اعمالك الخيرية في قلوبنا ياابا طلال الي جنة الخلود
أعترف بأمانة أنني لم أكن أنوي الكتابة عن المرحوم، بإذن الله تعالى، جاسم محمد البحر، حتى قدمت واجب العزاء أمس الأول في ديوان البحر العامر، حين قادني المجلس الى جوار أخ كريم لبق خلوق سألني بلباقة جمة انك غدوت الآن مرجعا تكتب في العادة عن الراحلين من رجالات الكويت وأهلها بعد رحيلهم، فهل ستكتب عن جاسم البحر؟ فأجبته فورا ان المرحوم غني عن التعريف به في مقالي، حيث تصدر الصفحات الأولى من كل الصحف نبأ وفاته ونبذة عن انجازاته، فماذا عساني أن أقدم من جديد؟ وأكدت له أنني غير عاجز عن أن أجمع شتات المقالات لأستخرج منها مقالا، ولكنه سيكون تكرارا لغيره، فأجابني مشكورا بأن هذا، فعلا، عذر وجيه، ولم تكن سوى دقائق استأذنت بعدها، قائلا لأهله ــ كعادتنا ــ «أحسن الله عزاكم».
غير أنني لما خرجت من مجلس العزاء استشعرت وفاء صاحبه الأخ الفاضل سعادة السفير سليمان سالم الفصام وحواري السريع معه في مجلس العزاء، فقلت في نفسي: دعني أركز على الجانب الذي لا يعرفه الكثيرون عن جاسم البحر، فإن أغلب من عرفوه يعرفونه من الجانب الاقتصادي.. فرضي عن أدائه من رضي، ولم يرض عنه آخرون، فهذا شأن العمل الاقتصادي القائم على الاجتهادات التي قد تعجب البعض ولا تعجب البعض الآخر، ولكني سأقتصر على الجانب الإنساني والخيري الذي سيجمع الاثنين، بل يقف له كل منصف احتراما وتقديرا، وهذا ما أكده لي صاحبه الوفي ايضا الأخ الفاضل حسين علي العتّال، وكل أصحابه أوفياء.
«جاسم البحر الإنسان» هو العنوان الذي اختاره لك ــ عزيزي القارئ الكريم ــ لألخص مجمل صفاته الشخصية التي لن أحصرها، بل سأعطي بعض الأمثلة لها:
ــ التواضع الجم للصغير والكبير، والغني والفقير، حتى السكرتير والفراش، وسائر مرؤوسيه.
ــ الإحسان الكبير الذي يتمثل في الدعم المادي اللامحدود لبعض معارفه المرضى من الكويتيين والوافدين، الذين لا تربطه بهم أي مصلحة دنيوية، فيعالجهم في الخارج على حسابه الخاص.
ــ صلة رحمه، خصوصا والديه، لذا كان وقع مصيبة رحيله مضاعفا عليهما ــ أعانهما الله ــ حيث ذهب عنهما هكذا فجأة بلا وداع ما قبل الرحيل!
ــ الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع والوطن، فعلى الرغم من أنه توفي ــ رحمه الله ــ بأزمة قلبية مفاجئة، فإنه كان طوال سنواته الماضية الداعم الكبير لجمعية مرضى القلب ماديا ومعنويا على السواء، بل إنه من الأمور التي لا يعرفها الكثيرون أنه لما استقدمت الكويت جراح القلب المشهور الاميركي ال****ة العربي الاصل لم توفر وزارة الصحة سوى 60% من راتبه الذي كان يتقاضاه هناك، فتبرع حتى يومنا هذا بدفع 40% (البقية) من راتبه، ولم يزل حتى آخر حياته.
بل لقد فرغ من قلب المريض الكبير الى قلب الطفل الصغير، فتقدم الى وزارة الصحة بطلب انشاء مركز جراحة القلب للأطفال، وفرغ من وضع مخططاته وبانتظار تخصيص الدولة الارض للمشروع الذي يتكلف ثلاثة ملايين ونصف المليون دينار كويتي، حسب علمي المتواضع، ولكنها الأقدار تسبقه، وإن كانت الأعمال بالنيات، فقد كسب النية إن شاء الله، ولعل أهله من بعده يستكملون مسيرة الخير التي قد لا يوفق إليها الكثيرون ممن يملكون، «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم».
وكان ينوي تسمية المركز باسم خاله «مرزوق الجاسم المرزوق» وفاءً له لما كان يشكل له من سند ودعم منذ نعومة أظفاره. ومن جهة أخرى، يشهد له «مركز نحلة» الذي ساهم في بنائه في البوسنة، حيث تم افتتاحه في نوفمبر عام 2007 من خلال جمعية الرحمة التابعة لجمعية الاصلاح الاجتماعي، وذلك بشكل يركز على دعم المرأة المسلمة هناك، وتأهيلها بعد حملات الإبادة التي تعرض لها رجال البوسنة على يد الصرب.
