العقار «الكويتي» في لبنان

القصاص 2

عضو نشط
التسجيل
20 أكتوبر 2009
المشاركات
1,703
يشهد القطاع العقاري في لبنان حركة ناشطة باعتباره استثماراً رابحاً على المديين القريب والمتوسط، خصوصاً على مستوى بيع الأراضي والشقق السكنية وشرائها في مختلف المناطق ابتداء من العاصمة بيروت وصولاً إلى بلدات الاصطياف، فهو يفتح شهية المستثمرين والمضاربين العقاريين من اللبنانيين المقيمين والمغتربين ومواطني دول مجلس التعاون الخليجي على اختلاف هوياتهم.
إلا ان الاستثمارات الكويتية في هذا المضمار لها طابع خاص يميزها عن استثمارات الخليجيين الآخرين. ففي كثير من الأحيان يكتسي الاستثمار طابعاً شخصياً يتجاوز اعتبارات «البزنس» إلى حد بعيد، باعتبار أن لبنان يشكل وجهة دائمة للكثيرين من الكويتيين، حتى أن بعض سماسرة العقار يتعاملون مع شريحة من المشـــترين الـــكــويتيين الـــذين يبحثون عن منزل أو شقة للاستخدام العائلي كما يتعاملون مع المغتربين اللبنانيين من ميسوري الحال.

