العقد الملزم للجانبين والعقد الملزم لجانب واحد

ahmed_nagh42

عضو نشط
التسجيل
30 يناير 2013
المشاركات
3,627
الإقامة
الكويت
العقد الملزم للجانبين والعقد الملزم لجانب واحد
54 – العقد الملزم للجانبين : هو العقد الذي ينشيء التزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين ، كالبيع يلتزم البائع فيه بنقل ملكية المبيع في مقابل أن يلتزم المشتري بدفع الثمن . والظاهرة الجوهرية في العقد الملزم للجانبين هو هذا التقابل القائم ما بين التزامات أحد الطرفين والتزامات الطرف الآخر .

55 – العقد الملزم لجانب واحد : هو العقد الذي لا ينشيء التزامات إلا في جانب أحد المتعاقدين فيكون مدينا غير دائن ، ويكون المتعاقد الآخر دائناً غير مدين . مثل ذلك الوديعة غير المأجورة يلتزم بمقتضاها المودع عنده نحو المودع أن يتسلم الشيء المودع وأن يتولى حفظه وأن يرده عيناً ، دون أن يلتزم المودع بشيء نحو المودع عنده .

والعقد الملزم لجانب واحد ( contrat unilateral ) هو كسائر العقود لا يتم إلا بتوافق إرادتين . وهذا بخلاف العمل القانونين الصادر من جانب واحد ( acte juridique unilateral ) فإنه يتم بإرادة واحدة ويكون التعبير بلفظ " جانب واحد " ( unilateral ) إذا اقترن بالعقد يعتبر فيه اثر العقد لا تكوينه ، وإذا اقترن بالعمل القانونين يلحظ فيه تكوين العمل القانوني لا أثره .

56 – أهمية هذا التقسيم : ولهذا التقسيم أهمية كبيرة ترجع إلى أن العقد الملزم للجانبين ينشيء التزامات متقابلة ، وهذا التقابل ( interdependence ) يؤدى إلى نتائج هامة لا نراها في العقد الملزم لجانب واحد حيث لا وجود للتقابل . ونذكر من هذه النتائج ما يأتي :

( 1 ) في العقد الملزم للجانبين إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ ما في ذمته من التزام كان للمتعاقد الآخر أن يفسخ العقد . وهذا ما يسمي عادة بالشرط الفاسخ الضمني ( condition resolutoire tacite , lex commissoria ) ، إذ هو شرط مفهوم في كل عقد ملزم للجانبين ( أنظر المادة 157 من القانون المدني الجديد ) أما في العقد الملزم لجانب واحد كالوديعة فلا محل لهذا الفسخ ، لأن المقصود منه هو أن يتحلل الطرف الآخر من التزامه ولا التزام عليه حتى يطلب التحلل منه ، فبقى أن يطلب تنفيذ الالتزام الثابت في ذمة الطرف الأول ( [1] ) .


( 2 ) في العقد الملزم للجانبين إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ ما في ذمته من التزام كان للمتعاقد الآخر ، بدلا من أن يطلب فسخ العقد ، أن يمتنع عن تنفيذ التزامه . فإذا طولب بالتنفيذ دفع دفع بوقفه حتى يقوم الطرف الأول بتنفيذ التزامه هو ( أنظر المادة 161 من القانون المدني الجديد ) . وهذا ما يسمونه بالدفع بعدم تنفيذ العقد ( exception non adimpleti contractus ) . أما في العقد الملزم لجانب واحد فلا محل لهذا الدفع ، لأن المتعاقد الآخر لم يتعلق في ذمته التزام حتى يطلب وقف تنفيذه .

( 3 ) في العقد الملزم للجانبين يطبق المبدأ القاضي بأن تحمل التبعة ( risqué ) يكون على المتعاقد الذي استحال تنفيذ التزامه . ويتخلص هذا المبدأ في أنه إذا استحال على أحد المتعاقدين تنفيذ التزامه لسبب خارج عن إرادته فإن الالتزام ينقضي بسبب استحالة التنفيذ ، وينقضي مع الالتزام المقابل له ، فينفسخ العقد من تلقاء نفسه ( أنظر المادة 159 من القانون المدني الجديد ) . ويكون المتعاقد الذي استحال تنفيذ التزامه قد تحمل تبعة هذه الاستحالة . أما في العقد الملزم لجانب واحد فإن الذي يتحمل التبعة هو المتعاقد الآخر لا المتعاقد الذي استحال تنفيذه التزامه . ذلك لأن هذا المتعاقد ينقضي التزامه بسبب استحالة تنفيذه ، ولا يعوض المتعاقد الآخر عن ذلك شيئاً لأنه لم يتعلق في ذمته التزام مقابل يسقط بسقوط الالتزام الأول ، فيكون هو الذي تحمل التبعة .

