أزمة الاقتصاد الأمريكي وتداعياتها دوليا وخليجيا 1

Short Selling

Swing Trader
التسجيل
4 مايو 2002
المشاركات
275
الإقامة
Kuwait
تناولت الحلقة السابقة أزمة الاقتصاد الأمريكي وما خلفته الفضائح المالية للشركات الأمريكية من تداعيات سلبية على الانتعاش الاقتصادي، ومعدلات البطالة، وأسواق الأسهم وعجز الموازنة وميزان المدفوعات، ونتناول في هذه الحلقة تداعيات تلك الأحداث على الاقتصادات العالمية ومن بينها الاقتصادات الخليجية والعربية. التداعيات على الاقتصاد العالمي لم تكن الفضائح المالية والمحاسبية للشركات الأمريكية، التي جاءت بعد اشهر قليلة من هجمات 11 سبتمبر لتترك تداعياتها على الاقتصاد الامريكي بمفرده، بل تعدت ذلك لتلقي بظلالها ايضا على باقي الاقتصادات العالمية ولاسيما مع توتر المناخ الاستثماري العالمي وتزايد مخاوف حملة الاسهم في الأسواق الأوروبية والآسيوية من حدوث المزيد من حالات التلاعب بنتائج الشركات الفعلية، الامر الذي يزيد من حدة التباطؤ الاقتصادي العالمي وخاصة ان الاقتصاد الأمريكي يعد بمثابة القاطرة التي تقود الاقتصاد العالمي، حيث يمثل اكبر قوة اقتصادية في العالم بنحو 10 تريليونات دولار سنويا اي ما يعادل 21.7% من اجمالي الناتج العالمي.

وتعد الولايات المتحدة ثانية أكبر قوة تجارية في العالم، بعد دول الاتحاد الاوروبي مجتمعة بنسبة 15% من اجمالي الصادرات العالمية، وتساهم بنحو 17.3% من حجم التجارة الخدمية الدولية، وتمثل نحو 40% من تدفقات رؤوس الاموال العالمية، وتعد اكبر جهة مستقبلة للاستثمار الاجنبي المباشر في العالم. كما يعد الدولار الأمريكي هو العملة السائدة في مختلف المعاملات الدولية، حيث ان 50% من تدفقات التجارة العالمية توجه بالدولار، وتقيم به اكثر من 50% من السندات العالمية، كما تسعر الصادرات النفطية بالدولار في جميع أنحاء العالم، علما بأن الولايات المتحدة هي اكبر مستهلك للنفط في العالم (25% من الاستهلاك الدولي). يضاف الى ذلك ما اكتسبته منطقة الدولار من كونها اكثر المناطق امنا في العالم خلال العقود الماضية، فوفقا لأحدث بيانات بنك التسويات الدولية فقد بلغ حجم الاحتياطيات الرسمية من الدولار لدى البنوك المركزية نحو 1.45 تريليون دولار بنهاية عام 2000 ليمثل نحو 76% من الاحتياطي الدولي الاجمالي بالعملات الصعبة. ولكن بعد فضيحتي شركتي "انرون" و"وورلدكوم" الأمريكيتين على وجه الخصوص وفقدان الثقة بالنظام الاقتصادي الأمريكي سادت نظرة تشاؤمية إزاء المستقبل العالمي المنظور فبعد ان استطاع الاقتصاد الامريكي المزدهر خلال عقد التسعينيات ان يدعم باقي اقتصاديات العالم لا شك أن الركود الامريكي يعني ضمنا ان القوة الدافعة الاضافية في طريقها إلى الزوال في الفترة الحالية، حيث انخفضت نسبة نمو إجمالي الناتج العالمي من 4% عام 2000 الى 1.3% عام 2001 ولا يتوقع ان يتجاوز 2% عام 2002 حسب التقرير الذي اصدرته دائرة الشئون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة يوم 26/6/2002، والذي اوضح ان التباطؤ الاقتصادي العالمي قد عزز انخفاض الطلب على المواد الأولية، الأمر الذي اسفر عن نتائج سلبية على اقتصادات عدة دول من أكثر دول العالم فقرا ووفقا للبنك الدولي فان نسبة النمو وصلت الى سالب (0.8%) و0.1% في اليابان، و3.4% و2.9% في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وذلك خلال عامي 2001 و 2002 على التوالي، ومن المتوقع ان تعدل هذه المؤشرات لاحقا لتعبر عن تراجع اكبر في النمو الاقتصادي العالمي.