يلاحظ بعض المطورين العقاريين أن الطفرة العقارية أبرزت في السنوات القليلة الماضية ظاهرة الاستثمار الذي يجمع بين اعتبارات «البزنس» والحاجات الشخصية. إذ يلجأ بعض المستثمرين إلى شراء عقارات وتطويرها والاحتفاظ بشقة أو أكثر في العقار وبيع ما تبقى من المبنى.
ويشير المطورون إلى أن هذا النوع من الاستثمار أكد جدواه، طالما أن معدل العائد على الاستثمار في التطوير السكني يتراوح بين 30 و50 في المئة، وهي نسبة تكفي لتغطية تكلفة احتفاظ المستثمر بما بين ربع الشقق في المبنى المطور أو حتى ثلثها.
إلا أن تلك الاستثمارات بدأت تواجه بعض العوامل الكابحة، منها ما هو قانوني ومنها ما هو اقتصادي.
رغم وجود قانون لتملك الأجانب يمنع شراء الأراضي من جانب أجنبي إلا لمساحة أقصاها 3 آلاف متر مربع على الا يزيد إجمالي ما يتملكه الأجانب في أي من محافظات لبنان على نسبة 3 في المئة إلا أن هناك تفسيرات ومخارج قانونية عدة تتيح إجراء خطوات التفافية إما عبر السلطة السياسية واستصدار مرسوم في مجلس الوزراء للمساحة التي تزيد على 3 آلاف متر مربع، واما عبر تفسير قانون التملك بالنسبة إلى المساحة الإجمالية لتملك الأجانب وفق آليات غير منطقية، ولكنها مباحة، إذ ان احتساب المساحة الإجمالية يجب أن يكون وفقاً لكل المساحات في المحافظة وليس للمساحات المصنفة سكنية.
«خريطة» ظروف
في الاعوام الأخيرة، لا سيما منذ نهاية العام 2005 شهد القطاع العقاري بقسميه الأراضي والشقق السكنية ارتفاعات كبيرة بلغت بين العامين 2007 و 2008 أكثر من 100 في المئة إذ ان هذه السوق لا تزال تعدّ «عذراء» وفقاً للتطورات التمويلية التي شهدتها دول المنطقة وانعكاسها على الاستثمارات العقارية، فهناك عوامل عدّة تسهّل هذا الأمر في شكل كبير، لا سيما «ندرة الأراضي» وسهولة الحصول على تمويل والرغبات الجامحة في التملك في لبنان من المقيمين والمغتربين والأجانب، ما ادى الى ازدياد الطلب على الأراضي في مناطق معينة وارتفاع الاسعار في شكل جنوني. وهناك أيضاً عدم وجود رهونات عقارية تتيح التوسع في المضاربات المبنية على تمويل محلّي، فضلاً عن عناصر وظروف موقتة كان لها دور كبير في زيادة الاسعار، منها ما هو سياسي مبني على حال من «الستاتيكو» أرساها القرار 1701 على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، ومنها ما يتعلّق بالطلب على العقارات الناتج من حرب يوليو 2006 إذ دمّر أكثر من 250 مبنى في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، وآلاف المنازل في جنوب لبنان، فازداد الطلب على الأراضي لبناء شقق سكنية وارتفعت الاسعار في شكل كبير في هذه المناطق ومثّلت القاطرة لزيادة الاسعار في مناطق اخرى.
ونتيجة هذا الواقع، ارتسمت خريطة عقارية مغايرة لما كانت عليه قبل العام 2005 حين كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يقول إن أسعار الأصول لا تزال دون مستواها الفعلي، فقد أصبحت اليوم فوق مستواها الفعلي، والارتفاع الطبيعي للأسعار الذي كان يفترض أن يكون بمعدل يراوح بين 15 في المئة و35 في المئة تجاوز فعلياً 200 في المئة في الاعوام الأربعة الأخيرة.
وقد مثّل الكلام على قيمة الأصول قبل أربعة اعوام توجيهاً واضحاً للمستثمرين العقاريين الذين غلب عليهم الطابع الخليجي.
وشهدت منطقة وسط بيروت التجاري طفرة مبيعات في الأراضي ومشاريع ضخمة مثل «بوابة بيروت» التي تضم ثماني قطع أرض اشترتها شركة بيت أبو ظبي للاستثمار، و«القرية الفينيقية» التي تضم مساحة كبيرة استثمرت فيها «ليفانت القابضة» الكويتية، ومشروع «لاندمارك» التجاري والسكني ويضم مستثمرين كويتيين.
أما في مناطق الاصطياف فكان الإقبال أكبر وأوسع على الاراضي، اذ بيعت أبرز تلّة في مدينة عاليه في منطقة جبل لبنان والمعروفة بتلّة «888» لشركة كويتية بقيمة 18 مليون دولار، اضافة الى كثير من المساحات الشاسعة في بلدات قرنايل وترشيش وبحمدون حيث أقبل الخليجيون على شراء أراض بهدف إنشاء مشاريع سكنية ضخمة للمصطافين وللتملك الشخصي. ونالت الواجهة البحرية نصيبها من هذا الواقع إذ اشترى أمراء سعوديون فندق «كارلتون» الشهير بالشراكة مع المطور العقاري اللبناني جميل إبراهيم، فضلاً عن فنادق ومنتجعات عدّة مثل «سمرلاند». وبدأت الأبراج بالظهور على طول الواجهة البحرية لمدينة بيروت مقابل مناطق الروشة و«جلّ البحر» والمنارة.
