطاقة الدولية” إن التوجهات السائدة على صعيد الطاقة لا تخدم التنمية المستدامة لا اقتصادياً ولا بيئياً ولا اجتماعياً، ولذلك هناك حاجة ماسة إلى نموذج جديد تعمل بمقتضاه الدول المتقدمة والنامية على حد سواء .
* سيضطر العالم إلى مضاعفة إنتاجه من الغذاء خلال السنوات ال40 المقبلة لتلبية الطلب المتوقع . وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من مليار نسمة سدس سكان العالم اليوم لا يحصلون على الغذاء الكافي . والواقع أن قدرتنا على تلبية متطلبات الإنتاج الحالية والمستقبلية، تواجه تحدياً كبيراً يتمثل في ندرة المياه، وتغير المناخ، وتقلب تكاليف وإمدادات الطاقة . وعليه، ما لم نغيّر طريقة تعاطينا مع هذه العوامل، فإنه لن يكون بمقدورنا تلبية احتياجات العالم الغذائية مستقبلاً .
* سترتفع المساعدات الإنسانية إلى مستويات غير مشهودة من قبل، إذا ما تسببت التغيرات المناخية وندرة المياه بالهجرة الواسعة التي يتوقعها المراقبون . وتشير تقديرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن هناك ما بين 25 50 مليون لاجئ بسبب التغير المناخي حالياً، مقارنة بالعدد الرسمي الذي يبلغ 28 مليوناً . وترى “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” أن عدد لاجئي البيئة قد يصل إلى 150 مليوناً بحلول العام ،2020 في الوقت الذي لا يوجد أي ذكر لهذا النوع من اللاجئين في القانون الدولي حالياً .
ويؤكد تقرير “المخاطر العالمية للعام 2009” الذي خرج به “المنتدى الاقتصادي العالمي” حجم وصعوبة هذا التحدي . وعليه، فإن اعتماد استراتيجيات اقتصادية تتبع المسار الصناعي السابق، لن يوفر القدرة اللازمة لإيجاد فرص العمل، وتكوين الثروات، وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، في المستقبل . فأسعار الوقود سوف ترتفع، وستزداد أسعار السلع الأساسية تقلباً، وستتفاقم قضايا أمن الطاقة والغذاء والمياه، كما أننا سنتجاوز حدود الانبعاثات التي وضعها العلماء، وأطلعونا على أهمية البقاء ضمنها، إذا ما أردنا تفادي التغير المناخي الخطير الذي ستكون له عواقب اقتصادية وكذلك إنسانية خطيرة، لن يفلت أحد منها .
ويبدو أنه ليس “العَوْد إلى المعهود” خياراً مطروحاً أمام العالم، فالأزمة المالية العالمية تمثل تحذيراً شديد اللهجة من مغبة ترك المخاطر الاقتصادية المعروفة تحتقن وتأخذ مداها . لذلك، علينا معالجة المخاطر البيئية الأساسية إذا ما أردنا البقاء والازدهار، ولا ينبغي علينا التعامل معها بنفس الأدوات القديمة للمحافظة على البيئة وحمايتها . إننا نسعى إلى نمو اقتصادي، ولكن تحقيق ذلك يتطلب أجندة جديدة لإدارة المخاطر من أجل المساعدة في تحسين حياة كل من يشارك في بناء اقتصاد الغد . ولا شك في أن الإدارة الذكية لتلك المخاطر، وحفز الابتكار وروح المبادرة في القطاع الخاص، لمصلحة العالم، من أهم العوامل التي يمكن أن تحوّل هذه المخاطر إلى فرص حقيقية لنمو مستدام اقتصادياً وبيئياً وإنسانياً .
وفي هذا السياق، فإن الاجتماع السنوي ل”المنتدى الاقتصادي العالمي” الذي عقد في مدينة دافوس في سويسرا، اتسم بأهمية خاصة، إذ تشهد مشاركة عدد أكبر من الزعماء السياسيين ورجال الأعمال وقادة المجتمع المدني . ومن الواضح أن لدى الأطراف المعنية بصياغة الأجندة العالمية قناعة تامة بضرورة مناقشة مستقبل الاقتصاد العالمي . وأكد اجتماع الخبراء في دبي أهمية أن يناقش اجتماع “دافوس” سبل إعادة تشكيل النظام العالمي، ليس من أجل إنعاش الاقتصاد في فترة قصيرة فحسب، بل أيضاً للحد من المخاطر الأساسية وتعزيز فرص التنمية المستدامة . وهذا هو أحد مواضيع النقاش الرئيسية في العام ،2009 ومن المقرر أن يشهد ديسمبر/كانون الأول المقبل، مفاوضات بشأن اتفاقية جديدة تابعة ل “بروتوكول كيوتو” حول التغيّر المناخي . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يمكن لخطط الإنعاش الاقتصادي، أن تشمل الوظائف والمهارات والاستثمارات والفرص التكنولوجية التي يتطلبها بناء اقتصاد عالمي منخفض الكربون، إذا ما افترضنا النجاح في إدارة التغير المناخي؟ وفي ظل هذه الأوقات غير المسبوقة، هل يمكن للحكومات ورجال الأعمال تشكيل تحالف جديد لتطوير مجموعة من الإجراءات العالمية العملية والقادرة على حفز النمو الاقتصادي في المدى القصير، ووضع أسس بناء اقتصاد منخفض الكربون وأكثر استدامة؟

وجه إلينا العام 2008 تحذيراً صارماً من أنه لا يمكن السماح باستمرار التوجهات السائدة حالياً . وعلينا أن نقرأ هذه التحذيرات بعين بصيرة، لأننا سنواجه إعصاراً اقتصادياً مدمراً إذا ما لحقت التحديات الخفية للتنمية المستدامة، بالتحديات الاقتصادية الحقيقية التي نواجهها .
ترى، هل يشهد العام 2009 تطوير أنماط تعاون جديدة ومبتكرة من أجل بناء عالم ما بعد الأزمة؟ علينا أن نحقق ذلك، طالما أن “العود إلى المعهود” ليس خياراً .

* رئيس المبادرات البيئية، “المنتدى الاقتصادي العالمي”

* نقلاً عن صحيفة الخليج .
 

العملاق

عضو نشط
التسجيل
17 يناير 2005
المشاركات
763
فعلا كلامك صحيح ...
قرأت مقال مماثل في مجلة (FP (Foreign Policy وهي موجودة في المكتبات باللغة العربيه
 

الملفات المرفقه:

  • Doom.png
    Doom.png
    الحجم: 124 KB   المشاهدات: 114
أعلى