قصة أغرب من الخيال

InUrEyEs

عضو نشط
التسجيل
12 يناير 2005
المشاركات
1,101
الغابة السوداء ( 3 )



كان حفلا رائعا شبيها بحفلات رجال الأعمال التي نشاهدها في السينما .. أكواب العصير تتوزع على الحضور من خادمتين ترتديان زيا موحدا .. والحديث غالبا ما يكون جانبيا بين مجموعات من الضيوف أو علنيا في أحيانا قليلة ..
وكان جو الحفلة العام صاخبا نوعا ما .. الأمر الذي أشعرني بشيء من الارتياح .. خاصة وأنني أعيش حياة هادئة راكدة بعيده عن الصخب تماما .. دعك من الأستاذ ( إبراهيم ) مدير المدرسة قد انشغل عني مصافحة هذا والحديث مع ذاك .. كان واضحا أن له صداقات وصلات عديدة مع معظم الحضور ..
هكذا الحياة في ( الكويت ) .. مبنية تماما على العلاقات الشخصية فأنت تحاسب في اغلب الأوقات على من تعرف .. وليس على ما تعرف !! .. وبما انه ليست لي أي علاقات شخصية على الإطلاق سواء مع أشخاص مهمين أو غير مهمين داخل نطاق الحفل أو خارجه .. فقد اخترت الذهاب إلى المكان الوحيد الهادئ البعيد عن كل هذا الصخب .. الشرفة .. حيث المفر الوحيد وان بدا هذا أمرا غير لائق ..
تسللت الى هناك وأعطيت ظهري لكل هؤلاء الناس ورحت ارمق الظلام النقي المخيف على المزرعة الكبيرة .. المزرعة هادئة صامته تماما تنعكس عليها الأضواء الشاحبة التي تنبعث من المنزل كنت اسمع صوت المدعوين الذين ادير لهم ظهري واسمع ضحكاتهم المتبادلة ..
وفي جو الحفلات والولائم تصبح كل دعابة بسيطة وكأنها نكتة عظيمة تدفع الجميع الى الضحك والقهقهة ولا اعرف سببا لذلك في الواقع .. لكنني انتبهت الى انهم قد صمتوا جميعا فجأة .. فاستدرت لارى ما هنالك .. وإذا بالدكتور ( علي ) يقف في منتصف الدرج المؤدي الى الدور الثاني وكأنه يريد ان يلقي خطابا ثوريا .. فدخلت الى صالة المنزل الفخمة لأرى ما يدور هناك .. وإذا به يقول باعتداد وثقة هائلة بالنفس :
- أتشرف فعلا بوجودكم هنا وأنها لفرصة نادرة ان أقوم بدعوة اقرب أصدقائي لمزرعتي الجديدة ..
وهنا تعالى التصفيق .. وكأنني في البلاط النمساوي ان هذا الجو يختلف كثيرا عن أجواء الدعوات المعتادة في ( الكويت ) .. حيث ينتهي الأمر بصواني اللحم والدجاج على الأرض ليجتمع حول الواحدة منها خمس او ست اشخاص للاجهاز على ما فيها ..
أما هنا فالأمر يختلف والجو رسمي لأقصى حد .. و .. وكأن الأستاذ ( إبراهيم ) المدير قد قرأ افكاري .. فمال الى اذني هامسا مبتسما :
- ان الدكتور ( علي ) قد أقام في أوروبا اكثر من ثلاث وعشرون عاما .. وهو منبهر كثيرا بكل ما هو غربي …
فقمت بهز رأسي متفهما ..
واستمر الحفل بصورته المعتادة .. أتأمل وأجوب المكان بعيني .. التماثيل الاثريه الرائعة التي تبدو لي إغريقية واللوحات الفنية بالغة القدم والفخامة .. كل هذا مريح للعين الى حد لا يوصف .. لقد كنت استمتع بروعة المكان وانا منطويا ملتصقا بالدير .. الأمر الذي أعطاني شعورا طفو ليا محببا بأنني في حماية ( بابا ) .. وهو امر لم اشعر به في حياتي .. بل انني لم استخدم كلمة ( بابا ) على الإطلاق .. أما كلمة ( ماما ) فقد قلتها لجدتي ولازلت أقولها ..
كانوا يصخبون .. يمرحون .. يضحكون .. لكنني كنت انظر الى كل شيء بشرود وبنظرة خاوية .. عيناي ترحلان الى عوالم أخرى غير مرئية .. سمعي وذهني كانا في ارض أخرى .. ارض نائية بلا بشر .. ورحت أدعو الله ان ينتهي هذا الحفل بأسرع وقت كي انفرد بنفسي وأحلامي .. ان جو الحفلات هذا لا يناسبني إطلاقا ..
تقولون إنني إنسان كئيب لا يستمتع أحد بمرافقتي ؟! ..
أقول : معكم حق !!
وانا غارقا في تلك الخواطر التفت لارى لوحة قديمة جدا يطل من كل جزء منها العمق الحظا ري لأوروبا وتاريخها العريق .. ولكنها وعلى الرغم من هذا كانت لوحة مخيفة لا تخلو من البشاعة .. والغريب انها كانت تحتل ركنا هاما من المنزل كيف لم الحظها من البداية ؟ .. لا اعلم ..
كان الدكتور ( علي ) يقف مزهوا وهو يشرح لنا ولع زوجته بالتحف الأثرية واللوحات الفنية القديمة .. لأنه كما يقول يحترم هواية زوجته ويحب ولعها بالآثار التي نطلق عليها اسم ( أل أنتيك ) .. حتى انه قد دفع ثروة طائلة للحصول على هذه التحف واللوحات الفنية .. ولكن أحد الحاضرين قاطعه ليسأل السؤال الذي يجول بخاطري في هذه اللحظات بالذات :
- معذرة لمقاطعتك يا دكتور ( علي ) ولكن هذه اللوحة غريبة للغاية .. وارجو ألا تنزعج لو قلت لك بأنها تبدو مخيفة بعض الشيء .. نعم إنها تبدو بالغة القدم ولكن .. ليست كل اللوحات الفنية الأثرية جميلة أليس كذلك ؟!
سمعت همهمه من البعض تؤيد كلام الضيف الذي سأل ذلك السؤال ..
تأملت اللوحة مرة أخرى .. لا يمكن ألا ينتبه أحد لهذا الجو الكابوسي المريع الذي يجعل روحك تقشعر بين الضلوع .. كانت اللوحة تحوي أشجار سوداء وسماءها قرمزية حالكة .. لا استبعد ان يكون الرسام مريض شيزوفرانيا موهوب .. حيث يرينا قطعة من ذاته المنذرة بالويل والأهوال .. وكان اكثر ما يثير الاشمئزاز في اللوحة هو تلك المرأة .. امرأة سوداء الشعر ترتدي ثوبا اسودا طويلا تدير ظهرها لنا فلا نستطيع تبين وجهها .. وتمسك بخنجر حاد !!
لوحة مرعبة بحق .. بل هي الهول ذاته .. كما ان الطابع العتيق الأثري لها الذي تخطئه العين الخبيرة ولا حتى العين غير الخبيرة قد أعطاها جوا كابوسيا رهيبا ..

- يا للبشاعة ..
كذا صحت دون أن اشعر ..

فالتفت الي الدكتور ( علي ) مبتسما بفخر لا اعرف سببه .. ليحمر وجهي خجلا ويبدو ارتباكي واضحا ..
ثم التفت الدكتور الى من سأله هذا السؤال ليقول :
- قد تكون بشعة كما ذكرت .. لكنها ثمينة للغية وبالغة القدم .. إذ يعود عمرها لاكثر من خمسمائة عام .. لقد اشتريتها من أوروبا ودفعت ما يقارب النصف مليون جنيه إسترليني ثمنا لها .. إنها لوحة ( الغابة السوداء )..
ألم تسمع بها من قبل ؟
هز الضيف رأسه علامة النفي ..
استطرد الدكتور ( علي ) قائلا بصوت مرتفع كي يسمعه الحضور :
- إن وراء هذه اللوحة والتي تحمل اسم (الغابة السوداء)كما ذكرت قصة مشوقة للغاية ..
ونظر الى زوجته بخبث .. ليكمل قائلا :
- هي التي سترويها لكم .. فهي التي طلبت مني شراء اللوحة .. وتعرف قصتها بكل تفاصيلها المهمة .. لذا فالأفضل أن تكون على لسانها
 

InUrEyEs

عضو نشط
التسجيل
12 يناير 2005
المشاركات
1,101
الغابة السوداء ( 4 )


