ًَُُ كتاب الأذكياء للجوزي رحمه الله ًًُُُُ

yoyo1983

عضو نشط
التسجيل
22 أبريل 2007
المشاركات
22,665
الإقامة
DaMBy


سوف أنقل لكم أخوتي هذه الحكايات من كتاب الأذكياء للجوزي رحمه الله , وسوف أبدأ على مراحل والآن مع الفصل الأول الذي يحكي لنا عن قصص الأنبياء.



الفصل الأوّل


من ذكاء الأنبياء

• قال ابن عباس: لمّا شبّ اسماعيل تزوّج امرأة من جرهم, فجاء ابراهيم فلم يجد اسماعيل, فسألأ عنه امرأته فقالت:
خرج يبتغي لنا.
ثم سألها عن عيشهم فقالت:
نحن بشر في ضيق وشدّة, وشكت اليه, فقال:
فاذا جاء زوجك فاقرأي عليه السلام وقولي له:
يغيّر عتبة بابه.
فلما جاء أخبرته فقال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك, الحقي بأهلك.


• ومن المنقول عن سليمان عليه السلام:
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
خرجت امرأتان ومعهما صبيّان, فعدا الذئب على أحدهما, فأخذتا تختصمان في الصبي الباقي, فاختصمتا الى داود عليه السلام, فقضى به للكبرى منهما, فمرّتا على سليمان عليه السلام, فقال ما أمركما؟
فقصّتا القصّة.
فقال: ائتوني بالسكين أشق الغلام بينكما.
فقالت الصغرى: أتشقه؟
قال: نعم.
قالت: لا تفعل, حظي منه لها.
فقال: هو ابنك. فقضى به لها.



• وعن محمد بن كعب القرظي قال:
جاء رجل الى سليمان النبي عليه السلام فقال: يا نبيّ الله! ان لي جيرانا يسرقون أوزي.
فنادى الصلاة جامعة.
ثم خطبهم, فقال في خطبته: واحدكم يسرق اوز جاره, ثم يدخل المسجد والريش على رأسه!
فمسح رجل برأسه, فقال سليمان: خذوه فانه صاحبكم.


• ومن المنقول عن عيسى عليه السلام: أن ابليس جاء اليه, فقال له: ألست تزعم أنه لا يصيبك الا ما كتب الله لك؟
قال: بلى.
قال: فارم بنفسك من هذه الجبل, فانه ان قدر لك السلامة تسلم.
فقال له: يا ملعون, ان لله عز وجلّ أن يختبر عباده, وليس للعبد أن يختبر ربّه عز وجلّ.


• وعن علي رضي الله عنه قال:
لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بدر وجدنا عندها رجلين: رجلا من قريش ومولى لعقبة بن أبي معيط. فأما القرشي فأفلت, وأما مولى عقبة فأخذناه, فجعلنا نقول له: كم القوم؟ فيقول:هو والله كثير عددهم, شديد بأسهم.
فجعل المسلمون اذا قال ذلك ضربوه, حتى انتهوا به الى النبي صلى الله عليه وسلّم, ثم ان النبي صلى الله عليه وسلّم سأله: كم ينحرون من الجزر؟
فقال: عشرا لكل يوم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: القوم ألف, كل جزور لمئة وتبعها.



• وعن أبي هريرة قال:
قال رجل: يا رسول الله, ان لي جارا يؤذيني.
فقال: انطلق وأخرج متاعك الى الطريق.
فانطلق وأخرج متاعه فاجتمع الناس عليه, فقالوا ما شأنك؟
قال: لي جار يؤذيني, فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلّم فقال:" انطلق وأخرج متاعك الى الطريق".
فجعلوا يقولون: اللهم العنه, اللهم اخزه.
فبلغه فأتاه, فقال: ارجع الى منزلك فوالله لا أؤذيك.


• وعن الحسن أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم برجل قد قتل حميما له, فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم:" أتأخذ الدية؟"
قال: لا
قال: أفتعفوا؟
قال: لا.
قال: اذهب فاقتله!
فلما جاوزه الرجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ان قتله فهو مثله.
فلحق الرجل رجلا فقال له: ان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال كذا, فتركه وهو يجر نسعه في عنقه.

قال ابن قتيبة: لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه مثله في المأثم واستيجاب النار ان قتله. وكيف يريد هذه وقد أباح الله عز زجلّ قتله بالقصاص, ولكن كره رسول الله أن يقتص وأحب له العفو, فعرّض تعريضا أوهمه به أنه ان هو قتله كان مثله في الاثم ليعفو عنه, وكان مراده أن يقتل نفسا كما قتل الأوّل نفسا, فهذا قاتل وهذ قاتل, فقد استويا في قاتل وقاتل, الا أ، الأوّل ظالم والآخر مقتصّ.
• وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم من هذا كثير خصوصا في المعاريض, فمن ذلك روي عن سعيد بن المسيّب أ، عائشة رضي الله عنها سئلت:
• هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يمزح؟
قالت نعم. كان عندي عجوز, فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالت:" ادع الله أن يجعلني من أهل الجنّة".
فقال:" ان الجنّة لا تدخلها العجائز."
وسمع النداء, فخرج ودخل وهي تبكي, فقال: ما لها؟
قالوا: انك حدّثتها أن الجنة لا يدخلها العجائز.
قال:" ان الله يحوّلهن أبكارا عربا أترابا".


• وحدّثنا القرشيّ قال: دخلت امرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال:" من زوّجك"؟
فسمّته له, فقال:" الذي في عينيه بياض"؟
فرجعت فجعلت تنظر الى زوجها, فقال: ما لك؟
قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:" زوجك فلان"؟
قلت: نعم. قال:" الذي في عينيه بياض"؟
قال: أوليس البياض في عيني أكثر من السواد؟


• حدّثنا أنس بن مالك قال: جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلّم ليستحمله فقال: "أنا حاملك على ولد ناقة".
قال: يا رسول الله, وما أصنع بولد ناقة؟
قال:" وهل تلد الابل الا النوق؟".
 

yoyo1983

عضو نشط
التسجيل
22 أبريل 2007
المشاركات
22,665
الإقامة
DaMBy
الفصل الثاني



من ذكاء الصحابة

• فمن المنقول عن أبي بكر رضي الله عنه:
لمّاهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلّم يركب, وأبو بكر رديفه. وكان أبو بكر يعرف الطريق لاختلافه الى الشام.
فكان يمرّ بالقوم فيقولون: من هذا بين يديك يا أبا بكر؟
فيقول: هاد يهديني.


