بيع ما في حوزتي من أسهم ورقية بخسارة تجاوزت العشرة في المئة من قيمتها السوقية هو القرار الحكيم الذي أدين فيه لنفسي الأمارة بالسوء لوقف نزيف خسائر ما لملمته طوال سني عملي الماضية. ورغم بيع تلك الأسهم بخسارة محققة، لكنها بمقياس النسبة والتناسب وبميزان الربح والخسارة تعد الخسارة المنطقية الرابحة والقرار الحكيم، ولو أنني احتفظت بهذه الأسهم الورقية للشركات الورقية إلى اللحظة التي أكتب فيها هذا المقال، لكنت نزيل أحد المصحات النفسية أتلقى علاج مغامرات حظي التعيس في عالم سوق المال والأسهم. باختصار هي تجربة تضاف إلى سجل مليء بتجارب ومغامرات العبد الفقير إلى الله كاتب هذه الكلمات.
• عهدي بسوق المال والأسهم بعيد بعد أن وضعت حداً لتلك المغامرة المتهورة لي، وأراقب من بعيد مفتوني هذا السوق والمفتونات من النساء ومآسي ضحاياه في كل يوم، فالمسلسل حلقاته لا تتوقف ونزيفه لم يندمل ويلتئم. هذا السوق باختصار أشبه بالموت هادم اللذات مدمر الأسر والبيوت، فلا ينجو مغامر في هذا السوق من لهيب ناره الكاوية.
• إن تيسر لي أن أقتحم مبنى سوق الكويت للأوراق المالية لأرفع يدي الثنتين عند بابه حامداً الله الذي انتشلني من قيعانه ورماني إلى سواحله الآمنة فلا أتردد في ذلك، فأتجول بين كتل صغار المتداولين في هذا السوق وليس كبار المتداولين، فالكبار لا يعرفون موقع هذا السوق على الخارطة، فهم يحركون السوق من مقار إقاماتهم في منتجعات جنيف وشرم الشيخ وماربيا، فأسترق السمع من هؤلاء الصغار وأراقب تعابير وجوههم الشاحبة وعيونهم المصوبة للأعلى تراقب المؤشر وتتجه مع حركة شريط الأسعار، فتارة أسمع أحدهم يوجه لعناته وشتائمه لهذا أو ذاك السهم، وآخر يدعو على تلك الشركة ومجلس إدارتها، ومجموعة تجتهد في تحليل حركة السهم صعوداً وهبوطاً بلا خبرة فنية أو اقتصادية، وآخر يهوى تمرير إشاعات وليدة اللحظة، لعل البعض من المتداولين يقتنع بسهمه المنهار منذ أعوام فينتعش قليلاً، وهكذا دواليك.
• مآسي البعض في هذا السوق أغرب من الخيال، أحدهم بدأ يفضفض لي في أحد صباحات السوق اليومية عن مأساته، فيقول: «تصدق إن قيمة أسهمي السوقية قبل أربعة أعوام نصف مليون دينار كويتي وقيمتها السوقية الآن لا تزيد على عشرين ألف دينار، وأنا الآن بلا بيت يأوي عائلتي، فقد بعت ما لدي من بيت حكومي كان يؤوينا لأستثمر قيمته في هذا السوق، فلا أنا الذي استثمرتها لتعوضني بيتي وبيت أبنائي، ولا حتى قيمتها السوقية تعادل خمس قيمتها التي أدخلتها في بداية هذه المغامرة الطائشة، وهذا هو حالي ثلاث ساعات ونصف الساعة يومياً منذ أربعة أعوام لا تفارق عيني هذا المؤشر وذاك الشريط الملعون، أهذي بيني وبين نفسي كلما ارتفع وانخفض هذا المؤشر». ومتداول آخر ملامحه توحي بأنه في العقد الخامس أو السادس من العمر وتشجع للحديث عن نكبته السوقية بتآكل مدخراته ومدخرات أبنائه وزوجته، فلا تساوي حالياً إلا ربع قيمتها السوقية، وحصيلة هذه المغامرة هي أمراض السكر والضغط والكولستيرول وفقدان البصر لإحدى عيني الثنتين والأخرى في طريقها للعمى.
• وبما أن الفترة الصباحية هي فترة التداول فقط فلا تتعجب إن رأيت بعض موظفي الدولة ومسؤوليهم ومديريهم يترددون على هذا السوق بكل جرأة وتسيب، فهم رسمياً في مقار أعمالهم وواقعاً متداولين صباحيين في السوق، وبعض أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة والتطبيقي يختارون المحاضرات المسائية للتواجد في هذا السوق صباحاً، والبعض يلغي محاضراته الصباحية ويعفي منها الطلبة لسواد عيون هذا المؤشر الساحر.
• هوس المتابعة لسحر هذا المؤشر مازال يحيط بتفكيري رغم طلاقي البائن منه، فلا ينفع معه محلل أو تيس مستعار لعودتي إليه، فالعشرة مستحيلة مع هادم اللذات، وأتسلى في فراغي بفاصل فكاهي أقضيه في قهوة الدلالوة التاريخية في سوق الجت القديم، فبعد سحر المؤشر الصباحي تبدأ فواصل الفكاهة المسائية في هذا المقهى تنفيساً عن ويلات المؤشر وتبخر أحلام الثراء المزيف، فلا صوت يعلو فوق صوت حبيبنا المؤشر، فهو سيد الموقف فكلما ضاقت برواد هذا المقهى القديم الأماكن وارتفعت أصوات «استكانات» الشاي فهو مؤشر انتكاسة جديدة في سوق أسهم الشركات الورقية، وهي التسمية الصحيحة البديلة لسوق الكويت للأوراق المالية.
