مقالة رائعة ومفيدة

الطارق

عضو نشط
التسجيل
12 سبتمبر 2004
المشاركات
149
--------------------------------------------------------------------------------

لا تتهموا الشباب العربي ووفروا لهم بديلا أفضل....بقلم: فهمي هويدي
--------------------------------------------------------------------------------

عندي عدة ملاحظات على الجدل الدائر حول برنامج «ستار أكاديمي»، والأصداء القوية التي أحدثها «انتصار» الشاب السعودي هشام عبد الرحمن، والتعبئة الاعلامية واسعة النطاق التي واكبت «الحدث»، خليجيا وعربيا. واعترف مقدما بأنني ما سمعت بالأمر إلا حين وصلت أصداؤه إلى الصحف، وتحولت النتائج إلى «أخبار» احتلت مكانها على الصفحات الأولى، ثم إلى تعليقات لبعض الكتاب مؤيدة ومعارضة لما جرى. كما فهمت ان الأمر وصل إلى حد الاشتباك بين المعارضين والمؤيدين، وصل إلى درجة محاولة قطع وسائل الاتصال وافساد المسابقة.




لقد قرأت أن الرئيس التونسي أرسل باقة ورد وبطاقة تحية إلى المتسابقة التونسية في الحفل النهائي، وأن وزارة الاتصالات هناك أمنت أربعة خطوط هاتفية مفتوحة على مدار الأربع وعشرين ساعة لتمكين التوانسة من المشاركة في التصويت، في حين أقيمت الخيام ونصبت الشاشات العملاقة في غالبية المقاهي والمطاعم التونسية لتمكين الجماهير من متابعة الحدث. وهو ما يعني أن الدولة التونسية ظلت مشغولة بالموضوع طول الوقت، واعتبرت أن فوز فتاة تونسية في المسابقة عملاً «وطنياً» جديراً بالمساندة.



وقرأت أيضاً أن الأمير الوليد بن طلال أرسل طائرة خاصة حملت الفائز السعودي من بيروت إلى جدة، وأنه لقي استقبالاً حافلاً في مطار الملك عبد العزيز. وبلغت الفرحة في أوساط الشباب حداً جعلهم يرفعون أعلاماً اعتبرت يوم فوزه يوماً «للانتصار»، بل وان الفرحة عمت البيوت في المملكة من جراء ذلك. كما قرأت أن اعلانات ولافتات رفعت في بعض المدن السعودية لحث الجماهير على التصويت لصالح الشاب المرشح، وأن بعض الشباب المتحمسين ـ والكبار أيضا ـ دفعوا آلاف الريالات من أجل أن يفوز الشاب هشام.



في الكويت حدثت تظاهرة مماثلة كان انعكاسها على الصحافة أكثر وضوحاً، حيث نشرت أخبار المتسابق الكويتي الذي وصل إلى الدور النهائي على الصفحات الأولى، مصحوبة بصور كبيرة ملونة له، أما «تصريحاته» التي تناولت تجربته وحياته ودراسته في معهد الفنون وآراءه في الحياة العامة الفنية والثقافية، فقد احتلت صفحات بكاملها، فوزعت عليها صوره في العديد من الأوضاع.



لم يكن ذلك كله جديدا، لأن تظاهرات مماثلة حدثت في أقطار أخرى في دورات سابقة، حيث عبئت الجماهير العربية لأجل التصويت لصالح المتسابقين من كل قطر، وحدثني أحد الأصدقاء أنه كان في زيارة لدمشق يوما ما فوجد ملصقات موزعة في الشوارع على نحو غير مألوف تدعو لانتخاب وجه نسائي لم يسمع به من قبل، ونظرا لكثافة الصور والحاح اللافتات على ضرورة مساندة «ابنة سوريا البارة»، فقد ظن صاحبنا أن الحملة من تجليات دعوات «الاصلاح السياسي»، وأن السيدة أو الآنسة المذكورة داخلة في منافسة قوية مع آخرين لم ير صورا لهم.