• وعن الحسن قال:
لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من الغار لم يستقبلهما أحد يعرف أبا بكر الا قال له: من هذا معك يا أبا بكر؟ فيقول: دليل يدلّني الطريق.
وصدق والله أبو بكر.

• وعن الحسن قال:
لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يصلي بالناس, فقال:" ان الله خيّر عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله عز وجلّ".
قال: فبكى أبو بكر. فعجبنا من بكائه أن خبّر رسول الله صلى الله عن عبد خيّر. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو المخيّر, وكان أبو بكر أخبرنا به.


• وعو ابن عمر قال:
بينما عمر رضي الله عنهجالس اذ رأى رجلا, فقال: قد كنت مرّة ذا فراسة, وليس لي رأي ان لم يكن هذا الرجل ينظر ويقول في الكهانة شيئا.. ادعوه لي.
فدعوه فقال: هل كنت تنظر وتقول في الكهانة شيئا؟
قال: نعم.


• وقد روّينا عن عمر رضي الله عنه أنه خرج يعسّ المدينة بالليل, فرأى نارا موقدة في خباء.
فوقف وقال: يا أهل الضوء.
وكره أن يقول: "يا أهل النار". وهذا من غاية الذكاء.


• ومن المنقول عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه, عن البحتري قال:
جاء رجل الى عليّ ابن أبي طالب, فأطراه وكان يبغضه, فقال له:
اني ليس كما تقول, وأنا فوق ما في نفسك.


• أخبرنا سمّاك بن حرب, عن خبش بن المعتمر أن رجلين أتيا امرأة من قريش, فاستودعاها مئة دينار وقالا: لا تدفعيها الى واحد منا دون صاحبه حتى نجتمع.
فلبثا حولا, فجاء أحدهما اليها, فقال: ان صاحبي قد مات, فادفعي اليّ الدنانير, فأبت وقالت: انكما قلتما لا تدفعيها الى واحد منا دون صاحبه, فلست بدافعتها اليك.
فتثقل عليها بأهلها وجيرانها فلم يزالوا بها حتى دفعتها اليه.
ثم لبثت حولا فجاء الآخر, فقال: ادفعي اليّ الدنانير.
فقالت: ان صاحبك جاءني, فزعم أنك مت فدفعتها اليه.
فاختصما الى عمر بن الخطاب, فأراد أن يقضي عليها, فقالت: أنشدك الله أن لا تقضي بيننا, ارفعنا الى عليّ.
فرفعهما الى علي, فعرف أنهما قد مكرا بها, فقال للرجل: أليس قد قلتما: لا تدفعيها الى واحد منا دون صاحبه؟
قال: بلى.
قال: فان مالك عندما, فاذهب فجئ بصاحبك حتى ندفعها اليهما.


• ومن المنقول عن الحسن بن علي رضي الله عنهما:
لمل جيء بابن ملجم الى الحسن قال له: أريد أن أسارّك بكلمة.
فأبى لبحسن وقال: انه يريد ان يعض أذني.
فقال ابن ملجم: والله لو مكّنني منها لأخذتها من صماخه.

ومن المنقول عن الحسين رضي الله عنه أن رجلا ادّعى عليه مالا وقدّمه الى القاضي, فقال الحسين:
ليحلف على ما ادّعى ويأخذه.
فقال الرجل: والله الذي لا اله الا هو.
فقال: قل والله والله والل ان هذا الذي تدّعيه لك قبلي.
ففعل الرجل وقام, فاختلفت رجلاه وسقط ميّتا.
فقيل للحسين في ذلك فقال:
كرهت أن يمجّد الله فيحلم عنه!


• ومن المنقول عن العباس رضي الله عنه أنه سئل:
أنت أكبر أم النبي صلى الله عليه وسلّم؟
فقال: هو أكبر مني, وأنا ولدت قبله.


• وعن مجاهد قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أصحابه أذ وجد ريحا, فقال: ليقم صاحب هذا الريح فليتوضأ, فاستحيا الرجل.
ثم قال: ليقم صاحب هذه الريح فليتوضأ, فان الله لا يستحي من الحق.
فقال العباس: ألا نقوم جميعا؟
وقد جرى مثل هذه القضيّة عند عمر رضي الله عنه, عن الشعبي: أن عمر كان في بيت ومعه جرير بن عبدالله, فوجد عمر ريحا فقال: عزمت على صاحب هذه الريح أن قام فتوضأ.
فقال جرير: يا أمير المؤمنين: أو يتوضأ القوم جميعا.
فقال عمر: رحمك الله, نعم السيّد كنت في الجاهلية, ونعم السيّد أنت في الاسلام.


• خرج أبو بكر في تجارة الى بصرى قبل موت رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعام, ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة, وكانا قد شهدا بدرا, وكان نعيمان على الزاد, وكان سويطا رجلا مزاحا.
فقال لنعيمان: أطعمني.
قال: حتى يجئ أبو بكر.
قال: أمّا لأغيظنّك.
فمرّوا بقوم فقال لهم سويبط: أتشترون مني عبدا لي؟
قالوا: نعم.
قال: انه عبد له كلام, وهو قائل لكم: اني حر, فان كنتم اذا قال لكم هذه المقالة تركتموه, فلا تفسدوا عليّ عبدي.
قالوا: لا, بل نشتريه منك.
فاشتروه بعشر قلائص, ثم أتوه فوضعوا في عنقه عمامة أو حبلا, فقال نعيمان: ان هذا يستهزئ بكم, اني حر ولست بعبد.
فقالوا: أخبرنا بخبرك.
فانطلقوا به, فجاء أبو بكر فأخبره بذلك, فاتبع القوم فرد عليهم القلائص, وأخذ نعيمان, فلمّا قدموا على النبي صلى الله عليه وسلّم أخبروه, فضحك النبي وأصحابه منه حولا.


• وبلغنا أ، رجلا جاء الى حاجب معاوية فقال له: قل له: على الباب أخوك لأبيك وأمك.
فقال: ما أعرف هذا. ثم قال: ائذن له.
فدخل: فقال: أي الاخوة أنت؟
فقال: ابن آدم وحوّاء.
فقال: يا غلام أعطه درهما.
فقال: تعطي أخاك لأبيك وأمك درهما؟
فقال معاوية: لو أعطيت كل أخ لي من آدم وحوّاء ما بلغ اليك هذا!


