InUrEyEs
عضو نشط
- التسجيل
- 12 يناير 2005
- المشاركات
- 1,101
الغابة السوداء ( 3 )
كان حفلا رائعا شبيها بحفلات رجال الأعمال التي نشاهدها في السينما .. أكواب العصير تتوزع على الحضور من خادمتين ترتديان زيا موحدا .. والحديث غالبا ما يكون جانبيا بين مجموعات من الضيوف أو علنيا في أحيانا قليلة ..
وكان جو الحفلة العام صاخبا نوعا ما .. الأمر الذي أشعرني بشيء من الارتياح .. خاصة وأنني أعيش حياة هادئة راكدة بعيده عن الصخب تماما .. دعك من الأستاذ ( إبراهيم ) مدير المدرسة قد انشغل عني مصافحة هذا والحديث مع ذاك .. كان واضحا أن له صداقات وصلات عديدة مع معظم الحضور ..
هكذا الحياة في ( الكويت ) .. مبنية تماما على العلاقات الشخصية فأنت تحاسب في اغلب الأوقات على من تعرف .. وليس على ما تعرف !! .. وبما انه ليست لي أي علاقات شخصية على الإطلاق سواء مع أشخاص مهمين أو غير مهمين داخل نطاق الحفل أو خارجه .. فقد اخترت الذهاب إلى المكان الوحيد الهادئ البعيد عن كل هذا الصخب .. الشرفة .. حيث المفر الوحيد وان بدا هذا أمرا غير لائق ..
تسللت الى هناك وأعطيت ظهري لكل هؤلاء الناس ورحت ارمق الظلام النقي المخيف على المزرعة الكبيرة .. المزرعة هادئة صامته تماما تنعكس عليها الأضواء الشاحبة التي تنبعث من المنزل كنت اسمع صوت المدعوين الذين ادير لهم ظهري واسمع ضحكاتهم المتبادلة ..
وفي جو الحفلات والولائم تصبح كل دعابة بسيطة وكأنها نكتة عظيمة تدفع الجميع الى الضحك والقهقهة ولا اعرف سببا لذلك في الواقع .. لكنني انتبهت الى انهم قد صمتوا جميعا فجأة .. فاستدرت لارى ما هنالك .. وإذا بالدكتور ( علي ) يقف في منتصف الدرج المؤدي الى الدور الثاني وكأنه يريد ان يلقي خطابا ثوريا .. فدخلت الى صالة المنزل الفخمة لأرى ما يدور هناك .. وإذا به يقول باعتداد وثقة هائلة بالنفس :
- أتشرف فعلا بوجودكم هنا وأنها لفرصة نادرة ان أقوم بدعوة اقرب أصدقائي لمزرعتي الجديدة ..
وهنا تعالى التصفيق .. وكأنني في البلاط النمساوي ان هذا الجو يختلف كثيرا عن أجواء الدعوات المعتادة في ( الكويت ) .. حيث ينتهي الأمر بصواني اللحم والدجاج على الأرض ليجتمع حول الواحدة منها خمس او ست اشخاص للاجهاز على ما فيها ..
أما هنا فالأمر يختلف والجو رسمي لأقصى حد .. و .. وكأن الأستاذ ( إبراهيم ) المدير قد قرأ افكاري .. فمال الى اذني هامسا مبتسما :
- ان الدكتور ( علي ) قد أقام في أوروبا اكثر من ثلاث وعشرون عاما .. وهو منبهر كثيرا بكل ما هو غربي …
فقمت بهز رأسي متفهما ..
واستمر الحفل بصورته المعتادة .. أتأمل وأجوب المكان بعيني .. التماثيل الاثريه الرائعة التي تبدو لي إغريقية واللوحات الفنية بالغة القدم والفخامة .. كل هذا مريح للعين الى حد لا يوصف .. لقد كنت استمتع بروعة المكان وانا منطويا ملتصقا بالدير .. الأمر الذي أعطاني شعورا طفو ليا محببا بأنني في حماية ( بابا ) .. وهو امر لم اشعر به في حياتي .. بل انني لم استخدم كلمة ( بابا ) على الإطلاق .. أما كلمة ( ماما ) فقد قلتها لجدتي ولازلت أقولها ..