التفت أيليها الجميع باهتمام .. فابتسمت بثقة وبشيء من الفخر – وبإنجليزية جيده - :
يعود عمر هذه اللوحة الى عام 1503 م .. حيث كانت هناك مقاطعة هادئة في ( فرنسا ) يعيش فيها فلاحين بوسطاء ويحكمهم حاكم طيب متسامح يحبه الجميع …
وكانت توجد على الحدود الغريبة للمقاطعة غابة كثيفة قيل انه تعيش فيها ساحرة اسمها ( ناتاشا )
لم ير أحد هذه الساحرة من قبل ولم يعرف الأهالي البسطاء مكان إقامتها في الغابة ولكن أسطورتها كانت متداولة بشكل واسع .. حتى أصبحت الغابة بمثابة المنطقة المحرمة التي يخشى الأهالي وحتى الحاكم نفسه الولوج بين أشجارها الكثيفة المتشابكة .
صمتت السيدة ( موريسا ) قليلا لترى تأثير كلامها على وجوهنا .. كنا جميعا مشدودين تماما الى القصة .. فابتسمت بفخر وأكملت قائلة :
وبعد سنوات طويلة توفي حاكم المقاطعة ليحكمها ابنه الذي كان رجلا شجاعا باسلا وكاثوليكيا متدينا .. لذا فقد كان أول ما يريد فعله هو تحطيم أسطورة تلك الساحرة فالإنجيل واضح وصريح بشأن الساحرات اذ ان هناك جملة في الإصحاح ( 22 ) الآية ( 18 ) تقول ( لا تدع ساحرة تعيش ) .. والساحر او الساحرة كما تعلمون ملعونين في كل الأديان السماوية ..
ولم يكن إقناع الأهالي البسطاء باقتحام الغابة والبحث عن الساحرة بالأمر السهل ..فقد كانت أسطورتها مسيطرة تماما على عقولهم على الرغم من أن أحدا منهم لم ير الساحرة ( ناتاشا ) في حياته كما ذكرت .. وأمام خوف الأهالي لم يجد الحاكم الجديد بدا من أن يقوم بتجميع عدد كبير من الرجال الأشداء من المقاطعات الأخرى ليقودهم هو بنفسه وبوازع ديني للولوج الى الغابة والبحث عن تلك الساحرة وقتلها بأي ثمن وهذا ما حدث بالفعل !!
ففي غضون اشهر قليلة كان الحاكم قد كون جيشا صغيرا قوامه اكثر من ستون رجلا للبحث عن الساحرة في الغابة والقبض عليها وإعدامها .. ولكن البحث عن مكان إقامتها لم يكن بالأمر الهين خاصة في غابة هائلة الحجم كثيفة الأشجار ..
فظلوا يبحثون فيها لفترة طويلة وصلت الى أسبوعين تقريبا الى أن جاء الفرج ووجدوا كوخ صغير متواضع مخفي وسط الأشجار العملاقة .. فاقتحموه وفتشوا كل ركنا فيه وكان واضحا لهم من خلال الأوراق التي وجدوها في الكوخ والتي حوت رموز غريبة لم يفهموا منها شيئا ان هذا هو المكان المقصود لكنهم لم يجدوا أي اثر للساحرة .. كل ما وجوده في الكوخ هو تلك الأوراق ذات الرموز الغريبة .. واللوحة التي ترونها أمامكم الآن ..
لقد قيل ان الساحرة استطاعت بوسيلة ما ان تحول جسدها بواسطة السحر الى صورة مرسومة وهي تلك الموجودة في اللوحة !! .. قد يبدو هذا سخيفا .. ولكن هذا ماكان يقال بالفعل حول تلك اللوحة بوجود المرأة التي تدير لنا ظهرها .. خاصة بعد اختفاء الساحرة تماما وعدم ظهور أي اثر لها ..
ولسبب أجهله .. لم يتخلص أحد من اللوحة .. لتنتقل بعدها الى الكثير من التجار حتى استقرت في منزلنا بعد خمسمائة عام تقريبا من تاريخ العثور عليها .. إنها تحفة أثرية رائعة .. وان كانت بشعة المنظر .. وقد أطلق على اللوحة اسم ( الغابة السوداء ) كما أخبركم زوجي العزيز .
انتهت من حديثها ولم ينته صمتنا وانبهارنا .. لوحة عمرها خمسمائة عام ؟ .. هذا أمر يفوق الوصف فعلا .. ولكن أن تأتي هذه السيدة الفرنسية وتدفع نصف مليون جنيه إسترليني للحصول عليها ؟ .. ان المجانين في هذا العالم لا حصر لهم .. لماذا لا تشتري اذا هيكلا عظميا لفيل الماموث ؟!
قلتها لنفسي ساخرا .. راقت لي الدعابة .. فشرعت اضحك بخفوت .. في حين راح الحضور يسألون مزيدا من الأسئلة عن تاريخ هذه اللوحة التي أثارت اهتمام الجميع بما فيهم انا الى أقصى حد ..
ان قصة اللوحة مثيرة بالفعل ومخيفة نوعا ما وانا لا اسخر من شيء سوى المبلغ الهائل الذي تم دفعه لاقناعها ..
نسينا مع مرور الوقت كل ما يتعلق بهذه اللوحة الأثرية وشرع الجميع يتحدثون بامور كثيرة أخرى لم يكن لي أي دور فيها سوى الاستماع .. ولم يفت الأستاذ ( إبراهيم ) ان يخبر الدكتور ( علي ) عني وأنني سأكون طالبا جديدا في كلية الطب .. وان عليه ان يرعاني وينتبه الى ذكائي خاصة وانني نابغة احتاج الى الاهتمام كي اصبح من افضل الأطباء ..
ليس هذا كلامي بل كلامه هو .. وانا اشكره كثيرا في الواقع .. فشرع الدكتور ( علي ) بدوره يسألني أسئلة عديدة متعلقة بميولي وهواياتي ولماذا أريد ان اصبح طبيبا وما هو الفرع الذي سأجد نفسي فيه .. الخ …
مر الوقت سريعا .. حتى انني نظرت الى ساعتي ووجدتها الحادية عشر والنصف مساء .. وبدا الزوار شيئا فشيئا بالانصراف واحد تلو الآخر حتى تبقى ستة أشخاص فقط .. أصحاب المزرعة بالطبع وهم مضيفينا الدكتور ( علي ) وزوجته الفرنسية ( موريسا ) .. الأستاذ ( إبراهيم ) مدير مدرستنا وزوجته السيدة ( أوراد ) .. وشخصي المتواضع .. بالإضافة الى رجل أعمال عرفت اسمه هو السيد ( حامد ) .. وهو بالمناسبة قصير القامة نسبيا يتمتع بصحة هائلة وذو بنية رياضية على الرغم من سنوات عمره التي تجاوزت الخمسين كما يبدو لي .. ذو شخصية كاسحة كما لاحظت في الحفل ويتحدث بصوت عال دائما .. يبدو لي انه رجل عصامي بدأ حياته من الصفر وكون نفسه بنفسه .. وهو رجل أعزب يرفض تماما فكرة الزواج لان الزواج كما يقول ( هو مقبرة الإنسان ) علاقة متشابكة معقدة هي مزيجا من النكد وتحمل المسؤولية فعادة ما ترى المرأة ان الرجل كاذب كبير يتصنع الرقة .. في حين يراها هو سخيفة تافهة لا هدف لها في الحياة ..
هذا هو راي السيد ( حامد ) في الزواج .. لا أستطيع ان اقبل راية .. ولا حتى ارفضه ..
هذه هي الخلطة البشرية الموجودة في تلك المزرعة الهائلة ..
وما دمت انا معهم .. فلك ان تتوقع مصيبة ما !!
والواقع ان ما سيحدث ليس بمصيبة بل شيء آخر سيغير مجرى حياتي .. ذلك المجرى الذي اصبح يتغير اكثر من اللازم مؤخرا .. ولكن .. دعونا لا نسبق الأحداث .
 

InUrEyEs

عضو نشط
التسجيل
12 يناير 2005
المشاركات
1,101
الغابة السوداء ( 5 )


جلسنا جميعا في صالة الاستقبال وباسترخاء اكثر .. خاصة وبعد ان اصبح المكان هادئا برحيل الزوار .. مرت ساعة ونحن نتحدث بامور عديدة عن حال البلد القوانين والقضايا الاقتصادية والاجتماعية العديدة الاخرى التي تحتاج الى اصلاح ما بعده اصلاح وغيرها من أمور كثيره ..
مع مرور الوقت بدأت اشعر بالملل والنعاس .. المشكلة ان الأستاذ ( ابراهيم ) يرى انه من اعز وافضل أصدقاء الدكتور ( علي ) .. لذا فانه يرى ان من حقه المكوث ليكون آخر الخارجين ولقضاء اطول وقت ممكن مع صديق العمر .. خاصة وان مشاغل الدنيا تجعل من لقاءات كهذه فرص قليلة جدا بل نادرة ..
واعتقد ان الأمر نفسة ينطبق على رجل الأعمال السيد ( حامد ) الذي بقى أيضا
كان كل شيء يوحي بان السهرة اقتربت من نهايتها .. إلا ان السيدة ( موريسا ) قد استأذنتنا للذهاب الى المطبخ لجلب بعض أكواب العصير لأنها كما أخبرتنا قد صرفت جميع الخدم الذين أنهكهم التعب على ان يعودوا جميعا في الغد للتنظيف .. وبعد ذهابها الى المطبخ بدقيقتين على الأكثر ..
حدث شيء لم يتوقعه احد على الاطلاق .. فقد انقطع التيار الكهربائي ليحل علينا الظلام فجأة ثقيلا على صدورنا كالجاثوم .. فشهقت السيدة ( اوراد ) فزعا .. لينهض مضيفنا الدكتور ( علي ) من مكانه وهو يضحك بطريقة توحي بان كل شيء تحت سيطرته .. فنادى زوجته بصوت مرتفع كي تسمعه وهي بالمطبخ :
- ( موريسا ) .. ارجو ان تجلبي لنا بعض الشموع ..
سمعناها ترد بصوت متوتر وقد بدا واضحا انها تخشى الظلام :
- هذا ما افعله ..
ثم قال لنا الدكتور ( علي ) بمرح مصطنع محاولا تلطيف الجو :
- لحسن الحظ ان هذا قد حدث بعد ان رحلو جميعا .. اما انتم فلستم اغربا ولن اشعر بالخجل أمامكم ..
همهموا بكلمات شكر ..
لم تكن هناك أي أضواء قادمة من أي مكان خارج الفيلا .. فهي تقع وسط مزرعة كبيرة .. وتبعد عنا اقرب مزرعة مسافة بعيدة نسبيا .. لذا فقد كان الظلام دامسا ..
والحقيقة انني كنت اشعر بتوتر بعض الشيء فأنا وعلى الرقم من وجود الصحبة الآدمية .. اخشى الظلام .. أخشاه بشدة منذ قصتي الكابوسية إياها مع تحضير الأرواح ..
- هل نذهب للتأكد من صندوق الكهرباء ؟
قالها الاستاذ ( ابراهيم ) مستفسرا ..
رد علية الدكتور ( علي ) بحرج :
- لا عليك .. إن أشياء كهذه تحدث .. سأذهب أنا على كل حال .. سأستخدم قداحتي .. لقد نسيت أن أشعلها حتى أبدد بعضا من هذا الظلام ..
وبالفعل أشعل قداحته ونهض بعدها ليطمئن على صندوق الكهرباء في الطابق العلوي .. لم يغب اكثر من خمس دقائق على الأكثر .. قبل ان نسمع صراخا رهيبا …

- انقذووووووووني . . . اااااااه !!

كان هذا صراخ الدكتور ( علي ) قادما من الطابق العلوي !! .. تجمدت الدماء بعروقنا .. وسمعنا بعدها بفترة قصيرة صوت زوجته تنادي من المطبخ بهلع :
- ما الذي يجري هنا ؟! .. أرجوكم تعالوا إلى لا تتركوني وحدي ..
كان واضحا ان صراخ الدكتور ( علي ) والظلام الشديد قد سببا لها رعب هائل حتى أصبحت لا تجرؤ على ان تأتى بنفسها وتريد من ياتي اليها ليصطحبها الى صالة الاستقبال ..

صعقنا لثوان مما يحدث حتى اننا تجمدنا بدورنا في مكاننا ونحن نشعر بارتباك شديد عاجزين عن اتخاذ أي رد فعل سريع .. ولكن الاستاذ ( ابراهيم ) كان اول من تدارك الوضع وتحرك .. فقد هب من مكانه مسرعا معتمدا على صوت السيدة ( موريسا ) حتى يعرف مكان المطبخ ليذهب ويأتي بها الى الصالة وبالطبع سمعت صوت اصطدامه بقطع الأثاث بسبب توتره وعدم معرفته الكاملة بتفاصيل الفيلا ..
في حين كان السيد ( حامد ) ينادي الدكتور ( علي ) كي يعرف مكانه وسبب صراخه .. ولكن هذا الاخير لم يرد على الاطلاق .. وبالطبع فان هذا قد سبب لنا ارتباكا وخوفا شديدين لا حدود لهما .. وبعد لحظات بدت لنا دهرا .. سمعنا صوت السيدة ( موريسا ) وهي قادمة بصحبة الاستاذ ( ابراهيم ) تسألنا بفزع :
- ما الذي حدث لزوجي ؟ .. لماذا كان يصرخ ؟ .. فلنذهب اليه .. ماذا ننتظر ؟
رد عليها السيد ( حامد ) بتوتر :
- لا نعرف اين نبحث عنه بالطابق العلوي .. فالمنزل كما هو واضح كبير ومليء بالغرف والظلام دامس ..
صاح الاستاذ ( ابراهيم ) بشيء من الحدة :
- لن يكون الظلام مشكلة .. ستعتاد اعيننا سريعا لنذهب انا وانت للبحث عن الدكتور ( علي ) يا ( حامد ) ..
وبالفعل ترك الاستاذ ( ابراهيم ) السيدة ( موريسا ) مع زوجته ونهض مع السيد ( حامد ) للبحث عن الدكتور مستعينين بجهاز إشعال البوتاجاز الذي لم تنتبه اليه السيدة ( موريسا ) الا بعد ان سألناها عنه .. وهذا ليس غباء منها بالطبع .. فكل انسان معرض لان ينسى في ضر وف كهذه .. خاصة حين يسمع اقرب اقربائه وهو يصرخ بهذه الصورة التي افزعت الجميع ..
غاب الاستاذ ( ابراهيم ) والسيد ( حامد ) بعض الوقت ونحن غارقون في الظلام الذي اعتادته اعيننا نوعا ما .. ليعودا بعد دقائق بدت لنا دهرا والتوتر والوجوم باديين على وجهيهما بوضوح رغم نور مشعل البوتاجاز الخافت .. كنت اظن انهما سيقولان بان الدكتور ( علي ) قد مات بسبب مس كهربائي او ما شابه ..
ولكن السيد ( حامد ) فجر قنبلة لم نتوقعها اطلاقا عندما قال بحنق :
- لم نجده على الاطلاق لقد اختفى ..
صاحت السيدة ( موريسا ) بهلع حقيقي :
- كيف ؟ كيف اختفى .. والى اين ذهب ؟ .. لا يمكن ان يذهب لاي مكان بعد صراخه هذا ان شيئا غريبا يحدث هنا ..
ثم قالت بقلق وكأنها تذكرت شيئا :
- ولماذا كان يصرخ أصلا ؟ .. من يصاب بمس كهربائي يصرخ بطريقة تختلف تماما عن صراخ زوجي الذي طلب منا ان ننقذه .. ولو سلمنا بان مسا كهربائيا قد أصابه لرأيتماه مستلقيا على الأرض بلا نفس .. اما ان يختفي هكذا فهذا امر بمريب غير مفهوم ..

