هنري عزام عن الازمة المالية ينصح بعدم السماح للمديونية العالية لدي البنوك

ريفالدو

موقوف
التسجيل
26 أغسطس 2003
المشاركات
698
هنري عزام: الأزمة المالية لم تصل إلى بداية النهاية بعد
الرئيس التنفيذي في دويتشه بنك لـ «الشرق الأوسط»: نسب النمو في
دول الخليج ستبقى في معدلاتها

رفعت مؤسسة النقد السعودي الاحتياطي الإلزامي للبنوك
على الودائع تحت الطلب من 7% إلى 13% (أ.ب)

دبي: «الشرق الأوسط»
بعد أن أدت أزمة الرهن العقاري الأمريكي إلى سلسلة من الإضطرابات
المالية كان أحدث حلقاتها إفلاس البنك الأمريكي العملاق «ليمان
برذرز»، واستحواذ «بنك أوف أميركا» على «ميريل لينش»، يتوجب على
دول المنطقة دراسة أسباب الأزمة والسبل الأفضل لتفادي تكرار
سيناريو مماثل في أسواقها المحلية.
وهنا تكمن أهم الدروس المستخلصة برأي الخبير المصرفي، والرئيس
التنفيذي لدويتشه بنك لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الدكتور
هنري عزام في ضرورة تعزيز الجهات الرقابية المنظمة للقطاع المالي
والاستثماري، ورفدها بأفضل الكفاءات البشرية من ذوي الخبرة
المصرفية والعاملين في القطاع الاستثماري، وذلك ليتم تطوير الأطر
والتشريعات الرقابية بشكل يوازي سرعة تطور وابتكار الأدوات
المصرفية والاستثمارية الجديدة.
ومن جانب آخر، يشير عزام إلى ما عانى منه القطاع المصرفي
والاستثماري الأمريكي نتيجة وجود عدة جهات رقابية لم تكن تنسق
بالقدر الكافي فيما بينها، وأدى ذلك في النهاية إلى أن تولى بنك
الاحتياطي الفدرالي جميع المهام الرقابية على المؤسسات والشركات
المصرفية والاستثمارية بمختلف أنواعها بالتنسيق مع باقي الجهات.
وبالعودة إلى الدروس المستخلصة من الأزمة الأخيرة، يؤكد عزام في
لقاء خاص مع «الشرق الأوسط» على وجوب تطوير إدارة المخاطر لدى
المصارف المحلية ورفع مستويات أدائها خاصة أن إدارة المخاطر في
الوقت الحالي ليست على المستوى المطلوب لدى العديد من المصارف
الخليجية والعربية بشكل عام.
ويكمن الدرس الثالث برأي الدكتور عزام في أهمية تعزيز ممارسة
الشفافية وتطبيق الحوكمة الإدارية لدى الشركات الاستثمارية
والمؤسسات المصرفية الكبيرة ورابعاً، عدم السماح بنسبة عالية
للمديونية سواء للأفراد أو المؤسسات، وضرورة الإفصاح بشكل دائم
عن استثمارات وعمليات هذه المؤسسات بشكل كامل وشفاف، خاصة بعد
قيام العديد من الشركات والبنوك الأمريكية الضخمة بإخفاء أجزاء
كبيرة من عملياتها الاستثمارية والتزاماتها وعدم إدراجها في
قوائمها المالية من خلال ما يسمى بالـ (SPVs) أي من خارج
الميزانية الأمر الذي ساهم في صعوبة التقدير الحقيقي للمشكلة.
وحول توقعاته للفترة القادمة، يؤكد الدكتور عزام أن الأزمة
المالية لم تصل إلى بداية النهاية بعد وأن الاقتصاد العالمي يدخل
حالياً مرحلة من تباطؤ في النمو، ولا يستبعد أن تدخل الدول
الصناعية الكبرى في ركود اقتصادي، وأن تتراجع معدلات النمو للدول
الناشئة وهو ما سينعكس بالنهاية على أسعار النفط ومشتقاته وغيره
من السلع والمواد.
ولكن معدلات نمو الاقتصاديات الخليجية ستبقى عند معدلات مرتفعة
