موقف علمائنا من الحافظيْن ابن حجر والنووي رحمهما الله

AboSaleh

عضو مميز
التسجيل
31 أغسطس 2001
المشاركات
2,043
الإقامة
الكويت
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السؤال:

قال واحد من العلماء المسلمين في المدينة التي أسكن بها: إن الإمام ابن حجر، والإمام النووي مبتدعان، وساق بعض الأدلة من "فتح الباري" لتبرير رأيه، وأعطى مثالاً على ذلك بشرح الإمام ابن حجر للمقصود بوجه الله أنه رحمته، ما رأيكم؟

الجواب:
الحمد لله

أهل السنَّة والجماعة منصفون في الحكم على الآخرين، لا يرفعون الناس فوق ما يستحقون، ولا ينقصون قدرهم، ومن الإنصاف بيان خطأ المخطئ من أهل العلم والفضل، والتأول له، والترحم عليه، كما أن من الإنصاف التحذير من خطئه؛ لئلا يغتر أحد بمكانته فيقلده فيما أخطأ فيه، وأهل السنَّة لا يتوانون عن الحكم على المخالف المتعمد للسنَّة بأنه مبتدع ضال.

وقد وُجد في زماننا هذا من نال من الإمامين ابن حجر والنووي، فحكم عليهما بأنهم مبتدعة ضالون!، وبلغت السفاهة ببعضهم أن قال بوجوب إحراق كتابيهما "فتح الباري" و "شرح مسلم"!.

وليس معنى هذا أنهما لم يخطئا في مسائل من الشرع، وبخاصة في باب صفات الله تعالى، وقد علَّق عليها علماؤنا، وبينوها وردوا عليهما، مع الترحم عليهما والثناء بما يستحقانه والدعاء لهما، والوصية بالاستفادة من كتبهما، وهذا هو الإنصاف الذي عُرف به أهل السنَّة والجماعة، بخلاف من بدَّعهما، وضلَّلهما، وقال بإحراق كتبهما، وبخلاف من استدل بكلامهما كأنه شرع منزَّل، وجعل ما يعتقدانه هو الحق الذي لا ريب فيه، وسنذكر ما يتيسر من كلام علمائنا ليقف المسلم على الإنصاف، والعلم، والحكم بالعدل على هذين الإمامين.

1- سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:

ما هو موقفنا من العلماء الذين أوَّلوا في الصفات، مثل ابن حجر، والنووي، وابن الجوزي، وغيرهم، هل نعتبرهم من أئمة أهل السنَّة والجماعة أم ماذا؟ وهل نقول: إنهم أخطأوا في تأويلاتهم، أم كانوا ضالين في ذلك؟ فأجابوا:

"موقفنا من أبي بكر الباقلاني، والبيهقي، وأبي الفرج بن الجوزي، وأبي زكريا النووي، وابن حجر، وأمثالهم ممن تأول بعض صفات الله تعالى، أو فوَّضوا في أصل معناها: أنهم في نظرنا من كبار علماء المسلمين الذين نفع الله الأمة بعلمهم، فرحمهم الله رحمة واسعة، وجزاهم عنا خير الجزاء، وأنهم من أهل السنة فيما وافقوا فيه الصحابة رضي الله عنهم وأئمة السلف في القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير، وأنهم أخطأوا فيما تأولوه من نصوص الصفات وخالفوا فيه سلف الأمة وأئمة السنة رحمهم الله، سواء تأولوا الصفات الذاتية، وصفات الأفعال، أم بعض ذلك.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة".

2- وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

بالنسبة للعلماء الذين وقعوا في بعض الأخطاء في العقيدة، كالأسماء والصفات، وغيرها، تمر علينا أسماؤهم في الجامعة حال الدراسة، فما حكم الترحُّم عليهم؟.

الشيخ: مثل مَن؟. السائل: مثل: الزمخشري، والزركشي، وغيرهما.

الشيخ: الزركشي في ماذا؟. السائل: في باب الأسماء والصفات.

