الصناعة المالية
النفيسي لـ الجريدة: صناديق الإنقاذ أفكار ملغومة للهروب من قانون الاستقرار المالي
الكويت صارت مدرسة لتخريج المجرمين في مجال البورصة
تامر عبد العزيز
t.abdelaziz@aljarida.com
رأى مدير مركز الجُمان للاستشارات الاقتصادية ناصر النفيسي في الدراسات التي قدمها أخيرا عدد من المؤسسات المالية للهيئة العامة للاستثمار، مقترحة مساهمتها في تأسيس صناديق تحتوي على أصول وديون الشركات المتعثرة، أفكاراً ملغومة لاستغلال المال العام في إنقاذ أنفسها.
وبينما وصف النفيسي اتجاه الهيئة بعدم دعم أي جهة استثمارية وأنه لا مجال في حساباتها لأي مصلحة خاصة قد تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في المال العام بالكلام الممتاز، أكد أن محاولات الشركات للاستفادة من المال العام ستستمر ولن تنتهي، فهذه الشركات كانت في حاجة إلى قانون ينقذها مباشرة وبالمجان.
وقال في حوار خاص لـ'الجريدة'، إن مركز الجمان كان من أول الجهات التي طلبت من الدولة 'متمثلة في هيئة الاستثمار والتأمينات وشؤون القصر' عدم مشاركة تلك الشركات وعدم الالتفات أو النظر في شراء أصولها، ولأسباب أخرى فإنه لا يجوز إدارة مثل تلك الأصول من قبل موظفين حكوميين أو تدخل البيروقراطية في أمور تقنية بحتة حتى لو من ناحية إشرافية، لافتا إلى أن مثل هذا الاتجاه سيفتح باب جهنم على الدولة.
قال النفيسي، إن مركز الجُمان كان من أول الجهات التي طلبت من الدولة عدم مشاركة الشركات وعدم الالتفات أو النظر في شراء أصولها، ولأسباب أخرى فإنه
لا يجوز إدارة مثل تلك الأصول من قبل موظفين حكوميين أو تدخل البيروقراطية في أمور تقنية بحتة حتى لو من ناحية إشرافية، لافتاً إلى أن مثل هذا الاتجاه سيفتح باب جهنم على الدولة.
• ولكن معظم اقتصادات العالم تتجه حاليا نحو 'وصاية الدولة'؟
- صحيح فقد انتهت النظرية الرأسمالية البحتة وأثبتت فشلها، ولذلك أقرّت الكويت قانون الاستقرار المالي ليكون وصيّاً على تلك الشركات، ولكن هم مَن يرفضونه.
• ولماذا يرفضونه ؟
- لا تقبل عليه الشركات لأنه متشدد ويحتوي على متطلبات واضحة لا يمكنهم اللعب عليها، إذ يجب أن تكون الشركة مليئة ماليا وتعمل في القطاع المنتج وتقدم قيمة مضافة إلى الاقتصاد 'معظمها تعتمد على بيع العقار والأسهم والمضاربات'، إضافة إلى ضرورة تخفيض العلاوات والمكافآت الإدارية 'وهو ما ترفضه الإدارات العليا للشركات بالطبع'، وكذا ضرورة توافر إقرار رسمي بعدم وجود علاقات غير قانونية مع الشركة نفسها 'في حين أن أكثرهم ملوثون'.
• إذن فالتشدد ليس عيبا؟
- بالعكس فالتشدد يعتبر ميزة في مثل هذه الظروف، فقد طفح الكيل بالفساد والتلاعب، إذ صارت الكويت مدرسة لتخريج المجرمين 'في مجال البورصة'، وظهر تكتيك عجيب ومحترف، فلدينا مضاربون وشركات مدرجة ومدققو حسابات وصحف ومؤسسات كلها نخرها الفساد وسوء الإدارة.