عامر الفالح
كاتب كويتي
free_q8i@hotmail.com
• عهدي بسوق المال والأسهم بعيد بعد أن وضعت حداً لتلك المغامرة المتهورة لي، وأراقب من بعيد مفتوني هذا السوق والمفتونات من النساء ومآسي ضحاياه في كل يوم، فالمسلسل حلقاته لا تتوقف ونزيفه لم يندمل ويلتئم. هذا السوق باختصار أشبه بالموت هادم اللذات مدمر الأسر والبيوت، فلا ينجو مغامر في هذا السوق من لهيب ناره الكاوية.
• إن تيسر لي أن أقتحم مبنى سوق الكويت للأوراق المالية لأرفع يدي الثنتين عند بابه حامداً الله الذي انتشلني من قيعانه ورماني إلى سواحله الآمنة فلا أتردد في ذلك، فأتجول بين كتل صغار المتداولين في هذا السوق وليس كبار المتداولين، فالكبار لا يعرفون موقع هذا السوق على الخارطة، فهم يحركون السوق من مقار إقاماتهم في منتجعات جنيف وشرم الشيخ وماربيا، فأسترق السمع من هؤلاء الصغار وأراقب تعابير وجوههم الشاحبة وعيونهم المصوبة للأعلى تراقب المؤشر وتتجه مع حركة شريط الأسعار، فتارة أسمع أحدهم يوجه لعناته وشتائمه لهذا أو ذاك السهم، وآخر يدعو على تلك الشركة ومجلس إدارتها، ومجموعة تجتهد في تحليل حركة السهم صعوداً وهبوطاً بلا خبرة فنية أو اقتصادية، وآخر يهوى تمرير إشاعات وليدة اللحظة، لعل البعض من المتداولين يقتنع بسهمه المنهار منذ أعوام فينتعش قليلاً، وهكذا دواليك.
• مآسي البعض في هذا السوق أغرب من الخيال، أحدهم بدأ يفضفض لي في أحد صباحات السوق اليومية عن مأساته، فيقول: «تصدق إن قيمة أسهمي السوقية قبل أربعة أعوام نصف مليون دينار كويتي وقيمتها السوقية الآن لا تزيد على عشرين ألف دينار، وأنا الآن بلا بيت يأوي عائلتي، فقد بعت ما لدي من بيت حكومي كان يؤوينا لأستثمر قيمته في هذا السوق، فلا أنا الذي استثمرتها لتعوضني بيتي وبيت أبنائي، ولا حتى قيمتها السوقية تعادل خمس قيمتها التي أدخلتها في بداية هذه المغامرة الطائشة، وهذا هو حالي ثلاث ساعات ونصف الساعة يومياً منذ أربعة أعوام لا تفارق عيني هذا المؤشر وذاك الشريط الملعون، أهذي بيني وبين نفسي كلما ارتفع وانخفض هذا المؤشر». ومتداول آخر ملامحه توحي بأنه في العقد الخامس أو السادس من العمر وتشجع للحديث عن نكبته السوقية بتآكل مدخراته ومدخرات أبنائه وزوجته، فلا تساوي حالياً إلا ربع قيمتها السوقية، وحصيلة هذه المغامرة هي أمراض السكر والضغط والكولستيرول وفقدان البصر لإحدى عيني الثنتين والأخرى في طريقها للعمى.
• وبما أن الفترة الصباحية هي فترة التداول فقط فلا تتعجب إن رأيت بعض موظفي الدولة ومسؤوليهم ومديريهم يترددون على هذا السوق بكل جرأة وتسيب، فهم رسمياً في مقار أعمالهم وواقعاً متداولين صباحيين في السوق، وبعض أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة والتطبيقي يختارون المحاضرات المسائية للتواجد في هذا السوق صباحاً، والبعض يلغي محاضراته الصباحية ويعفي منها الطلبة لسواد عيون هذا المؤشر الساحر.
• هوس المتابعة لسحر هذا المؤشر مازال يحيط بتفكيري رغم طلاقي البائن منه، فلا ينفع معه محلل أو تيس مستعار لعودتي إليه، فالعشرة مستحيلة مع هادم اللذات، وأتسلى في فراغي بفاصل فكاهي أقضيه في قهوة الدلالوة التاريخية في سوق الجت القديم، فبعد سحر المؤشر الصباحي تبدأ فواصل الفكاهة المسائية في هذا المقهى تنفيساً عن ويلات المؤشر وتبخر أحلام الثراء المزيف، فلا صوت يعلو فوق صوت حبيبنا المؤشر، فهو سيد الموقف فكلما ضاقت برواد هذا المقهى القديم الأماكن وارتفعت أصوات «استكانات» الشاي فهو مؤشر انتكاسة جديدة في سوق أسهم الشركات الورقية، وهي التسمية الصحيحة البديلة لسوق الكويت للأوراق المالية.
عامر الفالح
كاتب كويتي
free_q8i@hotmail.com