كل هذه الصفقات العقارية كانت تتم في شكل قانوني رغم أن المساحات المشتراة تزيد على 3 آلاف متر، فقد كان المشتري يستصدر من مجلس الوزراء اللبناني مرسوماً يسمح له بتملك مساحة تتجاوز الـ 3 آلاف متر المسموح بها وفق قانون تملك الأجنبي.
إجراءات التفافية
ويشرح المحامي طوني حبيب إجراءات التملك للأجنبي في الشكل القانوني، فيشير إلى أن «القانون اللبناني تشدّد منذ العام 2001 في إعطاء الأجنبي الحق بالتملك، فسمح له بتملك 3 آلاف متر، وبأن يلجأ إلى مجلس الوزراء إذا كانت المساحة التي يريد تملكها تزيد على ذلك. والحصول على ترخيص من مجلس الوزراء يجب أن يكون مرفقاً بدراسة جدوى اقتصادية عن المشروع المستقبلي في المساحة المنوي تملكها، وبنسخة من المشروع المنوي تطويره».
الا أن إجراءات البيع والتسجيل لم تعد كما كانت عليه، فمنذ خمسة اشهر بدأت الدوائر العقارية بطلب إفادة نفي ملكية من الدوائر العقارية اللبنانية، من أجل إظهار الصحيفة العقارية لهذا الأجنبي إذا كان متملكاً في السابق ام لم يتملك بعد، أو إذا كان يمكنه التملك في هذه المنطقة ضمن القانون الذي يشدّد على أن إجمال تملك الاجانب يجب ألا يفوق 3 في المئة من مساحة المحافظة. وبما أن بيان نفي الملكية ليس حدثاً بما يؤدي إلى الإفادة في شكل دقيق وسريع بكل هذه العناصر، فإن تسجيل العقار في الدوائر العقارية يخضع للحصول على إجراءات إضافية، فعلى الأجنبي أن يصرّح عن عقاراته لدى الكاتب العدل ويحصل على إفادة بهذا التصريح، وأن يقدّم إفادة ببيان السجل العائلي من أجل أن يؤكد أنه وزوجته وأولاده القصّر لا يملكون ما يزيد على 3 آلاف متر مربع.
رغم كل هذه الإجراءات فان تملّك الأجنبي في لبنان أمر ملتبس، فهل تحسب الامتار المسموح بتملكها من جانب الأجنبي على أساس مساحة الارض أم على أساس مساحة البناء (متر الهواء)؟ إن المساحة التي يحق للاجنبي تملكها تحتسب على اساس عامل الاستثمار الذي يحدد عدد الامتار التي يمكن بناؤها على اي قطعة أرض، ما يعني أن أرضا مساحتها ألف متر مربع يمكن بناء ثلاثة آلاف متر عليها تحتاج إلى ترخيص من مجلس الوزراء ليتملكها أجنبي ما.
ويشير حبيب إلى أن هذه الآلية تطبق بكثير من التشدّد والانضباط، فإذا كان التملك بهدف السكن، على الأجنبي المرور بهذه الآلية الطويلة والمعقّدة والتي يتخللها كثير من محاولات السمسرة. وإذا كان التملك من أجل الاستثمار، فهناك مراسيم خاصة تعطى لكل مشروع على حدة.
استنفاد قانون التملك
لكن المستجد أخيراً في هذا الملف هو تخفيف عامل الاستثمار في محافظة جبل لبنان بعدما بدأت حركة المبيعات العقارية في عاليه وجوارها تشهد تطوراً ونشاطاً ملحوظين. ويشير أصحاب المكاتب العقارية في بعبدا وعاليه إلى أن القرار دفع السوق العقارية إلى التحرّك في شكل يشمل عدداً أكبر من المساحات المفرزة، وهذا الامر يضغط على المستثمر لشراء مساحات أكبر تؤمن له مساحة الاستثمار المبني الذي يريده.
وهذا القرار اتخذ بناء على دراسات غير معلنة اجرتها الدوائر العقارية في المحافظة. وكان بعض نواب المحافظة أشار في وقت سابق إلى أن تملك الأجانب لم يعد ممكناً في مناطق مثل بعبدا وعاليه وغيرها، فالقانون يؤكد أن المساحة المسموح بان يتملكها أجنبي يجب ألا تتعدى 3 في المئة من مساحة المحافظة، لكن الدراسات تؤكد أن تملك الأجانب استنفد كل المساحات المخصصة له.
من جهة اخرى، تجدر الإشارة إلى أن المستثمرين الأجانب الذين يحملون كل هذه الأمتار في جعبتهم، لم يستثمروا فيها بعد، فالغالبية تنتظر أن تحقق الاستثمار الأقصى فيها كون القانون يعطيها فترة سماح لإنشاء مبنى على الأرض تستمر خمس سنوات قابلة للتجديد في مجلس الوزراء لفترة مماثلة. وهناك كثيرون ممن اشتروا أراضي ينتظرون الوقت المناسب للبيع.
وبما أن قانون تملك الأجانب في صيغته الحالية قد صدر العام 2001 فهذا يعني أن فترة انتهاء السنوات العشر الأولى ستكون في العام 2011. وحتى الآن لم يُسمع بعد إلا عن عدد «نادر» من الحالات التي لم يوافق فيها مجلس الوزراء على تجديد الترخيص، علماً بأن طفرة شراء العقارات في مناطق مثل بعبدا والحازمية وقرى الاصطياف مثل عاليه وبحمدون وترشيش وسوق الغرب وسواها قد بدأت في الاعوام الخمسة الأخيرة. والاقبال على شراء الاراضي يفوق الطلب على الشقق والفيلات والايجارات الموسمية.

