العقد الرضائي والعقد الشكلي والعقد العيني

ahmed_nagh42

عضو نشط
التسجيل
30 يناير 2013
المشاركات
3,574
الإقامة
الكويت
العقد الرضائي والعقد الشكلي والعقد العيني
47 - العقد الرضائي : هو ما يكفي في انعقاده تراضي المتعاقدين ، أي اقتران الإيجاب بالقبول . فالتراضي وحده هو الذي يكون العقد . وأكثر العقود في القانون الحديث رضائية ، كالبيع والإيجار . وقد تقدم أن القانون لم يبلغ هذه القاعدة طفرة ، بل تطور إليها تدرجاً .

ولا يمنع العقد من أن يكون رضائياً أن يشترط في إثباته شكل مخصوص . إذ يجب التمييز بين وجود العقد وطريقة إثباته . فما دام يكفي في وجود العقد رضاء المتعاقدين فالعقد رضائي ، حتى لو اشترط القانون لإثباته كتابة أو نحوها . والفائدة العملية من هذا التمييز أن الكتابة إذا كانت لازمة لإثبات ( ad probatinum ) فإن العقد غير المكتوب يجوز إثباته بالإقرار أو اليمين . أما إذا كانت الكتابة ركناً شكلياً في العقد ( ad solennitatem ) فإن العقد غير المكتوب يكون غير موجود حتى مع الإقرار أو اليمين .

48 - العقد الشكلي : هو ما لا يتم بمجرد تراضي المتعاقدين ، بل يجب لتمامه فوق ذلك إتباع شكل مخصوص يعينه القانون . وأكثر ما يكون هذا . الشكل ورقة رسمية يدون فيها العقد . ولم يبق في القانون الحديث إلا عدد قليل من العقود الشكلية ، الغرض من استبقاء شكليتها هو في الغالب تنبيه المتعاقدين إلى خطر ما يقدمون عليه من تعاقد ، كما في الهبة والرهن ( [1] ) .


وقد تقدمت الإشارة إلى أن العقود بدأت تكون شكلية في القديم ، وتطورت بعد ذلك إلى أن صار أكثرها رضائياً والقليل هو الشكلي . وتختلف الشكلية الحديثة عن الشكلية القديمة في إنها أكثر مرونة . وتختلف عنها أيضاً ، وبوجه خاص ، في إنها لا تكفي وحدها في تكوين العقد . فالشكلية الحديثة ، إذا كانت لازمة ، فهي ليست بكافية ، بل لا بد أن تقترن بإرادة المتعاقدين . فالإرادة هي التي يقع عليها الشكل . أما الشكلية القديمة فكانت وحدها هي التي تكون العقد ، لذلك كان لا يجوز الطعن فيها بالغلط أو التدليس أو الإكراه أو غير ذلك من الدفوع الموضوعية . فالشكلى إذن كان هو العقد لا الإرادة (
[2] ) .


49 – العقد العيني : هو عقد لا يتم بمجرد التراضي ، بل يجب لتمام العقد فوق ذلك تسليم العين محل التعاقد . ولا يكاد يوجد في القانون المدني الجديد مثل للعقد العيني إلا هبة المنقول ، فهذه قد تكون عقداً شكلياً إذا تمت بورقة رسمية ، وقد تكون عقداً عينياً إذا تمت بالقبض ( م 488 من القانون المدني الجديد ) . ولكن ليس هناك ما يمنع من أن يتفق المتعاقدان على أن العقد لا يتم إلا إذا قام أحدهما بتنفيذ شطر من التزامه . ففي عقود التأمين يشترط أحياناً إلا يتم العقد إلا بعد أن يدفع المؤمن له القسط الأول ، والشرط صحيح في هذه الحالة ، ويكون العقد عينياً ولكن العينية هنا مصدرها الاتفاق لا القانون .