تتراوح بين 4% و 6% إلا في حال هبط سعر برميل النفط إلى أقل من
45 دولار، وهو السعر الذي نعتقد أنه اعتمد في ميزانيات دول
المنطقة العام 2008.
وتابع بالقول، وسيؤدي تراجع سعر النفط عن مستوياته الحالية التي
تتراوح بين 95 – 120 دولارا، إلى تقلص الفوائض المالية التي
تتراكم لدى دول الخليج، ولن تتأثر مخصصات الإنفاق الحكومي التي
يتوقع أن تستمر بنفس الوتيرة. ويتوقع أن تشهد بداية العام القادم
تحسناً ملحوظاً في أداء الاقتصاد العالمي بشكل عام، خاصة مع
معالجة المشاكل المالية التي ستتبلور وتظهر بشكل كامل بعد مرور
حوالي عامين على أزمة الرهن العقاري الأمريكي.
ويرى د. عزام أن التراجع الحاد الذي شهدته أسواق المنطقة جاء
كنتيجة لعدة عوامل أتت متزامنة مع بعضها البعض، يأتي في مقدمتها
العامل النفسي السلبي الذي خيم على مختلف الأسواق المالية
العالمية مما أدى إلى العزوف عن أخذ المخاطر من قبل المستثمرين
بشكل عام ودفعهم لتقليص استثماراتهم في الأسواق الناشئة ومن
ضمنها أسواق الأسهم الخليجية وهذا تبعه تخوف وبيع من قبل
المستثمرين المحليين مما أدى إلى تراجع في الأسعار وضعف في أحجام
التداول. ومع ظهور بوادر انكماش اقتصادي في الدول الصناعية
يجاريه تراجع في النمو للدول النامية، سيكون هناك دون شك تأثير
على معدلات الطلب العالمي على النفط والبتر وكيماويات وتراجع في
أسعارها. وساد تخوف أيضاً من هبوط أسعار القطاع العقاري بسبب
انكماش السيولة في الأسواق المحلية وعدم قدرة البنوك على الإقراض
لهذا القطاع، مما أدى إلى حدوث موجات بيع واسعة لأسهم الشركات
المرتبطة بالقطاع العقاري بما في ذلك أسهم شركات التطوير العقاري
والبناء والإنشاءات إلى جانب أسهم البنوك والشركات التي تمول
العقار. ويشير د. عزام إلى أن النظرية القائلة بعدم ارتباط أسواق
المنطقة مع السوق العالمية قد أثبتت عدم صحتها، حيث يتجسد هذا
الترابط في وجود مستثمرين أجانب في أسواق الأسهم المحلية
بالإضافة إلى استثمار العديد من الأطراف المحلية من أفراد
ومؤسسات وصناديق ثروة سيادته في الأسواق العالمية، إلى جانب
ارتباط القطاع المصرفي المحلي مع المصارف العالمية من خلال
عمليات الاقتراض التي تقوم بها البنوك والمؤسسات المحلية من
المصارف الأجنبية. ويوضح د. عزام أن الأزمات التي تشهدها الأسواق
المالية العالمية تنعكس على جميع المتعاملين فيها بما في ذلك
المستثمرين الأجانب والمحليين، وتنعكس سلباً على توجهاتهم ويتقلص
إقبالهم على المخاطر الاستثمارية، مما يدفعهم للخروج من الأسواق
بغض النظر عن أداء الاقتصادي لتلك الدول، ويشير د. عزام إلى سوق
المال الصينية كمثال على هذا التوجه، إذ تراجعت أسعار أسهم
الشركات الصينية خلال الأشهر القليلة الماضية بما يزيد عن 50%،
رغم أن الاقتصاد الصيني لم يتأثر بشكل مباشر بالأزمة الأخيرة،
ويلفت إلى أن المستثمرين قاموا مؤخراً بالتوجه إلى قنوات
استثمارية أقل مخاطرة وأكثر استقراراً مثل الودائع البنكية و
السندات الحكومية إذ تراجع العائد على سندات الحكومة الأمريكية
إلى أقل مستوى له منذ الحرب العالمية الثانية بسبب ارتفاع الطلب
عليه.
