بحث في استرداد الشيوع

ahmed_nagh42

عضو نشط
التسجيل
30 يناير 2013
المشاركات
3,520
الإقامة
الكويت
بحث في استرداد الشيوع للأستاذ أحمد بك لطفي المحامي
الغرض من هذا البحث:
1 - إذا باع شخص حصة شائعة في عقار مشترك بينه وبين آخرين فلهؤلاء بعضهم أو كلهم الحق في أخذ الحصة المبيعة لأنفسهم جبرًا على المشتري بالثمن الذي بيعت به وهذا الحق مقرر بمقتضى قانون الشفعة الصادر في مارس سنة 1901.
وقد اشترط هذا القانون سلسلة قيود نص عليها وأوجب العمل بها ورتب على عدم اتباعها سقوط الحق في أخذ البيع بالشفعة فمنها وجوب الطلب في زمان معين وبصفة مخصوصة ولزوم عرض الثمن عرضًا حقيقيًا وغير ذلك من الإجراءات العديدة التي تعرض حقوق الشفيع للخطر في كل دور من أدوار التقاضي.
وليس قانون الشفعة هو الوحيد الذي قرر هذا الحق للشريك فقد جاء في باب الشركات نص آخر هو نص المادة (462) مدني التي قررت:
(يجوز للشركاء في الملك قبل قسمته بينهم أن يستردوا لأنفسهم الحصة الشائعة التي باعها أحدهم للغير ويقوموا بدفع ثمنها له والمصاريف الرسمية والمصاريف الضرورية أو النافعة).
فإن هذه المادة إذا أُخذت على ظاهرها تفيد:
1 - تقرير حق الشفعة للشريك في أي ملك مشترك منقولاً كان أو عقارًا.
2 - أن حق الشفعة هذا يكون فيما يباع شائعًا في الملك المشتري سواء كان منقولاً أو عقارًا.
3 - أن هذا الحق يظل للشريك ما دام الشيوع قائمًا ولو لبث أعوامًا طويلة.
4 - أن استعمال هذا الحق ليس مقيدًا بأي قيد ويكفي لثبوته مجرد دفع الثمن ومصاريف البيع.
ومن هنا يفهم أن الشفعة المقررة للشريك بقانون مارس سنة 1901 والاسترداد المقرر بنص المادة (462 مدني) يلتقيان في موضع واحد هو حالة بيع حصة شائعة في عقار مشترك لأجنبي عن الشيوع فإن موضوعهما في هذه الحالة والغرض منهما يكون واحدًا هو الحصول على البيع جبرًا على المشتري بالثمن ومصاريف البيع - ويختلف الحقان في مواضع أخرى هي القيود التي يوجبها قانون الشفعة في الطلب والدعوى فإن المادة (462) لم تشترطها ويختلفان أيضًا في انقضاء حق الشفعة وسقوطه سواء بالعلم والسكوت عن الطلب أو بمضي ستة شهور على تسجيل البيع فإن (المادة 462) على خلاف ذلك قد أطلقت الاسترداد منها وحفظت للشريك الحق فيه لغاية القسمة.
كان اتفاق الشفعة والاسترداد في الموضوع والغرض واختلافهما في القيود موجبًا لتساؤل المشتغلين بالقانون عن الحكمة التي دعت الشارع لتقرير حق واحد بنصين مختلفين من جهة الإجراءات والقيود ودعا ذلك طبعًا للبحث فيما إذا كان حق الاسترداد هو حق آخر غير حق الشفعة لا يجوز تطبيقه إلا في دائرة غير الدائرة التي يسري عليها قانون الشفعة بل أدى ذلك إلى البحث فيما إذا كان قانون الشفعة لم يلغِ الاسترداد ولغير ذلك من المسائل العديدة التي أدى إليها تعارض النصوص.