أما القانون المدني القديم فكان يسير على نهج القانون الفرنسي ، ويجعل إلى جانب هبة المنقول عقوداً عينية أخرى أربعة : القرض والعارية والوديعة ورهن الحيازة . وكلا القانونين ورث عينية هذه العقود الأربعة عن القانون الروماني دون مبرر . فقد كانت هذه العينية مفهومة في القانون الروماني حيث كانت العقود في الأصل شكلية . ثم استغنى عن الشكل بالتسليم في بعض العقود ، وهذه هي العقود العينية . ولم يسلم بأن التراضي وحده كاف لانعقاد العقد إلا في عدد محصور من العقود سمي بالعقود الرضائية . أما اليوم فقد أصبح التراضي ، كقاعدة عامة ، كافياً لانعقاد العقد ، فلم يعد هناك مقتضى لإحلال التسليم محل الشكل . وقد قللت بعض التقنينات الحديثة عدد هذه العقود العينية ، فاستبقى القانون الألماني منها القرض ورهن الحيازة ، ولم يستبق قانون الالتزامات السويسري إلا رهن الحيازة وحده .


( [1] ) وقد يكون العقد رضائياً في أصله فيتفق المتعاقدان علىاني كون شكليا ، أي أن الشكلية تكون واجبة باتفاق المتعاقدين لا يحكم القانون . مثل ذلك أن يتفق المتعاقدان نبمقتضى عقد ابتدائي ، أن يكون التعاقد النهائي بالكتابة ، أو بمقتضى شرط في عقد الإيجار أن التنبيه بالاخلاء يكون بالكتابة . فتكون الكتابة في مثل هذه الحالات ركنا شكليا لا يتم العمل القانونين إلا باستبفائه . وقد يقصد المتعاقدان من اشتراط الكتابة أن تكون للاثبات لا لتكوين العمل القانونين . وإذا قام شك في تفسير قدص المتعاقدين هل الكتابة ركن شكلي أو هي الطريق للاثبات ، فالقضاء في مصر وفرنسا يتلمس من ظروف الواقع قرينة على ترجيح أحد الفرضين ، فإذا لم توجد قرينة مرجحة كان المفروض أن المتعاقدين اشترطا الكتابة للاثبات لا للانعقاد لأن الأصل في العقود أن تكون رضائية . أنظر في هذا المعنى محكمة الاستئناف الوطنية في 21 فبراير سنة 1941 المجموعة الرسمية 15 رقم 105 – محكمة الاستئناف المختلطة في 18 مايو سنة 1933 م 45 ص 291 – ولكن القضاء المصري لم يستقر على هذا المبدأ وسيتبين ذلك فيما يلي – أنظر أيضاً في هذا المعنى محكمة النقض الفرنسية في 26 يونية سنة 1901 سيريه 1904 – 1 – 283 – وحكم آخر في 14 مايو سنة 1912 داللوز 1913 – 1 – 281 مع تعليق فاليرى Valery .
وقد كان المشروع التمهيدي يشتمل على نص في هذه المسألة يرجح أن تكون الكتابة للانعقاد لا للإثبات ، فكانت المادة 149 من هذا المشروع تنص على أنه " إذا اتفق المتعاقدان على أن يستوفى العقد شرطا خاصا لم يشترطه القانون ، فالمفروض عند الشك إنهما لم يقصدا أن يلتزما إلا من الوقت الذي يستوفى فهي العقد الشكلي المتفق عليه " . وقد جرى المشروع في ذلك على نهج كثير من التقنينات الحديثة ( القانون الألماني م 125 و م 154 فقرة 2 – قانون الالتزامات السويسري م 16 – القانون البولوني م 109 ) . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " إذا اتفق المتعاقدان على وجوب استيفاء شكل معين ، سواء أكان ذلك بمقتضى عقد تمهيدي أم كان بمقتضى شرط معين في عقد أصلي – كما هو الشأن في اشتراط الكتابة في التنبيه بالاخلاص في عقود الإيجار – فيفرض أن نيتهما قد انصرفت إلى ترتيب البطلان على عدم مراعاة هذا الشكل . وهذه هي دلالة القرينة التي تقيمها المادة 149 من المشروع . على أن الأمر لا يعدو مجرد قرينة بسيطة ، يجوز إسقاط حكمها