الله الله ما أجمل هذه الكلمات

الوليد q8

عضو نشط
التسجيل
5 فبراير 2010
المشاركات
449
الإقامة
q8



كتب الاديب المصري الكبير أنيس منصور في جريدة الشرق الاوسط المقال الرائع التالي :

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في ألمانيا، وفى منطقة الصناعات الكبرى في منطقة الرور وبقايا المصانع الكبرى التي تناوبها الحلفاء حتى أخفوها فوق الأرض وتحتها.. إلا بعض المصانع التي تنهض بسرعة.. ذهبنا نتفرج. قال لي الألمان إنهم - أي الحلفاء - قضوا على الكثير من الأيدي والأرجل أما الرؤوس فهي متوافرة ولا خوف علينا.. بل سوف يكون الخوف عليهم عندما تنهض ألمانيا.. ونهضت ألمانيا وكأنهم قد أخفوا هذه الأبهة المعمارية تحت الأرض. وبإشارة من إصبع مايسترو انفتحت الأرض عن المدن الجميلة والمصانع الضخمة والشوارع الحريرية.. عادت ألمانيا أروع مما كانت. كيف؟ هذه هي العبقرية الألمانية.

ذهبنا لزيارة مصنع وثان وثالث. وبهرنا الألمان. وجاء دوري أن أقول كلمة عن أثر ما رأيته في حياتي - أنا الذي أنفقت عمري كله في دراسة الفلسفة والأدب الألماني. فلم أكد أكمل عبارة وأحنيت رأسي لكي أرتب للعبارة التالية حتى نهض رجل ضخم الجثة كأنه هتلر يخطب غاضبا في عدد من الرأسماليين اليهود. غضب وثورة وخبط على المنضدة بيده. سألت. فقالوا: انتظر. انتظرت ولم أفلح في فهم الذي قاله الرجل. الرجل قال إنني أخطأت خطأ فادحا. وإنني أهنت الشعب الألماني. لم أفهم. ثم فهمت. لقد وصفت ما رأيته في ألمانيا بأنه (معجزة). فغضب الرجل من كلمة معجزة هذه. وقال: المعجزة والمعجزات عندكم في الشرق.. هنا لا معجزات. هنا تعبنا وتعذبنا ولم تساعدنا السماء. أنا حملت أمي على كتفي خمسين كيلومترا.. والمنديل الذي مسحت به أنفي جففت به دموعي وعرقي. لا معجزة. نحن المعجزة!

حاولت أن أقول له إن استخدام كلمة معجزة هذه هو تعبير مجازي. أي إن الذي تحقق في ألمانيا (كأنه) معجزة.. أي إنه شيء عظيم خرافي. وكلمة معجزة تتكرر في حياتنا اليومية «عَمّال على بطّال».. ولكن الرجل رفض هذه الإهانة. ولم يبق إلا أن أعتذر له.. فهو رجل مهندس وأنا أديب. والأدباء يستخدمون تعبيرات كثيرة لا واقع لها كالأنهار من فضة والجبال من ذهب والدموع لؤلؤ والابتسامة ضياء والوجه كالقمر..

وهز الرجل رأسه بأنه فعلا: كلام فارغ!

أنا اعتذرت له. ولكنه لم يعتذر. فقلت: إنهم الألمان هكذا!

انتهى المقال .... و قد أعجبتني كلماته فنقلتها لكم ......

 
أعلى