• وما هي عيوب القانون؟
- ليست هناك أمور مثالية، فالقانون يعيبه صدوره في زمن الأزمة، ولا يتميز قانون صدر كردة فعل بالكمال والشمولية، ولذلك فالأفضل لو يصدر حاليا، ولكن على الأقل فالقانون موجود حاليا.
• ولكن يتردد أن القانون استصدر لمصلحة الحيتان؟
- أنا أتعجب من ذلك الرأي، فالحيتان يهربون منه وغاضبون عليه، إذ إنه يحاصر المجرمين ويكشف أوراقهم، وأصبح هذا الرأي مجرد مزايدات سياسية ليس أكثر، وأرى أن الشركات الورقية التي لا تقدم قيمة مضافة وقائمة على نقل الملكيات والمضاربة لا تستحق الدعم، فالأفضل أن تذهب إلى جهنم.
• وعن عملية تقييم أصول الشركات التي ستتقدم للقانون كيف تراها؟
- في السابق كانت عملية التقييم تتم بالتكلفة أو السوق، أيهما أقل ولكن الآن ألغت التكلفة وأصبح التقييم بالسوق فقط 'القيمة العادلة'، وهو ما يتم على حسب أهواء المقيم ووجهة نظره، ولذلك ارتفعت أسعار الأصول كثيراً وجاءت الأزمة فحدث الانهيار.
• وكمدير لمركز دراسات اقتصادية كيف ترى الوضع بصفة عامة؟
- الآن الوضع السلبي طاغٍ، وعلى الرغم من ذلك لدينا شركات مفخرة للبلد، وصمدت أمام تيار الفساد، حتى وإن تأثرت سلبا، فهناك تأثير مقبول في بعض الشركات، وهناك أخرى لديها سوء إدارة ونوايا سليمة، والبعض الآخر لديه سوء إدارة ونوايا غير سليمة 'وهؤلاء الله يهديهم، وإذ لم يهدهم يمحيهم' من أجل مصلحة الوطن واقتصاده، فهم خلقوا جراثيم صارت نمطا لدى الكثير لأنه مبتكر، وأصبحت الشطارة هي الآلية التي تحرك البورصة، وتناست آلية العرض والطلب، وقد لقي ذلك صدى عند الجاهلين.
• ماذا يجب على الجهات الرقابية وتحديداً البورصة؟
- إن إدارة البورصة متواضعة، فعدم تطبيق قانون هيئة سوق المال حتى الآن جريمة في حق الوطن، ففي حين يتقدم السوق السعودي تقدما ملحوظا على الرغم من انه ليس مثاليا لم نشهد حالة لتطبيق عقوبات في بورصة الكويت إطلاقا، كما أن الأسلوب الذي تم به توافق القوانين العشرة المقدمة من جهات ذات مصلحة خطأ فادح، فكل قانون له منظور معين وفكر وطرح مختلفان ولا يوجد انسجام، وبصفة عامة فالقانون ما هو إلا تثبيت للوضع الحالي مع اختلاف المسميات، كما أن الرجوع إلى وزير التجارة يعد انتقاصا وتكريسا للوضع الحالي، في حين أنه يجب في مثل هذه الحالات الرجوع إلى رئاسة الوزراء.