• وعن زيد بن أسلم, عن أبيه أ، عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل المغيرة بن شعبة على البحرين فكرهوه وأبغضوه, فعزل عنهم, فقال دهقانهم: ان فعلتم ما آمركم به لم يردّ علينا.
قالوا: أمرنا بأمرك.
قال: تجمعون مئة ألف درهم حتى أذهب بها الى عمر, وأقول: ان المغيرة اختار هذا فدفعه اليّ.
فدعا عمر المغيرة فقال: ما يقول هذا؟
قال: كذب أصلحك الله, انما كانت مئتي ألف .
قال: فما حملك على ذلك؟
قال: العيال والحاجة.
فقال عمر للعلج: ما تقول؟
قال: لا والله, لأصدّقنّك أصلحك الله, والله ما دفع اليّ قليلا ولا كثيرا.
فقال عمر للمغيرة: ما أردت الى هذا العلج؟
قال: الخبيث كذب عليّ فأحببت أن أخزيه.


• ولما فتح عمرو بن العاص قيسارية سار حتى نزل على غزة, فبعث اليه علجها أن أرسل اليّ رجلا من أصحابك أكلّمه, ففكر عمرو وقال: ما لهذا العلج أحد غيري.
فقام حتى دخل على العلج فكلّمه, فسمع كلاما لم يسمع مثله قط.
فقال له العلج: حدّثني, هل من أصحابك من أحد مثلك؟
قال لا تسأل عن هواني عندهم اذ بعثوني اليك وعرّضوني لما عرّضوني, فلا يدرون ما تصنع بي.
فأمر له بجاشزة وكسوة, وبعث الى البوّاب: اذا مرّ بك فاضرب عنقه وخذ ما معه.
فمرّ برجل من النصارى من غسان فعرفه, فقال: يا عمرو, قد أحسنت الدخول فأحسن الخروج.
فرجع, فقال له الملك: ما ردّك الينا؟
قال: نظرت فيما أعطيتني فلم أجد ذلك ليسع بني عمّي, فأردت أن آتيك بعشرة منهم تعطيهم هذه العطيّة, فيكون معروفك عند عشرة خيرا من أن يكون عند واحد.
قال صدقت, أعجل بهم.. وبعث الى البوّاب أن خل سبيله. فخرج عمرو وهو يلتفت, حتى اذا أمن قال: لا عدت لمثلها أبدا.
فلما صالحه عمرو ودخل عليه العلج فقال له: أنت هو؟ قال: على ما كان من غدرك.


• ومن المنقول عن خزيمة بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلّم ابتاع فرسا من أعرابي فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه, فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم في المشي, وأبطأ الأعرابي فطفق رجال يعترضون الأعرابي, فيساومون الفرس لا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه حتى زاد بعضهم للأعرابي في السّوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه النبي صلى الله عليه وسلّم, فنادى الأعرابي النبي فقال:
ان كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه والا بعته.
فقام النبي فقال: أليس قد ابتعته منك؟
قال لا.
فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى الله عليه وسلّم والأعرابي وهما يتراجعان. فطفق الأعرابي يقول: هلمّ شهيدا يشهد أني قد بايعتك.
فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي: ويلك, ان النبي صلى الله عليه وسلّم لا يقول الا حقا, حتى جاء خزيمة فاستمع لمراجعة النبي ومراجعة الأعرابي. فطفق الأعرابي يقول: هلمّ شهيدا يشهد اني قد بايعتك.
فقال خزيمة: أنا أشهد أنك قد بايعته.
فأقبل النبي صلى الله عليه وسلّم على خزيمة فقال: بما تشهد؟
فقال: بتصديقك يا رسول الله.
فجعل النبي صلى الله عليه وسلّم شهادة خزيمة بشهادة رجلين.
وفي رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لخزيمة: لم تشهد ولم تكن معنا؟ قال: يا رسول الله أنا أصدّقك بخبر السماء, أفلا أصدّقك بما تقول؟


• ومن المنقول عن نعيم بن مسعود: بينما الناس على خوفهم يوم الأحزاب أتى نعيم بن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله, اني قد أسلمت ولم يعلم بي أحد من قومي, مرني أمرك.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: انما أنت منا رجل واحد, فخذّل عنا ما استطعت فانما الحرب خدعة.
فانطلق نعيم حتى أتى بني قريظة فقال لهم: يا معشر قريظة _ وكان لهم نديما في الجاهلية _ اني لكم نديم وصديق, قد عرفتم ذلك. قالوا صدقت, قال: تعلمون والله ما أنتم وقريش وغطفان من محمد بمنزلة واحدة, ان البلد لبلدكم, به أموالكم ونساؤكم وأبناؤكم, وان قريشا وغطفان بلادهم غيرها, وانما جاؤوا حتى نزلوا معكم, فان رأوا فرصة انتهزوها, وان رأوا غير ذلك رجعوا الى بلادهم وأموالهم ونسائهم وأبنائهم, وخلوا بينكم وبين الرجل فلا طاقة لكم به, فان هم فعلوا ذلك فلا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم تستوثقون به, ولا تبرحوا حتى تناجزوا محمدا.
فقالوا: لقد أشرت برأي ونصح.
ثم ذهب الى قريش فأتى أبا سفيان وأشراف قريش, فقال: يا معشر قريش, انكم قد عرفتم ودّي ايّاكم وفراقي محمدا ودينه, واني قد جئتكم بنصيحة فاكتموا علي.
فقالوا: نفعل, ما أنت عندما بمتهم.
فقال: تعلمون أن بني قريظة من يهود قد ندمواعلى ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد, فبعثوا اليه: ألا يرضيك أن نأخذ لك من القوم رهنا من أشرافهم, فندفعهم اليك, فتضرب أعناقهم ثم نكون معك حتى نخرجهم من بلادك؟ فقال: بلى, فان بعثوا اليكم يسألونكم نفرا من رجالكم, فلا تعطوهم رجلا واحدا فاحذروا.
ثم جاء غطفان فقال: يا معشر غطفان, قد علمتم أني رجل منكم.
قالوا: صدقت.
قال لهم كما قال لهذا الحي من قريش.
فلما أصبحوا بعث اليهم أبو سفيان عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش: ان أبا سفيان يقول لكم يا معشر يهود ان الكراع والخف قد هلكا, انا لسنا بدار مقام, فاخرجوا الى محمد حتى نناجزه, فبعثوا اليه أن اليوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا, ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم نستوثق بهم, لا تذهبوا وتدعونا نناجز محمدا.
فقال أبو سفيان: قد والله حذرنا نعيم. فبعث اليهم أبو سفيان: انا لا نعطيكم رجلا واحدا, فان شئتم أن تخرجوا فتقاتلوا وان شئتم فاقعدوا, فقالت يهود: هذا والله الذي قال لنا نعيم. والله ما أراد القوم الا أن يقاتلوا محمدا فان أصابوا فرصة انتهزوها والا مضوا بلادهم وخلوا بيننا وبين الرجل, فبعثوا اليهم: انا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا, فأبوا, فبعث الله تعالى الريح على أبي سفيان وأصحابه وغطفان فخذلهم الله عز وجلّ.
 