فأجاب: "على كل حال، هناك أناس ينتسبون لطائفة معينة شعارها البدعة، كالمعتزلة مثلاً، ومنهم الزمخشري، فالزمخشري مُعتزلي، ويصف المثْبِتِين للصفات بأنهم: حَشَوِية، مُجَسِّمة، ويُضَلِّلهم فهو معتزلي، ولهذا يجب على مَن طالع كتابه "الكشاف" في تفسير القرآن أن يحترز من كلامه في باب الصفات، لكنه من حيث البلاغة، والدلالات البلاغية اللغوية جيد، يُنْتَفع بكتابه كثيراً، إلا أنه خَطَرٌ على الإنسان الذي لا يعرف في باب الأسماء والصفات شيئاً، لكن هناك علماء مشهودٌ لهم بالخير، لا ينتسبون إلى طائفة معينة مِن أهل البدع، لكن في كلامهم شيءٌ من كلام أهل البدع؛ مثل ابن حجر العسقلاني، والنووي رحمهما الله، فإن بعض السفهاء من الناس قدحوا فيهما قدحاً تامّاً مطلقاً من كل وجه، حتى قيل لي: إن بعض الناس يقول: يجب أن يُحْرَقَ "فتح الباري"؛ لأن ابن حجر أشعري، وهذا غير صحيح، فهذان الرجلان بالذات ما أعلم اليوم أن أحداً قدَّم للإسلام في باب أحاديث الرسول مثلما قدَّماه، ويدلك على أن الله سبحانه وتعالى بحوله وقوته - ولا أَتَأَلَّى على الله - قد قبلها: ما كان لمؤلفاتهما من القبول لدى الناس، لدى طلبة العلم بل حتى عند العامة، فالآن كتاب "رياض الصالحين" يُقرأ في كل مجلس، ويُقرأ في كل مسجد، وينتفع الناس به انتفاعاً عظيماً، وأتمنى أن يجعل الله لي كتاباً مثل هذا الكتاب، كلٌّ ينتفع به في بيته وفي مسجده، فكيف يقال عن هذين: إنهما مبتِدعان ضالان، لا يجوز الترحُّم عليهما، ولا يجوز القراءة في كتبهما! ويجب إحراق "فتح الباري"، و "شرح صحيح مسلم"؟! سبحان الله! فإني أقول لهؤلاء بلسان الحال، وبلسان المقال:

أَقِلُّوا عليهمُ لا أبا لأبيكمُ مِن اللومِ أو سدوا المكان الذي سدوا

من كان يستطيع أن يقدم للإسلام والمسلمين مثلما قدَّم هذان الرجلان، إلا أن يشاء الله، فأنا أقول: غفر الله للنووي، ولابن حجر العسقلاني، ولمن كان على شاكلتهما ممن نفع الله بهم الإسلام والمسلمين، وأمِّنوا على ذلك" انتهى. "لقاءات الباب المفتوح" (43/السؤال رقم 9).

3- وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله:

لقد ظهر بين طلاب العلم اختلاف في تعريف المبتدع، فقال بعضهم: هو من قال أو فعل البدعة، ولو لم تقع عليه الحجة، ومنهم من قال لابد من إقامة الحجة عليه، ومنهم من فرَّق بين العالم المجتهد وغيره من الذين أصلوا أصولهم المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، وظهر من بعض هذه الأقوال تبديع ابن حجر والنووي، وعدم الترحم عليهم؟ فأجاب:

"أولاً: لا ينبغي للطلبة المبتدئين وغيرهم من العامة أن يشتغلوا بالتبديع والتفسيق؛ لأن ذلك أمر خطير وهم ليس عندهم علم ودراية في هذا الموضوع، وأيضاً هذا يُحدث العداوة والبغضاء بينهم، فالواجب عليهم الاشتغال بطلب العلم، وكف ألسنتهم عما لا فائدة فيه، بل فيه مضرة عليهم، وعلى غيرهم.

ثانياً: البدعة: ما أحدث في الدين مما ليس منه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري، وإذا فعل الشيء المخالف جاهلاً: فإنه يعذر بجهله، ولا يحكم عليه بأنه مبتدع، لكن ما عمله يعتبر بدعة.