ويتوقع الرئيس التنفيذي لدويتشه بنك في الشرق الأوسط وشمال
أفريقيا أن تقوم بنوك مركزية خليجية أخرى بخطوات مماثلة لما أقدم
عليه البنك المركزي الإماراتي مؤخراً بعد أن قدم سيولة جديدة
بمقدار 50 مليار درهم كتسهيلات لاستخدامها من قبل البنوك عند
الحاجة.
ولفت عزام إلى أن تدخل البنك المركزي في حالات شح السيولة هي
عملية طبيعية، مع أنه: «لم يتم الإفصاح عن تفاصيل التسهيلات
الائتمانية المقدمة، خاصة فيما يخص سعر الفائدة، والضمانات التي
ستوفرها البنوك التي ستتقدم للاستفادة من هذه السيولة الجديدة
التي ستسهم في تحريك سوق الائتمان والتمويل بشكل عام».
وأشار إلى أن اشتداد الأزمة المالية العالمية تزامن مع ارتفاع
مستويات التضخم في المنطقة والتي ليس لدى القائمين على السياسات
المالية والنقدية فيها سوى خيارين لكبح غلاء المعيشة المتزايد
لديها، يتمثل الخيار الأول في إتباع سياسة مالية متشددة لتقليص
النفقات الحكومية، وهو ليس بالأمر السهل نظراً للزيادة التي
أدخلت هذا العام على بند الأجور والرواتب للقطاع العام وقيام دول
المنطقة بتنفيذ مشاريع عملاقة في قطاع البنية التحتية بات من
الصعب إيقاف العمل فيها، وبالتالي لا مجال لتقليص الإنفاق
الحكومي.
أما الخيار الثاني، ونظراً لعدم قدرة دول الخليج على التحكم في
أسعار الفائدة نتيجة ارتباط عملاتها بالدولار الأمريكي، لجأت
البنوك المركزية إلى وسائل نقدية أخرى، حيث رفعت مؤسسة النقد
السعودي الاحتياطي الإلزامي للبنوك على الودائع تحت الطلب من 7%
إلى 13%، كما فعل غيرها من البنوك المركزية، بالإضافة إلى أن
البنوك المركزية الخليجية حددت سقوف معينة لقروض تمويل المشاريع
والشركات بنسب مختلفة حسب القطاع وخاصة القطاع العقاري، وقد وصلت
العديد من البنوك إلى سقوف الإقراض المفروضة عليها، وفي ظل جميع
هذه الخطوات الهادفة إلى خفض السيولة لمحاربة التضخم، اشتدت
الأزمة المالية العالمية وبات من الصعب على البنوك المحلية
الاقتراض من البنوك الأجنبية.
وساد التخوف من أن تواجه المشاريع العقارية الضخمة التي تشهدها
المنطقة مشاكل تمويلية، وتعززت توقعات حصول تراجع سعري في القطاع
العقاري، بسبب دراسات تم نشرها تتوقع حدوث تصحيح في الأسعار مما
دفع بالمستثمرين إلى بيع أسهم الشركات المرتبطة بالعقار بالإضافة
إلى أسهم البنوك التي لن تستطيع بعد الآن التوسع في الإقراض مما
أدى إلى تراجع كبير في أداء الأسواق وهبوط أسعار الشركات فيها.
وافاد الرئيس التنفيذي «لدويتشه بنك» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال
أفريقيا إلى أن الأموال «الساخنة» التي دخلت بشكل رئيسي إلى
أسواق الأسهم والسندات والودائع والعقار لدول المنطقة بهدف تحقق
عوائد وأرباح سريعة في ضوء التكهنات بأن تقوم دول الخليج بإعادة
النظر في ربط عملتها بالدولار الأمريكي الضعيف، الأمر الذي لم
يتحقق خاصة بعد أن أخذ سعر الدولار بالتحسن التدريجي ابتداء من
شهر أغسطس (آب). وعندما أخذت هذه الأموال بالخروج في النصف
الثاني من العام الجاري قام المستثمرون بتسييل أصولهم وخاصة من
أسواق الأسهم مما انعكس أيضاً سلباً على هذه الأسعار.