كانوا يصخبون .. يمرحون .. يضحكون .. لكنني كنت انظر الى كل شيء بشرود وبنظرة خاوية .. عيناي ترحلان الى عوالم أخرى غير مرئية .. سمعي وذهني كانا في ارض أخرى .. ارض نائية بلا بشر .. ورحت أدعو الله ان ينتهي هذا الحفل بأسرع وقت كي انفرد بنفسي وأحلامي .. ان جو الحفلات هذا لا يناسبني إطلاقا ..
تقولون إنني إنسان كئيب لا يستمتع أحد بمرافقتي ؟! ..
أقول : معكم حق !!
وانا غارقا في تلك الخواطر التفت لارى لوحة قديمة جدا يطل من كل جزء منها العمق الحظا ري لأوروبا وتاريخها العريق .. ولكنها وعلى الرغم من هذا كانت لوحة مخيفة لا تخلو من البشاعة .. والغريب انها كانت تحتل ركنا هاما من المنزل كيف لم الحظها من البداية ؟ .. لا اعلم ..
كان الدكتور ( علي ) يقف مزهوا وهو يشرح لنا ولع زوجته بالتحف الأثرية واللوحات الفنية القديمة .. لأنه كما يقول يحترم هواية زوجته ويحب ولعها بالآثار التي نطلق عليها اسم ( أل أنتيك ) .. حتى انه قد دفع ثروة طائلة للحصول على هذه التحف واللوحات الفنية .. ولكن أحد الحاضرين قاطعه ليسأل السؤال الذي يجول بخاطري في هذه اللحظات بالذات :
- معذرة لمقاطعتك يا دكتور ( علي ) ولكن هذه اللوحة غريبة للغاية .. وارجو ألا تنزعج لو قلت لك بأنها تبدو مخيفة بعض الشيء .. نعم إنها تبدو بالغة القدم ولكن .. ليست كل اللوحات الفنية الأثرية جميلة أليس كذلك ؟!
سمعت همهمه من البعض تؤيد كلام الضيف الذي سأل ذلك السؤال ..
تأملت اللوحة مرة أخرى .. لا يمكن ألا ينتبه أحد لهذا الجو الكابوسي المريع الذي يجعل روحك تقشعر بين الضلوع .. كانت اللوحة تحوي أشجار سوداء وسماءها قرمزية حالكة .. لا استبعد ان يكون الرسام مريض شيزوفرانيا موهوب .. حيث يرينا قطعة من ذاته المنذرة بالويل والأهوال .. وكان اكثر ما يثير الاشمئزاز في اللوحة هو تلك المرأة .. امرأة سوداء الشعر ترتدي ثوبا اسودا طويلا تدير ظهرها لنا فلا نستطيع تبين وجهها .. وتمسك بخنجر حاد !!
لوحة مرعبة بحق .. بل هي الهول ذاته .. كما ان الطابع العتيق الأثري لها الذي تخطئه العين الخبيرة ولا حتى العين غير الخبيرة قد أعطاها جوا كابوسيا رهيبا ..
- يا للبشاعة ..
كذا صحت دون أن اشعر ..
فالتفت الي الدكتور ( علي ) مبتسما بفخر لا اعرف سببه .. ليحمر وجهي خجلا ويبدو ارتباكي واضحا ..
ثم التفت الدكتور الى من سأله هذا السؤال ليقول :
- قد تكون بشعة كما ذكرت .. لكنها ثمينة للغية وبالغة القدم .. إذ يعود عمرها لاكثر من خمسمائة عام .. لقد اشتريتها من أوروبا ودفعت ما يقارب النصف مليون جنيه إسترليني ثمنا لها .. إنها لوحة ( الغابة السوداء )..
ألم تسمع بها من قبل ؟
هز الضيف رأسه علامة النفي ..
استطرد الدكتور ( علي ) قائلا بصوت مرتفع كي يسمعه الحضور :
- إن وراء هذه اللوحة والتي تحمل اسم (الغابة السوداء)كما ذكرت قصة مشوقة للغاية ..