والواقع ان كلامها صحيحا .. كذا قلت في سري .. كيف يختفي الدكتور ( علي ) بعد سماعنا لصراخه ؟ .. ولماذا ؟ ..
واين هو ؟ .. هل هو حي ؟ .. هل هو مصاب ؟ .. انه امر محير فعلا ..
ظللنا في هذا الوضع بعض الوقت مصدومين مشدوهين في حالة رعب وكان التوتر يسيطر علينا تماما .. حتى ان السيدة ( موريسا ) قد دفنت وجهها في راحة كفيها وهي تهتز بقوة من شدة الانفعال والقلق على زوجها .. في حين رأيت السيدة ( اوراد ) ملتصقة تماما بزوجها وكأنها تستمد منه الامان وعلامات القلق بادية على كل خلجة من وجهها .. اما السيد ( حامد ) فقد كانت ساقه اليسرى تهتز بقوة وقد تلاشى كبرياؤه وشخصيته التي أظنها كاسحة .. وكان الاستاذ ( ابراهيم ) أكثرنا تماسكا .. اذ رايته جالسا يفكر بعمق محاولا فهم ما يجري وهو ما كنت افعله بالضبط .. لقد كنت اشعر باننا ضائعون تماما فكل شيء مبهم غير مفهوم ..
ظللنا على هذا الحال دقائق قليلة حين سمعنا أصوات هائلة مفاجئة جعلتنا نشب كالقرود من على مقاعدنا .. حرك الاستاذ ( ابراهيم ) المشعل الغير بيده لنرى ما يحدث حولنا .. وهنا راينا شيئا لم اكن لاصدقه لولا ان شاهدته بنفسي !! ..
صحت بالجميع بهلع : انظروا !! .. قضبانا حديدية قد أقفلت على الأبواب والنوافذ !! .
لم يكن هناك داع لإخبارهم بهذه الملاحظة الغبية .. فقد شاهدوا جميعا ما حدث .. ولكنه التوتر والانفعال الزائد الذي يجعل من يرى حادث سيارة ان يصرخ ويقول ببلاهة :
انظروا .. حادث سيارة !! ..
كان ما حدث يفوق الاحتمال حتى اننا وقفنا مشدوهين وقد التصقنا – لا شعوريا – ببعضنا البعض من شدة الرعب ونحن نرمق ما يحدث بذهول ما بعده ذهول ..
هنا صاح السيد ( حامد ) بعصبية شديدة وهو يهرع مسرعا ناحية الهاتف :
- سأطلب الشرطة .. ان الأمر يفوق الاحتمال
ولكن – بالطبع – تبين ان خط الهاتف مقطوع .. اما بالنسبة للهواتف المحمولة فقد كانت جميعا خارج نطاق التغطية .. حتى ان السيدة ( اوراد ) قالت بحيرة شديدة :
- ان هذا مستحيل .. من المفترض ان تعمل الهواتف النقالة .. ان منطقة ( الوفرة ) ليست خارج نطاق التغطية ..
فعاد السيد ( حامد ) وجلس على مقعده كاتما غيظه او _ ربما _ خوفه .. ولا اعلم ان كان غاضبا ام خائفا ..
اشعر باننا نبحر في ليلة مظلمة دون أي وسيلة للإنارة فلا نرى أمامنا وقد نصطدم بأي شيء في أي لحظة ونغرق ..
تخيل ان يكون شعورك هكذا !! .. دعك من اننا منقطعين تماما عن العالم الخارجي .. فحتى لو صرخنا لما سمعنا أحد في هذه البقعة المنعزلة
 

InUrEyEs

عضو نشط
التسجيل
12 يناير 2005
المشاركات
1,101
الغابة السوداء ( 6 )



وجدت نفسي بعد هذه الخواطر السوداء اسأل نفسي بعصبية وبصوت مسموع من دون قصد :
- ما الذي يجري هنا بالضبط !! .. اننا تائهون تماما ..
قال السيد ( حامد ) وكأنه قد تذكر شيئا :
- مهلا .. سيفتقدنا ذوينا وسيتصل احدهم بالشرطة لا ريب ..
قلت له وانا احاول ان استجمع افكاري واسيطر على اعصابي :
- لا اعتقد ان من قام بحجزنا هنا سينتظر ذلك ..
صاح السيد ( حامد ) بعصبية وقد زال تماما قناع الحضارة الذي كان يرتديه اثناء الحفل :
- وما ادراك ان احدهم يحتجزنا هنا ؟!
قلت له ببساطه اغاظته :
- هذا هو التفسير الوحيد لوجود هذه القضبان الحديدية التي هبطت فجأة قبل قليل .. واراهن ان التيار الكهربائي قد قطع بفعل فاعل .
صمتوا جميعا ..
ان كلامي منطقي تماما ولا يحتاج لذكاء .. ولكن الاستاذ ( ابراهيم ) صاح فجأة :
- لقد نسينا امر الدكتور ( علي ) تماما .. يجب ان نبحث عنه مرة اخرى قد يكون في خطر .. لقد كان صراخة مخيفا .. وكأن احدهم كان يحاول قـ . . أ . . اعني . . يجب ان نبحث عنه بسرعه ..
لم يشأ ان يقول ان الدكتور ( علي ) كان يصرخ وكأن احدهم يحاول قتلة .. فقد تذكر ان زوجة الدكتور تجلس معنا ..
ثم اكمل حديثة بحذر :
- لن ادع اقرب اصدقائي في ضروف كهذا .. اني اعرف الدكتور منذ أربعون عاما .. ولم اسمعه قط يصرخ بهذه الصورة ..
صرخت السيدة ( موريسا ) فينا جميعا مفرغة كل انفعالاتها :
- فلنبحث عنه مرة اخرى اذن .. ماذا تنتظرون ؟!
نظرنا اليها جميعا باشفاق شديد .. وسألتها السيدة ( اوراد ) بحيرة :
- وما أدرانا انه لازال في المنزل ؟ ..
صمتنا جميعا .. بالفعل .. ما أدرانا انه لازال في المنزل ..
زفرت بقوة .. ان كل شيء محير مربك بالفعل اشعر ان يد خفية تعبث بنا .. ولكن .. لحظة .. التفت لأسأل السيدة ( موريسا ) :
- كم عدد مخارج الفيلا ؟ .. وكم عدد الغرف ؟ ..
قالت وهي تحاول ان تحصي عدد الغرف :
- هناك مخرجين للفيلا .. احدهما موجود في المطبخ .. والاخر هو البوابة الرئيسية التي دخلتم جميعا منها .. اما بالنسبة للغرف فاعتقد ان الفيلا تحوي اربع عشرة غرفة .. مع ست حمامات بالاضافة الى مطبخين .. وهناك بالطبع غرفة الخدم .. وغرفة السائق . . و . .
سألتها مقاطعا :
- واين هم الخدم والسائق ؟
قالت بنفاذ صبر :
- اخبرتكم من قبل بأنني قد ارسلتهم جميعا الى البيت .. على ان يعودوا غدا بعد الظهر للتنظيف فلا احد يقيم هنا سوى حارس المزرعة .. وقد اعطيته اليوم اجازة .. فلم يكن هناك داع لوجوده ذهب ليقضي الليلة مع اصدقائه وسيعود غدا بعد الظهر ..
صاح ( حامد ) بغضب :
- ما هذا النحس ؟ .. اما انه نحس .. او ان الجميع قد تحالفوا على وضعنا في هذا المأزق !!
قلت محاولا فك خيوط هذا اللغز المتشابكة :
- لو كان هناك مخرجين للفيلا فقط فهذا يعني ان الدكتور ( علي ) مازال موجودا هنا .. فحتى يخرج من الفيلا باستخدام المخرجين .. يجب عليه ان يمر من الصالة منذ اختفاؤه .. فهذا حتما يعني انه لم يغادر الفيلا ..
صاح الاستاذ ( ابراهيم ) بحماس منفعل وهو يقول :
- فلنبحث عنه مرة اخرى اذا .. سنبحث في كل ركن من الفيلا هذه المرة سأذهب انا مع السيد ( حامد ) وسيبحث كل منا منفرد اختصار للوقت .. فالمكان كبير جدا ..
هنا قالت السيدة ( موريسا ) بحدة :
- لن اجلس وحدي هنا
قال لها الاستاذ ( ابراهيم ) مطمئنا :
- سيكون معك ( خالد ) وزوجتي .. فلا خوف عليكم ..
ردت عليه بعصبية سببها توتر الموقف :
- لا اقصد انني اخشى المكوث هنا .. بل اريد البحث عن زوجي .. لن اجلس هنا في حين لا يعلم سوى الله ما الذي جرى له ..
نظر اليها السيد ( حامد ) قليلا ثم قال باستسلام :
- حسنا .. تعالي معنا لو اردت ..
نهضت لتصحب السيد ( حامد ) للبحث عن زوجها .. في حين ذهب الاستاذ ( ابراهيم ) وحده الى ناحية اخرى من الدور العلوي ..
اما انا فقد مكثت مع السيدة ( اوراد ) التي كانت متكورة حول نفسها من شدة الخوف .. اعيننا اعتادت الظلام تماما وقد مضى علينا اكثر من ساعة في هذا الجو المشحون منذ انقطاع التيار الكهربائي واختفاء الدكتور ( علي ) ..
شعرت بانني يجب ان افعل شيئا بدلا من جلوسي هكذا دون هدف .. فنهضت لاجلس بقرب السيدة ( اوراد ) وقلت لها محاولا بث الاطمئنان على روحها :
- لاتخشي شيئا سيدتي .. سنجد الدكتور باذن الله .. وبعدها سنجد وسيلة للخروج من هنا ..
سألتني بشرود :
- كيف
- من الموكد ان ذوينا سيفتقدوننا وسيتصلون بالشرطة ..
- وماذا عن من ينوي ابقائنا هنا لغرض في نفسه ؟ .. الم تقل ذلك قبل قليل ؟ .. الا يثير هذا قلقك ..
- بلى ولكن ..
هنا خرست … فهذا ما اظنة بالفعل .. لن اكذب عليها لاشعرها بالاطمئنان ..