بإثبات العكس ( التقنين الألماني تعليقات ج 1 ص 136 ) . وقد ذهب القضاء المصري إلى أنه إذا أريد تعديل عقد تم بالكتابة تعديلا ينطوي على تكليف جديد ، فيشترط أن يتفق ذوو الشأن على ذلك كتابة عن بينة منهم ( استئناف مختلط 23 ابريل سنة 1935 م 47 ص 263 ) . أما فيما يتعلق بالشكل الذي يتفق عليه المتعاقدان فلم يستقر القضاء على رأي بشأن دلالة الاتفاق عند الشك ، فهل يستتبع إغفال الشكل في هذه الحالة بطلان العقد ، أم يعتبر الشكل مشروطاً لتهيئة طريق للإثبات فحسب ؟ قضت محكمة الاستئناف المختلطة أنه لا يجوز لسمسار أن يتمسك بحصول الاتفاق بين المتعاقدين ليتأدى من ذلك إلى المطالبة بالسمسرة المتفق عليها إذا كان البيع قد علق على شروط عدة وأرجأ المتعاقدان ارتباطهما النهائي إلى وقت التوقيع على عقد يحرره محاموهما ما دام أن التوقيع لم يحصل ( 14 يناير سنة 1930 م 42 ص 182 ) . وعلى هذا النحو اعتبرت المحكمة أن إغفال الشكل الذي اتفق عليه يستتبع البطلان دون أن ينص صراحة علىذ لك . على أن هذه المحكمة نفسها قد حكمت في قضية أخرى بان العقود الرضائية تتم بمجرد التراضي ما لم يكن المتعاقدان قد اتفقا على التعاقد بعقد رسمي مع النص صراحة على انصراف نيتهما إلى تعليق الارتباط على اتمام العقد من طريق التوقيع عليه أمام موثق العقود ( 18 مايو سنة 1933 م 45 ص 291 ) . ويلوح أن المحكمة قد جنحت في هذا الحكم الأخير لاشتراط الاتفاق صراحة على أن إغفال الشكل المتفق عليه يستتبع البطلان . ومن المحقق أن النص الذي اختاره المشروع في المادة 149 من شأنه أن يضع حداً لتردد القضاء في هذا الصدد " . ولكن المادة 149 من المشروع التمهيدي عندما تليت في لجنة المراجعة اقترح حذفها لامكان الاستغناء عنها ، فوافقت اللجنة على ذلك . ومن ثم حذف هذا النص في المشروع النهائي ( أنظر في كل ذلك مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 73 – ص 74 في الهامش ) . وقد كان من الخير إبقاء النص حتى يضع حداً لتردد القضاء على ما تقول المذكرة الإيضاحية . أما وقد حذف ، فلا مناص من الرجوع على القواعد العامة . ولما كان الأصل في العقد أن يكون رضائياً ، فالأولى عند الشك أن تكون الكتابة للإثبات لا للانعقاد . والراجح في القضاء المصري والفرنسي يؤيد هذا الرأي كما قدمنا .
( [2] ) ويلاحظ أن كل عقد شكلي يكون التوكيل في عمله شكلياً أيضاً ( م 700 من القانون المدني الجديد ) ، وكذلك الوعد بابرام عقد شكلي يكون شكليا ( م 101 فقرة 2 ) ، وإجازة العقود الشكلية تكون شكلية مثلها . ويستوفى اشلكل أيضاً فيما يدخل على العقد الشكلي من تعديل لا فيما يضاف إليه من شروط تكميلية أو تفصيلية لا تتعارض مع ما جاء فيه .
وقد كان المشروع التمهيدي يشتمل على نص يورد بعض هذه الأحكام ، فكانت المادة 148 من هذا المشروع تنص على ما يأتي :
" 1 - إذا فرض القانون شكلا معينا لعقد من العقود ، فلا يكون العقد صحيحاً إلا باستيفاء هذا الشكل ما لم يوجد نص يقضي بخلاف ذلك " .