تملّك الأجنبي في لبنان قانوناً

حدّدت المادة 7 من قانون تملك الأجانب النسبة المئوية القصوى التي يجوز للأجانب تملكها في الحقوق العينية العقارية في لبنان كالآتي:
- لا يجوز أن يتجاوز ما يمتلكه الاشخاص المعنويون غير اللبنانيين أو المعتبرون بحكم غير اللبنانيين، في جميع الاراضي اللبنانية 3 في المئة من مجموع مساحتها، على ألا تتعدى 3 في المئة في كل قضاء من مجموع مساحتها، ولا تتعدى في محافظة بيروت 10 في المئة من مجموع مساحتها.
- يعتدّ في حساب النسب المذكورة أعلاه تملك الشركات اللبنانية المعتبرة بحكم غير اللبنانية، باستثناء حالتي:
أولاً: شركات الاشخاص والشركات المحدودة المسؤولية التي يملك الاكثرية فيها (ما يزيد على 50 في المئة من الحصص)، شركاء لبنانيون طبيعيون أو شركات لبنانية صرف يحظر نظامها التفرغ عن هذه الحصص لغير اللبنانيين، عندها تحتسب نسبة 50 في المئة فقط من المساحات التي تتملكها من ضمن النسب الواردة أعلاه.
ثانياً: الشركات المغفلة أو شركات التوصية بالاسهم التي يملك أكثرية الاسهم فيها، أي ما يزيد على 50 في المئة من الأسهم، أشخاص طبيعيون لبنانيون أو شركات لبنانية صرف يحظر نظامها التفرغ عن هذه الاسهم لغير اللبنانيين، عندها تحتسب نسبة 50 في المئة فقط من المساحات التي تتملكها من ضمن النسب الواردة في هذه المادة.
ويعلن عن بلوغ نسب التملك بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية ويعلق اكتساب غير اللبنانيين أو المعتبرين بحكم غير اللبنانيين الحقوق العينية العقارية، إلا إذا كان هذا الاكتساب جاريا بين الاشخاص غير اللبنانيين أو المعتبرين بحكم غير اللبنانيين. ويتولى المركز الآلي في وزارة المالية ـ مديرية الشؤون العقارية ـ تنظيم البيانات والإحصاءات اللازمة لبيان النسب المذكورة، وعند بلوغ النسب القانونية تتخذ مديرية الشؤون العقارية الاجراءات اللازمة لتوقيف عمليات تسجيل الحقوق العينية لغير اللبنانيين على أن تنشر هذه البيانات في الجريدة الرسمية كل ستة أشهر.
ويجب على كل شخص طبيعي اكتسب حقاً عقاريا وفقاً لأحكام هذا القانون أن ينجز تشييد بناء على الحق موضوع التملك في مهلة أقصاها 5 سنوات من تاريخ التسجيل في السجل العقاري، قابلة للتمديد مرة واحدة بقرار من مجلس الوزراء، وكذلك على كل شخص معنوي أن يخصّص العقارات موضوع التملك في الغاية التي من أجلها تملّك أو منح الترخيص خلال المهلة المذكورة، كل ذلك تحت طائلة سقوط الحق او الغائه وبيعه من قبل وزارة المالية مع ما أحدث عليه لحساب المخالف وعلى نفقته ومسؤوليته ويصادر لمصلحة الخزينة كامل الربح الناتج عن البيع بعد أن يعاد إلى صاحب الحق كامل الثمن والنفقات القانونية، وتكون المحاكم العدلية هي الصالحة للنظر في المنازعات الناتجة من تطبيق أحكام هذه المادة».

الالتفاف على سقف التملك الأجنبي

هناك طريقتان بارزتان من الطرق الالتفافية على قانون تملك الأجنبي يستخدمها بعض الخليجيين في لبنان. إذ تعمد بعض الشركات الأجنبية إلى تأسيس شركة كل أسهمها لبنانية باسم شخص موثوق به يتنازل عن كل الحقوق الاقتصادية لهؤلاء الأجانب، وتعمد هذه الشركة إلى شراء أي عقار تريده من دون أن يكون تملّكها خاضعاً لقانون تملك الأجانب. لكن الحقوق الاقتصادية تعتبر بمثابة تملك له سلبياته، ففي حال حصول إفلاس لا تؤمن هذه الحقوق حصانة كاملة ويعد الإفلاس قانونياً على أساس أنه لا يرتّب حقوقاً عينية على الأجنبي صاحب الحقوق، وهو أمر يختلف كثيراً عن تملك شهادات إيداع، إذ ان الأخيرة ترتّب حقوقاً على أصول الشركة.
ويعتقد حبيب أن «هذه الطريقة محبّذة من جانب عدد كبير من المستثمرين الخليجيين في العقارات اللبنانية، فهي تؤمّن لهم حرية التجارة بالعقارات وشراء الأراضي وبيعها تحت ستار الشركة التي توفّر الكثير من الاجراءات الادارية المعقدة وتنسجم مع الآتي:
ــ تناسب الأجنبي الذي لا يحب الظهور علناً.
ــ تناسب المقاول اللبناني الذي لا يحب أن يتهم بأنه يرفع أسعار العقارات عبر تعامله مع أجانب، فضلاً عن أن تعاطيه مع شركة أسهل بكثير من التعاطي مع أشخاص.
ــ توفّر على الجميع الارباك الاداري وكلفته المرتفعة وعمليات السمسرة وغيرها.
ــ أي محام ناجح يمكنه أن يكتب عقداً يحفظ حقوق الطرفين، أي المستثمر الأجنبي الذي تم التنازل له عن الحقوق الاقتصادية، واللبناني الذي تم تسجيل الشركة باسمه
 
أعلى