فضل
عضو مميز
يروى احدهم هذه الحكايه ..،
كان في العقد الستين من العمر ، قصير القامة ، أشيب الشعر
يلبس نظرات طبية ، يمشي على غير هدى ، مطأطئ الرأس
وعلامات الحزن بادية عليه ، ويداه وراء ظهره .
لم يدرى كم من الوقت مر وهو يمشي ، لكنه وجد نفسه فوق تلة صخرية
تطل على بحر متلاطم الأمواج ، جلس عليها ونظراته تجوب هذا العالم
المليء بالأسرار .
لم يكن وحده ، فطيور النورس كانت أنيسه في ذاك المكان ، تطير هنا وهناك
باحثة عن طعام يسد رمقها ذاك اليوم ، وعلى مقربة منه كان صياد في
مقتبل العمر ، طويل القامة ، أسمر البشرة ، يمسك بصنارة حديثة الطراز
يقف في شموخ ينتظر هو أيضا ما سيجود به البحر من طعام .
أخذ يتأمله للحظة ، ثم قرر الذهاب إليه حتى ينفض عنه تلك الوحدة التي
تكاد تخنقه .
وقف وراءه وقال : مرحبا .. أرجو أن لا أكون أزعجتك ..
لم ينتبه إليه ذاك الصياد ، كأنه لم يسمعه ، فاقترب منه حتى جاوره
وأشار بيده نحوه مسلما عليه : عذرا إن اقتحمت عليك خلوتك ، لكن كنت
بحاجة إلى من أتكلم معه ..
سلم عليه الصياد بأدب وابتسامة تعلو محياه ، تم عاد بطريقة آلية إلى
قصبته ورماها بعيدا ..
- آه .. ثم آه .. يا ليت الشباب يعود يوما ..
قال هذا الكلام ، وهو ينظر إلى هذا الشاب ، ثم استرسل :
لو عدت ثلاثين سنة للوراء ، لما فكرت مجرد التفكير في الزواج ، لما لاقيته
من زوجتي التي كنت أحبها حبا ندمت عليه الآن ..
تصور ، وفرت لها كل شيء من مأكل وملبس ومسكن ، ولا كلمة شكر
واحدة ، لم أسمعها منها طوال فترة زواجنا ، كل ما كنت أسمعه ، جملة
واحدة : " أنت لا تصلح لشيء .. هذا لا يكفي .. متطلبات الأولاد زادت ..
انظر إلى جارتنا ابتسام ، تسكن في فيلا فارهة .. " هذا هو ديدنها كل
يوم .. حتى بت لا أطيق الدخول للمنزل مخافة أن أجد طلبات جديدة ..
لست أدري لماذا تتصرف معي بهذا الشكل .. أتظنني بنكا يفرخ النقود ، ما
أنا سوى متقاعد من وظيفة بسيطة .
أحمد الله على أني قمت بتربية أبنائي أحسن تربية حتى دخلوا
الجامعة والآن يشقون طريقهم ..
لكنها مع ذلك لا ترى هذا إنجازا ، تريد المزيد والمزيد من النقود ..
تصور اليوم ، قالت لي : إذا لم تشتر ذاك الفستان الأحمر مثل الذي ترتديه
جارتنا سارة ، لن أكلمك أسبوعا .
لم أستطع الصمود ، فخرجت غاضبا وصفقت الباب من ورائي ، وها أنذا
أمامك ، حائرا ، لا أدري كيف سأتعامل مع هذه الزوجة اللحوح ..
عذرا ، أنستني همومي أن أعرّف بنفسي ، اسمي خالد ، وأنت ؟؟
ظل الشاب واقفا ممسكا بصنارته كأنه لم يسمعه ، حتى ضغط خالد على
كتفه بهدوء وقال له : هل لي أن أعرف اسمك ، أنا اسمي خالد ، وأنت ؟؟
ابتسم الشاب بلطف وأشار بأصابعه موضحا أنه لا يسمع ولا يتكلم .
اعترت الدهشة خالد ، ثم ابتسم بعد ذلك وقال : لا عليك ، المهم أني أزحت
عن كاهلي هما كان يؤرقني طوال هذه الأيام .. فشكرا لك
ثم تركه وانصرف !
< الشكوى لغير الله مذله >