( 4 ) في العقد الملزم للجانبين يعتبر التزام أحد المتعاقدين سبباً ( cause ) لالتزام المتعاقد الآخر وفقاً للنظرية التقليدية في السبب ، وذلك للتقابل القائم ما بين الالتزامين . أما في العقد الملزم لجانب واحد فلا يوجد التزام مقابل يمكن اعتباره سبباً .

57 – العقد الملزم للجانبين غير التام contrat synallagma tique imparfait ) وكان القانون الروماني يعرف نوعا من العقود هو وسط بين العقد الملزم للجانبين والعقد الملزم لجانب واحد ، وكان يسميه بالعقد الملزم للجانبين غير التام . وهو عقد ملزم في الأصل لجانب واحد ، ولكن الجانب الآخر يلتزم بعد نشوء العقد بسبب غير العقد ، وذلك كالوديعة إذا التزم المودع بتعويض ما أصاب المودع عنده من الضرر بسبب الشيء المودع أو برد المصروفات الضرورية التي أنفقت في حفظ الشيء من الهلاك .

والصحيح أن العقد الملزم للجانبين غير التام إنما هو عقد ملزم لجانب واحد . وما عسى أن ينشأ من التزام بعد ذلك في جانب الدائن لم ينشأ من العقد ، بل هو التزام مصدره سبب آخر : العمل غير المشروع في حالة التعويض عن الضرر ، والإثراء بلا سبب في حالة رد المصروفات الضرورية . ولقد كان هذا التقسيم مفهوماً في القانون الروماني لأن العقود الملزمة للجانبين ودها هي التي كانت تعتبر في هذا القانون عقوداً يجب توافر حسن النية في تنفيذها ( de bonne foi ) ، أما العقود الملزمة لجانب واحد فكانت تعتبر عقوداً حرفية التنفيذ ( de droit street ) . فكان من المفيد أن توصف العقود الملزمة لجانب واحد بأنها عقود ملزمة للجانبين ولو على نحو غير تام حتى يتيسر اشتراط حسن النية في التنفيذ . ولكن هذه الفكرة الرومانية لم تعد قائمة في القانون الحديث ، وأصبحت كل العقود – سواء كانت ملزمة للجانبين أو ملزمة لجانب واحد – يجب أن يتوافر في تنفيذها حسن النية . فلم تعد هناك فائدة في أن تتسم العقود الملزمة لجانب واحد بسمة العقود الملزمة للجانبين .