http://aawsat.com/details.asp?section=6&article=488146&issueno=10893
 

ريفالدو

موقوف
التسجيل
26 أغسطس 2003
المشاركات
698
22/09/2008





الأزمة المالية العالمية.. رب ضارة نافعة



بقلم: د. جاسم المناعي*

من دون شك، ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية في الأسواق المالية العالمية، وخاصة بالنسبة للمؤسسات المالية الأميركية، يعتبر بحق أزمة مالية كبيرة غير مسبوقة. صحيح أن الأوضاع المالية في أميركا لم تكن على ما يرام نظراً للاختلالات المالية الداخلية والخارجية الكبيرة للاقتصاد الأميركي، إلا أن الأمر أخذ يزداد سوءاً مع تفشي أزمة الرهن العقاري التي أخذت تداعياتها تنذر بعواقب جسيمة.
إن أزمة الرهن العقاري بدأت تتكشف منذ صيف العام الماضي عندما أصبح من المؤكد أن القروض العقارية ذات الجدارة الائتمانية الضعيفة (subprime) أصبحت غير قابلة للتحصيل. وحيث ان هذه القروض قد تم تسويقها لدى عدد كبير من المؤسسات المالية في شكل سندات ومنتجات مالية معقدة، فإن مشكلة هذه القروض أصبحت تمس الأوضاع المالية لكثير من المؤسسات الأميركية وغيرها في بعض دول العالم. وقد شهدنا مع بداية هذا العام التأثيرات الأولية للأزمة ممثلة في الخسائر الكبيرة التي تكبدتها كبرى المؤسسات المصرفية مثل مجموعة سيتي بنك وميريل لنش وغيرها. كذلك وجدنا أن تأثيرات الأزمة تصل إلى أوروبا وبريطانيا، على وجه الخصوص، على أثر تعرض مصرف نورثرن روك البريطاني لمشكلة كبيرة، الأمر الذي اضطر السلطات البريطانية الى التدخل لإنقاذه من خلال التأميم والامتلاك.

تفاقم الأزمة
تفاقمت بعدها الأزمة ولم تستطع مؤسسات مالية كثيرة الصمود حيث انهار بنك بير ستيرنز الأميركي، مما اضطر السلطات الأميركية إلى الايعاز الى مؤسسة استثمارية أخرى (ج. ب. مورغن) لانقاذه. واستمر هذا المسلسل من التعثر لمؤسسات مالية كبيرة الواحدة تلو الأخرى بدءاً بأكبر مؤسسة أميركية متخصصة في تمويل الإسكان (F.M.F.M)، مروراً بإفلاس ليمن براذرز، وانتهاءً بأكبر مؤسسة تأمين أميركية (AIG) التي لم تتحمل السلطات الأميركية تركها تفلس فعملت على منحها تسهيلات مالية بمبلغ 85 مليار دولار عسى أن ينقذها ذلك من الانهيار.
وقد ساد على أثر هذه الانهيارات المتتالية كثير من الذعر والهلع في الأوساط المالية وفي أوساط المستثمرين في أميركا وفي العالم، الأمر الذي دفع غالبيتهم الى بيع أسهمهم في ما تبقى من مؤسسات، وبغض النظر عما اذا كانت هذه المؤسسات تعاني مشاكل أو لا. وقد تعرضت نتيجة هذا الهلع اسهم ما تبقى من المصارف الأميركية الكبيرة، مثل مورغان ستانلي وغولدن ساكس، لضغوط كبيرة تكاد تؤدي بهم الى نفس المصير.
لا شك أن فداحة هذه الأزمة سوف تعجل بالتأكيد من مراجعة واصلاح القطاع المالي الأميركي والتفكير جدياً في إعادة النظر في كثير من الممارسات التي كانت وراء هذه الأزمة. والى أن تتمكن السلطات المعنية من وضع التشريعات اللازمة لمعالجة أسباب هذه الأزمة، فإن الحكومة الأميركية تتجه، حسبما يبدو، وعلى عجل، إلى إنشاء مؤسسة RTC تشتري من خلالها الأصول المتعثرة وتبيعها فيما بعد عند تحسن الظروف على غرار ما تم في الثمانينات. كذلك تتجه السلطات الى الحد من المضاربات على اسهم المؤسسات المستهدفة من خلال منع بعض التعاملات مثل البيع على المكشوف وغيرها.