yoyo1983

عضو نشط
التسجيل
22 أبريل 2007
المشاركات
22,665
الإقامة
DaMBy

من ذكاء الخلفاء والوزراء



• وجّه عبد الملك بن مروان عامرا الشعيبي الى ملك الروم في بعض الأمر له, فاستكثر الشعبي فقال له:
من أهل بيت الملك أنت؟
قال: لا.
فلما أراد الرجوع الى عبد الملك حمّله رقعة لطيفة وقال: اذا رجعت الى صاحبك, فأبلغته جميع ما يحتاج الى معرفته من ناحيتنا, فادفع اليه هذه الرقعة.
فلما صار الشعبي الى عبد الملك ذكر ما احتاج الى ذكره ونهض من عنده, فلما ذكر الرقعة, فرجع فقال: يا أمير المؤمنين, انه حمّلني اليك رقعة نسيتها حتى خرجت, وكانت آخر ما حمّلني فدفعها اليه ونهض.
فقرأها عبد الملك فأمر بردّه, فقال: أعلمت ما في هذه الرقعة؟
قال: لا.
قال: فانه قال فيها:" عجبت من العرب كيف ملّكت غير هذا!". أفتدري لم كتب الي بمثل هذا؟
فقال: لا.
فقال: حسدني عليك, فأراد أن يغريني بقتلك.
فقال الشعبي: لو كان رآك يا أمير المؤمنين ما استكثرني.
فبلغ ذلك ملك الروم, ففكّر في عبد الملك, فقال: لله أبوه, والله ما أردت الا ذلك.


• وبلغنا عن المنصور أنه جلس في احدى قباب مدينته, فرأآ رجلا ملهوفا مهموما يجول في الطرقات, فأرسل من أتاه به, فسأله عن حاله, فأخبره الرجل أنه خرج في تجارة فأفاده مالا وأنه رجع بالمال الى منزله, فدفعه الى أهله, فذكرت امرأـه أ، المال سرق من بيتها ولم تر نقبا ولا تسليقا.
فقال له المنصور: منذ كم تزوّجتها؟
قال: منذ سنة.
قال: أفبكر هي تزوّجتها؟
قال: لا.
قال: فلها ولد من سواك؟
قال: لا.
قال: فشابّة هي أم مسنّة؟
قال: بل حديثة.
فدعا له المنصور بقارورة طيب كان يتخذه له حادّ الرائحة, غريب النوع, فدفعها اليه وقال له: نطيّب من هذا الطيب, فانه يذهب همّك.
فلما خرج الرجل من عند المنصور قال لأربعة من ثقاته: ليقعد على كل باب من أبواب المدينة واحد منكم, فمن مرّ بكم فشممتم منه رائحة هذا الطيب فليأتني به.
وخرج الرجل بالطيب, فدفعه الى امرأته وقال لها: وهبه لي أمير المؤمنين.
فلمّا شمّته بعثت الى رجل كانت تحبّه, وقد كانت دفعت المال اليه, فقالت له: تطيّب من هذا الطيب, فان أمير المؤمنين وهبه لزوجي.
فتطيّب منه الرجل ومرّ مجتازا ببعض أبواب المدينة, فشمّ الموكل بالباب رائحة الطيب منه, فأخذه فأتى به المنصور, فقال له المنصور: من أين استفدت هذا الطيب فان رائحته غريبة معجبة؟
قال: اشتريته.
قال: أخبرنا ممن اشتريته؟!
فتلجلج الرجل وخلط كلامه.
فدعا المنصور صاحب شرطته, فقال له: خذ هذا الرجل اليك, فامن أحضر كذا وكذا من الدنانير فخلّه يذهب حيث شاء, وان امتنع فاضربه ألف سوط من غير مؤامرة.
فلما خرج من عنده دعا صاحب شرطته, فقال: هوّل عليه وجرّده ولا تقدمن بضربه حتى تؤامرني.
فخرج صاحب شرطته, فلمّا جرّده وسجنه أذعن بردّ الدنانير وأحضرها بهيئتها, فأعلم المنصور بذلك, فدعا صاحب الدنانير فقال له:
رأيتك ان رددت عليك الدنانير بهيئتها أتحكمني في امرأتك؟
قال: نعم.
قال: فهذه دنانيرك, وقد طلقت المرأة عليك.
وخبّره خبرها.



• • قعد المهدي قعودا عامّا للناس, فدخل رجل, وفي يده نعل ملفوفة في منديل, فقال:
يا أمير المؤمنين, هذه نعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد أهديتها لك.
فقال: هاتها.
فدفعها اليه, فقبّل باطنها ووضعها على عينيه وأمر للرجل بعشرة آلاف درهم.
فلما أخذها وانصرف قال لجلسائه:
أترون أني لم أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يرها فضلا عن أن يكون لبسها؟ ولو كذبناه قال للناس: " أتيت أمير المؤمنين بنعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم فردّها عليّ" وكام من يصدقه أكثر ممن يدفع خبره, اذ كان من شأن العامّة ميلها الى أشكالها والنصرة للضعيف على القوي, وان كان ظالما اشترينا لسانه وقبلنا هديّته وصدّقنا قوله, ورأينا الذي فعلنا أنجح وأرجح.


• ومن المنقول عن المأمون: قال عمارة بن عقيل: قال لي ابن أبي حفصة الشاعر: أعلمت أن أمير المؤمنين _ يعني المأمون_ لا يبصر الشعر؟
فقلت من ذا يكون أفرس منه وانّا لننشد أوّل البيت فيسبق آخره من غير أن يكون سمعه؟
قال: فاني أنشدته بيتا أجدت فيه, فلم أره تحرّك له, وهذا البيت فاسمعه:
أضحى امام الهدى المأمون منشغلا
بالدين والناس بالدنيا مشاغيل
فقلت له: ما زدته على أن جعلته عجوزا في محرابها في يدها مسبحة, فمن يقوم بأمر الدنيا اذا كان مشغولا عنها, وهو المطوق لها. ألا قلت كما قال عمّك جرير لعبد العزيز بن الوليد:
فلا هو في الدنيا مضيّع نصيبه
ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله.