( [1] ) أصبح عقد القرض وعقد العارية وعقد رهن الحيازة ، في القانون المدني الجديد ، عقوداً ملزمة للجانبين بعد أن صارت عقوداً رضائية ، وكانت عينية في القانون القديم كما أسلفنا الذكر . فالتسليم لم يعد ركناً في هذه العقود ، بل هو التزام في ذمة المعير والمقرض والراهن . على أن هذه العقود ، حتى عندما كانت عينية في القانون القديم ، كانت في رأينا ملزمة للجانبين ( أنظر نظرية العقد للمؤلف ص 131 هامش رقم 1 ) ، إذ أن كلا من المعير والراهن كان – ولا يزال – ملتزماً بترك العين في يد المتعاقد الآخر إلى الوقت الذي ينتهي فيه العقد . وهذا الالتزام يقابله التزام المتعاقد الآخر بالمحافظة على العين . فإذا اخل هذا بالتزامه ، جاز للمتعاقد الأول فسخ العقد واسترداد العين . وفي عقد القرض يلتزم المقرض بعدم استرداد مثل ما اقرضه إلا عند نهاية العقد ، وهذا الالتزام يقابله التزام المقترض بدفع الفوائد المشترطة . فإذا اخل هذا بالتزامه جاز للمقرض فسخ القرض واسترداد ما اقرض . وهذا التحليل يفسر ما انعقد عليه الإجماع من أن قاعدة الفسخ تنطبق على هذه العقود . ثم لا نكون في حاجة إلى القول مع بعض الفقهاء بان قاعدة الفسخ تنطبق على العقود الملزمة لجانب واحد كما تنطبق على العقود الملزمة للجانبين ، ولا إلى مسايرة فقهاء آخرين في تسمية الفسخ في هذه العقود بالإسقاط ( decheance ) ، بل نبقى الفسخ على طبيعته ، وتقصره على العقود الملزمة للجانبين ، ونجعله في الوقت ذاته ينطبق على العقود التي نحن بصددها . وسنعود إلى هذه المسألة عند الكلام في الفسخ .
ونرى أن هذا التحليل لا يزال ضرورياً حتى بعد أن أصبح التسليم في هذه العقود الثلاثة التزاماً لا ركناً . وذلك لأن كلا من المقرض والمعير والراهن إذا فسخ العقد في حالة إخلال المتعاقد الآخر بالتزامه ، فإنه لا يتحلل بذلك من الالتزام بالتسليم ، بل من الالتزام بترك الشيء إلى نهاية العقد .
وقد اعترض بعض الفقهاء على هذا الرأي ( أنظر الدكتور أحمد حشمت أبو ستيت ص 55 – ص 66 والدكتور عبد المعطي خيال هامش فقرة 52 ) . وتتحصل اعتراضاتهم فيما يأتي :
ا ) أن وصف الواجب السبي المفروض على المعير بترك المستعير ينتفع بالعين المعارة ، وعلى الراهن بترك المرتهن يستغل العين المرهونة ، بأنه التزام وصف غير صحيح ، إذ أن هذا الواجب مفروض على الكافة أيضاً .
وردنا على هذا الاعتراض هو أن الواجب السلبي المفروض على المعبر وعلى الراهن يختلف اختلافاً جوهرياً عن الواجب السلبي المفروض على الكافة . فإن الكافة لا تربطهم علاقة شخصية بالمستعير والمرتهن ، فواجبهم السلبي في احترام حقهما هو ذات واجبهم السلبي في احترام أي حق آخر . أما المعير والراهن فقد ربطتهما علاقة شخصية بالمستعير والمرتهن ، والتزاما نحوهما التزاماً شخصياً بعدم استرداد العين قبل نهاية العقد . والفرق واضح بين التزامهما الشخصي بعدم استرداد العين وواجبهما السلبي في احترام أي حق آخر لا تربطهما بصاحبه علاقة شخصية .
ب ) أن تسليم العين المعقود عليها يتضمن في الوقت ذاته الالتزام بعدم التعرض ، فإن هذا هو غاية التسليم . والتسليم وغايته شيء واحد ، فتجزئته إلى مجرد تسليم وإلى تعهد بعدم المطالبة أو عدم التعرض تجزئة لما لا يقبل التجزئة .
وردنا على هذا الاعتراض هو أن التمييز بين التسليم وعدم التعرض ( أو عدم المطالبة ) أمر مألوف ، نراه واضحاً في عقود هامة كالبيع والإيجار . ومن المعروف إلا فرق بين العارية والإيجار إلا في الأجرة ، وها نحن نرى المؤجر يلتزم بتسليم العين المؤجرة ويترك المستأجر ينتفع بها إلى نهاية الإيجار ( في القانون القديم ) . فلماذا لا يلتزم المعير بتسليم العين المعارة ويترك المستعير ينتفع بها إلى نهاية العارية !
ج ) إذا أمكن تصور الفسخ في هذه العقود ، ف لايمكن تصور الدفع بعدم التنفيذ وتحمل التبعة .
وردنا على هذا الاعتراض هو أن هذا إنما يرجع إلى أن الدفع بعدم التنفيذ وتحمل التبعة يفترضان أن التسليم لم يتم . أما هنا فالتسليم قد تم ، ولم يبق إلا التزام بترك العين إلى نهاية العقد ، يقابله التزام بالمحافظة عليها .

منقول
 
أعلى