نكهة إيرانية!
إن رفع أعلام حزب الله, وليس أعلام لبنان, في دول الخليج أمر مثير للقلق. نعم, فلو كان الأمر مجرد "حالة عاطفية" مؤقتة نشأت بسبب التفاعل الإنساني مع الشعب اللبناني في محنته الأخيرة, أو كان حالة تقليدية مؤقتة ظهرت بسبب الشعور القومي الذي يتحكم غالبا في رد فعل الشارع العربي, لو كان الأمر كذلك لما قلقنا. فمن حق الناس أن تعبر عن تعاطفها وموقفها الإنساني بل والسياسي أيضا.
لكن حين ترتفع أعلام "منظمة" حزب الله باعتبارها المدافع عن الكرامة العربية, وحين يستقر في يقين الإنسان البسيط أن تلك المنظمة رمز من رموز الدفاع عن الدين الإسلامي والكرامة العربية خارج حدود لبنان وفلسطين, فهذا أمر بالغ الخطورة. وتزداد الخطورة حين يتقاسم أسامة بن لادن والظواهري والزرقاوي, وهم من السنة, مع حسن نصر الله وأتباع منظمة حزب الله, وهم من الشيعة, مهمة "الدفاع عن الإسلام", وحين يحتلون جميعهم مساحة كبيرة في عقل الإنسان العربي وعاطفته ويلهبون خياله!
إن التطرف والإرهاب لا موطن لهما, وهما سلعة سياسية تتاجر فيها بعض الأنظمة. وإذ نجحت إسرائيل في تدمير حزب الله كمنظمة عسكرية, فإنها ومن خلال الحرب مهدت الطريق أمام انتشار "المد الأصفر" في دول الخليج على الأقل.
يوم الخميس القادم 31 أغسطس تنتهي المهلة التي حددها مجلس الأمن لإيران في قراره رقم 1696 كي توقف تخصيب اليورانيوم وإلا عرضت نفسها لعقوبات اقتصادية محتملة. وسوف يجتمع مجلس الأمن فور انتهاء المهلة لبحث الخطوات القادمة. وقد أعلنت إيران موقفها الرافض للانصياع لرغبة المجتمع الدولي, بما مفاده أن العقوبات الاقتصادية ستفرض على إيران حتما. ولن يسع دول مجلس التعاون الوقوف على الحياد بل عليها أن تلتزم بالعقوبات التي ستفرض على إيران, وهذا يجعلها في موقف "معاد" لطهران.
ومع اشتداد المواجهة بين إيران والمجتمع الدولي حول الملف النووي, فإن إيران لن تلتزم الصمت, خاصة أن القيادة الإيرانية الحالية تسعى, لسبب أو لآخر, لاستدراج المواجهة الدولية. وإذا كانت المواجهة الأمريكية الإيرانية حاليا محصورة في العراق لأنها تستهدف فرض السيطرة على العراق ذاته, فإن العراق لن يكون "الساحة الإيرانية" الوحيدة التي ستشهد اتساع نطاق المواجهة الأمريكية الإيرانية, بل من المحتمل جدا وقياسا على ما حدث إبان الحرب العراقية الإيرانية, أن تتحرك خلايا منظمة حزب الله وبقية المنظمات الإرهابية الشيعية والسنية أيضا التي تدعمها إيران في ثلاث دول خليجية هي السعودية والكويت والبحرين, وتبدأ موجة من العنف بنكهة إيرانية هذه المرة.
ما أريد التنبيه إليه في هذا المقال هو أن دول الخليج قد تكون مسرحا في المرحلة القادمة لأعمال إرهابية. فقد سبق لإيران أن دعمت عناصر تابعة لها للقيام بأعمال إرهابية إبان حربها مع العراق ضد الدول المؤيدة لصدام حسين آنذاك, حيث تم تنفيذ عدد من الهجمات الإرهابية على منشآت نفطية وسفارات في الكويت وكذلك محاولة الاعتداء على الأمير الراحل. ولا شيء يمنع إيران اليوم من إعادة استخدام الأسلوب ذاته مرة أخرى.
إن تداعيات الوضع في العراق لم تزل محصورة فيه إلى حد كبير, بمعنى أن المواجهة "الإيرانية الأمريكية" في العراق لم تمتد "ميدانيا" إلى دول الخليج إلا في إطار محدود من فلول تنظيم القاعدة. ولا تحتاج إيران, حتى هذه اللحظة, إلى "تصدير" مواجهتها الحالية مع الولايات المتحدة خارج الأراضي العراقية. كما أن دول الخليج لم تدفع ثمن الإرهاب اليومي في العراق, بل أنها, أي دول الخليج, لا تمانع أساسا في "جهاد" مواطنيها في العراق بدلا من "جهادهم في دولهم. لكن "جهاد" المنظمات الإرهابية الموالية لإيران في الخليج سوف يكون مكلفا جدا.