• وكان المعتضد بالله يوما جالسا في بيت يبنى له يشاهد الصنّاع, فرأى في جملتهم غلاما أسود, منكر الخلقة, يصعد السلاليم مرقاتين مرقاتين, ويحمل ضعق ما يحملونه, فأنكر أمره فأحضره وسأله عن سبب ذلك, فلجلج, فقال لابن حمدون _وكان حاضرا_: أي شيء يقع لك في أمره؟
فقال: ومن هذا حتى صرفت فكرك اليه, ولعلّه لا عيال له, فهو خالي القلب.
قال: ويحك قد خمّنت في أمره تخمينا ما أحسبه باطلا.. اما أن يكون معه دنانير قد ظفر بها دفعة من غير وجهها, أ, يكون لصّا يتستر بالعمل في الطين.
فلاحاه ابن حمدون في ذلك, فقال: عليّ بالأسود.
فأحضر, ونادى بالمقارع فضربه نحو مئة مقرعة وقرّره وحلف ان لم يصدقه ضرب عنقه وأحضر السيف والنطع.
فقال الأسود: لي الأمان.
فقال: لك الأمان الا ما يجب عليك فيه من حدّ.
فلم يفهم ما قال له, وظنّ أنّه قد أمّنه فقال:
أنا كنت أعمل في أتاتين الآجر سنين وكنت منذ شهور هناك جالسا فاجتاز بي رجل في وسطه هميان فتبعته فجاء الى بعض الأتاتين, فجلس وهو لا يعلم مكاني, فحلّ الهيمان وأخرج منه دينارا فتأمّلته فاذا كلّه دنانير فثاورته وكتفته وسددت فاه, وأخذت تاهيمان, وحملت الرجل على كتفي وطرحته في نقرة الأتون وطيّنته, فلما كان بعد ذلك أخرجت عظامه, فطرحتها في دجلة والدنانير معي يقوى بها قلبي.
فأمر المعتضد من أحضر الدنانير من منزله, واذا على الهيمان مكتوب لفلان ابن فلان, فنودي في البلدة باسمه, فجاءت امرأته فقالت: هذا زوجي ولي منه هذا الطفل خرج في وقت كذا ومعه هميان فيه ألف دينار, فغاب الى الآن.
فسلّم الدنانير اليها, وأمرها أن تعتدّ, وضرب عنق الأسود وأمر أن تحمل جثته الى الأتون.


• قال المحسن: وبلغني أن المعتضد بالله قام في الليل لحاجة, فرأى بعض الغلمان المردان قد نهضوا من ظهر غلام أمرد, ودبّ على أربعته حتى اندّس بين الغلمان, فجاء المعتضد فجعل يضع يده على فؤاد واحد بعد واحد الى أن وضع يده على فؤاد ذلك الفاعل, فاذا به يخفق خفقانا شديدا, فوكزه برجله فقعد واستدعى آلات العقوبة, فأقرّه فقتله.



• قال المحسن: وبلغنا عن المعتضد بالله أن خادما من خدمه جاء يوما فأخبره أنه كان قائما على شاطئ الدجلة في دار الخليفة, فرأى صيّادا وقد طرح شبكته, فثقلت بشيء , فجذبها فأخرجها فاذا فيها جراب, وأنه قدّره مالا فأخذه وفتحه, فاذا فيه آجر وبين الآجر كف مخضوبة بحنّاء. فأحضر الجراب والكف والآجر.
فهال المعتضد ذلك, وقال: قل للصياد يعاود طرح الشبكة فوق الموضع وأسفله وما قاربه. قال: ففعل فخرج جراب آخر فيه رجل.
فطلبوا فلم يخرج شيء آخر, فاغتمّ المعتضد وقال:
معي في البلد من يقتل انسانا ويقطع أعضاءه ويفرّقه ولا أعرف به؟ ما هذا ملك!
وأقام يومه كله ما طعم طعاما, فلما كان من الغد أحضر ثقة له, وأعطاه الجراب فارغا وقال له: صف به على كل من يعمل الجرب في بغداد, فان عرفه منهم رجل, فسله لمن باعه, فاذا دلّك عليه, فسل المشتري من اشتراه منه ولا تقر على خبره أحدا.
فغاب الرجل وجاء بعد ثلاثة أيّام, فزعم أ،ه لم يزل يطلب في الدبّاغين وأصحاب الجرب الى أن عرف صانعه, وسأل عنه فذكر أنه باعه لعطّار بسوق يحيى, وأنه مضى الى العطّار وعرضه عليه, فقال: ويحك, كيف وقع هذا الجراب في يدك؟
فقلت: أو تعرفه؟
قال: نعم اشترى مني فلان الهاشمي منذ ثلاثة أيام عشرة جرب لا أدري لأي شيء أرادها وهذا منها.
فقلت له: ومن فلان الهاشمي؟
فقال: رجل من ولد علي بن ريطة من ولد المهدي يقال له: فلان عظيم, الا أنه شر الناس وأظلمهم وأفسدهم لحوم المسلمين وأشدّهم تشوّقا الى مكائدهم, وليس في الدنيا من ينهي خبره الى الكعتضد خوفا من شرّه ولفرط تمكّنه من الدولة والمال.
ولم يزل يحدّثني وأنا أسمع أحاديث له قبيحة الى أن قال:
فحسبك أنه كان يعشق منذ سنين فلانة المغنية جارة فلانة المغنية, وكانت كالدينار المنقوش وكالقمر الطالع في غاية حسن الغناء, فساوم مولاتها فيها, فلم تقاربه, فلما كان منذ أيام بلغه أن سيدتها تريد بيعها لمشتر بذل فيها ألوف الدنانير, فوجه اليها: لا أقلّ من أن تنفذيها اليّ لتودعني, فأنفذتها اليه بعد أن أنفذ اليها جذورها لثلاثة أيّام, فلما انقضت الأيام الثلاثة غصبها عليها وغيّبها عنها, فما يعرف لها خبر, وادّعى أنها هربت من داره. وقالت الجيران: انه قتلها, وقال قوم: لا بل هي عنده. وقد أقامت سيدتها عليها المأتم وجاءت وصاحت على بابه وسوّدت وجهها, فلم ينفعها سيء.
فلما سمع المعتضد سجد لله شكرا لله تعالى على انكشاف الأمر له, وبعث في الحال من كبس على الهاشميّ وأحضر المغنّية, وأخرج اليد والرجل الى الهاشمي, فلما رآهما امتقع لونه وأيقن بالهلاك واعترف, فأمر المعتضد بدفع ثمن الجارية الى مولاتها من بيت المال, وصرفها, ثم حبس الهاشمي, فيقال: انه قتله, ويقال: مات في الحبس.