تضاربت أحكام المحاكم في هذا الموضوع تضاربًا شديدًا ولكن اختلافها لم يلفت نظر المتقاضين والمشتغلين بالقانون في أي زمان بمقدار ما ألفته إليها الآن - ذلك لأن دوائر القضاء أصبحت مشحونة بعدد كبير من قضايا الاسترداد التي رُفعت حديثًا وهي حالة دعا إليها طمع الناس بالأرباح الفادحة التي جر إليها ارتفاع أسعار الأراضي الزراعية لأضعاف أثمانها وقت البيع.
لم يثبت القضاء الأهلي على مبادئ معينة في دعاوى الاسترداد فإن دوائر محكمة الاستئناف تارة تنكر وجوده وأخرى تقره وتارة تقول بوجوده في المنقولات دون العقارات وأخرى تقصر تطبيقه على البيوع الواقعة في حصة شائعة في تركة أو شركة وترفض تطبيقه في حالة بيع حصة شائعة في عقار معين ومرارًا تقره وتطلق استعماله في أي حالة من هذه الأحوال - شجعت هذه الحالة المضاربين على اقتحام أخطار التقاضي طمعًا بنوال الأرباح الكبيرة وأحجم المحامون عن إرشاد المتقاضين لما يجب أن يتبعوه لأنهم إن أشاروا بالتقاضي جاز أن يسوق الموكل سوء طالعه لإحدى الدوائر التي لا تقر الاسترداد وإن أشاروا بعدم التقاضي فقد يضيع على الموكل ربح كان المحامي سببًا في حرمانه منه.
دعاني كل ذلك لنشر هذا البحث راجيًا أن تحقق هيئة القضاء أمنية المحاماة بأن تتفضل فترفع الخلاف وتوحد المبادئ التي تراها صائبة في هذا الموضوع الهام فإنها بذلك تقضي على آمال المشاغبين وتسمح للمحاماة بتأدية واجبها السامي وهو إرشاد الناس لما فيه خيرهم وإقناعهم بترك التقاضي الذي لا أساس له من الحق ولا من القانون.
وتحقيقًا لهذا الغرض رأيت أن أدون في هذا البحث بغير تعليق جميع الآراء المختلفة والأحكام المتناقضة في أهم المسائل المتعلقة بالمادة (462) متبعًا في ذلك الترتيب الآتي:
1 - تعريف الاسترداد وأنواعه.
2 - مأخذ المادة (462 مدني أهلي).
3 - تأثير قانون الشفعة على حق الاسترداد.
4 - البيوع التي يجوز فيها الاسترداد.
5 - الأشخاص الذين لهم حق الاسترداد.
6 - الأشخاص الذين ترفع عليهم الدعوى بالاسترداد.
7 - متى يسقط حق الاسترداد.
8 - ما يترتب على الاسترداد.
=====================================


تعريف الاسترداد وأنواعه

الاسترداد على وجه العموم هو أن يحل شخص محل آخر فيما اشتراه مقابل دفع الثمن ومصاريف البيع - وحق الاسترداد إما أن يكون مقررًا باتفاق المتعاقدين أو بمقتضى نص من نصوص القانون، ومثال الأول بيع الوفاء إذ يكون للبائع حق استرداد الشيء المبيع في مدة معينة، ومثال الثاني استرداد الحقوق المتنازع فيها إذا باعها الدائن فإن للمدين حق استردادها في نظير دفع الثمن والمصاريف (المادة 354 مدني).
وحق الاسترداد قديم ولكنه لم يكن معروفًا في القانون الروماني بل لم يعرف في التشريع الفرنسي إلا من القرن السادس عشر وأنواعه في هذا التشريع كثيرة حيث بلغت خمسًا وعشرين نوعًا لم يبقَ منها (منذ صدور قانون سنة 1804 على ما نعلم) سوى أربعة - بيع الوفاء - استرداد الحقوق المتنازع فيها - استرداد الوارث للحصة الشائعة التي يبيعها أحد الورثة لأجنبي عن التركة (المادة 841 مدني فرنسي) واسترداد الزوجة للحصة التي يشتريها زوجها في عقار لها حصة شائعة فيه (مادة 1408 فرنسي) واسترداد البائع بيعًا وفائيًا لما يبيعه نظير رد الثمن والمصاريف، أما القانون المصري فإن أنواع الاسترداد الواردة فيه هي - الشفعة - واسترداد الحقوق المتنازع فيها - واسترداد المبيع بيعًا وفائيًا - واسترداد الشيوع المقرر بالمادة (462 مدني أهلي).