- النجداااااااااااااه
كان هذا صوت السيدة ( موريسا ) قادم من الطابق العلوي .. تلاه صوت السيد ( حامد ) وهو يصرخ وكأن شياطين الدنيا تطارده :

- النجدااااااااه . . انقذووووووووني . . ااااااااااه . .
وصوت اشياء تتحطم ..
اقشعرت ابداننا من الرعب وكادت قلوبنا ان تثب من حلوقنا وسمعنا الاستاذ ( ابراهيم ) وهو يصرخ من الطابق العلوي وصوته يتعالى ثم ينخفض بما يوحي انه كان يدخل الغرف واحدة تلو الاخرى كي يبحث عنهما :
- ما الذي يجري هنا .. اين انتم ؟
صحت بالسيدة ( اوراد ) :
- يجب ان نصعد اليهم لنرى ما يحدث .. ان امرا غريبا يجري هنا !!
لم تقل شيئا .. ولكن رد فعلها كان عمليا جدا .. فقد نهضت مسرعة مستنده الى ذراعي .. ويظهر ان خوفها على زوجها الموجود في الطابق العلوي تغلب على خوفها من هذا الجو المخيف السائد في المكان .. كانت اعيننا قد اعتادت الظلام كما اخبرتكم .. لذا فقد هرعنا الى الطابق العلوي دون ان نصطدم بشيء .. ووجدنا بعد قليل الاستاذ ( ابراهيم ) واقفا بوجوم بجانب احدى الغرف ..
ارتمت زوجته الى حضنه وهي تنتحب بعد ان اطمأنت انه بخير لتسأله :
- ما الذي يجري في هذا المكان اللعين ؟!
لم يرد عليها واكتفى باحتضانها لاشعارها بالامان بينما وقفت انا عاجزا عن التفكير للحظة .. ثم ذهبت لارى ما بداخل الغرفة لاستوضح ما رآه الاستاذ ( ابراهيم ) .. فما رآه على الارجح هو الذي جعله يقف واجما هكذا .. ولكن :
- لا تنظر ..
قالها بصرامة ..
وكان هذا وكأنه امر مباشر كي انظر !! .. فدخلت الغرفة واذا بالسيدة ( موريسا ) ملقية على الارض .. فشهقت بقوة .. ولكن الاستاذ ( ابراهيم ) اخرسني باشارة من يده :
- انها فاقدة الوعي فحسب ..
نظرت في ارجاء الغرفة بحثا عن السيد ( حامد ) .. لكني لم أجده لقد اختفى تماما !! ..
يتبع...
 

InUrEyEs

عضو نشط
التسجيل
12 يناير 2005
المشاركات
1,101
الغابة السوداء ( 7 )
دخلنا بعدها الغرفة ونحن نحاول التأكد مما اذا كانت السيدة ( موريسا ) بخير .. حاولنا إنعاشها لتستيقظ بعدها بثوان وقد احتاجت للحظات كي تعرف اين هي وتستوعب ما حدث لها .. ثم استدركت كل شيء وشرعت تتحدث بفزع وتتلفت يمينا ويسارا وهي تقول لاهثة :
- لقد رأيت شيئا مهولا .. امرأة طويلة الشعر ترتدي رداء اسود كبير الحجم .. لقد صرخت عندما رايتها لم اتبين ملامحها فقد كان شعرها الطويل يغطي الكثير من ملامح وجهها ..
صمتت قليلا وكانها تحاول ان تعب اكبر قدر ممكن من الهواء في جوفها لتكمل قائلة :
- لقد اتجهت تلك المرأة مباشرة الى السيد ( حامد ) الذي تجمد في مكانه من هول الرعب ولم تعطه لحظة واحدة ليفكر بما يحدث .. بل قامت بسرعة متناهية بطعنة بوحشية عدت طعنات وهو يصرخ بهلع لا حدود له …
اضافت وهي تبكي بحرقة :
- لقد اغمى علي من هول ما رايت .. فقد شاهدت السيد ( حامد ) وهو يذبح امامي .. كان مشهدا رهيب لا يمكن لان اصفه لكم ..
ثم دفنت وجهها بين كفيها وبدأت ببكاء حار مفرغة كل انفعالاتها فاقتربت منها السيدة ( اوراد ) واحاطتها بذراعها محاولة تهدئتها .. وان كانت هي نفسها بحاجة لذلك ..
وقامت بعدها السيدة ( موريسا ) في هستيريا تسب الظروف التي جعلتها تعيش هذا الجو المرعب ثم تسبنا نحن لأننا ..!! لا ادري بالضبط ما ذنبنا في الموضوع لكنها رأت ان لنا دورا ما لا تعرف كهنه ويستحق التوبيخ .. ربما لأنها كانت تفضل ان نكون نحن في مكان زوجها ..
وبعد دقائق من النحيب سألتهم بتعجب سؤالا بالغ الأهمية :
اين ذهبت جثة السيد ( حامد ) اذا ان كان قد قتل بهذه الطريقة البشعة ؟! .. واين ذهب القاتل او القاتلة على سبيل الدقة ؟! .. لم يجب احد على سؤالي ..
فظللت افكر بصمت فيما يحدث لنا حتى شعرت بانه لا بد من لملمة شتاتنا ..
لذا فقد قلت لهم بحزم :
- اعتقد ان علينا الجلوس قليلا والسيطرة على اعصابنا .. هناك بعض الامور التي تحتاج الى تفكير ..
لم يعترضوا … بل استجابوا تماما .. فقد شعروا ان علينا فعل ذلك حقا حتى نعرف ما يجري هنا ولنجد مخرجا من هذه المزرعة ..
قمنا بالنزول الى صالة الاستقبال ..
وبعد جلوسنا بدقائق من الصمت بدت وكأنها دهرا ..
سألتهم محاولا كشف شيئا من الغموض المحيط بنا :
- هل لاحظ أي منكم شيئا غير عادي وقت الحفلة ؟
بدا لي السؤال سخيفا مبتذلا يردده رجال الشرطة في كل فيلم وكل مسلسل ..
ولكن لحسن الحظ لم يهتم احد لهذا بل وعلى عكس ما توقعت وجدت الاستاذ (ابراهيم ) يضرب رأسه بكفه وهو يقول :
اللعنة .. كيف نسيت هذا .. انه توتر الأعصاب دون شك .. لقد حدث شيئا ظننته عاديا في البداية .. لكني أراه الان يثير الريبة .. ليس في وقت الحفل .. ولكن قبل ذلك فعندما اتصل بي الدكتور ( علي ) ليدعوني الى الحفل كان قد طلب مني ان ابقى الى نهاية الحفل ولا اخرج قبل ان يتحدث الي .. وقال ان الامر هام جدا ..
سكت قليلا .. ثم اردف وكأنه يحاول التذكير :
- والغريب ان السيد ( حامد ) وهو صديق قديم ايضا كما تعلمون قد اخبرني أثناء الحفل ان الدكتور ( علي ) قد طلب منه نفس الطلب .. وقد فاجأني هذا .. ولا زلت اجهل ان كان الدكتور ( علي ) يريد التحدث الى كل منا على انفراد .. ام ان هناك موضوعا مشتركا بيننا ..!
سألته السيدة ( اوراد ) :
- وما علاقة ذلك بما يحدث ؟
زفر بقوة وهو يقول :
- لا ادري ..
ثم التفت الى السيدة ( موريسا ) التي كانت في أسوأ حال ليسألها :
- وماذا عندك ؟ الم تلحظي شيئا غير عادي اثناء الحفل .. او قبل ذلك ؟
ردت بصوت باك :
- كان كل شيء يسير بأفضل صورة .. وانت تعرف زوجي .. انه انسان طيب القلب يحبه كل من يتعامل معه .. لا اعتقد ان له اعداء .. او فلنقل ان لا احدا يكرهه الى درجة القتل ..
قلت لها :
لسنا واثقين انه قتل .. يجب الا نتسرع في استنتاجاتنا ..
قالت بعد تردد شديد :
- أ .. أ .. ارجوا الا تسخروا مني .. سأخبركم بما لم أخبركم به منذ البداية .. قد تظنوني اخرف بفعل الظلام والخوف الذي نعيشه جميعا الان . . أ . . اعتقد ان الامر يتعلق باللوحة ..
سألها الاستاذ ( ابراهيم ) :
- أي لوحة ؟
ردت عليه بعصبية :
- لوحة ( الغابة السوداء ) الاثرية التي اخبرتكم عن تاريخها وما يحاك حولها من اساطير .. لقد اخفيت عنكم بعض الامور المتعلقة بها لانني انا نفسي لم اكن اصدق شيئا مما سأخبركم به ..
ثم صمتت وهي تلتقط انفاسها .. وقالت وكأنها ستلقي علينا قصة :
- قبل اربعمائة عام اشترى تلك اللوحة احد الاثرياء الإنجليز من هواة جمع اللوحات الفنية القديمة .. فقد كان عمر اللوحة في ذلك الوقت يقارب المائة عام .. ولكن بعد ايام قليلة وجد الثري مع افراد اسرته جميعا مقتولين .. وكانت هذه الجريمة هي حديث الساعة في ذلك الوقت بسبب بشاعتها .. وحشد المسؤولين جهودهم لكشف الجاني .. ولكنهم لم يعثروا عليه على الاطلاق .. وظلت اللوحة تباع وتشترى في مزادات علنية الى ان انتقلت بعد الحادثة الاولى بمائة عام الى تاجر فرنسي .. ليعيد التاريخ نفسه !! .. ويقتل التاجر وجميع افراد اسرته في ضر وف غامضة جدا .. ويتكرر الامر بعدها بمائة عام اخرى مع عائلة ثرية اشترت تلك اللوحة .. عندها فقط قام احد الباحثين بدراسة كل ما يتعلق بلوحة ( الغابة السوداء ) .. فأنتبه الى نقطة بالغة الاهمية .. لقد لاحظ انه وفي كل مائة عام من تاريخ اكتشاف اللوحة .. يقتل كل من يقتنيها في ضروف غامضة .. الامر الذي جعل ذلك الباحث يقوم بدراسة شاملة حول تاريخ هذه اللوحة ويكتشف القصة التي اخبرتكم بها اثناء الحفل .. لقد قيل ان الساحرة ( ناتاشا ) وكما اخبرتكم سابقا قد استطاعت بوسيلة ما ان تحول جسدها بواسطة السحر الى صورة مرسومة وهي تلك الموجودة في اللوحة .. وانها تخرج كل مائة عام لتقتل من يقتني اللوحة لاسباب مجهولة .. والمصيبة ان اليوم يصادف المائة عام الخامس منذ تاريخ اكتشاف اللوحة !! .
سكتت للحظة ثم أردفت قائلة بعصبية وتوتر بالغين ونحن نستمع اليها بذهول وخوف :
- بالطبع ستقولون ان كل هذا محض هراء .. ولكنني اقول لكم ان كل الاديان السماوية اكدت وجود السحر الاسود .. وعالم السحر ليس له أي مقاييس وانتم تعلمون ذلك جيدا .. فلا يوجد ما يمنع ان يستغل ساحر او ساحرة سحرهم لبلوغ هدف كهذا .. المشكلة الان ان اليوم يصادف الذكرى المئوية الخامسة من تاريخ اكتشاف اللوحة .. كنت اعرف ذلك .. لكنني لم اصدقة .. ولم اشأ ان اخيف الضيوف .. ولكن بعد ما رايت وبعد كل ماحدث .. اجد نفسي مضطرة لتصديق هذه القصة العجيبة المخيفة .
انتهت السيدة ( موريسا ) من كلامها . . وبالطبع كان حالنا مزريا . . فقد شحب وجه السيدة ( اوراد ) تماما .. في حين ارتعدت فرائص المدير وكان واضحا انه يرتجف بقوة وان حاول ان يخفي ذلك .. اما انا فقد شحب وجهي حتى ليخيل الي انني سأموت في أي لحظة من تلقاء نفسي دون ان يمسني احد ..
لحظات طويلة من الصمت المهيب لم ينبس فيها احد ببنت شفة .. الى ان قطعت حبل الصمت فجأة وقلت :

- لا اعرف مدى حقيقة تلك القصة .. ولكن الامر المؤكد هو وجود شخص ما في المنزل شاهدته السيدة ( موريسا ) . . و . .
لم اكمل كلامي فقد جال بذهني خاطر مروع سيجعلني أصاب بشلل لحظي لو كان صحيحا !!
سألت السيدة ( موريسا ) بحذر :
- هل انت واثقة ان الذي طعن السيد ( حامد ) هو امرأة غريبة الهيئة متشحة بالسواد كما أخبرتنا ؟! ..
هزت رأسها بالإيجاب ..
- لوكان ما قلتيه صحيحا عن اللوحة وعن المرأة التي قتلت السيد ( حامد ) طعنا فأن ..