ثالثاً: من كان عنده أخطاء اجتهادية تأوَّل فيها غيره، كابن حجر، والنووي، وما قد يقع منهما من تأويل بعض الصفات: لا يُحكم عليه بأنه مبتدع، ولكن يُقال: هذا الذي حصل منهما خطأ، ويرجى لهما المغفرة بما قدماه من خدمة عظيمة لسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهما إمامان جليلان، موثوقان عند أهل العلم" انتهى. "المنتقى من فتاوى الفوزان" (2/211، 212).

4- وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله:

"مثل النووي، وابن حجر العسقلاني، وأمثالهم، من الظلم أن يقال عنهم: إنهم من أهل البدع، أنا أعرف أنهما من "الأشاعرة"، لكنهما ما قصدوا مخالفة الكتاب والسنَّة، وإنما وهِموا، وظنُّوا أنما ورثوه من العقيدة الأشعرية: ظنوا شيئين اثنين:

أولاً: أن الإمام الأشعري يقول ذلك، وهو لا يقول ذلك إلاَّ قديماً؛ لأنه رجع عنه.

وثانياً: توهموه صواباً، وليس بصواب". انتهى من (شريط رقم 666) "من هو الكافر ومن هو المبتدع".

فرحم الله الإمامين: النووي وابن حجر، وغفر لهما ما أخطآ فيه.

والله أعلم



الإسلام سؤال وجواب

www.islamqa.com
 

تلميذ المؤشر

مشرف قسم الإستراحه
التسجيل
19 أغسطس 2003
المشاركات
1,445
الإقامة
الكويت
يقول ابن القيم " ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل ومأجور لاجتهاده فلا يجـوز أن يتبع فيها...".

ويؤكد الإمام الذهبي هذا المعنى عندما قال في ترجمتـه للإمام وكيع "وكل أحد يُؤخذ من قوله ويترك، فلا قدوة في خطأ العالم نعم ولا يوبّخ بما فعله باجتهاده، ونسأل الله له المسامحة".

أما الذي يُقلِّد شيخه ويدور في فلكه قبولاً ورداً، أخطأ شيخه أم أصاب، ويغضب لكل من خالف رأي شيخه ولو كان مرجوحاً فهذا من التعصب لأقوال الرجال وتنزيلها منزلة النصوص

ولقد عاب ابن القيم ذلك حينما قال:
"اتخاذ أقوال رجل بعينه منزلة نصوص الشارع لا يُلتفت إلى قول من سواه بل ولا إلى نصوص الشارع إلا إذا وافقت نصوص قوله، فهذا والله هو الذي أجمعت الأمة على أنه محرم في دين الله"

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "والخطأ في دقيق العلم مغفور للأمة، وإن كان في المسائل العلمية ولولا ذلك لهلك أكثر فضلاء الأمـة، قال: فالفاضل المجتهد في طلب العلم نحسب ما أدركه في زمانه ومكانه إذا كان مقصوده متابعة الرسول بحسب إمكانه هو أحق بأن يتقبل الله حسناته ويثيبه على اجتهاده ولا يؤاخذه بما أخطأه تحقيقاً لقوله تعالى: { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } " .

وقال ابن حزم مؤكداً على هذا المعنى: " لا يكفّر ولا يفسّق المسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتيا وأن كل من اجتهد في شيء من ذلك بما رأى أنه الحق فإنه مأجور على كل حال، إن أصاب الحق فأجران، وإن أخطأ فأجر واحد، وهذا قول ابن أبي ليلى، وأبي حنيفة، والشافعي، وسفيان الثوري، وداود بن علي رضي الله عن جميعهم ، وهو قول كل من عرفنا له قولاً في هذه المسألة من الصحابة رضي الله عنهم ما نعلم في ذلك خلافاً أصلاً".


بارك الله فيك بو صالح
 

yoyo1983

عضو نشط
التسجيل
22 أبريل 2007
المشاركات
22,665
الإقامة
DaMBy
جزاك الله خير
 
أعلى