مآخذ المادة (462 مدني):
الغرض من هذا الباب هو معرفة الأصل التشريعي الذي استمدت منه المادة (462) لأن معرفة ذلك توصلنا لإدراك الغرض منها والدائرة التي تنطبق عليها.
اختلفت آراء المشتغلين بالقانون في مصر في مأخذ المادة المذكورة، ويمكن حصر آرائهم فيما يلي:
الرأي الأول: المادة (462) مأخوذة من المادة (841 فرنسي) التي أباحت للورثة أن يأخذوا بطريق الاسترداد الحصة الشائعة التي يبيعها الورثة لأجنبي وأصحاب هذا الرأي يقولون بأن المادة (462) هي بعينها نفس المادة (841) ولكنها مع ذلك لا تنطبق فقط في البيوع التي تقع في التركات بل تتناول البيوع التي تقع في الشركات وهذه البيوع هي التي تقع في حصص شائعة في مجموع حقوق والتزامات الشركة أو التركة فلا تنطبق إذن في حالة بيع حصة شائعة في عقار معين من شركة أو تركة.
(راجع حكم الاستئناف الصادر في 3 مايو سنة 1901 نمرة (323) سنة 1900 حقوق سنة سادسة عشرة صحيفة (235) – وحكم الاستئناف الصادر في 10 يونيو سنة 1906 نمرة (261) حقوق السنة الحادية والعشرين صحيفة (310)، وحكم الاستئناف الصادر في 31 ديسمبر سنة 1916 مجموعة رسمية سنة ثامنة عشرة عدد (1) صحيفة (170) وحكم محكمة طنطا الابتدائية الصادر بتاريخ 22 أكتوبر سنة 1919 وحكم محكمة طنطا الصادر في 15 ديسمبر سنة 1919).
ويؤيد أصحاب هذا الرأي قولهم بأنه لا يظهر من نص المادة (462 مدني) أن الشارع قصد منها حكمة تخالف ما رآه الشارع الفرنسي في نص المادة (841 مدني) ولو أنه بسط حكمها فجعلها تشمل الشركات والتركات وأنه لو قيل بعكس ذلك لتعارضت مع حق الشفعة المقرر للشريك في العقار ولأدى ذلك إلى القول بتكليف الشفيع بإجراءات معينة وخضوعه لقيود عديدة ليس المسترد مكلفًا بها ولا خاضعًا لها في طلب العين المبيعة وهو عيب يجب تنزيه الشارع عنه - وأنه لا يمكن التوفيق بين النصين إلا باعتبار نص المادة (462 مصرية) نفس نص المادة (841 مدني فرنسي) مع التوسع في تطبيقها بحيث تشمل التركات والشركات لأن الحكمة فيهما واحدة وهي عدم نفوذ الأجنبي إلى أسرار العائلات أو الشركات.
والرأي الثاني: هو أن المادة (462 مدني) مأخوذة من نص المادة (1408 فرنسي) التي جعلت للزوجة حق استرداد الحصة الشائعة التي يشتريها زوجها في عقار لها فيه ملك شائع (راجع المقالة المنشورة في مجلة الاستقلال لحضرة نجيب بك شقرا المحامي سنة خامسة صحيفة 158).