لم اكمل كلامي .. فقد نهضت مسرعا الى ركن الصالة حيث لوحة ( الغابة السوداء ) معلقة على الحائط .. اذ لم تكن اللوحة مرئية من مكان جلوسنا في صالة الاستقبال .. كنت أتمنى ألا أرى ما أتوقعه . . و . .

يا للهوووووول ..


صرخت بقوة واصبت بعدها بالشلل اللحظي الذي أخبرتكم عنه للتو .. وتدلى فكي السفلي ببلاهة دون ان اشعر ..


يتبع..
 

InUrEyEs

عضو نشط
التسجيل
12 يناير 2005
المشاركات
1,101
وان شاااااء الله باجر راح اكمل اخر جزء
 

طير شلوة

عضو نشط
التسجيل
25 ديسمبر 2005
المشاركات
246
يعطيج العافيه ياأخت InUrEyEs
 

قلم حر

عضو مميز
التسجيل
29 مايو 2004
المشاركات
26,415
الإقامة
الكويت بلد الاصدقاء
قصص جميله جدا

ولدي بعض الملاحظات عليها :

1_ جميعها قصص خيالية .

2_مصاغه باسلوب ادبي ينم عن خبره الكاتب هذا يعني ان كاتبها
شخص كبير بالسن .

3_قصة غشعريره وقصة الغابه السوداء هي لكاتب واحد اما قصة
ازدواج فهي لكاتب اخر لاختلاف الاسلوب الادبي او الحس الادبي .

4_اعتقد انها من القصص الغربيه لانها ذات خيال واسع لايحده عقل
ولا دين .


واخيرا شكرا على اختيارك لهذه القصص الجميله
 

InUrEyEs

عضو نشط
التسجيل
12 يناير 2005
المشاركات
1,101
الغابة السوداء ( 8 )



جاءوا جميعا مسرعين ليعرفوا ماجرى .. وشهقوا بدورهم .. بل صرخوا جميعا في ان واحد وكاد ان يغمى عليهم .. حتى ان السيدة ( اوراد ) قد وقعت على الارض بالفعل لم تقو ساقاها على حملها بعد ما رأت فجلست على الارض مصدومة وهي تحدق في اللوحة ببلاهة .. اما السيدة ( موريسا ) فقد شرعت تصرخ بجنون وهستيريا .. في حين وضع الاستاذ ( ابراهيم ) يده على فمه كالنساء مانعا نفسه من الصراخ ..
كان مشهدا رهيبا لايوصف جمد الدماء في عروقنا فقد رأينا لوحة ( الغابة السوداء ) بكل تفاصيلها سوى اهم جزء منها ..
لم يكن هناك وجود للمرأة ذات الشعر الاسود الطويل التي تدير ظهرها لنا والموجودة في منتصف اللوحة !! .. وكان هذا كافيا لاصابتنا بالجنون ..
وقد رحت اردد كالمجنون بالفعل دون توقف :
- ستقتلنا .. ستقتلنا .. انه يومها .. لن ترتاح قبل ان تقتلنا جميعا !! ..
قام الاستاذ ( ابراهيم ) الذي بدأ واضحا انه يبذل جهدا خرافيا للحفاظ على تماسكة بتهدئة السيدة ( موريسا ) فكان يربت على كتفها مطمئنا وهو يحتضن زوجته بقوة ..
هل من المعقول ان تخرج ساحرة من لوحة كل مائة عام وتسفك الدماء ؟! .. ان الامر مروع
هل من الممكن بالفعل ان يستغل احدهم السحر لفعل شيء كهذا ؟! ..

كنت اشك في البداية بمدى مصداقية تلك القصة .. وظننتها واحدة من الاساطير التي يتناقلها الناس لا اكثر .. لكني فكرت قليلا وقلت لنفسي : لو كانت الساحرة ( ناتاشا ) تخرج من لوحة ( الغابة السوداء ) كل مائة عام كما يقال .. فهذا يعني انها موجودة خارج اللوحة لتقتلنا طالما ان اليوم يصادف الذكرى الخمسمائة من تاريخ اكتشاف اللوحة !! .. وهذا ماجعلني اجري ناحية اللوحة للتأكد من هذا الامر فلو كانت الاسطورة صحيحة وحقيقية فأن صورة الساحرة ( ناتاشا ) ليست من المفترض ان تكون موجودة في اللوحة .. وكان توقعي صحيحا كما هو واضح ..

عقلي يعمل بسرعة .. افكر كالمجنون ان اصح التعبير
لا ادري لماذا اشعر ان هناك امرا غير عادي في كل هذا وان الامر ليس كما تبدو .. هناك شيء غريب في مايحدث ..
نقطة بالغة الاهمية لم ننتبة اليها حتى الان ..
قال الاستاذ ( ابراهيم ) بحزم :
- يجب ان نكون نحن الاربعة في مكان واحد .. والا نترك بعضنا ابدا .. فطالما نحن في جماعة سنكون بمأمن .. اذ لم يتعرض لنا احد حتى الان ونحن معا ..
قالت زوجته وهي تجفف دمعها وتهز راسها موافقة
- ولكن متى سنجد مخرجا من هذا البيت الملعون ؟ .. لو ظللنا هكذا لساعة اخرى فسأجن .. ان ما حدث يكفي ليثري كوابيسي الى الابد ..
ساد الصمت للحظات وكل منا ينظر الى الارض بقلق وتوتر وترقب وقد كاد الحر الشديد والظلام ان يصيبانا بالجنون .. فضوء المشعل البسيط لايكفي لانارة المكان دعك من ان كل واحد منا يمسك به دوريا لان الامساك بذلك المشعل امر ممل جدا خاصة وانك تضطر ان تظل ضاغطا على زر الاشعال وان تكون حذرا الا تحرق شيئا ..
وهناك الحر الشديد بسبب انقطاع التيار الكهربائي وتوقف جهاز التكيف عن العمل لاتنسى اننا في فصل الصيف ..
كنت انا من يمسك بالمشعل هذه المرة وكنت انا من قال بنفاذ صبر :
- لابد من عمل شيء .. لايمكننا الانتظار هكذا دون هدف .. اننا بمأزق حقيقي ولن يبدأ احد بالبحث عنا الا بعد ساعات من الان ويعلم الله ماقد يحدث في تلك الساعات القادمة .. كما ان هناك نقطة محيرة في كل مايحدث امرا غريبا جدا ..
عضضت شفتي في غيظ وانا اقول :
- ليتني اتذكر ..
صمت مطبق خيم على المكان ..
قالت بعدها السيدة ( موريسا ) بعصبية :
- ان هذا الظلام يكاد يصيبني بالجنون فلا يوجد لدينا سوى مشعل البوتاجاز هذا فلنبحث عن شموع قد تكون هناك شموع في مكان في المنزل او بطاريات .. ان الامر يستحق البحث ..
ردت السيدة ( اوراد ) مؤمنة على كلامها وهي لاتزال ملتصقة بزوجها :
- هذا حق .. ولكن .. نذهب معا .. او لا نذهب ..
وهكذا نهضنا جميعا وحواسنا متحفزة لاقصى حد كنا ملتصقين ببعضنا البعض متناسين كل قواعد اللياقة فها انذا امسك بكف السيدة ( اوراد ) في حين قد احاط زوجها كتفيها بذراعه اما السيدة ( موريسا ) فكانت تمسك بكف الاستاذ ( ابراهيم ) .. ولو كانوا يقولون لا حياء في الدين ولا حياء في العلم .. فانا اضيف واقول ان لاحياء في الرعب !! ..
بحثنا في كل مكان وفي كل غرفة الى ان وصلنا الى احد الغرف حيث يوجد دولاب كبير جدا يحتل حائطا كاملا .. كان واضح ان الغرفة عبارة عن مخزن او شيء من هذا القبيل .. فتحنا باب الدولاب للبحث عن شموع اضافية او أي وسيلة للانارة .. فأنبعثت صرخى رهيبة من افواهنا جميعا !! الن ينتهي هذا الرعب ابدا ؟! .. لقد رأينا جثتا الدكتور ( علي ) والسيد ( حامد ) متكومتين فوق بعضهما في الدولاب وكان هذا كافيا ليفقدنا صوابنا تماما !! .
اذ راحت السيدة ( اوراد ) تصرخ وتولول .. اما انا فقد شرعت – ومع كل اسف – ابكي كالنساء وقد فقدت السيطرة تماما على اعصابي .. في حين راح الاستاذ ( ابراهيم ) يرمق الجثتين في ذهول وقد سقط فكه السفلي لا شعوريا ..
واصيبت السيدة ( موريسا ) بحالة هستيريا حتى انها خرجت من الغرفة راكضة الى غير هدى وهي تصرخ بجنون .. وبعدها بلحظات وقبل ان نستوعب مايحدث

- النجدااااااااة

كانت هذه صرختها .. صرخت رعب والم هائلة وكأن احدهم يقتلع عينيها بمطواة .. خرجنا من الغرفة كالمجانين لنلحق بها .. بحثنا عنها في الغرف القريبة لنجدها بعد دقائق قليلة على ضوء مشعل البوتاجاز الذي لن يدوم اكثر من ساعة او اثنتين على ابعد تقدير جاحظة العينين ملقية عند ركن الغرفة .. واثار دماء على جسدها كان واضح انها قتلت !! ..
وقفنا مشدوهين لفترة لا نسمع فيها أي صوت سوى انفاسنا الاهثة وتوترنا .. نعم .. لقد شعرت للحظة انني اسمع صوت توترنا الشديد تخيل هذا ان تجد نفسك محبوسا في مكان ما في منطقة معزولة تماما وهناك شبح او روح ساحرة او شيء غير مادي ينتوي قتلك ..
لم نقترب من جثة ( موريسا ) فالدماء والعينان الجاحظتان قد لعبا دورهما واعطوا المنظر رهبه وجوا ثقيلا كالكابوس .. وهذا هو السبب نفسه الذي جعلنا لا نقترب من جثتي الدكتور ( علي ) والسيد ( حامد ) رحمهم الله جميعا .. لم يبق سوانا اطال الله بأعمارنا .. ثلاث اشخاص فقط ..انا والاستاذ ( ابراهيم ) وزوجته .. وفي منزل غريب قتل اصحابة على يد شبح !!