كما يشهد له المسجد الذي بناه أخيرا قرب مقر شركته في الكويت، فضلا عن شهادة عزيزة فور احتلال الكويت وتشتت العاملين معه في غربتهم، فاتصل بهم جميعا وتفقدهم وزودهم بما ينقصهم من لوازم الاعاشة الكريمة، رغم انه معذور وقد تولت الدولة شأن الاعاشة لكل الكويتيين في غربتهم خلال الاحتلال.
ــ ثمة روح زرعها المرحوم جاسم البحر في فريق عمله، وهي الثقة المتبادلة بشكل مطلق لا رجعة فيه ولا تردد، وإن خسر بعدها شيئا، قال: نعم خسرت، ولكن التزمت برأي الجماعة، وسأكسب في المرة القادمة، إن شاء الله.
ولا يحسب المرؤوس في فريق العمل معه أنه رئيس من شدة تواضعه وخلقه الرفيع وأدبه الجم مع الصغير والكبير.
ــ لقد دعم روح الفريق الذي لم يسمع منه يوما قط قوله «نجحت» بل «نجحنا»، ويؤكد دوما «نحن أرواح في جسد واحد امتزجت دماؤنا أكثر من الاخوان».
ــ كان، رحمه الله، قدوة في العطاء والعمل المتواصل وكأنه في اليابان لا في الكويت، حتى وصفه البعض بأنه «مدمن عمل» Workolic ولعل هذا مع روح العمل الجماعي، بالإضافة إلى روح المبادرة الجريئة، من أهم أسباب نجاحه، ولم يثنه عن هذا النجاح ولا ذلك العطاء: لا مرض السكر ولا ارتفاع الضغط، ولا الكلية المزروعة في أحشائه!
بوطلال: رحمك الله وغفر لك وأسكنك فسيح جناته، فأقل ما خرجنا به اليوم من توديعك هو الأجر والثواب المتمثل في ممارسة عبادة لطيفة لخَّصها قول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: «اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم»، رواه الترمذي والنسائي وغيرهما.
ولعلك تعلم جيدا أننا لا نرتجي من ذكرنا لك بالخير سوى هذه العبادة، فضلا عن الذكر الحسن لكل أهلي وناسي أهل الكويت الطيبين، وأنت منهم.
أعترف بأمانة أنني لم أكن أنوي الكتابة عن المرحوم، بإذن الله تعالى، جاسم محمد البحر، حتى قدمت واجب العزاء أمس الأول في ديوان البحر العامر، حين قادني المجلس الى جوار أخ كريم لبق خلوق سألني بلباقة جمة انك غدوت الآن مرجعا تكتب في العادة عن الراحلين من رجالات الكويت وأهلها بعد رحيلهم، فهل ستكتب عن جاسم البحر؟ فأجبته فورا ان المرحوم غني عن التعريف به في مقالي، حيث تصدر الصفحات الأولى من كل الصحف نبأ وفاته ونبذة عن انجازاته، فماذا عساني أن أقدم من جديد؟ وأكدت له أنني غير عاجز عن أن أجمع شتات المقالات لأستخرج منها مقالا، ولكنه سيكون تكرارا لغيره، فأجابني مشكورا بأن هذا، فعلا، عذر وجيه، ولم تكن سوى دقائق استأذنت بعدها، قائلا لأهله ــ كعادتنا ــ «أحسن الله عزاكم».
غير أنني لما خرجت من مجلس العزاء استشعرت وفاء صاحبه الأخ الفاضل سعادة السفير سليمان سالم الفصام وحواري السريع معه في مجلس العزاء، فقلت في نفسي: دعني أركز على الجانب الذي لا يعرفه الكثيرون عن جاسم البحر، فإن أغلب من عرفوه يعرفونه من الجانب الاقتصادي.. فرضي عن أدائه من رضي، ولم يرض عنه آخرون، فهذا شأن العمل الاقتصادي القائم على الاجتهادات التي قد تعجب البعض ولا تعجب البعض الآخر، ولكني سأقتصر على الجانب الإنساني والخيري الذي سيجمع الاثنين، بل يقف له كل منصف احتراما وتقديرا، وهذا ما أكده لي صاحبه الوفي ايضا الأخ الفاضل حسين علي العتّال، وكل أصحابه أوفياء.
«جاسم البحر الإنسان» هو العنوان الذي اختاره لك ــ عزيزي القارئ الكريم ــ لألخص مجمل صفاته الشخصية التي لن أحصرها، بل سأعطي بعض الأمثلة لها:
ــ التواضع الجم للصغير والكبير، والغني والفقير، حتى السكرتير والفراش، وسائر مرؤوسيه.