• روي عن الرشيد أنه رأى يوما في داره حزمة خيزران, فقال لوزيره الفضل بن الربيع: ما هذه؟ فقال: عروق الرماح يا أمير المؤمنين. ولم يرد أن يقول الخيزران لموافقته اسم أم الرشيد.
وقال الفضل: ايّاكم ومخاطبة الملوك بما يقتضي الجواب, فانهم ان أجابوكم شق عليهم, وان لم يجيبوكم شق عليكم.
قال ثعلب: قلت للحسن بن سهل: وقد كثر عطاؤه على اختلال حاله: ليس في السرف خير, فقال: بل ليس في الخير سرف. فرد اللفظ واستوفى المعنى.



• ورأى الفتح بن خاقان في لحية المتوكّل شيئا فلم يمسه بيده, ولا قال له شيئا, ولكنه نادى:
يا غلام مرآة أمير المؤمنين.
فجيء بها حتى أخذ المتوكّل ذلك الشيء بيده.


• حدثنا أبو علي بن مقلة قال: كنت أكتب لأبي الحسن بن الفرات أخدم بين يديه, فكنت كذلك معه الى أن تقلّد الوزارة الأولى, فلمّا وقعت فتنة ابن المعتز أمر بقبض ما في دور المخالفين الذين بايعوا ابن المعتز, وكانت أمتعتهم تقبض ونحمل اليه فيراها وينفذها الى خزائن المقتدر.
فجاؤوه يوما بصندوقين, فقالوا له: هذان وجدناهما في دار ابن المعتز.
فقال: أفعلمتم ما فيهما؟
قالوا: نعم, جرائد من بايعه من الناس بأسنائهم وأنسابهم.
فقال: لا تفتح.
ثم قال: يا غلمان هاتوا نارا, فجاء الفرّاشون بفحم, وأمرهم فأججوا النار, وأقبل عليّ وعلى من كان حاضرا, فقال: والله لو رأيت من هذين الصندوقين ورقة واحدة لظن كل من له فيها اسم أني قد عرفته, فتفسد نيّات العالم كلهم عليّ وعلى الخليفة, وما هذا رأي, حرّقوهما.
قال: فطرحا بأقفالهما الى النار, فلما احترقا بحضرته أقبل عليّ فقال: يا أبا علي, قد أمّنت كل من جنى وبايع ابن المعتز, وأمرني الخليفة بأمانة, فاكتب للناس الأمان مني, ولا يلتمس منك أحد أمانا _كائنا من كان_ الا كتبته له وجثني به لأوقع فيه, فقد أفردتك لهذا العمل.
ثم قال: لمن حضر: أشيعوا ما قلته حتى يأنس المستترون بأبي علي ويكاتبوه في طلب الأمان, فشكرناه. ودعت الجماعة له وشاع الخبر وكتبت الأمانات, فكتب في ذلك مئة ألأف أو نحوها.


• وكان أبو علي بن مقلة يوما يأكل, فلما رفعت المائدة وغسل يده رأى على ثوبه نقطة صفراء من الحلوى التي كان يأكلها, ففتح الدواة واستمد منها نقطة على الصفرة حتى لم يبقى لها أثر, وقال: ذلك أثر شهوة, وهذا أثر صناعتي, ثم أنشد:
انّما الزعفران عطر العذارى ومداد الدواة عطر الرجال
 

yoyo1983

عضو نشط
التسجيل
22 أبريل 2007
المشاركات
22,665
الإقامة
DaMBy
الفصل الرابع


من ذكاء الأمراء والولاة




• قال المؤلّف: بلغني أن رجلا من خراسان قدم الى بغداد للحج, وكان معه عقد من الجواهر يساوي ألف دينار, فاجتهد في بيعه, فلم يوفق, فجاء الى عطّار موصوف بالخير, فأودعه ايّاه, ثم حج وعاد فأتاه بهديّة.
فقال له العطار: من أنت وما هذا؟
فقال: أنا صاحب العقد الذي أودعتك.
فما كلّمه حتى رفسه رفسة رماه بها عن دكّانه, وقال: تدّعيب عليّ مثل هذه الدعوى؟
فاجتمع بالناس وقالوا للحاج: ويلك, هذا رجل خير, ما لحقت من تدّعي عليه الا هذا؟
فتحيّر الحاج وتردد اليه, فما زاده الا شتما وضربا, فقيل له: لو ذهبت الى عضد الدولة, فله في هذه الأشياء فراسة.
فكتب قصّته وجعلها على قصبة ورفعها لعضد الدولة, فصاح به, فجاء, فسأله عن حاله, فأخبره بالقصّة, فقال:
اذهب الى العطار غدا, واقعد على دكّانه, فان منعك فاقعد على دكان تقابله, من الصبح الى المغرب, ولا تكلّمه, وافعل هذا ثلاثة أيّام, فاني أمرّ عليك في اليوم الرابع وأقف وأسلّم عليك, فلا تقم لي ولا تزدني على ردّ السلام وجواب ما أسألك عنه, فاذا انصرفت فأعد على ذكر العقد, ثم أعلمني ما يقول لك, فان أعطاكه فجىء به اليّ.
فجاء الى دكّان العطّار ليجلس فمنعه, فجلس بمقابلته ثلاثة أيّام, فلما كان اليوم الرابع اجتاز عضد الدولة في موكبه العظيم, فلما رأى الخراساني وقف وقال: السلام عليك.
فقال الخراساني ولم يتحرّك: وعليكم السلام.
فقال: يا أخي تقدم فلا تأتي الينا ولا تعرض حوائجك علينا؟
فقال كما اتفق ولم يشبعه الكلام, وعضد الدولة يسألأه ويستخفي وقد وقف ووقف العسكر كله, والعطار قد أغمي عليه من الخوف.
فلما انصرف التفت العطار الى الحاج فقال: ويحك متى أودعتني هذا العقد؟ وفي أي شيء كان ملفوفا؟ ذكّرني لعلي أذكره.
فقال: من صفته كذا وكذا.
فقام وفتش, ثم نقض جرّة عنده فوقع العقد, فقال: قد كنت نسيت, ولو لم تذكّرني الحال ما ذكرت.
فأخذ العقد وذهب. ثم قال: وأي فائدة لي في أن أ‘لم عضد الدولة, ثم قال في نفسه: لعلّه يريد أن يشتريه.
فذهب اليه فأعلمه, فبعث به مع الحاجب الى دكّان العطّار, فعلّق العقد في عنق العطار وصلبه بباب الدكان ونودي عليه: هذا جزاء من استودع فجحد.