• وما هو الدور المنوط بـ'الجمان' في ظل هذه الظروف؟
- في 2008 أشرنا إلى الوضع السلبي المتوقع حسب المعطيات 'لا يوجد قانون، عراك بمجلس الأمة، فوضى، مخالفات في البورصة'، و'الجمان' هو المركز الوحيد الذي تنبأ بالهبوط في 2008 خاصة بعدما تراجع المؤشر الوزني، وحينها اتهمنا بالتشاؤم والتسبب في انسحاب المحافظ من الشركات، كما أننا طالبنا قبل ذلك بتشديد الرقابة على الشركات المخالفة، إذ إن
سوق الكويت يحتوي على نحو 30 شركة ورقية يديرها مجرمون وقطّاع طرق مكانهم السجن، وذلك ما جعلنا نستقبل ونرحب بالأزمة التي جاءت من الخارج أشد الترحيب، فسوق الكويت هبط 60 في المئة في حين اقتصر هبوط داو جونز على نسبة 40 في المئة فقط، وترجمنا ذلك في تقارير لنُتهم بعد ذلك بالتشاؤم، فضلا عن الصراعات التي دوما ما تصنعها تقاريرنا عن الشركات الاستثمارية، على الرغم من أننا لا نعادي أحدا، حتى في سجالنا مع الكتل الاستثمارية لا نصعّد الأمور إلا إذا صار هناك تضليل، وفي النهاية فالاحترام موجود، لأننا لا نتجنى على أحد، على الرغم من أننا مكروهون، لأن تقاريرنا حيادية، وليس لنا مصالح مع أحد، حتى الأطراف التي كنا نمدحها في السابق بدأنا ننتقدها حين انحرفت.
• وماذا جنى ذلك على 'الجُمان'؟
- بعد انتقادنا للكثير من الكتل الاستثمارية بدأت بعض الأقطاب الكبرى في محاولة لاحتوائنا، والبعض طلب منا الترويج له، ولكن تاريخنا على مدى 10 سنوات أثبت أنه ليست لنا مصلحة مع أحد، وهذا هو منبع الجرأة والمصداقية.
• ولكن تردد ما يشير إلى شراكة بين المركز وجهة معينة؟
- لا يوجد إطلاقا أي شراكة بيننا وبين جهات أخرى ولا مصلحة تربطنا بأي منها، فالنتائج المالية للمركز غير إيجابية وغير مشجعة، وأنا أدعمه بمالي الخاص.
• وكيف تعد التقارير الدورية للمركز؟
- نحن لدينا تقرير شهري بالمقارنة بالتقارير الأخرى هو مركز ومدروس ومتفرد، غالبا تتقرر محاور التقرير منذ بداية الشهر ثم أداوم على تسجيل الأفكار خلال الشهر وأعد محاور فرعية وفي نهاية الشهر أبدأ في كتابة المسودة وتعديلاتها إلى أن تصل إلى الصيغة النهائية، ثم بعد ذلك أرسلها إلى المصحح اللغوي، الذي يعد من التكاليف الإضافية للوصول إلى أقصى جودة ممكنة بعكس تقارير المراكز الأخرى، أما بالنسبة إلى التقارير الأسبوعية فتكون نوعية وحسب الظروف، فضلا عن التقارير التي تعتبر ردة فعل لقضية معينة فيتم عمل تقرير خاص لها، إضافة إلى التقارير الخاصة بالعملات وغيرها.
قفزات «غلوبل»
تطرق النفيسي إلى نموذج شركة بيت الاستثمار العالمي (غلوبل)، مشيراً إلى أنه مهما كان سلبيا في البداية إلا أنه حرك المياه الراكدة وانتشر قطاعيا وجغرافيا. وقال إنه طلب من إدارة الشركة الحرص والمحافظة على المكاسب الكبيرة التي تم تحقيقها، والحد من القفزات السريعة للشركة، فجاء الرد 'أين تلك القفزات، القفزات قادمة في الطريق والزيادة 'جاية' ولا تتشاءم'.
أغلبية جاهلة ونخبة فاسدة
قال ناصر النفيسي، إن تيار الفساد جارف، وهناك رموز اقتصادية تسقط وسيسقط المزيد، ورموز اجتماعية تسقط وسيسقط المزيد، ورموز دينية تسقط وسيسقط المزيد، والصحافة في الكويت ليست معصومة، فبعضها يعتمد على المصالح والبعض الآخر لديه خطوط حمراء. وأضاف: 'نحن واقعون بين مطرقة الأغلبية الجاهلة وسندان النخبة الفاسدة'.
الاربعاء 08 يوليو 2009