فلسفة الاقتصاد الحر
وبالطبع فإن مثل هذا التوجه يثير تساؤلات كثيرة حول مدى انسجام مثل هذه الإجراءات مع فلسفة الاقتصاد الحر، إلا أن السلطات، حسبما يبدو، تعمل في هذه الظروف وفقاً لمبدأ الغاية تبرر الوسيلة. وبغض النظر عن مدى جدوى هذه الإجراءات، إلا أن التركيز يجب أن ينصب على جذور المشكلة بشكل يسمح بإجراء إصلاحات للممارسات المتبعة حتى الآن تفاديا لتفاقم هذه الأزمة وتجنباً لتكرارها في المستقبل، لا في أميركا فقط، بل في بقية دول العالم. إن أهم الدروس التي يمكن استنتاجها من هذه الأزمة على سبيل المثال لا الحصر تتلخص في التالي:
أولاً: عدم الاستهانة أبداً بأهمية التقييم السليم لدرجة المخاطر. إن أهم أسباب هذه الأزمة، كما نتذكر، هو التورط في مشكلة قروض الرهن العقاري التي نتجت عن الاستخفاف بالمبادىء الأساسية في إدارة المخاطر كتوخي الحذر والحرص على توافر الجدارة الائتمانية شرطاً رئيسياً للإقراض وغيره.
ثانياً: ضرورة عدم السماح بنسب عالية للمديونية في المراكز المالية للمؤسسات أو صناديق الاستثمار. إن المديونية أصبحت في الاقتصاد الأميركي وفق ما يبدو عملية إدمان، سواء على صعيد الاقتصاد ككل أو على صعيد الأفراد أو المؤسسات التي وصلت المديونية في بعضها الى 30 ضعفاً.
ثالثاً: ضرورة الحذر من المبالغة في التعامل بالمنتجات المالية المعقدة مثل المشتقات وغيرها. إن الاشكالية التي نتجت عن هذا النوع من المنتجات ليست فقط لكون كثير من المتعاملين بها لا يفهمون ولا يقدرون درجة خطورة هذه المنتجات، بل لكونها كذلك تصل في بعض الحالات إلى مستويات خارجة عن السيطرة.
رابعاً: الحاجة إلى مزيد من الإفصاح والشفافية. كنا نعتقد بأن نقص الشفافية هي من سمات الدول المتخلفة، وإذا بنا نكتشف من خلال هذه الأزمة بأن ضعف مستوى الشفافية هو أخطر لدى الاقتصادات المتقدمة إلى أن وقعت هذه الكارثة، والسلطات الرقابية ليست ـ كما يبدو تماماً ـ على علم بكامل التزامات ومديونيات المؤسسات المالية.
خامساً: ضرورة أن تعكس ميزانيات المؤسسات جميع التزاماتها، حيث ان تمويل حجم متزايد من أنشطة المؤسسات من خارج الميزانية من شأنه عدم كشف الحجم الحقيقي للمشاكل التي تتعرض لها المؤسسات، الأمر الذي لا يسمح بالتحكم فيها أو معالجتها.
هناك ممارسات أخرى تخضع الآن على أثر ما حصل لتساؤلات ومراجعات نأمل أن تساعد على تصحيح وضع القطاع المالي في أميركا وفي دول العالم وممارساته.