ياله من امر رهيب .. لن انسى تلك اللحظات المشؤمة ما حييت ..
ولكن .. هناك النقطة الغامضة التي مازالت تلح على ذهني .. والتي قد تكشف كل خيوط تلك الورطة وتنقذ حياتنا .. ولكن الخوف والتوتر يمنعاني تماما من التركيز
 

InUrEyEs

عضو نشط
التسجيل
12 يناير 2005
المشاركات
1,101
الغابة السوداء (9)



كنا جالسين في صالة الاستقبال في حال مزري وقد لعبت حرارة الجو دورا كبيراً في جعل الأمور أكثر سوءاً مما هي عليه .. وقد كانت السيد (أوراد) أسوأنا حالاً .. ولو كان لي مزاج رائق للمزاح لقلت أنها متوفية تقريبا تنتظر فقط أن نعلن أنها كذلك ..
نظرت إلى ساعتي لأعرف الوقت .. مرت ساعتان تقريبا منذ بدأت تلك الأحاث الرهيبة .. ساعتان فقط ؟!! .. إن الأمر بدا لي و كأنه دهراً .. لانعرف ماذا نفعل .. ولايجد أحداً منا شيئا يقوله .. لذا فقد إلتزمنا الصمت .. وإن كانت تلك النقطه الغامضه لازالت تشغل تفكيري .. أحاول أن أراجع الأحداث مرة أخرى .. إن هذا ينفع في الأفلام الأجنبية والقصص البوليسية .. أما في عالم الواقع فقلما ينفع ..
قال الإستاذ (إبراهيم) وهو يزدرد لعابه إن بقي له لعاب أصلا :
- قصة السيدة (موريسا) عن الساحرة (ناتاشا) كانت رهيبة بالفعل .. إنني أرتعد خوفا كلما أتذكرها .. روح ساحرة تفتك بنا واحداً تلو الآخر .. ولوحة (الغابة السوداء) الملعونة .. هل من الممكن أن يحول أحد جسده إلى صورة ؟!! .. هل يستطيع الإنسان بواسطة السحر فعل شيء كهذا ؟!! ..
قلت له ببطء شديد وأنا أفكر بعمق :
- أستاذ (إبراهيم) .. في الواقع إن هذا ممكن من الناحية العلمية.
نظر إلي و زوجته نظرة استفهام ..
فقلت كمن يلقي محاضرة :
- أنتما تعلمان أن عالمنا يعتمد في كل مقاييسه وأحجامه على ثلاثة أبعاد رئيسية .. وهي الطول و العرض و الإرتفاع .. فأي جسم في هذا العالم مهما بلغ حجمه له تلك الأبعاد الثلاثة .. وهذه الأبعاد هي ماتجعل الجسم يبدو لنا مجسماً إما بالعين المجردة أو حتى بالميكروسكوب .. لقد خرج الكثير من العلماء بنظريات تشير إلى وجود عوالم أخرى رباعية الأبعاد و أخرى ثنائية الأبعاد .. وتلك الأخيرة تحوي بعدين فقط .. الطول والعرض .. وتفتقر إلى البعد الثالث وهو الإرتفاع .. مما يجعلها تبدو تماماً كالصورة المرسومة ..
فلم لاتكون الساحرة (ناتاشا) قد نجحت بواسطة السحر الأسود أن تنتقل إلى عالم ثنائي الأبعاد .. وقد تكون لوجة (الغابة السوداء) نفسها بوابة الدخول إلى ذلك العالم .
سألتني السيدة (أوراد) :
- ولكن كيف تستطيع الساحرة (ناتاشا) أن تعيش كل هذه الأعوام ؟ ..
قلت لها متوقعاً هذا السؤال :
- نحن لانعرف شيئاً عن طبيعة مرور الزمن في العالم ثنائي الأبعاد ..
قال الأستاذ (إبراهيم) :
- ولكن هذا يبدو لي أمراً خيالياً مستحيلاً .. كيف يستطيع إنسان أن يفقد أحد أبعاده وأن يتحول إلى مجرد رسم في لوحة ؟ .. لاأستطيع أن أصدق حرفاً من هذا ..
قلت له بنفاذ صبر :
- و لماذا لاتصدق ؟!! لانعرف أبداً حدود السحر .. لقد قرأت من قبل قصص و حكايات حقيقية عن السحر يشيب لهولها الولدان ..
هنا صاحت السيدة (أوراد) :
- ولماذا لانحطو اللوحة ؟ .. ألن يكون هذا حلاً للمشكلة ..
قلت لها متوقعاً هذا السؤال أيضاً :
- هنا تكمن المشكلة .. فالساحرة موجودة في عالمنا بل و معنا في المنزل .. ولن يضيرها أن تتحطم اللوحة وهي خارجها .. كل ماسيحدث هو أنها ستفقد وسيلة العودة ولكن ليس قبل أن تقتلنا ..
عندما قلت الجملة الأخيرة اقشعر بدني .. فلو كانت نظريتي حقيقية فإننا في ورطة حقيقة .. ولكن .. أنا نفسي غير مقتنع بنظرية العالم ثنائي الأبعاد تلك .. أشعر
-مجرد شعور- أن الأمر أعقد من ذلك بكثير .. لازلت أجد هناك امراً غريباً في كل مايحدث .. أمراً بديهياً لكننا لم نلاحظه حتى الآن .. إما بسبب الخوف والظلام وحرارة الجو التي جعلتنا نبدو وكأننا قد عدنا للتو من الربع الخالي في فصل الصيف .. أو لأننا أغبيااء ..
 

InUrEyEs

عضو نشط
التسجيل
12 يناير 2005
المشاركات
1,101
الغابة السوداء (10)


وماحدث بعد ذلك بلحظات زاد من هول الموقف .. فقد رأينا مشهداً مرعباً رهيباً ارتعدت له فرائصنا .. فقد مرت أمامنا فجأة إمرأة ترتدي ثوباً أسوداً طويلاً !! .. وشعرها الأسود الطويل يخفي الكثير من ملامحها .. وكانت تحمل سكيناً كبيراً ملطخاً بالدماء !! .. مرت أمامنا بهدوء مهيب دون أن تلتفت إلينا أو تصدر أي صوت .. ودخلت إلى غرفة أخرى كان بابها مفتوحاً واختفت عن الأنظار !! .. ولكم أن تعرفوا أن عروقنا قد تجمدت .. بل إنفجرت من شدة الرعب والهلع .. إن كلمة هلع أو (panic) بالإنجليزية مناسبة جداً للموقف .. فهي تعبر بصدق عن الخوف الجماعي المصحوب بإنفلات الأعصاب .. مع عجز تام عن التعقل .. فقد تدافعنا إلى السلم ونحن نصرخ وعلامات الرعب منقوشة -وليست مرسومة .. فالنقش أكثر دقة من الرسم- نقشاً على ملامحنا .. لنصعد إلى الطابق العلوي إلى غير هدى .. واستمر تدافعنا إلى أن دخلنا إلى واحدة من الغرف التي يزخر بها المنزل في الدور الثاني ونحن نلهث وقلوبنا تتواثب كالقردة الصغيرة .. وأغلقنا الباب على أنفسنا .. ليجلس كل منا في جانب ملصقاً ظهره إلى الحائط .. صوت بكاء السيدة (أوراد) الهستيري يكاد أن يصيبني بالجنون .. في حين أستطيع أن أتبين ملامح الأستاذ (إبراهيم) وهو يبدو مصدوما يمنعه وجود زوجته من أو يولول كالنساء ..
عقلي يعمل بسرعة .. وأنا أرجع و أكرر .. هناك شيئاً ما لم ننتبهه إليه .. مازالت تلك النقطة البديهية التي أخبرتكم عنها تشغل عقلي .. آه لو تذكرت .. أشعر بأنني قادر على فك رموز هذا اللغز العجيب .. وأن الأمر كما أخبرتكم أكبر وأشد تعقيداً بكثير من قصة لوحة (الغابة السوداء) والساحرة (ناتاشا) .. ولكن ماهي هذه النقطة المفقودة ؟!! .. أشعر أنكم مللتم وأنا أتحدث مراراً عن تلك النقطة الغامضة التي أعجز عن تذكرها .. ولكن ما باليد حيلة .. فقد كان هذا مايدور في ذهني طوال الوقت ..
سألتنا السيدة (أوراد) بصوت مرتجف :
- أين تظنونها قد ذهبت ؟
رد عليها زوجها بحنق :
- إلى المكان الذي جاءت منه طبعاً .
ثم تنهد بقوة وهو يقول :
- إن كل هذا يحطم الأعصاب .. يجب أن نفعل شيئاً .. سنقتل أو نموت من هول مارأيناه وسنراه .. لو يعود التيار الكهربائي فحسب .. سيصبح الأمر أهون بكثير .. إن الظلام يعطي كل مايحدث طابعاً كابوسياً ويجعل الأمور أكثر سوءاً ..
قلت له بشرود :
- نعم .. لو يعود التيار الكهربائي ..
ثم إلتفت كالملسوع ناحية الأستاذ (إبراهيم) .. وصحت بصوت مرتفع :
- ياإلهي .. التيار الكهربائي .. يالغبائي .. كيف لم أنتبه لهذا منذ البداية ؟!!
نظرا إلي بإستغراب .. وصاحت السيدة (أوراد) :
- ماذا تعني ؟؟
قلت لها بعصبية بعيداً عن كل قواعد اللباقة :
- دعوني أفكر قليلاً ..
ظللت صامتاً للحظات راجعت فيها كل الأحداث .. وكل ما مررنا به اليوم منذ بداية الحفل .. واضعاً بعين الإعتبار انقطاع التيار الكهربائي .. و ظهور الساحرة (ناتاشا) ..
ثم صحت بهم :
- انتظروني .. لاتتحركوا من أماكنكم .. سأعود بعد قليل ..
خرجت من الغرفة مسرعاً إلى الغرفتين الأخرتين حيث وجدنا الجثث الثلاثة .. عندها فقط تنهدت بإرتياح .. إن استنتاجي منطقي تماماً ويوجد الآن مايؤيده !! .. عدت بهدوء إلى الأستاذ (إبراهيم) و زوجته وأنا أبتسم وقد زال خوفي تماماً وسط دهشتهما الشديدة :
- أعتقد أنني عرفت مايجري هنا ..
نظرا إلي بغباء لا ألومهما عليه .. فأكملت قائلاً :
- أعتقد أنني كشفت سر الأحداث التي تجري في هذه المزرعة .. وهذا البيت الملعون ..
استمرت نظراتهما المتسائلة .. فأردفت :
 

InUrEyEs

عضو نشط
التسجيل
12 يناير 2005
المشاركات
1,101
الغابة السوداء (11)


