أسواق المال العربية وموجة التصحيح الثانية

بو بندر

عضو نشط
التسجيل
15 سبتمبر 2005
المشاركات
1,002
الإقامة
متداول الاوسط سابقا
تعرضت معظم الأسواق المالية الخليجية والعربية لتصحيحات سعرية قاسية ومؤلمة خلال شهر أيار (مايو) الماضي. وهذه هي الموجة الثانية من التصحيح التي تتعرض لها المنطقة، حيث أصبحت هذه الأسواق الأكثر خسارة خلال العام الحالي على مستوى البورصات العالمية، فيما كانت تحتل المراكز الأولى في الربحية وفي تحسن مؤشرات الأداء خلال الفترة ذاتها من العام الماضي. ومؤشر سوق الأسهم السعودي، أكبر سوق خليجي وعربي، خسر ما نسبته 14.12 في المئة من قيمته خلال شهر أيار الماضي، وما نسبته 45 في المئة من أعلى مستوى وصل إليه المؤشر. فيما بلغت نسبة خسارة المؤشر خلال الأسبوع الممتد من السادس إلى الحادي عشر من شهر أيار الماضي 21.2 في المئة، وهي أعلى خسارة أسبوعية يتعرض لها المؤشر منذ إصداره.

ويعتبر هذا الأسبوع (6 – 11 أيار الماضي) بالذات الأكثر تراجعاً لعدد كبير من البورصات الخليجية والعربية. فقد خسر مؤشر سوق قطر ما نسبته 9.44 في المئة، وخسر مؤشر سوق الإمارات ما نسبته 12.2 في المئة، ومؤشر السوق المصري نسبة 5.77 في المئة، ومؤشر سوق مسقط 5.01 في المئة، ومؤشر سوق الكويت 5.77 في المئة.

وفي مصر، خسر مؤشر السوق المصري ما نسبته 20 في المئة من قيمته خلال شهر أيار الماضي. وبلغت نسبة خسارة المؤشر خلال الأسبوع الثالث من الشهر 16 في المئة، وهي أعلى خسارة أسبوعية يتعرض لها المؤشر. وعزت مصادر رسمية مصرية التراجع الكبير في السوق إلى خروج مستثمرين أجانب وخليجيين. وخسر السوق المصري ما نسبته 13.6 في المئة خلال الأسبوع الممتد من العاشر إلى الخامس عشر من شهر حزيران (يونيو) الجاري.

أما في قطر، فتراجع مؤشر سوق الأسهم خلال شهر أيار ما نسبته 14.96 في المئة، ومؤشر سوق الإمارات بنسبة 7.17 في المئة، ومؤشر سوق مسقط بنسبة 4.07 في المئة، ومؤشر سوق عمان المالي بنسبة 1.72 في المئة.

وهناك أسباب عدة ما زالت تلعب دوراً رئيساً في عدم استقرار وتحسن مؤشرات أداء الأسواق المالية وتعرضها لموجات تصحيح متتالية، تتفاوت حدتها وعمقها من سوق الى آخر، على رغم اتخاذ حكومات المنطقة تاطقبلا من القرارات والإجراءات التي تهدف إلى عودة الانتعاش والاستقرار إلى هذه الأسواق.

في الوقت ذاته، أدى الانخفاض الكبير في أسعار أسهم الشركات المدرجة في معظم الأسواق الى إيجاد فرص استثمارية متنوعة وجيدة في كل القطاعات، حيث أصبحت مكررات الأرباح أو مضاعف الأسعار للكثير من الأسواق منطقية ومعقولة مقارنة بما وصلت إليها خلال العام الماضي. إذ انخفض مؤشر مكرر الأرباح في سوق الأسهم الإماراتي من 32 مرة (خلال العام الماضي) إلى نحو 14.5 مرة في نهاية شهر أيار الماضي. وانخفض مكرر أرباح ومضاعف الأسعار لبعض الشركات القيادية الإماراتية إلى مستويات تراوحت ما بين 10 إلى 12 مرة، فيما انخفض هذا المؤشر إلى 20 مرة للسوق السعودي بعدما بلغ 47 مرة في بداية هذا العام. وما زال مؤشر مضاعف الأسعار للسوق السعودي مرتفعاً، مقارنة بالأسواق الخليجية والعربية الأخرى. كما انخفض مضاعف الأسعار إلى 16 مرة في سوق قطر و13 مرة في سوق الكويت و 19 مرة في سوق الأردن الذي يعتبر أيضا مرتفعاً. والجدير بالذكر أن مؤشر مضاعف الأسعار هو من أكثر المؤشرات شعبية للحكم على واقعية الأسعار ومنطقيتها.

