زيارة القبور المشروعة والممنوعة بالإسلام

الحالة
موضوع مغلق

kwt.to.kwt

عضو نشط
التسجيل
29 يونيو 2007
المشاركات
4,264
www.denana.com
الكاتب :صالح السدلان


--------------------------------------------------------------------------------




زيارة القبور المشروعة والممنوعة


بقلم : د / صالح بن غانم السدلان
كلية الشريعة بالرياض

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأحبابه إلى يوم الدين .

أما بعد :
فقد أمر الشارع الحكيم بزيارة القبور للإتعاظ والاعتبار وفي ذلك خير وإحسان للأحياء والأموات ولم تشرع الزيارة لمناجاة أهل القبور وسؤالهم والتضرع عندهم لقضاء الحوائج وكشف الكربات كما يفعل الجهلة والمبتدعة والمنحرفون .


لكن زيارة القبور إنما شرعت للإستغفار والدعاء للميت والعبرة للحي ليستعد لرحلة الموت الواقعة لا محالة ومما يؤسف له أن يقع بعض أبناء أمتنا الإسلامية أسري للهوي والضلال وتستحوذ على عقولهم الأفكار البالية والخرافات الهدامة فينساقون طائعين مختارين إلى الوقوع فيما وقع فيه المشركون بصرفهم جل العبادات للقبور المقدسة لديهم كالنحر لها والطواف عندها والاستغاثة بها والتبرك بترابها وطلب الشفاء منها وشد الرحال إليها وتعفير الخدود على أعتابها وصرف الأموال الباهظة من أجل تشييدها وتزيينها معتقدين عن جهل أو تقليد أن ذلك قربة عظيمة وطاعة نافعة وحسنة متقبلة ناسين أو متناسين أنها مفسدة عظمية يستحق فاعلها غضب الله وسخطه ، لأنها تفضي بصاحبها اعتقاد الألوهية في الأموات وبذلك تتزلزل أقدامه شيئا فشيئا عن الدين ويتنكب الصراط المستقيم ويضل سعيه في الحياة الدنيا وهو في الآخرة من الخاسرين .


أخي القارئ الكريم :


لقد كثر القبوريون في زمننا هذا وأدعياء الولاية من الصوفية والمبتدعة الذين زيفوا حقائق الدين وشوهوا معالمه وما يدور حولنا في كثير من بلدان الإسلام خير شاهد على هذا ولا يخفي حالهم على من عنده أدني تأمل وشعورا بالمسؤولية وبدافع من الغيرة الإسلامية ...

أريد أن اقدم بين يديك هذه الصفحات على أميط اللثام عن كثير من أحكام زيارة القبور ليكون المسلم في مأمن من غوائل البدع والخرافات ، ويسير على هدى وبصيرة من أمره في دينه ودنياه : وذلك في النقاط التالية :


أولاُ : معنى الزيارة :


الزيارة مأخوذة من زرته أزوره زورا وزيارة ، وزوارة أيضا ، والزورة المرة الواحدة والمعنى أتاه بقصد الالتقاء به ، والمزار بفتح الميم موضع الزيارة ، والمفرد زائر وزور والجمع زائرون وزوار ، والأنثي زائرة وجمعها زائرات وزوارات [1] والقصد من زيارة القبور : الدعاء للأموات وتذكر الآخرة وإحياء السنة .


ثانيا : الزيارة المشروعة :


من هدي النبي صلى الله عليه وسلم زيارة القبور والدعاء للأموات والترحم عليهم والاستغفار لهم وهذه هي الزيارة التي سنها لأمته وشرعها لهم ؛ ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين أتاكم ما توعدون غدا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد " [2] .
وأمرنا صلى الله عليه وسلم بزيارة القبور فقال : " نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " فمن كان قصده من زيارة القبور هذه المعاني التي جاءت في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور وغالبها يرجع إلى نفع الميت وذلك من جنس الصلاة عليه ؛ فإن الصلاة على الميت دعاء له وترحم عليه ، وإن قصد الزائر تذكرة مصيره ومآله وأن الموت تخطاه إلى غيره وسيتخطى غيره إليه فحسن ، لأن الإنسان مأمور بإصلاح قلبه والأخذ بالأسباب الشرعية التي تجعله أكثر أنابة وخشوعا .