ونظر الى زوجته بخبث .. ليكمل قائلا :
- هي التي سترويها لكم .. فهي التي طلبت مني شراء اللوحة .. وتعرف قصتها بكل تفاصيلها المهمة .. لذا فالأفضل أن تكون على لسانها
كان حفلا رائعا شبيها بحفلات رجال الأعمال التي نشاهدها في السينما .. أكواب العصير تتوزع على الحضور من خادمتين ترتديان زيا موحدا .. والحديث غالبا ما يكون جانبيا بين مجموعات من الضيوف أو علنيا في أحيانا قليلة ..
وكان جو الحفلة العام صاخبا نوعا ما .. الأمر الذي أشعرني بشيء من الارتياح .. خاصة وأنني أعيش حياة هادئة راكدة بعيده عن الصخب تماما .. دعك من الأستاذ ( إبراهيم ) مدير المدرسة قد انشغل عني مصافحة هذا والحديث مع ذاك .. كان واضحا أن له صداقات وصلات عديدة مع معظم الحضور ..
هكذا الحياة في ( الكويت ) .. مبنية تماما على العلاقات الشخصية فأنت تحاسب في اغلب الأوقات على من تعرف .. وليس على ما تعرف !! .. وبما انه ليست لي أي علاقات شخصية على الإطلاق سواء مع أشخاص مهمين أو غير مهمين داخل نطاق الحفل أو خارجه .. فقد اخترت الذهاب إلى المكان الوحيد الهادئ البعيد عن كل هذا الصخب .. الشرفة .. حيث المفر الوحيد وان بدا هذا أمرا غير لائق ..
تسللت الى هناك وأعطيت ظهري لكل هؤلاء الناس ورحت ارمق الظلام النقي المخيف على المزرعة الكبيرة .. المزرعة هادئة صامته تماما تنعكس عليها الأضواء الشاحبة التي تنبعث من المنزل كنت اسمع صوت المدعوين الذين ادير لهم ظهري واسمع ضحكاتهم المتبادلة ..
وفي جو الحفلات والولائم تصبح كل دعابة بسيطة وكأنها نكتة عظيمة تدفع الجميع الى الضحك والقهقهة ولا اعرف سببا لذلك في الواقع .. لكنني انتبهت الى انهم قد صمتوا جميعا فجأة .. فاستدرت لارى ما هنالك .. وإذا بالدكتور ( علي ) يقف في منتصف الدرج المؤدي الى الدور الثاني وكأنه يريد ان يلقي خطابا ثوريا .. فدخلت الى صالة المنزل الفخمة لأرى ما يدور هناك .. وإذا به يقول باعتداد وثقة هائلة بالنفس :
- أتشرف فعلا بوجودكم هنا وأنها لفرصة نادرة ان أقوم بدعوة اقرب أصدقائي لمزرعتي الجديدة ..
وهنا تعالى التصفيق .. وكأنني في البلاط النمساوي ان هذا الجو يختلف كثيرا عن أجواء الدعوات المعتادة في ( الكويت ) .. حيث ينتهي الأمر بصواني اللحم والدجاج على الأرض ليجتمع حول الواحدة منها خمس او ست اشخاص للاجهاز على ما فيها ..
أما هنا فالأمر يختلف والجو رسمي لأقصى حد .. و .. وكأن الأستاذ ( إبراهيم ) المدير قد قرأ افكاري .. فمال الى اذني هامسا مبتسما :
- ان الدكتور ( علي ) قد أقام في أوروبا اكثر من ثلاث وعشرون عاما .. وهو منبهر كثيرا بكل ما هو غربي …
فقمت بهز رأسي متفهما ..
واستمر الحفل بصورته المعتادة .. أتأمل وأجوب المكان بعيني .. التماثيل الاثريه الرائعة التي تبدو لي إغريقية واللوحات الفنية بالغة القدم والفخامة .. كل هذا مريح للعين الى حد لا يوصف .. لقد كنت استمتع بروعة المكان وانا منطويا ملتصقا بالدير .. الأمر الذي أعطاني شعورا طفو ليا محببا بأنني في حماية ( بابا ) .. وهو امر لم اشعر به في حياتي .. بل انني لم استخدم كلمة ( بابا ) على الإطلاق .. أما كلمة ( ماما ) فقد قلتها لجدتي ولازلت أقولها ..