وفي محاولة لتعزيز أداء السوق في المملكة العربية السعودية، خفضت عمولات البيع والشراء بنسبة 20 في المئة. كما ألغيت تداولات يوم الخميس، إضافة إلى الخصخصة الجزئية للبورصة للسعودية (تداول) في محاولة لجعل السوق أكثر شفافية، إضافة إلى إعفاء الرئيس السابق لهيئة الأوراق المالية وتعيين رئيس جديد. كما تأسس صندوق استثماري لتوظيف أموال صغار المستثمرين. وسبق هذه القرارات صدور مراسيم بتجزئة أسهم الشركات المدرجة، والسماح للأجانب بتملك حصة من رؤوس أموالها، إضافة إلى توقعات صدور قرار بالسماح للشركات المساهمة بشراء جزء من أسهمها وقرب منح خمسة صناديق خليجية موافقات للاستثمار في السوق.

في السياق ذاته، صدر في الإمارات قانون يسمح للشركات بشراء أسهمها، إضافة إلى الإيعاز الى صندوق التقاعد الحكومي بشراء أسهم الشركات التي أصبحت أسعارها جاذبة للاستثمار. كما تم تحويل سوق دبي المالية إلى شركة مساهمة عامة لرفع كفاءة السوق. وأصدر المجلس التنفيذي في أبو ظبي قراراً بتشكيل لجنة رسمية تهدف إلى تفعيل سوق أبو ظبي للأوراق المالية، إضافة إلى صدور قرارات تنظم الإصدارات الجديدة وزيادة رؤوس أموال الشركات الـمــســاهمة للحفاظ على السيولة المتوافرة بين أيدي المستثمرين.

ومن العوامل التي تؤثر سلباً في استقرار الأسواق وتراجع ثقة المستثمرين، استمرارية سيطرة المضاربين الأفراد على الأسواق المالية وتركيز غالبيتهم على أسهم شركات المضاربة، وهذا مؤشر، غير أن العبر لم تستخلص بعد في شكل كافٍ من التقلبات والخسائر التي تعرضت لها الأسواق خلال الفترة الماضية.

في الوقت ذاته، لا تزال الأسواق تعاني من استمرارية محدودية الاستثمار المؤسسي والاستثمار المتوسط والطويل الأجل، وخصوصاً صناديق الاستثمار، ما يساهم في عدم استقرار الأسواق المالية. كما تعاني الأسواق من ضعف الإفصاح والشفافية، وضعف مستوى الرقابة على تداولات كبار المضاربين، وانخفاض مستوى الوعي الاستثماري لدى شريحة كبيرة من صغار المستثمرين. كما تركز التداول على أسهم شركات محدودة في كل سوق، واستمرارية تذبذب مؤشراتها في ظل غياب صانع للأسواق يحافظ على استقرارها وتوازنها.

من الواضح، أن عدم استقرار الأسواق يؤثر في ثقة المستثمرين وحجم السيولة المتدفقة عليها، حيث يفضل غالبية المستثمرين، على الأجل الطويل، الدخول في الأسواق عند انتهاء مرحلة التصحيح والتراجع وبدء مرحلة الارتداد والانتعاش. فيما يرى بعض المحللين أن الارتدادات التي حدثت خلال بعض الفترات لا تزال وهمية، حيث يعقبها عمليات جني أرباح تستحوذ على جميع الأرباح المحققة، وخصوصاً مع انتشار ظاهرة الشراء على المكشوف في بعض البورصات الخليجية والعربية، والشراء والبيع خلال اليوم ذاته.

ولا تزال الأسواق تعاني نقص سيولة المضاربين، نظراً الى تعلقهم بأسهم شركات تم شراؤها بأسعار عالية يصعب عليهم بيعها بالأسعار الحالية. ويتخوف بعض المستثمرين من انتقال السيولة إلى أدوات استثمارية أخرى إذا طالت فترة التصحيح، فيما لاحظنا في الإمارات وجود هجمة كبيرة من صناديق ومؤسسات استثمارية عالمية لاستغلال فترة تراجع الأسواق المالية في المنطقة وارتفاع مخاطرها، حيث بدأت بالترويج للاستثمارات خارج المنطقة.

إن الحكم على انتهاء موجة التصحيح الثانية تحتاج إلى أسابيع عدة من التداولات الإيجابية، وتزيين الشاشات باللون الأخضر، إضافة إلى الاستجابة المنطقية والتفاعل مع ربحية الشركات وتحسن مؤشرات أدائها. وبالتالي، يراهن البعض على أداء الشركات المساهمة عن فترة الربع الثاني أو النصف الأول من هذا العام للحكم على انتهاء موجة التصحيح، إذ يتخوف البعض من موجة تصحيح ثالثة إذا لم تتفاعل الأسواق مع ربحية الشركات وقوة الاقتصادات وانتعاش قطاعاتها، حيث تساهم هذه الموجة في تعزيز حجم الطلب وتحسن الأسعار وتعزيز مستوى الثقة فيها.
 
أعلى