" 2 – إذا قرر القانون للعقد شكلا معينا ، فيجب استيفاء هذا الشكل أيضاً فيما يدخل على العقد من تعديل ، لا فيما يضاف إليه من شروط تكميلية أو تفصيلية لا تتعارض مع ما جاء فيه " . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " يقضي التقنين الألماني ( المادة 125 ) والتقنين السويسري ( المادتان 11 ، 12 من قانون الالتزامات ) والتقنين البرازيلي ( المادة 130 ) بان عدم استيفاء عقد من العقود للشكل الذي يفرضه القانون له يستتبع البطلان أصلاً ، ما لم ينص على خلاف ذلك . وقد اثر المشروع إتباع هذا المذهب مخالفا مذهب التقنين البولوني ( المادة 110 ) في هذا الشأن . فإذا تطلب القانون شكلا خاصا وأطلق الحكم بغير تعقيب ، فمن الطبيعي أن يكون استيفاء هذا الشكل شرطا لوجود العقد . أما إذا كان الشكل قد فرض لتهيئة طريق الإثبات فحسب ، فمن واجب القانون أن ينص صراحة على ذلك . وكل تعديل يدخل على عقد لا يتم إلا بالكتابة يعتبر باطلا إذا لم يستوف فيه هذا الشرط ، إلا أن يكون القانون قد قضى بغير ذلك . ويلاحظ أن معنى التعديل يتحقق في الشروط التي تتعارض مع مضمون العقد الأول ، لا في الشروط التفصيلية أو التكميلية التي لا تنطوي على مثل هذا التعارض ، فالاتفاق على ترميم منزل بيع بمقتضى عقد تم بالكتابة ليس إلا شرطاً تفصيليا لا ضرورة للكتابة فيه . ويختلف عن ذلك حكم ما يضاف إلى التعاقد الأول من شروط أو نصوص جديدة ( فيك ومورلا : تعليقات على تقنين الالتزامات السويسري ج 1 المادة 12 نبذة 4 و 5 ) . . . وقد ذهب القضاء المصري إلى أنه إذا أريد تعديل عقد تم بالكتابة تعديلا ينطوي على تكليف جديد . فيشترط أن يتفق ذوو الشأن على ذلك كتابة عن بينة منهم ( استئناف مختلط 23 ابريل سنة 1935 م 45 ص 263 ) . " وعندما تليت المادة 148 من المشروع التمهيدي في لجنة المراجعة ، رأت اللجنة بعد المناقشة حذفها ، استناداً إلى أنه في الحالة التي يصرح فيها المشرع بالمهمة التي يريدها للشكل الذي قرره للعقد لا تقوم أية صعوبة ، وفي الحالة التي لا يصرح فيها بذلك يترك الأمر لتقدير القاضي دون الأخذ بقرينة أخرى . ( أنظر في كل ذلك مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 72 – ص 74 في الهامش ) .
وهنا أيضاً كان من الخير إبقاء النص حتى لا يضطرب القضاء في تفسير نية المشرع في مسألة جوهرية كهذه المسألة . وقد كان النص المحذوف يتضمن قرينة قانونية على أن الشكل الذي يفرضه القانون يكون عند الشك للانعقاد لا للإثبات . وما دام النص قد حذف ، وزالت بحذفه هذه القرينة القانونية ، لم يبق إلا الرجوع إلى القواعد العامة في التفسير . وعندنا أنه إذا غم الأمر ولم يتبين القاضي – بعد أن يستنفد وسائل التفسير – ما إذا كان المشرع أراد الشكل للانعقاد أو للإثبات ، فالأولى أن يكون الشكل للانعقاد لا للإثبات . ولا يجوز هنا أن يقال – كما قيل في الشكل الذي يتفق عليه المتعاقدان – أن الأصل في العقد أن يكون رضائياً . فإن هذا الأصل إنما يصدق بالنسبة إلى المتعاقدين لا بالنسبة إلى المشرع . ولا يصح أن نسلم في يسر بأن المتعاقدين أرادوا خلق شكل لا يوجد العقد بدونه إلا إذا نصوا صراحة على ذلك . أما المشرع فسلطانه كامل في أن يخلق الشكل الذي يريد ، ومتى فرض شكلا ، ولم يقم دليل على أنه مقرر للإثبات ، فالمفروض أنه مقرر لانعقاد العقد .
هذا وقد جاء في المذكرة الإيضاحية مثل على الشروط التفصيلية والتكميلية التي لا تتعارض مع مضمون العقد المكتوب فلا تشترط فيها الكتابة . أما الشروط التي تدخل في العقد المكتوب تعديلا فتشترط الكتابة فيها ، فمثلها أن يتفق البائع والمشتري بعد كتابة عقد البيع على إنقاص الثمن أو على زيادته .

منقول
 
أعلى