والرأي الثالث: هو أن المادة (462 مدني) ليست منقولة عن القانون الفرنسي، وأصحاب هذا الرأي يؤيدونه بأنه لا دليل على أن المشرع أراد نقل مضمون المادة (841 فرنسي) إلى القانون المصري ولأن حق الاسترداد إنما أدخل على القانون الفرنسي لأنه لا يوجد فيه حق عام كحق الشفعة الذي ينطبق في حالة الاشتراك على الشيوع في الملك من غير بيان سببه فلا محل إذن للقول بوجود حق منفصل يستعمله الشركاء على الشيوع في مثل الأحوال التي يستعمل فيها حق الاسترداد الوراثي في فرنسا فالمادة نقلت من القانون الفرنسي ولكن على سبيل الاطراد أي من غير أن يقصد منها الغرض الذي وُضعت له في فرنسا إذ الشارع المصري قد بدل في تركيب المادة (841 فرنسي) بما يدل على أنه أراد تغيير حكمها فجعلها تتناول كل أنواع الشيوع ولم يرد أن يقصرها على ما يباع شائعًا في تركة أو شركة ولذا أطلق لفظ (الحصة الشائعة) بعكس المادة الفرنسية فإن الشارع قيدها بأن تكون شائعة في ميراث.
(راجع حكم 26 يناير سنة 1904 استقلال سنة ثالثة صحيفة (2).
ومما تقدم يتضح جليًا أن مأخذ المادة (462) لا يخرج عن حالتين: إما أن يكون أصلها من التشريع الفرنسي وإما أن يكون من مبتكرات المشرع المصري.
فإذا كان مصدرها القانون الفرنسي فيجب مراعاة القواعد والأصول الفرنسية عند العمل بحق الاسترداد وقصر تطبيقه على أحوال الشركة والتركة، وإن كانت من مبتكرات الشارع المصري فيجب قصر البحث عند التطبيق على ألفاظ المادة (462) وإطلاق نصها على جميع البيوع التي تقع شائعة سواء كان ذلك في تركة أو شركة أو مجرد شيوع في ملك ثابت.
وقد بحثت محكمة الاستئناف الأهلية أخيرًا هذا الموضوع وأصدرت فيه حكمًا مبدئيًا نرى من الفائدة إيراد أسبابه وهي:
ومن حيث إن المستأنفة ترتكن في دعواها استرداد العين موضوع النزاع على ما جاء بالمادة (462) من القانون المدني الأهلي التي نصها (يجوز للشركاء في الملك قبل قسمته بيوم أن يستردوا لأنفسهم الحصة الشائعة التي باعها أحدهم للغير ويقوموا بدفع ثمنها له والمصاريف الرسمية والمصاريف الضرورية والنافعة).
ومن حيث إن الحكم في الدعوى يستلزم معرفة ما إذا كانت المادة المذكورة تتعارض مع قانون الشفعة وهل القانون المذكور من شأنه إلغاء تلك المادة وجعلها لا عمل لها أم لا.
ومن حيث لا نزاع في أن قانون الشفعة والمادة (462) يلتقيان في موضع واحد وهو حق الشريك في العقار الشائع لأخذ الحصة التي يكون باعها أحد الشركاء لأجنبي عن الشيوع مقابل دفع الثمن ومصاريف البيع ويختلفان في القيود التي يشترطها قانون الشفعة لذلك.
وحيث إن الزعم بأن المسترد العقار حق اختيار أحد الطريقين إما قانون الشفعة الصادر في مارس سنة 1901 أو المادة (462) لا يمكن الأخذ به مع وجود القيود في أحدها دون الآخر إذ لو صح ذلك لكان الشارع المصري متناقضًا في أحكامه فإنه يكون وضع في باب حكمًا قيده بقيود وشروط مخصوصة ووضع في باب آخر حكمًا بغير قيد ولا شرط لحق واحد فمن لم يتيسر له الانتفاع بذلك الحق من الطريق الأول لصعوبة قيوده ولجه من الطريق الثاني لخلوه منها وهذا يكون غاية في التناقض يجب تنزيه الشارع عنه
 
أعلى