• وذكر محمد بن عبد الملك الهمداني في تاريخه أنه بلغ الى عضد الدولة خبر قوم من الأكراد يقطعون الطريق, ويقيمون في جبال شاقة, فلا يقدر عليهم, فاستدعى أحد التجار ودفع اليه بغلا عليه صندوقان فيهما حلوى قد شيبت بالسم, وأكثر طيبها, وأعطاه دنانير, وأمره أن يسير مع القافلة, ويظهر أن هذه هدية لاحدى نساء أمراء الأطراف.
ففعل التاجر ذلك وسار أمام القافلة, فنزل القوم وأخذوا الأمتعة والأموال وانفرد أحدهم بالبغل وصعد به مع جماعتهم الى الجبل, وبقي المسافرون عراة, فلما فتح الصندوق وجد الحلوى يضوع طيبها, ويدهش منظرها ويعجب ريحها, وعلم أنه لا يمكنه الاستبداد بها, فدعا أصحابه, فرأوا ما لم يروه أبدا قبل ذلك, فأمعنوا في الأكل عقيب مجاعة, فانقلبوا فهلكوا عن آخرهم, فبادر التجار الى أخذ أموالهم وأمتعتهم ويلاحهم, واستردوا المأخوذ عن آخره.
فلم أسمع بأعجب من هذه المكيدة, محت أثر العاتين وحصدت شوكة المفسدين.

• قدم بعض التجار من خراسان ليحج, فتأهب للحج وبقي معه ألف دينار لا يحتاج اليها, فقال: ان حملتها خاطرت بها, وان أودعتها خفت جحد المودع.
فمضى الى الصحراء, فرأى شجرة خروع, فحفر تحتها ودفنها ولم يره أحد, ثم خرج الى الحج وعاد, فحفر المكان فلم يجد شيئا, فجعل يبكي ويلطم وجهه, فاذا سئل عن حاله قال: الأرض سرقت مالي.
فلما كثر ذلك منه قيل له: لو قصدت عضد الدولة فان له فطنة.
فقال: أويعلم الغيب؟
فقيل له: لا بأس بقصده.
فأخبره بقصّته, فجمع الأطباء وقال لهم: هل داويتم في هذه السنة أحد بعروق الخروع؟
فقال أحدهم: أنا داويت فلانا وهو من خواصّك.
فقال: عليّ به.
فجاء فقال له: هل تداويت هذه السنة بعروق الخروع؟
قال: نعم.
قال: من جاءك به؟
قال: فلان الفرّاش.
قال: عليّ به.
فلما جاء قال: من أين أخذت عروق الخروع؟
فقال: من المكان الفلاني.
فقال: اذهب بهذا معك فأره المكان الذي أخذت منه.
فذهب معه بصاحب المال الى تلك الشجرة, وقال: من هذه الشجرة أخذت.
فقال الرجل: ههنا والله تركت مالي, فرجع الى عضد الدولة فأخبره, فقال للفرّاش: هلمّ بالمال, فتلكأ, فأوعده وهدّده فأحضر المال.


• حكى السلامي الشاعر قال: دخلت على عضد الدولة, فمدحته فأجزل عطيّتي من الثياب والدنانير وبين يديه حسام خرواني فرآني ألحظه, فرمى به اليّ وقال: خذه.
فقلت: وكل خير عندنا من عنده.
فقال عضد الدولة: ذاك أبوك!
فبقيت متحيّرا لا أدري ما أراد, فجئت أستاذي فشرحت له الحال, فقال:
ويحك! قد أخطأت عظيمة, لأن هذه الكلمة لأبي نوّاس يصف كلبا حيث يقول:
أنعت كليا أهله في كدّه قد سعدت جدودهم بجدّه
وكل خير عندنا من عنده
قال: فعدت متوشحا بكساء فوقفت بين يدي عضد الدولة فقال: ما بك؟
فقلت: حممت الساعة.
فقال: هل تعرف سبب حمّاك؟
قلت: نظرت في ديوان أبي نوّاس.
فقال: لا تخف, لا بأس عليك من هذه الحمّى.
فشكرته وانصرفت.


• وروى أبو الحسن بن هلال بن المحسن الصابي في تاريخه قال: حدّثني بعض التجار, قال: كنت في المعسكر, واتفق أن ركب السلطان جلال الدولة يوما الى الصيد على عادته, فلقيه سوادي يبكي, فقال: ما لك؟
فقال: لقيني ثلاثة غلمان أخذوا حمل بطيّخ معي وهو بضاعتي.
فقال: امض الى المعسكر فهناك قبّة حمراء, فاقعد عندها ولا تبرح الى آخر النهار, فأنا أرجع وأعطيك ما يغنيك.
فلما عاد السلطان, قال لبعض شرّائه: قد اشتهيت بطيّخا ففتش العسكر وخيمهم على شيء منه.
ففعل وأحضر البطيّخ, فقال: عند من رأيتموه؟
فقيل: في خيمة فلان الحاجب.
فقال: أحضروه. فقال له: من أين هذا البطيخ؟
فقال: الغلمان جاؤوا به.
فقال: أريدهم الساعة.
فمضى وقد أحسّ بالشر, فهرب الغلمان خوفا من أن يقتلوا, وعاد فقال: قد هربوا لما علموا بطلب السلطان لهم.
فقال: أحضروا السوادي.
قال: نعم.
قال: فخذه وامض مصاحبا السلامة.


• نزل أمير بقرية, فاحتاج الى المزيّن يمسح شعره, فجاء الأمير وحده اليه, وقال:
أنا حاجب هذا الأمير الذي قد نزل بكم, فامسح شعري, فان كنت حاذقا جاء الأمير فمسحت شعره.
وانما فعل ذلك لئلا يعلم أنه الأمير فينزعج ويجرحه.


• روي أن معن بن زائدة دخل على أبي جعفر أمير المؤمنين, فقارب في خطوه, فقال له أبو جعفر: كبرت سنّك يا معن.
فقال: في طاعتك يا أمير المؤمنين.
قال: وانك لجلد.
قال: على أعدائك.
قال: وان فيك لبقيّة.
قال: هي لك
 

yoyo1983

عضو نشط
التسجيل
22 أبريل 2007
المشاركات
22,665
الإقامة
DaMBy
الفصل الخامس من ذكاء القضاة


· حدثنا الشعبي قال: جاءت امرأة الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: أشكو اليك خير أهل الدنيا الا رجل سبقه بعمل أو عمل مثل عمله: يقوم الليل حتى يصبح, ويصوم النهار حتى يمسي.
ثم أخذها الحياء فقالت: أقلني يا أمير المؤمنين.
فقال: جزاك الله خيرا فقد أحسنت الثناء, قد أقلتك.
فلما ولّت قال كعب بن سور: يا أمير المؤمنين: قد أبلغت اليك في الشكوى.
فقال: ما اشتكت؟
قال: زوجها.
قال: عليّ بالمرأة وزوجها.
فجيء بهما, فقال لكعب: اقض بينهما.
قال: أأقضي وأنت شاهد؟
قال: انك قد فطنت لما لم أفطن اليه.
قال: فان الله يقول:" انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع", صم ثلاثة أيام وأفطر عندها يوما, وقم ثلاث ليال وبت عندها ليلة.
فقال عمر: لهذا أعجب اليّ من الأوّل, فرحّله بدابة وبعثه قاضيا لأهل البصرة.