كانوا يصخبون .. يمرحون .. يضحكون .. لكنني كنت انظر الى كل شيء بشرود وبنظرة خاوية .. عيناي ترحلان الى عوالم أخرى غير مرئية .. سمعي وذهني كانا في ارض أخرى .. ارض نائية بلا بشر .. ورحت أدعو الله ان ينتهي هذا الحفل بأسرع وقت كي انفرد بنفسي وأحلامي .. ان جو الحفلات هذا لا يناسبني إطلاقا ..
تقولون إنني إنسان كئيب لا يستمتع أحد بمرافقتي ؟! ..
أقول : معكم حق !!
وانا غارقا في تلك الخواطر التفت لارى لوحة قديمة جدا يطل من كل جزء منها العمق الحظا ري لأوروبا وتاريخها العريق .. ولكنها وعلى الرغم من هذا كانت لوحة مخيفة لا تخلو من البشاعة .. والغريب انها كانت تحتل ركنا هاما من المنزل كيف لم الحظها من البداية ؟ .. لا اعلم ..
كان الدكتور ( علي ) يقف مزهوا وهو يشرح لنا ولع زوجته بالتحف الأثرية واللوحات الفنية القديمة .. لأنه كما يقول يحترم هواية زوجته ويحب ولعها بالآثار التي نطلق عليها اسم ( أل أنتيك ) .. حتى انه قد دفع ثروة طائلة للحصول على هذه التحف واللوحات الفنية .. ولكن أحد الحاضرين قاطعه ليسأل السؤال الذي يجول بخاطري في هذه اللحظات بالذات :
- معذرة لمقاطعتك يا دكتور ( علي ) ولكن هذه اللوحة غريبة للغاية .. وارجو ألا تنزعج لو قلت لك بأنها تبدو مخيفة بعض الشيء .. نعم إنها تبدو بالغة القدم ولكن .. ليست كل اللوحات الفنية الأثرية جميلة أليس كذلك ؟!
سمعت همهمه من البعض تؤيد كلام الضيف الذي سأل ذلك السؤال ..
تأملت اللوحة مرة أخرى .. لا يمكن ألا ينتبه أحد لهذا الجو الكابوسي المريع الذي يجعل روحك تقشعر بين الضلوع .. كانت اللوحة تحوي أشجار سوداء وسماءها قرمزية حالكة .. لا استبعد ان يكون الرسام مريض شيزوفرانيا موهوب .. حيث يرينا قطعة من ذاته المنذرة بالويل والأهوال .. وكان اكثر ما يثير الاشمئزاز في اللوحة هو تلك المرأة .. امرأة سوداء الشعر ترتدي ثوبا اسودا طويلا تدير ظهرها لنا فلا نستطيع تبين وجهها .. وتمسك بخنجر حاد !!
لوحة مرعبة بحق .. بل هي الهول ذاته .. كما ان الطابع العتيق الأثري لها الذي تخطئه العين الخبيرة ولا حتى العين غير الخبيرة قد أعطاها جوا كابوسيا رهيبا ..
- يا للبشاعة ..
كذا صحت دون أن اشعر ..
فالتفت الي الدكتور ( علي ) مبتسما بفخر لا اعرف سببه .. ليحمر وجهي خجلا ويبدو ارتباكي واضحا ..
ثم التفت الدكتور الى من سأله هذا السؤال ليقول :
- قد تكون بشعة كما ذكرت .. لكنها ثمينة للغية وبالغة القدم .. إذ يعود عمرها لاكثر من خمسمائة عام .. لقد اشتريتها من أوروبا ودفعت ما يقارب النصف مليون جنيه إسترليني ثمنا لها .. إنها لوحة ( الغابة السوداء )..
ألم تسمع بها من قبل ؟
هز الضيف رأسه علامة النفي ..
استطرد الدكتور ( علي ) قائلا بصوت مرتفع كي يسمعه الحضور :
- إن وراء هذه اللوحة والتي تحمل اسم (الغابة السوداء)كما ذكرت قصة مشوقة للغاية ..
ونظر الى زوجته بخبث .. ليكمل قائلا :
- هي التي سترويها لكم .. فهي التي طلبت مني شراء اللوحة .. وتعرف قصتها بكل تفاصيلها المهمة .. لذا فالأفضل أن تكون على لسانها