واختلف العلماء في حكم زيارة القبور المشروعة ؟


فعامة أهل العلم على أنها مستحبة : لفعله صلى الله عليه وسلم ولقوله صلى الله عليه وسلم : " نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " وقيل مباحة وقيل منهي عنها وقال ابن حزم رحمه الله : أنها فرض في العمر مرة .
والصحيح أن زيارة القبور سنة ، بدليل فعله صلى الله عليه وسلم وأمره بذلك وأما النهي عن الزيارة فكان لمانع ، وذلك إن الناس كانوا حدثاء عهد بالإسلام ولم يزال عندهم بقايا من أمور الجاهلية ألفوها وأحبوها فلما زالت تلك الموانع ، ولم يبق محظوراً وترجحت المصلحة بما يحصل من إصلاح القلب وتذكرة الآخرة والدعاء للميت أذن صلى الله عليه وسلم بزيارة القبور .
وهذه المعاني هي التي دل عليها هديه صلى الله عليه وسلم الذي فعله وشرعه لأمته .
ولعل الذين ذهبوا إلى المنع من زيارة القبور لم يبلغهم الناسخ وهو الإذن بالزيارة .


وأما القول بالوجوب في العمر فغايته صيغة الأمر الوارد في الحديث : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " .
والجواب أنه لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم ألزم كل واحد بزيارة القبور ، ولا أمر بذلك على سبيل الإيجاب وأما القول بالإباحة ، فإن أمره صلى الله عليه وسلم بزيارة القبور وتكرر ذلك منه يرد هذا القول ، ويدل على معنى أكثر من مجرد الإباحة وهو تأكد مشروعية ذلك واستحبابه .


ثالثا : الزيارة المباحة :


تجوز زيارة القبور لقصد الاعتبار أو تذكر الميت والبكاء عليه ؛ كما زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله .
ومن المعلوم أن زيارته صلى الله عليه وسلم ليست لقصد الدعاء لها ؛ لأنها ماتت على الشرك والله تعالى يقول :(مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ) ( التوبة : 113 ) . " زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله وقال استأذنت ربي في أن استغفر لها فلم يأذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت " ، فهذا الحديث دليل على جواز زيارة القبر لتذكر الميت والبكاء عليه ، ولأن الأصل في البكاء على الميت الإباحة ؛ ولما كانت النياحة على الميت ممنوعة أذن في البكاء لتخفيف وطأة الحزن والأسى ولكن لا ينبغي أن يكثر هذا أو يتكرر فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله إلى مرة فدل على الجواز ، وبكاؤه صلى الله عليه وسلم على أمه لعله أن يكون من أجل ما فاتها من أدراك أيامه والإيمان به .


رابعا : الزيارة الممنوعة :


الزيارة الممنوعة على نوعين : إحداهما البدعية والثانية الزيارة الشركية المحرمة .


1 - الزيارة البدعية :


الزيارة البدعية المحرمة تتناول كل من زار القبور لقصد تعظيمها أو رجاء البركة بالوقوف عندها أو اعتقاد أن الدعاء عندها مستجاب ، أو للصلاة عندها ونحو ذلك من الأمور التي لم يرد فيها نص من كتاب الله تعالى ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعله السلف رضوان الله عليهم .
وكذلك يعد من الزيارة البدعية المحرمة ، زيارة القبور لقصد الندب والنياحة واظهار التسخط بشق الجيوب وضرب الخدود ونتف الشعور .
وكذلك من الزيارة البدعية : زيارة القبر لقصد القراءة عنده والتحلق حوله وتلاوة بعض الأذكار وترديد الأناشيد ونحو ذلك إذ أن كل هذه الأمور وأمثالها من الأمور المبتدعة التي لم يأذن الله بها ولم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه ولا التابعين لهم بإحسان ، ومن كان حريصا على نجاة نفسه وقبول عمله فليخلص عمله لله ، وليكن على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وليرتفع عن السفاسف والمهازل ويفهم حقيقة الدين ويتحرر من أدران الجهل والضلال .