· أخبرنا مجالد بن سعيد قال: قلت للشعبي: يقال في المثل: ان شريحا أدهى من الثعلب وأحيل, فما هذا؟
فقال لي في ذلك: ان شريحا خرج أيام الطاعون الى النجف, وكان اذا قام يصلي يجيء ثعلب فيقف تجاهه, فيحاكيه ويخيل بين يديه, فيشغله عن صلاته, فلما طال ذلك عليه نزع قميصه, فجعله على قصبة, وأخرج كمّيه وجعل قلنسوته وعمامته عليه, فأقبل الثعلب, فوقف على عادته, فأتى شريح من خلفه, فأخذه بغتة, فلذلك يقال: هو أدهى من الثعلب وأحيل.


· حدّث الشعبي قال: شهدت شريحا وقد جاءته امرأة تخاصم رجلا, فأرسلت عينيها فبكت.
فقلت: يا أبا أميّة, ما أظن هذه البائسة الا مظلومة.
فقال: يا شعبي, ان اخوة يوسف " وجاؤوا أباهم عشاء يبكون".


· وقيل ان شريحا خرج من عند زياد وهو مريض, فأرسل اليه مسروق بن الأجدع رسولا يسأله: كيف وجدت الأمير؟
قال: تركته يأمر وينهي.
فقيل له: انه يعرّض.
فأعاد عليه السؤال فقال: يأمر بالوصيّة وينهى عن النياحة.

· وأتى عديّ بن أرطأة شريحا وهو في مجلس القضاء, فقال لشريح: أين أنت؟
قال: بينك وبين الحائط.
قال: اسمع مني.
قال: لهذا جلست مجلسي.
قال: اني رجل من أهل الشام.
قال: الحبيب القريب.
قال: وتزوّجت امرأة من قومي.
قال: بارك الله لك, بالرفاه والبنين.
قال: وشرطت لأهلها أن لا أخرجها.
قال: الشرط أملك.
قال: وأريد الخروج.
قال: في حفظ الله.
قال: اقض بيننا.
قال: قد فعلت.


· دخل على ايّاس بن معاوية ثلاثة نسوة, فقال: أما واحدة فمرضع, والأخرى بكر, والثالثة ثيّب.
فقيل: بم علمت؟
قال: أما المرضع فانها لما قعدت أمسكت ثديها بيدها, وأما البكر فلما دخلت لم تلتفت الى أحد, وأما الثيّب فلما دخلت رمقت بعينها يمينا وشمالا.


· استودع رجلا من أمناء اياس مالا, وكان أمينا لا بأس به, وخرج المستودع الى مكّة, فلما رجع طلبه فجحده, فأتى اياسا فأخبره.
فقال له اياس: أعلم أنك أتيتني؟
قال: لا.
قال: فنازعته عند أحد؟
قال: لا.لم يعلم أحد بهذا.
قال: فانصرف واكتم أمرك, ثم عد اليّ بعد يومين.
فمضى الرجل, فدعا اياس أمينه على ذلك, فقال: قد حضر مال كثير أريد أن أسلمه اليك, أفحصين منزلك؟
قال: نعم.
قال: فأعد موضعا للمال وقوما يحملونه.
وعاد الرجل الى اياس, فقال له: انطلق الى صاحبك, فاطلب المال, فان أعطال فذاك, وان جحدك فقل له: اني أخبر القاضي.
فأتى الرجل صاحبه فقال: مالي, والا أتيت القاضي وشكوت اليه, وأخبرته ما جرى, فدفع اليه ماله, فرجع الرجل الى اياس فقال: قد أعطاني المال.
وجاء الأمين الى اياس فزبره وانتهره, وقال: لا تقربني يا خائن.


· وذكر الجاحظ أن اياس بن معاوية نظر الى صدع في أرض فقال: تحت هذا دابة.
فنظروا فاذا هي حية, فقيل له: من أين علمت؟
قال: رأيت ما بين الآجرتين نديا من بين جميع تلك الرحبة, فعلمت أن تحتها شيئا يتنفس.


· قال الجاحظ: وحج اياس فسمع نباح كلب, فقال: هذا كلب مشدود, ثم سمع نباحه, فقال: قد أرسل.
فانتهوا الى القوم, فسألوهم فكان كما قال, فقيل له: من أين علمت؟
قال: كان نباحه وهوممسك يسمع من مكان واحد, ثم سمعته يقرب مرة ويبعد أخرى.


· ومرّ اياس ليلة بماء فقال: أسمع صوت كلب غريب.
فقيل له: كيف عرفته؟
قال: بخضوع صوته وشدّو نباح الآخرين.
فسألوا, فاذا كلب غريب والكلاب تنبحه.
 

zoya_y

عضو نشط
التسجيل
26 ديسمبر 2007
المشاركات
9,261
الإقامة
DREAM WORLD
لي لي موضوعج يبيله قعده واكون مصحصحه مبدئيا شاكرة لج مجهودج :D
 

yoyo1983

عضو نشط
التسجيل
22 أبريل 2007
المشاركات
22,665
الإقامة
DaMBy
zoya_y


العفو حياتي \

:)
 

yoyo1983

عضو نشط
التسجيل
22 أبريل 2007
المشاركات
22,665
الإقامة
DaMBy
بحريابحر


العفو :)
 

yoyo1983

عضو نشط
التسجيل
22 أبريل 2007
المشاركات
22,665
الإقامة
DaMBy
للرفع
 

yoyo1983

عضو نشط
التسجيل
22 أبريل 2007
المشاركات
22,665
الإقامة
DaMBy
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات الى يوم الدين
 

fawazzz

عضو نشط
التسجيل
4 أكتوبر 2005
المشاركات
300
انا قريت الموضوع كله
بصراحة التاريخ فيه الكثير من الطرائف والحكم
مشكورة على هالمجهود
 
أعلى