ومن بين الوسائل التي أتوقع أن تستخدمها إيران للضغط على دول مجلس التعاون, أتوقع أن تعمد إيران إلى إذكاء الروح الطائفية في دول الخليج كي تحدث انقساما حادا في الرأي العام وتخلق مناخا متوترا يشبه المناخ الذي سيطر على الكويت بعد الثورة الإيرانية. ومن خلال اللعبة الطائفية تسعى إيران لابتزاز الموقف السياسي لدول الخليج للحد من تأييد هذه الدول للسياسات الأمريكية. كما لا استبعد أن تقوم إيران بتدبير أعمال إرهابية في الخليج توجه ضد أهداف غير أمريكية في المرحلة الأولى, تنفذها عناصر غير محسوبة على إيران ظاهريا, أي عناصر غير شيعية, يكون الهدف منها إشاعة القلق والاضطراب في المنطقة. ومن غير المستبعد أن يتم "تلبيس" حالة القلق تلك لباسا "محليا" في كل من الكويت والسعودية والبحرين. بمعنى أنه من المتوقع أن يتم استخدام قضايا محلية في كل دولة كمدخل للعنف, وفي البحرين لا استبعد استخدام الانتخابات البرلمانية القادمة لإثارة القلاقل في تلك الجزيرة. من جهة أخرى فقد سبق لإيران أن أعلنت أنها في حال تعرضها لعقوبات فإنها ستستخدم النفط كسلاح, وقد أعلن رئيس لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني بهذا الصدد أن بلاده لن تسمح بتصدير النفط من المنطقة!
والسؤال الذي يصعب الحصول على إجابة له في هذه المرحلة هو هل يمكن لأنظمة الحكم في الخليج تحمل تبعة إرهاب تدعمه إيران؟
تاريخيا وحتى اليوم, يمكننا القول أن إيران "تزدري" أنظمة الحكم في دول مجلس التعاون, وهي تسعى دوما لبسط هيمنتها ونفوذها في الخليج, وغالبا ما تحرص على إبقاء المشاكل بينها وبين دول مجلس التعاون "معلقة" من أجل الابتزاز السياسي. ومؤخرا أعلن مصدر دبلوماسي كويتي أن إيران "جمدت" الجهود التي كانت تبذل من أجل حل مشاكل عالقة مع الكويت كالجرف القاري. وإذا أضفنا إلى ذلك التزام دول مجلس التعاون بالسياسة الأمريكية تجاه إيران وطبيعة المواجهة القادمة بين المجتمع الدولي وإيران, فلنا أن نتخيل حجم "رد الفعل الإيراني".
وإذا كانت المواجهة الحالية بين إيران والولايات المتحدة في العراق هي مواجهة من أجل الهيمنة, وإذا كانت إيران تريد أيضا "رفع تكلفة" التواجد الأمريكي العسكري في الخليج على الولايات المتحدة, فإن المواجهة حول الملف النووي مختلفة جدا, فهذه المواجهة يراها الطرف الإيراني مواجهة من أجل بقاء النظام ذاته لا من أجل الحد من نفوذه, وبالتالي فإن إيران لن تدخر جهدا في سبيل الحفاظ على بقاء النظام.
لذلك, ونظرا لأننا في دول مجلس التعاون لا حول لنا ولا قوة, فإن علينا نحن أولا وقبل أنظمتنا أن ننتبه جيدا لاحتمالات التصعيد الطائفي, فلا نؤخذ على حين غرة. وعلينا سنة وشيعة أن نحذر من محاولات استدراجنا للوقوع في فخ الفتنة الطائفية الذي سينصب لنا عبر إثارة قضايا محلية ذات صبغة طائفية. وعلينا أن نميز بين موقفنا السياسي من المواجهة الأمريكية الإيرانية, وهو الموقف الذي يجب أن نتخذه على أساس مصالحنا الذاتية كدول, وبين الموقف العاطفي الذي تقيمه الشعارات.
إننا لا نريد أن نكون "أدوات" في المواجهة الأمريكية الإيرانية, ولا ساحة صراع. لكن نظرا للعلاقة الإستراتيجية التي تربط دول الخليج مع الولايات المتحدة, ونظرا لعدم قدرة دولنا على الخروج من تحت مظلة السياسة الأمريكية, فإن أنظمتنا هي التي سوف تستهدف في المرحلة القادمة من قبل إيران إن اشتدت المواجهة بينها وبين الولايات المتحدة. فهدف إيران هو خلق حالة سياسية وميدانية تهدد المصالح الأمريكية في الخليج كما تهدد استقرار أنظمة الحكم الحليفة للولايات المتحدة. لذلك علينا أن ننتبه جيدا لاحتمالات "نقل" إيران جزء من مواجهتها مع أمريكا في العراق وأدوات تلك المواجهة إلى دول الخليج.
29/8/2006
محمد عبدالقادر الجاسم
__________________________________________________
منقول، وجهة نظر تستحق الإشاده. وممكن فيها النقاش.