وحين حيرته الظاهرة سأل عن الحكاية، وفوجئ بأن المقصود بالملصقات وحملة الدعاية هو شحذ همة الجماهير السورية للتصويت لصالح ابنة بلدهم والانتصار لها في برنامج «ستار أكاديمي».



لم أكن أعلم أن مواطنة مصرية اسمها «زيزي» شاركت في المسابقة الأخيرة، حتى قرأت تعليقاً لأحد الكتاب المصريين الساخرين تحت عنوان: «عاشت زيزي حرة» ـ وفي النص روى زميلنا كيف انه كلما صادف واحدا من معارفه قال له ان زيزي استبعدت نتيجة «مؤامرة» ضدها. ويبدو أنه لم يكن متابعاً للبرنامج ـ مثلي ـ فسأله عمن تكون زيزي هذه، وحينئذ قوبل سؤاله باستنكار من صاحبه، الذي عاتبه لأنه لم يقف مع «ابنة بلده» ولم يشترك في «رفع رأس مصر» في المنافسة. فما كان من زميلنا إلا أن فقد هدوءه وأعرب عن دهشته من أن ثمة اناسا لم يفكر الواحد فيهم في أن يرفع صوته مرة احتجاجا على الفساد والنفاق أو العدوان على أخريات. ولم يحاول أي منهم أن يتصل بأي برنامج تلفزيوني مفتوح لكي ينتقد مظاهر العوج في البلاد، في حين يتسابق بعض هؤلاء على التصويت في مسابقة حول الطرب، ثم توقع متندرا ان يخرج صاحبنا الذي احتج على المؤامرة ضد «زيزي» لاستقبالها عند عودتها إلى القاهرة، رافعا لافتة كتب عليها: «إذا استبعدوا زيزي فكلنا زيزي».



الأمر تجاوز التعليقات الساخرة أو الاعتراضات الصاخبة، إلى الحوارات التي نشرت على صفحات «الشرق الأوسط» و«الحياة»، إضافة إلى الحوارات التي لم تتوقف على مواقع الانترنت، واتسم بعضها بالخشونة والتجريح.



ملاحظاتي كلها على ما قرأت عن أصداء البرنامج، ويستطيع أي أحد ان يعتبرها ملاحظات «منقوصة» لأنني لم أر شيئا من حلقاته، ولأنه «ليس من رأى كمن قرأ»، ربما كانت لي ملاحظات اضافية إذا تسنت لي مشاهدة البرنامج، ورغم أنني لم أكن مستعدا لتضييع وقتي في مشاهدته، إلا انني وجدت أن ما نشر عنه له عدة دلالات مهمة تستدعي الوقوف عندها، أوجز أهمها فيما يلي:



ان المتابعين للبرنامج في أنحاء الوطن العربي لا يمكن حقا الادعاء بأنهم يمثلون الشباب العربي، لكنهم بالتأكيد يمثلون قطاعا مهما فيه. وقد كان ظني ان أولئك المتابعين ينتمون إلى شرائح معينة أقرب إلى الميسورين والقادرين، لكن تبين أن غيرهم صار طرفا في المتابعة، من خلال أجهزة التلفزيون التي تنقل البرنامج إلى رواد المقاهي والخيام والمنتديات العامة.



ان الاقبال الشديد من جانب المتابعين على التصويت قد يكون نابعا من عصبية قطرية، وهذا أمر طبيعي، لكن من الواضح أيضا ان أولئك الشبان يعانون من فراغ هائل، ويبحثون عن «قضية» يشاركون فيها ويتحمسون لها، ولا يجدون تلك القضية إلا في مباريات كرة القدم وفي الحماس والاحتشاد لاجل مثل تلك البرامج، حتى يحتار المرء في الإجابة على السؤال: إذا لم يتحمس هؤلاء لمثل تلك الأنشطة، فلأي شيء يتحمسون إذن؟