ويشار الى أبرز التداعيات على الصعيد الاقتصادي العالمي من جراء الفضائح المالية والمحاسبية الأمريكية فيما يلي:

1- التجارة العالمية: سيؤثر تدني معدلات الاداء الاقتصادي الأمريكي دون شك على صادرات عدة بلدان الى السوق الأمريكية حيث ستكون كندا والمكسيك - اللتان يتوجه 83، 88% من صادراتهما الى الولايات المتحدة اضافة الى بعض الدول الآسيوية مثل ماليزيا وتايلند واندونيسيا التي تعتمد بشكل كبير على الصادرات الالكترونية - أكثر الدول تأثرا بهذا الركود ولاسيما بعد انفجار "الفقاعة الاستثمارية" الأمريكية، وبصفة عامة تقدر المفوضية الأوروبية، ان تباطؤ النمو الاقتصادي الأمريكي بمعدل 2% يعني تراجعا مقداره 0.15% من اجمالي الناتج المحلي لدول اليورو، يذكر ان معدلات نمو التجارة العالمية قد تراجعت من 12% عام 2000 الى 2% فقط عام 2001، في اكبر تراجع من نوعه منذ عام 1982 بسبب التداعيات السلبية لهجمات 11 سبتمبر على الاقتصادين الأمريكي والعالمي. وفي اطار الفضائح المالية الأخيرة، اشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضم 30 دولة صناعية في تقريرها يوم 4/7/2002 الى ان التجارة التي كانت قاطرة النمو الاقتصادي العالمي خلال العقد الماضي شهدت انخفاضا حادا خلال الشهور التسعة السابقة مع تباطؤ الاقتصاد العالمي، ومقارنة مع الربع الأول من عام 2001 لاتزال الصادرات العالمية منخفضة بنسبة 8.9% بينما تقل الواردات العالمية بنسبة 11% خلال نفس الفترة من عام 2002 حيث تراجعت الصادرات الامريكية في الربع الأول من عام 2002 بنسبة 0.7% مقارنة مع الربع السابق في حين زادت وارداتها بنسبة 1.6%. وبالنسبة إلى مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى فقد تراجعت صادراتها بنسبة 2.3% في حين انخفضت وارداتها بنسبة 3.7% خلال الفترة المذكورة.

2ــ أسواق المال العالمية: أدت حالات الاختلاس والتلاعب بالنتائج المالية لكبرى الشركات الأمريكية، وخاصة الكشف عن فضيحة وورلدكوم، إلى هبوط أسواق المال العالمية وخاصة في آسيا وأوروبا والأمريكتين بصورة ملحوظة التي عادة ما تستدل بمؤشرات "وول ستريت" وذلك بسبب تصاعد مخاوف حملة الاسهم من حدوث المزيد من حالات التزوير والاحتيال بالشركات الأمريكية الكبرى وشيوع حالة من فقدان الثقة وتدهور مناخ الاستثمار في العالم، حيث هبط مؤشر الاسهم اليابانية "نيكاي" ومؤشر "داكس" الالماني و"كاك" الفرنسي بأكثر من 4% هذا بخلاف تراجع مؤشر فاينانشيال تايمز الرئيسي للأسهم البريطانية بنسبة 5% متراجعا الى أدنى مستوى له منذ خمسة اعوام ونصف عام. ويرى المراقبون ان انخفاض اسعار الاسهم الأمريكية هو امر متوقع حيث انها كانت مقومة بأعلى من قيمتها الحقيقية خلال العقد الماضي، ولاسيما السنوات الثلاث الأخيرة، بسبب انتعاش اسهم شركات الاقتصاد الجديد، فان انهيار وفضائح بعض الشركات الأمريكية لم تكن سوى القشة التي قصمت ظهر البعير، ولاسيما بعد ان شهد عام 2000 اشهار افلاس أكثر من 35 ألف شركة أمريكية بسبب تورطها بشكل أو بآخر في قضايا فساد زادت بنسبة 14% عام 2001، ومازالت الفضائح تتوالى. ولا شك أن استمرار فضائح الشركات الأمريكية سيفيد على الجانب الآخر الأسواق الأوروبية الأكثر أمنا والافضل من ناحية تطبيق لوائح وقوانين خاصة بالرقابة على الشركات وضبط الأداء المالي والالتزام بالمعايير المحاسبية والشفافية، وهو ما أسهم بالفعل - كما سبقت الاشارة - في خروج رؤوس الاموال الأجنبية من السوق الامريكية الى السوق الأوروبية، الأمر الذي أدى بدوره إلى ارتفاع سعر اليورو الأوروبي متجاوزا نقطة التعادل مع الدولار الأمريكي، كما أن هناك اتجاها بين المستثمرين نحو التخلص من الأسهم واقتناء الذهب باعتباره أحد الملاذات الآمنة.

3ــ أسواق الصرف العالمية: إذا كان التذبذب هو سمة اساسية لأسعار العملات الرئيسية في الاسواق الدولية، فان استمرار انخفاض الدولار الأمريكي امام العملات الدولية سيحدث تأثيرات عديدة على الاقتصادات العالمية، فمن جهة سيمثل اليورو القوي فائدة للمستهلك الأوروبي الذي سيتمكن من الحصول على السلع المستوردة بأسعار مخفضة ومن ثم الابقاء على التضخم منخفضا وتراجع الضغوط على البنك المركزي الأوروبي لزيادة أسعار الفائدة، إلا أنه من جهة اخرى سيضر بالصادرات الأوروبية التي ستكون في وضع أقل تنافسية في مواجهة المنتجات الأمريكية، الأمر الذي يعني بالتبعية انتعاش الصادرات الأمريكية في الأسواق الدولية وان كان سيساهم في رفع فاتورة الواردات الأمريكية وخاصة من المواد الخام الأولية والسلع الوسيطة، الأمر الذي يرفع بدوره من حجم التكلفة والنفقات التي ستتحملها الشركات الأمريكية.
 
أعلى