- حسناً دعوني أخبركم بما لدي .. إنك أنت ياأستاذ (إبراهيم) من قادني إلى كشف الغموض المحيط بكل هذه الأحداث المخيفة ..
قال بدهشة :
- أنا ؟؟! .. كيف ؟؟! .. وأي غموض هذا الذي تتحدث عنه ؟!.
لم أرد على أسئلته .. وقلت :
- بالمناسبة .. عندما تركتكم للتو .. كنت قد ذهبت لتفقد الجثث .. لكني لم أجد إحداهما ..
نظر إلي بدهشة .. وصاح أستاذ (إبراهيم) بذعر :
- ماذا تعني .. هل سرقت الساحرة (ناتاشا) إحدى الجثث مثلا ؟!!
ابتسمت قائلاً :
- لا .. إن الأمر أعقد من ذلك بكثير ..
تنهدت وقمت أروي لهما إستنتاجي :
- كنت طوال فترة انقطاع التيار الكهربائي أحاول أن أتذكر أمراً بالغ الأهمية .. نقطة بديهية لكن أحداً منا لم ينتبه إليها مع الأسف .. فبعد انقطاع التيار الكهربائي بفترة رأينا جميعنا السواتر الحديدية تنزل لتقفل علينا الأبواب والنوافذ .. هل يبدو لكم هذا عمل أرواح و أشباح ..
ثم قلت بشي من السخرية :
- قرأت الكثير عن الأشباح لكني لم أقرأ أبداً عن أشباح تقوم بتركيب سواتر حديدية قد تعمل بضغطة زر من خلال دائرة كهربائية منفصلة عن تلك التي تمد المنزل بالكهرباء ..
نظر إلي الأستاذ (إبراهيم) و زوجته ببلاهه .. و غمغمت السيدة (أوراد) :
- حقاً .. كيف لم ننتبه إلى هذه النقطة ؟!
قلت مؤمنا على كلامها :
- لاأدري لماذا لم ننتبه إلى هذه النقطة في بادئ الأمر .. لقد تذكرت هذا عندما تحدثت يا أستاذ (إبراهيم) قبل قليل عن أهمية عودة التيار الكهربائي ..
سألتني السيدة (أوراد) :
- وماالذي يعنيه هذا ؟؟..
- يعني الكثير يا سيدتي .. يعني أن كل ما يجري هنا هو عمل إنساني إجرامي بحت لاعلاقة له بالأشباح أو السحرة .. إن الأمر يتعلق بمجرم نفذ خطته لأسباب مجهولة و لدوافع لم نكشفها حتى الآن .. شخص ما قام بتركيب تلك السواتر الحديدية على أن تعمل بدائرة كهربائية منفصلة عن تلك المتصلة بالمنزل كما ذكرت لكم .
قال المدير بحيرة :
- ولكن من ؟ .. من يستفيذ من حمام الدم هذا ؟.. إن الدكتور (علي) رحمه الله لاتربط بينه و بين السيد (حامد) أي علاقة عمل .. إنهم فقط أصدقاء .. من سيستفيد من مقتل الدكتور و صديقه .. بل والسيدة (موريسا) أيضاً ؟ ..
قلت له :
- كما أخبرتكم .. لاأعرف الدافع .. ولكن على الأقل أعرف من وراء تلك الأحداث .. هناك أسئلة كثيرة تطرح نفسها ولاتتجه إجابتها إلا لشخص واحد فقط .. مثلا :
1. لقد خرجت قبل قليل لأبحث عن جثتي السيد (حامد) والدكتور(علي) .. وقد وجدت الجثتين .. وعندما ذهبت للبحث عن جثة السيدة (موريسا) لم أجدها على الإطلاق .. لماذا ؟!.
2. رأينا جميعا الساحرة (ناتاشا) تمر أمامنا بشكل إستعراضي .. وأنا أتساءل : ماالذي جعلها تفعل هذا ؟!! .. لماذا لم تقتلنا نحن أيضاً .. كانت فرصتها ذهبية لقتلنا مع حالة الهلع التي أصبنا بها بعد رؤيتنا لها .. ولكنها لم تفعل شيئا سوى الظهور ثم الإختفاء .. لماذا ؟؟!
3. والسؤال الأهم : من يستطيع فعل كل هذا ؟ ..
وإلى جانب تلك الأسئلة .. هناك أيضاً نقطة هامة جداً تتعلق بقصة لوحة (الغابة السوداء) العجيبة .. واختفاء صورة الساحرة منها.
جميع هذه الأسئلة والنقاط توجه الإتهام إلى شخص واحد فقط ..
سكت قليلاً لأسيطر على إنفعالي ثم أكملت :
- من المؤكد أنه شخص يستطيع التنقل من غرفة إلى أخرى بسهولة .. شخص يحفظ مكان الغرف عن ظهر قلب .. أليس كذلك ؟؟! .
صمت قليلاً استعداداً لتفجير قنبلة .. وقلت بصرامة :
 

InUrEyEs

عضو نشط
التسجيل
12 يناير 2005
المشاركات
1,101
الغابة السوداء (12)


- إن الفاعل هو السيدة (موريسا) !! ..
انتفضا بقوة .. وراحا يرمقاني بدهشة .. ثم قال الأستاذ (إبراهيم) :
- أعتقد أنك تسرعت قليلاً يا (خالد) .. لقد ..
قاطعته دون مراعاة لقواعد اللياقة .. وأكملت :
- بالعكس .. أنا واثق من استنتاجي .. لقد أرادت (موريسا) أن توهمنا بموتها .. لذلك سمحت لنا بمشاهدة جثتها المزعومة .. والدماء التي على جسدها أنا واثق أنها لم تكن دماءها .. بل هو مجرد لون أو صبغة .. لقد كان موتها مجرد تمثيلية .. وإلا فلماذا اختفت جثتها ولم تختف جثة الدكتور (علي) والسيد (حامد) رحمهما الله ؟! .. كانت هذه هي النقطة الأولى .. وهناك النقطة الثانية شديدة الأهمية والمتعلقة برؤيتنا للساحرة المزعومة (ناتاشا) .. لقد خرجت من مكان ما من المنزل ومرت من أمامنا بشكل استعراضي دون أن تفعل أي شيء .. ولو سألتماني رأيي فأنا أقول أن السبب الوحيد وراء هذا هو أنها كانت تريد شهود على أن أسطورة لوحة (الغابة السوداء) حقيقية وأن الساحرة أو شبحها قد ظهر ليسفك الدماء .. وعندها بالطبع سيخاف الناس هذا المنزل كثيراً ولن يجرأ أحد على الإقتراب منه .. وسيصبح منزلاً للأشباح تحاك حوله القصص كما هو الحال مع المنزل الشهير الكائنفي منطقة (السالمية)----> حقيقة .. فهناك بالفعل منزل مهجور في منطقة (السالمية) تحاك حوله العديد من قصص الأشباح والجان]ولكن الفارق بين المنزلين هو أن الأخير يقع في منطقة تجارية مزدحمة .. أنا هذا المنزل الهائل فهو في بقعة منعزلة تماماً .. مما سيزيد الغموض والرعب والإشاعات التي ستحاك حوله .. ولاتسألوني لماذا فعلت السيدة (موريسا) كل هذا .. فأنا - كما أخبرتكم - لاأعرف الدوافع حتى الآن .. أما موضوع لوحة (الغابة السوداء) فلا تنسوا أن كل ماسمعناه وكل ماكان يعرفه الدكتور (علي) عنها قد جاء ذكره على لسان السيدة (موريسا) التي استغلت الأساطير التي تحاك حول لوحة (الغابة السوداء) - إن كان لها وجود أصلاً - لتحقق مآرب لانعرفها .. أما عن أهم نقطة وهي كيفية تنقلها من الطابق الأرضي إلى الطابق الأعلى بسهولة ويسر دون أن نراها للقيام بتبديل ثيابها والتنكر بشخصية الساحرة (ناتاشا) للقيام بجرائمها .. فأنا هنا استعيد عبارة التحري الشهير (شيرلوك هولمز) عندما قال : (( عندما نستبعد المستحيل فإن مايتبقى لنا هو الحقيقة مهما بلغت غرابتها )) ..
سألتني السيدة (أوراد) بحيرة :
- و ما الذي يعنيه هذا ؟!! ..
قلت لها مبتسماً :
- كيف تستطيع (موريسا) التنقل بهذه السهولة من مكان لآخر دون أن نراها ؟ .. كيف قتلت زوجها ووجدناها بعدها بفترة قصيرة بالمطبخ ؟ .. كيف ترتدي ثوبها الأسود وشعرها المستعار الطويل في أي وقت تشاء لتضرب ضربتها ؟ .. كيف تجد الوقت الكافي لتستبدل ثيابها ؟ .. أنا أرى أن (موريسا) تحتاج إلى طاقية الإخفاء لتفعل مافعلته .. وبما أن هذا هو المستحيل .. فستبقى أمامنا الحقيقة مهما بلغت غرابتها - كما يقول (شيرلوك هولمز) - و هي أن في هذا المنزل ممرات سرية تستغلها (موريسا) لتحقيق مآربها .. أعرف أن الفكرة مجنونة .. ولكنها منطقية للغاية .. بل هي الحل الوحيد .. وكأننا في واحدة من قلاع أوروبا التاريخية التي تزخر بالممرات السرية .. وهناك نقطة هامة تذكرتها الآن .. فعندما سمعنا صراخ الدكتور (علي) رحمه الله من الطابق العلوي .. سمعنا بعدها صوت (موريسا)و هي تستنجد بنا من المطبخ .. وأنا الآن أتذكر جيداً أننا لم نسمع صوت (موريسا) إلا بعد فترة طويلة نسبياً .. لقد قتلت زوجها بسرعة و تخلصت من ثيابها التنكرية و شعرها المستعار وهبطت من خلال أحد الممرات السرية إلى المطبخ لتمثل دور الزوجة التي فجعت لصراخ زوجها .. لقد فعلت كل هذا بسرعة تحسد عليها بالفعل .. ولكن - ومع ذلك - كانت هذه النقطة بالذات ثغرة واضحة .. فاستنجادها بنا جاء بعد فترة طويلة نسبياً - كما ذكرت لكم -من مقتل زوجها .. لكن أحداً منا لم ينتبه لهذا الأمر .. وأنا واثق أنها استغلت العامل النفسي استغلالاً جيداً .. فبعد انقطاع التيار الكهربائي وبعد سماعنا لصراخ الدكتور (علي) كان من الصعب على أي منا أن يلاحظ أن (موريسا) قد تأخرت قليلاً في مناداتها لنا ..
وفجأة ..فتح باب الغرفة .. لأسمع صوتاً يقول بجذل :
 

InUrEyEs

عضو نشط
التسجيل
12 يناير 2005
المشاركات
1,101
الغابة السوداء (الجزأ الأخير)