ان غياب النشاط الأهلي والظروف الصعبة التي تعمل فيها منظمات المجتمع المدني، أسهما في اذكاء ذلك الفراغ، ودفعا الشباب إلى البحث عن أي أنشطة بديلة يفرغون فيها طاقاتهم. ان شئت فقل أن الدولة الحديثة في المجتمع العربي استثمرت الامكانيات الجبارة التي توفرت لها في تأميم الحياة العامة، الأمر الذي أضعف المجتمعات وقلص كثيرا من دورها وحركتها. وقد تجلى ذلك في ارتفاع نسبة العزوف عن المشاركة في الحياة السياسية والعامة في أغلب الأقطار العربية. وثمة احصائية مثيرة في هذا الصدد كشف عنها استفتاء أجرته في مصر «جماعة تنمية الديمقراطية»، بين أن 88% من أفراد المجموعة التي شاركت في الاستفتاء ليس لهم أي اسهام في الأحزاب السياسية، وان 98% من المواطنين لا يشاركون في أي نشاط عام. وإذا صح ذلك وقسنا عليه، فسنجد أن الشباب معذور إذا اندفع في حركة تسعى لترجيح كفة هذا المطرب أو ذاك.



ان بعض الجهات في المجتمع العربي الذي جرى فيه تأميم النشاط الأهلي او تقليصه حاولت ملء الفراغ واشغال الناس من خلال الافراط في الأنشطة الفنية، وهي أنشطة لا تخلو من جاذبية، ثم انها آمنة للغاية، إذا قورنت بالأنشطة السياسية باهظة الكلفة. وهو ما يبدو واضحا في كم البرامج التلفزيونية والاذاعية التي تتفنن في تقديم الأغاني والنجوم وتسويق المسلسلات كما يتضح بصورة جلية في سيل المهرجانات الفنية الذي تشهده عواصم العرب على مدار العام، وهو ما لاحظه أحد كبار المثقفين العرب المقيمين في الولايات المتحدة ـ الدكتور حليم بركات ـ حين جاء إلى زيارة لدمشق وبيروت، فأزعجه ذلك المشهد، وعاد ليكتب مقالا كان عنوانه: الغرب استولى على العرب!



ان ثمة كتلة عريضة من الشباب في العالم العربي تستشعر أنها مهمشة وساقطة من الخرائط الثقافية والسياسية، وهي في شوق لمن يخاطبها ويتواصل معها، كي يشعرها بوجودها ويستثمر طاقاتها. لكن الركود المخيم على العالم العربي فرض على مجتمعاتنا قشرة سميكة من الشخوص والرموز الذين احتكروا الصدارة لعدة عقود، ولم يسمحوا بأي تداول للمواقع. وكانت النتيجة أنهم أوقفوا نمو الأجيال الجديدة، وأصابوهم باليأس من المشاركة، فانصرفوا إلى مجالات تشجيع الفن والرياضة، التي ربما كانت أفضل من مجالات الانحراف الأخرى.



ان ثمة جهودا مستمرة لتسطيح عقول الشباب، من خلال جذبهم إلى المسابقات والبرامج التي تستعرض الجمال أو الصوت أو غير ذلك، فلم نسمع مثلا عن أي جهد مواز لاقامة مسابقات أخرى محترمة في المعلومات العامة، أو في الفيزياء، والرياضيات، أو غير ذلك من الأنشطة التي تقام في أماكن أخرى من العالم.



لقد تساءل أحد الكتاب السعوديين في معرض نقده للضجة التي حدثت في المملكة بسبب فوز الشاب السعودي، فكتب متسائلاً: ما الذي استفدناه من فوز هشام؟ ـ وهو سؤال وجيه ردي عليه هو: إذا تعلمنا درس المشهد واستوعبنا رسالته جيدا، فسنكون قد استفدنا كثيرا لا ريب، وإذ أقر بأنني فاقد الحماس لذلك البرنامج الذي جذب انتباه أعداد وفيرة من الشباب العربي، لكنني أقول اننا بدلا من أن نهاجمهم ونتهمهم، علينا أن نجذبهم إلى بديل أفضل، عملا بالمثل القائل: بدلا من أن تلعنوا الظلام، أضيئوا الشموع.



ـ هل لدى أحد منكم شمعة مضيئة يقدمها إلى شبابنا العربي الحائر؟






تم طباعة هذا الموضوع من موقع بوابة العرب
 
أعلى