الدول العربية
أما على صعيد المنطقة العربية بشكل عام، ودول الخليج بشكل خاص، فنأمل كذلك ان نخرج من هذه الأزمة بظروف صحية حيث انه، وإن كنا غير مرتبطين مباشرة بهذه الأزمة، فإن انعكاساتها حسبما يبدو من شأنها أن تساعد اقتصادات المنطقة على الأقل في المجالات الرئيسة التالية:
أولاً: الاحتمال الأكبر لهذه الأزمة أن تؤدي الى تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي، وبالتالي خفض الطلب على النفط، الأمر الذي من شأنه تخفيف الارتفاعات الشاهقة لأسعار النفط لمستويات معقولة ولمصلحة الاقتصاد العالمي واقتصاد المنطقة على حد سواء.
ثانياً: الأزمة الحالية بدأت تخفف من مستويات السيولة المفرطة على صعيد العالم، الأمر الذي كان وراء زيادة معدلات الائتمان ومبالغة كبيرة في الاقتراض والمديونية. كذلك على صعيد المنطقة التي أدت فيها السيولة الكبيرة الى ارتفاعات كبيرة في الأسعار ومعدلات التضخم، وتشجيع التفكير في قيام عدد كبير من المشاريع أدت إلى الضغط على الطلب على المواد الأولية ومواد البناء، مما رفع أسعارها إلى درجة كبيرة جداً أضر بقدرة غالبية الأفراد ذوي الإمكانات المحدودة والمتواضعة.
ثالثاً: إن انخفاض وتيرة معدلات السيولة المتوافرة والمترتبة على هذه الأزمة من شأنه المساعدة من ناحية على التخفيف من سخونة الاقتصاد والحد من ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم العالية. كذلك من ناحية أخرى فإن انخفاض مستويات السيولة من شأنه تحسين إدارة المخاطر وزيادة الحرص والحذر في منح الائتمان وفي ذلك حماية للمؤسسات المقرضة بشكل خاص والاقتصاد بشكل عام.
رابعاً: يجب ألا يتبادر إلى الذهن بأن نقص السيولة الذي تعانيه الاقتصادات الغربية التي تعيش هذه الأزمة هو بالضرورة المشكلة نفسها التي تعانيها اقتصادات المنطقة، حيث لا يبدو أن اقتصادات المنطقة تعاني نقص سيولة بل قد يكون العكس هو الصحيح.

بورصات المنطقة
يبقى بالطبع السؤال لماذا إذاً انخفاض بورصات المنطقة؟ أولاً: لا يبدو أن هناك علاقة مباشرة بين الأزمة المالية العالمية وبورصات المنطقة، حيث ان الشركات المدرجة في بورصات المنطقة ليس لها علاقة بالمؤسسات الغربية التي تعيش هذه الأزمة. هذا، كما أن الوضع المالي لمؤسساتنا حتى الآن لا يشير إلى أي جوانب ضعف تبرر هذا القلق أو التخوف. كذلك لا نعتقد أن قرار بعض المحافظ الأجنبية البيع لتغطية مراكزهم في مناطق أخرى هو السبب الرئيسي لاضطراب بورصات المنطقة. في اعتقادنا أن الأمر يرجع إلى التخوف من إمكان انسحاب ما يحصل في العالم على أوضاعنا، وهذا التخوف قد يكون مبرراً انطلاقاً من كون هذه الأزمة قد تسبب كساداً أو على الأقل تراجع النشاط الاقتصادي على صعيد العالم، الأمر الذي من شأنه خفض الطلب على النفط الذي تدنت أسعاره بالفعل بشكل كبير من 147 دولاراً إلى حوالي 90 دولاراً للبرميل خلال فترة وجيزة جداً.
وبالطبع إذا استمر هذا الانخفاض فقد يؤثر في إيرادات المنطقة وبالتالي قدرة المنطقة على الاستمرار في تمويل كثير من المشاريع التي تعتمد عليها الشركات المدرجة في البورصة.
خلاصة القول ان الأزمة المالية التي يتعرض لها حالياً القطاع المالي الأمريكي بشكل خاص سوف تؤدي من دون شك إلى مراجعة كبيرة وإعادة النظر في الممارسات المالية التي اعتبرت حتى إلى وقت نشوب هذه الأزمة من المسلمات المستقرة في الصناعة المالية والمصرفية، وقد تؤدي نتائج هذه الأزمة إلى إصلاحات مهمة من شأنها تصحيح مسار الرأسمالية وسياسة الاقتصاد الحر بشكل يوفر للاقتصاد العالمي استقراراً مالياً واقتصادياً أفضل. هذا، كما نأمل أن تساعد نتائج هذه الأزمة في التخفيف من سخونة اقتصادات المنطقة وتوفر البيئة الاقتصادية الصحية التي تجنب اقتصادات المنطقة الهزات وترسخ لنمو وتطور اقتصاديين قابلين للاستمرار.

* المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي.
يعبّر هذا المقال عن وجهة نظر صاحبه ولا يعكس بالضرورة موقف المؤسسة التي ينتمي إليها.

http://www.alqabas.com.kw/Article.aspx?id=431859&date=22092008
 
أعلى