- لقد كان حريصا جداً على أمواله .. و يخشى أن ترتبط به امرأة من أجل الحصول على حصة من ثروته وليس حباً به .. فكان يجعلني أوقع على تنازل عن كل شيء يشتريه لي من مصوغات و مجوهرات .. تصوروا هذا !!.. لذا فلم أجد أمامي حلاً سوى المقتنيات الأثرية الثمينة .. كنت أكذب عليه وأخبره بأنني أعشق اقتناء اللوحات الفنية و القطع الأثرية .. وأنها هوايتي المفضلة .. وكنا نذهب معاً في بعض الأحيان لشراء بعضاً من هذه الآثار .. وأحياناً أخرى كان يتركني اشتري مايروق لي .. ولكن بالطبع كل شيء مسجل باسمه هو ولا نصيب لي بشيء إلا في حالة موته .. تخيلوا هذا ؟!! .. حاولت أن أقنعه بأنني أحبه ولكن هذا لم يكن كافياً لكسب ثقته الكاملة .. نعم .. كان يحبني ولكنه لم يثق بحبي له ..
غمغمت ببغض :
- وقد كان محقاً بهذا ..
رمقتني باستخفاف .. ثم أردفت :
- ولم أجد وسيلة لسلبه نقوده سوى شراء بعض التحف واللوحات الفنية المزورة .. فمثلاً لوحة (الغابة السوداء) لم يكلف رسمها مئات الدولارات .. في حين اعتقد زوجي أن ثمنها نصف مليون دولار .. وبالطبع كنت أحصل على تلك النقود وأدخرها وأعطي البائع الذي يعاونني على خداع زوجي مبلغاً معيناً يتم الاتفاق عليه مسبقاً .. وهكذا أواصل جمع المال لتكون عندي ثروة استمتع بها لسنوات طويلة قادمة .. وبعدها أبدأ من جديد رحلة الحصول على رجل يملك أهم صفتان .. الثراء .. وفصيلة دم شبيهة بفصيلة دمي..
صمتت و كأنها انتهت للتو من إلقاء محاضرة شائكة .. فسألتها :
- وماذا عن الممرات السرية ؟ .. أنا واثق الآن من وجودها ..
قالت بإعجاب شديد :
- إن هذا بالذات ما جعلني أصفك بالذكاء .. بالنسبة للممرات السرية .. فهي موجودة بكثرة في المنزل .. وأعرفها جيداً و أحفظ مكانها عن ظهر قلب .. وقد أغويت المهندس الذي قام ببناء المنزل بصنعها .. أوهمته أنني أحبه .. ولم يكن زوجي يتابع عملية بناء المنزل .. فقد اشترى المزرعة و أوكل للمهندس أن يبني المنزل بالطريقة التي تروق لي .. ولم يتوقع زوجي بالطبع أنني سأطلب من المهندس صنع ممرات سرية .. ولن تعرفوا أبداً أين هي تلك الممرات .. ثقوا بهذا ..
سألتها و ذهولي لم يفارقني :
- لماذا لا تشتري الدماء بأموالك ؟ ..
- هذا مستحيل تقريباً .. فيجب ألا يمر على شفط الدماء من الجسم أكثر من خمس ساعات حتى تكون صالحة لصنع إكسير الشباب .. لن أخبركم بالمزيد .. خاصة فيما يتعلق بصناعة الإكسير .. فهو سري الخاص ولن أبوح به لأحد أبداً .
انتهت من شرحها الطويل .. و ظللنا مشدوهين ننظر إليها ببلاهة .. يا إلهي .. إن هذا أمر يفوق التصور بالفعل .. حتى أن (موريسا) أو (ناتاشا) – أو أياً كان اسمها – قامت تبتسم بفخر ..
ثم قالت شيئاً لم أتوقعه على الإطلاق :
- يمكنكم الرحيل إن أردتم .. فأنتم لا تشكلون أي خطر علي .. ولا أعتقد أنكم ستخبرون هذه القصة لأحد .. وإلا سيتهمكم الناس بالخبال .. أما لو أبلغتم الشرطة فكل ما سيفعلونه هو البحث عني باعتباري شخصاً مهماً في القضية .. لكنهم لن يجدوا شيئاً .. سأقوم بالتخلص من الجثتين في مكان لن يجده أحد إلا بعد أيام أكون خلالها قد ابتعدت تماماً .. إن التنكر من أسهل الأمور خاصة حين يتعلق الأمر بامرأة .. كما أنني قد جمعت أموالاً طائلة من زوجي قبل قتله و أودعتها في حسابي السري في أوروبا حيث تنتظرني حياة جديدة باسم جديد .. إنني أخطط لهذا منذ سنتين .. أما أنتم .. فستبقون مجبرين في المنزل لثلاث ساعات أخرى أكون خلالها قد اختفيت و تركت البلد .. إن أوراقي سليمة وكل شيء معد له تماماً .. كان لابد من التعب والتضحيات حتى أحصل على الدم و الأموال لأعيش حياة هانئة لخمسون عاماً أخرى قبل أن أضطر إلى القتل من أجل المزيد من الدماء .. والمزيد من الأموال ..تعتقدون بأنني أغامر بكشف أمري عندما أخبركم بقصتي ؟ .. أنتم حمقى إذاً .. فأنا أفوقكم عمراً و خبرة بقرون .. لا تعرفون نصف ما أعرف ونصف ما مررت به من تجارب .
قلت لها محاولاً أن أخاطبها بلغة المنطق :
- هل تعتقدين أن اكتشافك هذا نعمة ؟ .. إنه نقمة .. إن قانون الطبيعة يحتم حدوث حالات الوفاة لمقابلة الزيادة التي تتسبب بها المواليد .. ولو لم يحدث هذا لتكدس البشر فوق بعضهم .. ليصبح بعدها اللجوء إلى القتل أمراً حتمياً لإعادة التوازن الطبيعي إلى ما كان عليه .. ومن هنا كانت حكمة الخالق ألا يحصل الإنسان على الخلود .. وأنا فهمت الآن محاولة إيهامنا بمصرعك .. إن من يمتلك شباباً دائماً مثلك يحتاج إلى كثرة التنقل والتخفي حتى لا يكتشف الآخرون أمره .. هل تريديننا أن نحيا بهذه الصورة ؟
- ومن قال أنني أرغب بمشاركة أحد في اختراعي هذا ؟!! .. إنه لي وحدي .. وأنا لا أمانع أبداً حياة الاختباء تلك التي تتحدث عنها .. فهي ثمن بسيط جداً مقابل الإحساس بتناول هذا العقار .. شعور بالحيوية والنشاط لا يمكن وصفه .. لقد كان عمري يقترب من الأربعين عند اكتشافي لإكسير الشباب .. لكنه أعطاني حيوية و شباباً حتى صرت أبدو وكأنني في العشرين من عمري .. تصوروا كم المعلومات الهائل التي أحصل عليها بسبب معاصرتي لأجيال كثيرة خلال خمسمائة عام .. لقد عاصرت العالم العظيم (ايوناردو دافنشي) وعاصرت (بيتهوفن) وأكثر العظماء في تاريخ البشرية .. إنها متعة .. تصور أن تشهد التطور العلمي على مدى قروناً من الزمان .. أليس هذا شيئاً رائعاً يستحق كل تضحية ؟؟ .. إنني أجيد – بفضل عمري الطويل- أربع لغات تقريباً إجادة تامة .. الفرنسية و الإنجليزية و الأسبانية و الألمانية ..
ثم أخرجت من جيبها ظرفاً مليئاً بالصور :
- انظروا .. صورة تجمعني مع (آينشتين) في شبابه .. وصورة فوتوغرافية زيتية قديمة جداً مع رئيس الولايات المتحدة الأول (جورج واشنطن) .. وصور أخرى مع أعظم شخصيات التاريخ .. أليس هذا رائعاً ؟ .. إن لي مع كل من هؤلاء الرجال قصة حب .. فقد كنت عشيقة هذا .. وصديقة ذاك ..
عند هذه النقطة بالذات تصلبنا جميعاً في أماكننا .. كنا ننظر إلى الصور بذهول .. كانت الصور تبدو بالفعل قديمة جداً .. إن هذا أمراً مذهلاً يفوق الخيال .. تخيل أن تجد صورة تجمع صديقك مع (هتلر) مثلاً ..
لم يجد أي منا شيء يقال .. فقام الأستاذ (إبراهيم) بمحاولة يائسة عندما قال ل (موريسا) بصوت متخاذل :
- وهل هذا ثمن ما تفعلينه ؟ .. قتل عشرات الأبرياء ؟ ..
- ليس هذا من شأنك .. ثم أنك لن تفهم أبداً طالما لم تتذوق إكسير الشباب ولم تشعر بذلك الشعور الرائع بالحيوية ..
ثم نظرت إلى ساعتها .. و قالت :
- إن الوقت يمضي .. سأرحل الآن .
ولوحت بمسدسها مهددة :
- ولا أعتقد أنكم تحبذون الموت .. إنني أعطيكم فرصة نادرة للنجاة فاستغلوها .. سأرحل الآن ولكن قبلها علي الذهاب لسحب كمية من دماء زوجي (السابق) والسيد (حامد) لصنع الإكسير الجديد .. لا تحاولوا اللحاق بي وإلا ستصيبكم رصاصات مسدسي .. أنا لا أمزح .
قالت هذا و خرجت من الغرفة .. وكانت هذه آخر مرة أراها فيها .. لا أعرف من أين خرجت لكنها على الأرجح استخدمت إحدى الممرات السرية ..
خرجت و تركتنا نستشيط غضباً .. إلى أن عدت الساعات الثلاثة لتفتح الأبواب أوتوماتيكياً .. فخرجنا متثاقلين عاجزين عن فعل أي شيء .. كنت أشعر بحزن لا أدري سببه ..
إن الحصول على هذا الإكسير أمرا رائع بالفعل .. ولكن للاستعمال الشخصي فقط .. وليس للبيع في الصيدليات بالطبع .. إلا أن ثمن الحصول عليه بشع للغاية ..
كانت الساعة قد تجاوزت الرابعة صباحاً بقليل ..
وقد اتفقنا بعدها على بضعة أمور .. اتفقنا على عدم إبلاغ الشرطة .. وكأننا رحلنا مبكراً من الحفل ولم نعرف ما جرى بعدها .. ولا أعتقد أن أحداً قد رآنا نخرج من الفيلا و المزرعة في تلك المنطقة النائية الخالية تقريباً من البشر .. لقد تحدثت الصحف فيما بعد عن اختفاء الدكتور (علي) و زوجته السيدة (موريسا) والسيد (حامد) .. ولكن – بالطيع- لم يعرف أحد ماعرفنا .. وأستطيع الآن أن أتخيل (موريسا) أو (ناتاشا) أو أياً كان اسمها خارج (الكويت) في رحلة جديدة و بشخصية جديدة مستغلة أموالها لتعيش خمسون عاماً بإكسير الشباب الذي اخترعته .. قبل أن توقع مرة أخرى بأحد الأثرياء لتحصل على ماله و دماؤه ..
طوال عمري أمقت القصص التي ينهزم فيها البطل .. ولكن ليس باليد حيلة .. فهذا ما حدث .. و قد نقلته لكم بكل أمانة .. ولم أنس بالطبع أن أشكر مدير المدرسة الأستاذ (إبراهيم) على تلك التجربة الكابوسية التي عرضني لها دون أن يقصد !! .. تلك التجربة التي زادت من رصيد خبراتي كثيراً .. وقد بدا لي أنني ما حييت لن أعرف سوى أقل القليل عن أسرار هذا العالم .. وإن كنت قد عرفت ما لا يعرفه أحد .. إن الأنانية قد تصل بالإنسان أن يفعل أشياء يشيب لهولها الولدان .. أشياء كثيرة ليس القتل أسوأها .. كما أيقنت أننا البشر – مع كل أسف- حفنة من الأوغاد لن ينقذنا من حطب جهنم إلا رحمة ربي الواسعة .. أما أنا .. فشريط حياتي يمر الآن في ذهني كما يحدث مع من هم على وشك الموت .. فلا أجد سوى سلسلة من الإحباطات و الهزائم .. والأمل في المستقبل .. أن أصنع شيئاً .. أن أكون شيئاً .. والدراسة مع التفوق هما كل ماأملك ..
لقد جعلتني تجربتي الأخيرة على وجه التحديد أتساءل أكثر وأكثر عن أسرار الكون و عن أسرار الناس .. الناس الذين قد تراهم في الشارع أو في أي مكان ولكنهم يحملون أسراراً لايمكن أن يتخيلها أحد .. خاصة تلك المرأة التي إخترعت إكسير الشباب الدائم .. حلم البشرية !!!
 

InUrEyEs

عضو نشط
التسجيل
12 يناير 2005
المشاركات
1,101
وجذيه خلصت مذكرات خالد وان شاء الله عجبتكم ونالت رضاكم

واشكركم علي متابعتكم الدائمه

اختكم ان يور ايز
 

InUrEyEs

عضو نشط
التسجيل
12 يناير 2005
المشاركات
1,101
واشكر طير شلوة وبو عبدالله2 على المرور ونورتونا
 

مغامرجي

موقوف
التسجيل
3 مايو 2006
المشاركات
569
الإقامة
الكويت
مجرد تعليق بسيط

من خلال قرائتي "للقصة" استنتجت ان كاتب القصة هو روائي مبتدئ وليست قصة حقيقية ولانني قارئ جيد للروايات واعرف كيف يستخدم كتاب الروايات كلماتهم وجملهم في كتابه الروايه

تقييمي للروايه : متوسط
 
التسجيل
11 يناير 2006
المشاركات
1,911
الإقامة
الــكــويـــت
ماشاء الله على الأسلوب في سرد القصص وترابط الأفكار وتسلسلها والبلاغه الأدبيه وكل شي. صراحه كاتب ولا اروع مشكوره اختي على نقل مثل هالقصص الأدبيه الجميله. وناطرين مجموعه ثانيه من القصص:)


ابومحمد
 

قلم حر

عضو مميز
التسجيل
29 مايو 2004
المشاركات
26,415
الإقامة
الكويت بلد الاصدقاء
شكرا شكرا شكرا

بس نبي نصير طماعين ونبي كل يوم قصه اكثر من حلقات المسلسل
المكسيكي ، واذا بتنقطعين عن الكتابه راح ننحد نشوف مسلسل حبابه
لانا خلاص تعودنا على كل يوم نقرا قصه حلوووووووووووووووووووووووه
 
أعلى