بعد زوال خطر التضخم في الخليج يحل شبح الانكماش
يبدو أن الصورة في دول الخليج قد اختلفت كثيرا فحلت البطالة وفقدان الوظائف محل رفع الأجور ونقص العمالة التي كانت سائدة في الأعوام الأخيرة، وانفجرت فقاعة العقار وتعرضت أسعار السلع لتصحيح بشكل كبير ، وشهدت البنوك عملية تقييد كبيرة لسيولتها.
والمتابع للشئون الاقتصادية بدول الخليج العربية يرى أن جميع هذه العوامل قد تضافرت بشكل واضح لتخفف من ضغوط التضخم التي ظلت تؤرق صانعي السياسة طويلا، حتى صعّد الخبراء الاقتصاديون من مخاوفهم من قدوم الانكماش على إثر انخفاض مستويات التضخم التي كانت تتألف من خانات مزدوجة إلى أرقام فردية.
في حين أكد خبي أمريكي في وقت سابق أن التضخّم وليس الانكماش، هو الخطر الحقيقي الذي يواجه دول الخليج، ذلك أن التوسّع السريع في عرض النقود سيؤدي في النهاية إلى حدوث ارتفاع حاد في الأسعار.
وتتضح الصورة بشكل كبير في قطر، إذ انخفض مستوى التضخم من أعلى مستوياته القياسية والتي بلغت 17% في منتصف العام الماضي 2008 إلى -2.4% على الأساس السنوي في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام.
وفي الإمارات العربية المتحدة، هبط التضخم من أعلى مستوى وصل إليه منذ عشرين عاماً 12.8% في العام الماضي إلى 1.9% خلال شهر إبريل الماضي.
أما في السعودية، ارتفعت مستويات التضخم هذا العام للمرة الأولى منذ سبعة أشهر ، عندما تحولت من 5.2% في إبريل إلى 5.5% في مايو، ويعود السبب في ذلك بشكل جزئي إلى ارتفاع أسعار الغذاء، ومع ذلك، لا يرى الخبراء حتى الآن أن هناك عودة للتضخم في المملكة.
وفي هذا الصدد توقع تقرير حديث صادر عن بنك "مورجان ستانلي" أوردت صحيفة "القبس" الكويتية أجزاء منه أن ينخفض التضخم في الإمارات إلى -6.4% هذا العام، وإلى -1% تقريباً في 2010، ويعود السبب الرئيسي في هذا إلى التقديرات التي تشير إلى أن معدل الإيجارات سينخفض 15% ، في حين أن أسعار الغذاء ستبقى كما هي، و يعد هذان العاملان أحد أبرز أسباب التضخم في الخليج العام الماضي.
في السياق ذاته، تختلف أرقام "مورجان ستانلي" بشكل كبير عن التوقعات الأخرى، إذ إن البنك توقع الصيف الماضي أن تنخفض أسعار العقارات بنسبة 10% في دبي بحلول عام 2010، في حين أشارت التوقعات الأخرى إلى أن الأسعار ستبقى قوية نسبياً.
ومن جانبه، يتوقع كبير الخبراء الاقتصاديين في بنك "أبو ظبي الوطني" غياس غوكينت أن يتعرض اقتصاد الإمارات لانكماش، لكنه توقع في الوقت ذاته أن يبلغ متوسطه السنوي هذا العام -0.6%، وفي حال امتد الانكماش لفترة طويلة، فسيضر بأرباح الشركات التي تعاني أصلا من الركود الاقتصادي.
لكن غوكينت يقول انه من غير المرجح أن يرتفع متوسط توقعات التضخم إلى 3.8% على الأساس السنوي في 2010. كما أشار إلى أنه لا يمكن مقارنة ما يحصل في الخليج مع دول مثل اليابان، إذ ان اقتصادات المنطقة تعتبر نشطة جداً.
ومن جانبهم، يقول خبراء اقتصاديون آخرون ان الإمارات ستتجنب الانكماش ، ويتوقعون أن تصل مستويات التضخم إلى أرقام مكونة من خانات فردية هذا العام والذي يليه.
أما "ستاندرد تشارترد" فيتوقع أن تصل مستويات التضخم إلى 2.5% و3% في الإمارات هذا العام والذي يليه على التوالي، و2.5% و3.5% بالنسبة لقطر.
أما بنك " إتش اس بي سي" فيتوقع أن تصل مستويات التضخم في الإمارات في 2009 و2010 إلى 3% و4.5%، و2% و4% بالنسبة لقطر.
وفي السعودية، ارتفعت مستويات التضخم هذا العام للمرة الأولى منذ سبعة أشهر ، عندما تحولت من 5.2% في إبريل إلى 5.5% في مايو، ويعود السبب في ذلك بشكل جزئي إلى ارتفاع أسعار الغذاء، ومع ذلك، لا يرى الخبراء حتى الآن أن هناك عودة للتضخم في المملكة.
وفي هذا الصدد يقول كبير الخبراء الاقتصاديين في مجموعة سامبا المالية هوارد هاندي أنه من الصعب التنبؤ ، لكن اتجاه التضخم يميل نحو الانخفاض، وأنه سيعود لمستوياته المنخفضة في المستقبل القريب.
أما كبير الاقتصاديين في بنك ساب جون سفاكيناكي فيحذر من أنه في حال تضافرت عوامل مختلفة، فسيفرض التضخم مشاكل عديدة لاحقاً، وفي حال زادت ضغوط التضخم عالمياً ، وبقي الدولار ضعيفاً، واستمر الطلب القوي على المساكن، وانخفض المعروض أو كان بعيداً عن مستويات الطلب، فإن الأمر سيكون بمنزلة تحد بالنسبة لدول المنطقة.
ومن جانبه، يقول مدير قسم البحوث في "ستاندرد تشارترد" ماريوس ماراثيفتيس ان المشكلة هي عند استقرار الاقتصادات والخروج من الأزمة العالمية، إذ ستعتمد حينها دول المنطقة بشكل كبير على معدلات الفائدة الأمريكية، ويتوقع أن تبقي أمريكا معدلات فائدتها منخفضة جداً لبعض الوقت، لان انتعاش الاقتصاد الأمريكي وعودة نموه بحاجة لبعض الوقت، وقد يأخذ ست سنوات، أما بالنسبة لدول المنطقة فسيكون أقل من تلك الفترة بكثير، لهذا سوف تحتاج بالتأكيد إلى تقييد سياستها النقدية طويلاً قبل الولايات المتحدة.
وفي هذا الصدد أكد خبير اقتصادي ومالي أمريكي أن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي المربوطة بالدولار ستشهد لاحقا تضخماً نتيجة لانخفاض الدولار وتحديدا مع استعادة الاقتصاد العالمي عافيته وارتفاع الطلب على السلع والخدمات، لذلك يجب على هذه الدول الابتعاد عن ربط عملاتها بالدولار، وكذلك استبداله بعملات أخرى في احتياطياتها، بحيث تتبنى الذهب أو اليورو أو الين عملة لاحتياطياتها.
وأكد بيتر شيف رئيس شركة "يورباسيفيك كابيتال" في الولايات المتحدة الأمريكية، في ندوة حول "الأزمة المالية العالمية: التداعيات والحلول" عقدها "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية"، أن التضخّم وليس الانكماش، هو الخطر الحقيقي الذي يواجه دول الخليج، ذلك أن التوسّع السريع في عرض النقود سيؤدي في النهاية إلى حدوث ارتفاع حاد في الأسعار.