ــ الإحسان الكبير الذي يتمثل في الدعم المادي اللامحدود لبعض معارفه المرضى من الكويتيين والوافدين، الذين لا تربطه بهم أي مصلحة دنيوية، فيعالجهم في الخارج على حسابه الخاص.
ــ صلة رحمه، خصوصا والديه، لذا كان وقع مصيبة رحيله مضاعفا عليهما ــ أعانهما الله ــ حيث ذهب عنهما هكذا فجأة بلا وداع ما قبل الرحيل!
ــ الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع والوطن، فعلى الرغم من أنه توفي ــ رحمه الله ــ بأزمة قلبية مفاجئة، فإنه كان طوال سنواته الماضية الداعم الكبير لجمعية مرضى القلب ماديا ومعنويا على السواء، بل إنه من الأمور التي لا يعرفها الكثيرون أنه لما استقدمت الكويت جراح القلب المشهور الاميركي ال****ة العربي الاصل لم توفر وزارة الصحة سوى 60% من راتبه الذي كان يتقاضاه هناك، فتبرع حتى يومنا هذا بدفع 40% (البقية) من راتبه، ولم يزل حتى آخر حياته.
بل لقد فرغ من قلب المريض الكبير الى قلب الطفل الصغير، فتقدم الى وزارة الصحة بطلب انشاء مركز جراحة القلب للأطفال، وفرغ من وضع مخططاته وبانتظار تخصيص الدولة الارض للمشروع الذي يتكلف ثلاثة ملايين ونصف المليون دينار كويتي، حسب علمي المتواضع، ولكنها الأقدار تسبقه، وإن كانت الأعمال بالنيات، فقد كسب النية إن شاء الله، ولعل أهله من بعده يستكملون مسيرة الخير التي قد لا يوفق إليها الكثيرون ممن يملكون، «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم».
وكان ينوي تسمية المركز باسم خاله «مرزوق الجاسم المرزوق» وفاءً له لما كان يشكل له من سند ودعم منذ نعومة أظفاره. ومن جهة أخرى، يشهد له «مركز نحلة» الذي ساهم في بنائه في البوسنة، حيث تم افتتاحه في نوفمبر عام 2007 من خلال جمعية الرحمة التابعة لجمعية الاصلاح الاجتماعي، وذلك بشكل يركز على دعم المرأة المسلمة هناك، وتأهيلها بعد حملات الإبادة التي تعرض لها رجال البوسنة على يد الصرب.
كما يشهد له المسجد الذي بناه أخيرا قرب مقر شركته في الكويت، فضلا عن شهادة عزيزة فور احتلال الكويت وتشتت العاملين معه في غربتهم، فاتصل بهم جميعا وتفقدهم وزودهم بما ينقصهم من لوازم الاعاشة الكريمة، رغم انه معذور وقد تولت الدولة شأن الاعاشة لكل الكويتيين في غربتهم خلال الاحتلال.
ــ ثمة روح زرعها المرحوم جاسم البحر في فريق عمله، وهي الثقة المتبادلة بشكل مطلق لا رجعة فيه ولا تردد، وإن خسر بعدها شيئا، قال: نعم خسرت، ولكن التزمت برأي الجماعة، وسأكسب في المرة القادمة، إن شاء الله.
ولا يحسب المرؤوس في فريق العمل معه أنه رئيس من شدة تواضعه وخلقه الرفيع وأدبه الجم مع الصغير والكبير.
ــ لقد دعم روح الفريق الذي لم يسمع منه يوما قط قوله «نجحت» بل «نجحنا»، ويؤكد دوما «نحن أرواح في جسد واحد امتزجت دماؤنا أكثر من الاخوان».
ــ كان، رحمه الله، قدوة في العطاء والعمل المتواصل وكأنه في اليابان لا في الكويت، حتى وصفه البعض بأنه «مدمن عمل» Workolic ولعل هذا مع روح العمل الجماعي، بالإضافة إلى روح المبادرة الجريئة، من أهم أسباب نجاحه، ولم يثنه عن هذا النجاح ولا ذلك العطاء: لا مرض السكر ولا ارتفاع الضغط، ولا الكلية المزروعة في أحشائه!
بوطلال: رحمك الله وغفر لك وأسكنك فسيح جناته، فأقل ما خرجنا به اليوم من توديعك هو الأجر والثواب المتمثل في ممارسة عبادة لطيفة لخَّصها قول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: «اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم»، رواه الترمذي والنسائي وغيرهما.
ولعلك تعلم جيدا أننا لا نرتجي من ذكرنا لك بالخير سوى هذه العبادة، فضلا عن الذكر الحسن لكل أهلي وناسي أهل الكويت الطيبين، وأنت منهم.