أزمة الرهونات العقارية

sprite

عضو مميز
التسجيل
22 يوليو 2005
المشاركات
3,543
أثارت مسألة الرهونات العقارية في الولايات المتحدة تساؤلات عدة, وأدلى المختصون وغير المختصين بدلوهم في شأن هذه المسألة, وتصاعدت التحذيرات للمستثمرين من مخاطر الاستثمار في الأسواق المالية الدولية, وغير ذلك من تصريحات لعدد من المسؤولين في البنوك المركزية, ومراقبين للأوضاع الاقتصادية, هذه الأزمة, أو المسألة, ليست جديدة على الحياة الاقتصادية في البلدان الرأسمالية فقد مرت هذه الاقتصادات بأزمات ومعضلات متنوعة على مدى التاريخ المعاصر, كما أن المشكلات المتعلقة بالعقار والسكن في الولايات المتحدة تتكرر في كل عقد من الزمن أو أكثر من ذلك بقليل, وقد شهدت الولايات المتحدة في السنوات الأولى من عقد التسعينات من القرن الماضي أزمة مؤسسات الادخار والتمويل "Saving and Leas Associations" التي تقوم بتمويل عمليات اقتناء المساكن في مختلف الولايات الأميركية.
وقد أدت تلك الأزمة التي تمثلت بعدم قدرة المقترضين من أداء التزاماتهم تجاه تلك المؤسسات إلى إفلاس عدد من المؤسسات المذكورة, وتدخل السلطات المالية والنقدية وتأسيس صناديق لشراء العقارات المرهونة.
ونتج عن الأزمة المذكورة بيع الكثير من المساكن والعقارات بأسعار متهاودة, حيث شكلت فرصاً استثمارية متميزة, وقد تحقق للمستثمرين الذين اقتنوا عدداً من تلك الأصول أرباحاً مهمة بعد أن انتعش سوق العقار هناك, وتواجه الولايات المتحدة منذ بداية هذا العام تراجعاً واضحاً في مبيعات السكن, وربما يعود ذلك لارتفاع كلفة التمويل طويل الأجل بعد أن تم رفع سعر الخصم من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى مستوى 5.25 في المئة, وقد تكون هناك عناصر أخرى تفسر هذا التراجع في المبيعات السكنية منها ما يتعلق بالتطور الديمغرافي أو تبدل المتطلبات السكنية أو أنماط الحياة الاجتماعية, مهما كانت العناصر والأسباب فإن هذا التراجع أدى إلى مشكلات مهمة للمؤسسات الدائنة التي أصبحت تعاني من انخفاض التدفقات النقدية من المدينين.
يعتمد الاقتصاد الأميركي على التمويلات بشكل رئيسي, ولا يمكن أن تجد نشاطاً اقتصادياً هناك لا يستخدم التسهيلات الائتمانية والقروض, وليس ذلك فقط, بل إن نسبة القروض إلى التكاليف تكاد أن تصل إلى أكثر من ثمانين في المئة, مما يعني انكشاف المؤسسات الدائنة أمام مختلف فئات المقترضين.
وفي قطاع السكن يعمد الأميركيون إلى الاقتراض طويل الأجل من مختلف البنوك والمؤسسات التمويلية ولآجال طويلة تصل إلى أكثر من ثلاثين عاماً, ويتم تأدية الدين بموجب أقساط شهرية مريحة, ولذلك فإن النشاط العقاري يعتمد على عافية الاقتصاد الكلي واستمرار الطلب العائلي والشخصي على المساكن والقدرة على تأدية خدمة الدين, ولا بد أن تؤدي مشكلة الأداء إلى تفاعلات في مختلف القطاعات الاقتصادية الأخرى أو ما يعرف ب¯ "Chain Reaction" والذي يؤدي إلى تأثيرات على الأسواق المالية في نهاية المطاف.
بيد أن الاقتصادات الرأسمالية بلغت من النضج وأصبحت إداراتها الكلية أكثر مقدرة على مواجهة مختلف الضغوط والاضطرابات والأزمات من خلال استخدام آليات وأدوات ناجعة, لذلك فإن ضخ الأموال المقدرة بعشرات ومئات البلايين من الدولارات في شرايين الأسواق المالية جاء ليوقف التراجع في أسعار الأسهم وغيرها من أدوات استثمارية ويعزز ثقة المستثمرين في الإدارات الاقتصادية, في هذا الوقت تسنح فرص استثمارية مناسبة للكثير من المؤسسات الاستثمارية حيث يتم اقتناء أسهم وسندات لابد أن ترتفع قيمتها بعد زمن معقول, هناك عدد من المسؤولين عن الاستثمار في الكثير من المؤسسات الخليجية يواجهون الضغوط خلال هذه الفترة إلا أن المطلوب هو أن يعالج هؤلاء مواقعهم الاستثمارية بحكمة دون التسرع في اتخاذ قرارات غير ملائمة, مثل تسييل الأصول, وربما تتوفر لهؤلاء فرص مناسبة لاقتناء أصول جيدة وبأسعار متهاودة.

* باحث اقتصادي كويتي

عامر ذياب التميمي *
 
أعلى