2 - الزيارة الشركية :


الشرك دعوة غير الله أو دعوته ودعوة غيره معه أو صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله جل وعلا : كالذبح والاستعانة والدعاء والاستغاثة ؛ فمن قصد قبور الأولياء من أنبياء الله ورسوله والصالحين من خلقه لقصد الاستغاثة والاستعانة وقضاء الحاجات أو تفريج الكربات ونحو ذلك فهو واقع في الشرك الأكبر الصريح الذي يعد فاعله ومعتقد جوازه كافرا بالله العظيم وإن مات على هذه الحالة فهو مخلد في النار والجنة عليه حرام قال الله تعالى : ( إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ ) [3] .
وزيارة القبور لهذه المقاصد توجد في كثير من البلدان المنتسبة إلى الإسلام ، وذلك بسبب الغلو في القبور والاعتماد على أمور حصل بسببها التلبيس على كثير من الناس منها أن الولي له مكانة عند الله فهو بمثابة الواسطة والشفيع ، وقد أنكر الله على المشركين حينما تعلقوا بمثل هذه المبررات الواهية قال تعالى : (أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) [4] فحكم عليهم بالكذب والكفر بسبب شبهتهم الواهية .


خامسا : شد الرحال لزيارة القبور :


تبين لنا أن الزيارة الشرعية للقبور : هي ما كانت على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ؛ حيث كان يزور البقيع في أي وقت تسير له من ليل أو نهار فيذهب إلى البقيع ويسلم على أهله ويدعو لهم ولكن لم يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شد الرحال إلى زيارة القبور ولا أمر به ولا أقره من أحد .


بل لم يكن هذا معروفا في عهده ولا في عهد الخلفاء الراشدين ولا الأئمة المهدين والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن شد الرحال لزيارة القبور ، قال عليه الصلاة والسلام : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا و المسجد الأقصى " [5] .


ونص العلماء على أن من نذر الصلاة في مسجد غير أحد هذه المساجد الثلاثة أو زيارة مقبرة تحتاج إلى شد الرحال فإنه لا يجب عليه الوفاء بل لا يجوز له ؛ لأن ذلك مما نهى عنه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد " .
وارتكاب ما نهي عنه النبي صلى الله عليه وسلم معصية لقوله صلى الله عليه وسلم : " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه " .


فمن شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة أو إلى شيء من القبور حتى قبره صلى الله عليه وسلم أو مسجد قباء وغيره بأن أنشأ سفرا خاصا لذلك معتقدا أن ذلك سنة أو أنه من فضائل الأعمال فقد جانب الصواب وخالف السنة وتكلف ما لم يؤمر به لا سيما أن المطلوب التزام سنته واتباع هديه في كل صغيرة وكبيرة .


وسر النهي - والله أعلم - أن شد الرحال لزيارة البقاع والمساجد غير الثلاثة والقبور تعظيم لها ، والتعظيم على هذا الوجه نوع من أنواع العبادة ، ولهذا قصر على المساجد الثلاثة ، فإن تعظيمها والصلاة فيها من أفضل الطاعات وأجل القربات ولهذا قال النبي : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد " الحديث .


وأما شد الرحال إلى ما سوي ذلك لزيارة الصالحين والأقارب والأصدقاء والسفر لطلب العلم والتجارة والسياحة ونحو ذلك مما لا يعد تعظيما فليس منهيا عنه بل هو مأمور به ، ولأن شد الرحال في مثل هذه الأمور تترتب عليه مصالح عظيمة ومنافع كثيرة لآن كثيرا من قضاء المصالح لا تحصل إلا بشد الرحال والتنقل في الأقطار ونحو ذلك فكان مباحاً و مطلوبا .
فلله الحمد والمنة على كمال شرعه وتمام نعمته ... وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
________________________
(1) القاموس المحيط ص42، الصحاح للجوهري ج2/ 674 المنتخب في اللغة والإعلام ص 318 .
(2) صحيح مسلم ج2 /669 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي .
(3) سورة المائدة آية 72 .
(4) سورة الزمر آية 3 .
(5) رواه البخاري في صحيحه ح2/56 .



رابط الصفحة : http://www.denana.com/articles.php?ID=1299
 
الحالة
موضوع مغلق
أعلى