اقتصاد دولة.. أم اقتصاد (دوت.كوم)

الاســــتا ذ

عضو محترف
التسجيل
31 أغسطس 2001
المشاركات
1,466
الإقامة
السعودية
إلى أين تتجه الأرجنتين؟ تعليق الديون يفقد الثقة بالأسواق الناشئة



ظنت الأرجنتين بأن علاقتها القوية مع الولايات المتحدة الأمريكية ومحادثاتهما المستمرة حول ضرورة أن يسود الحق والسيادة لكافة شعوب العالم، هي علاقة استراتيجية تسودها المنفعة المتبادلة، فشرعت في عام 1982بمحاولة استرداد حقها بالسيادة على جزر فوكلاند وظنت إن الولايات المتحدة الأمريكية لابد وأن تقف لجانبها. وما هي إلا أيام معدودات، حتى رأت نفسها عاجزة عن مقاومة الألوف من رجال امبراطورية البلاد التي لا تغيب عنها الشمس وبوارجهم ومعداتهم فوق رؤوسهم، ليرجعوا إلى بوينس ايرس وهم يندمون على أحلام اليقظة التي انتابتهم.

وظنت الأرجنتين في عام 1989م، ان انتخاب رئيس جمهورية مولع بكرة القدم سيمكنهم من خلق نسخ كثيرة من (مارادونا) وبذلك ستدر عليهم أموالا طائلة، ولكن (ماردونا) الأصلي خذلهم باتجاهه إلى الإدمان على المخدرات، وخذلهم رئيسهم باتجاهه نحو الزواج من العارضة السوبر موديل، وتركهم تحت طائلة ديون كبيرة.

وظنت الأرجنتين، إن صندوق النقد الدولي ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية ستساعدها على حل تلك الديون والتي تشكل 40% من ناتجها المحلي. إلا إن الأرجنتين تبدو مصممة على عدم فهم الدرس جيدا!!!.

وهكذا تحولت الدولة التي كانت في منتصف الثلاثينات، واحدة من الدول الاقتصادية الكبرى، وكانت لديها نسب لنصيب الفرد من ناتج النمو المحلي يوازي لدول مثل فرنسا.. ولكنها تحولت اليوم، إلى حالة مزرية، وتحو لالاقتصاد الأرجنتيني الى صورة مشابهة إلى انهيار شركة (دوت كوم) والتي يستقيل بعدها رؤساؤها التنفيذيون والفريق الإداري.

ولكن هل نعرف كم تبلغ المديونية لبعض الدول العربية؟ في سوريا على سبيل المثال، يزيد حجم ديونها عن دخلها القومي بمقدار 130%، ولبنان ترتفع النسبة لأكثر من 150%، وفي مصر تجاوزت المديونية 72مليار دولار، والجزائر 50مليار، المغرب 30مليار دولار.. ولكن أحداً لم يقف ليحاسب!!.

وأعود للاقتصاد الأرجنتيني الحديث، الذي لم يكن مستقراً على الإطلاق طيلة السنوات الماضية، حيث انخفض اجمالي الناتج المحلي بمعدل يزيد عن أربعة بالمائة منذ بداية عام 1998، وارتفعت معدلات الفائدة الى خمسة أضعاف لمعدلات المستوى العالمي، وارتفعت البطالة الى حدود 30%، وان 37% من سكان الأرجنتين يعيشون تحت خط الفقر، وإن متوسط دخل نصف أصحاب الرواتب يقل عن 300دولار. ولذلك، لم يكن مستبعداً أن تظهر آثارها بحدة الآن. بعدما أن ظلت تغلي من تحت الأضواء بفعل أحداث العملة المكسيكية في عام 1995، وأزمة البرازيل في عام 1999والأزمة المالية الآسيوية في عام 1997.وبينما كانت معدلات التضخم ترتفع بوتيرة متسارعة في أواخر الثمانينات، فإن حملة الإصلاحات التي اتبعها الرئيس منعم بتحرير التجارة، وخصخصة المشاريع والذي أدى الى فقدان الألوف إلى وظائفهم،

وارتفعت معدلات التضخم الى معدلات 200% شهرياً لم تنجح، واضطر وزير الاقتصاد الى ربط العملة المحلية (البيسو) بالدولار في عام 1991، والذي أدى الى بعض الطمأنينة والاستقرار في النظام المالي المحلي والعالمي، نتيجة لقوة الدولار من جهة والنشاط الاقتصادي العالمي في فترة منتصف التسعينات من جهة أخرى، والذي أعاد الثقة للمستثمرين وأدى الى انتعاش الاقتصاد الأرجنتيني بمعدلات نمو وصلت الى 7ـ 8% سنوياً خلال الفترة 1991ـ 1994.إلا إن مع ركود اقتصاديات الدول الكبرى، وشحة السيولة، وصعوبة رفع معدلات الصادرات الحكومية وبالتالي الحصول على العملة الصعبة، ومع مستويات بطالة تصل الى 30% وانخفاض إيرادات الحكومة من الضرائب، فإن عملية ربط العملة المحلية بالدولار لم تنجح، فكان النجاح في فترة الفورة التضخمية، ولكن مع استعادة الاقتصاد لهيكليته، كان على أصحاب القرار السياسي أن يزيلوا هذه العلاقة.

ومع إعلان الرئيس الأرجنتيني الجديد عن تجميد دفع مستحقات الديون، فإن نتائج هذا التطبيق سيكون ثقيلاً على الكثير من الأطراف، أولاً، ستكون الأسواق الناشئة هي آخر ما يبحث عنها المستثمر الأجنبي،

فأزمات البرازيل، المكسيك، تركيا، آسيا والآن الأرجنتين وخلال فترة زمنية لم تتعد الست سنوات، تشير الى مدى الخطورة التي يضعها المستثمر في هذه الأسواق.

ثانيا، إن الاقتصاد العالمي في وضعه الحالي، لا يتحمل نقص 143مليار دولار دفعة واحدة، بالرغم من أنها حسابية وعلى الورق، إلا انها تستطيع أن تهز النظام المالي العالمي، وبمعنى آخر، إن الأرجنتين قد استولت على 143مليار دولار من دول أخرى.

ثالثا، إن الأرجنتين ستكون بحاجة ماسة إلى السيولة والنقد الأجنبي، وإذا لم تقم بتسديد ديونها ومستحقاتها، فلا أعتقد أن أحداً ما سيقوم بوضع دولار واحد في هذا الاقتصاد المتعطش.

وهكذا.. يمكن أن يضع المستثمر الأجنبي، دولة الأرجنتين ضمن قائمة شركات اكسايت دوت كوم، بو دوت كوم وأكثر من ذلك بصف "انرون".


بقلم: احمد مفيد السامرائي - جريدة الرياض
 
أعلى