فضائل صيام سته من شوال

التسجيل
1 أكتوبر 2007
المشاركات
6,146
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضللِ فلا هادى له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً.

أما بعد:

أيها الناس، فلقد كنتم ترتقبون مجيء شهر رمضان، فجاءَ شهرٌ رمضانَ ثم خلفتموه وراء ظهوركم، وهكذا كل مستقبل لكم ترتقبونه ثم يمرُ بكم وتُخلفونه وراء ظهوركم حتى يأتيكم الموت، لقد حَلَّ بكم شهر رمضان ضيفاً كريماً فأودعتموه ما شاء الله من الأعمال، ثم فارقكم شاهداً لكم أو عليكم بما أودعتموه، لقد فرح قوم بفراقهِ؛ لأنهم تخلصوا منه، تخلصوا من الصيام والعبادات التي كانت ثقيلةً عليهم، وفرح قوم بتمامه؛ لأنهم تخلصوا به من الذنوب والآثام بما قاموا به من أعمال صالحة استحقوا بها وعدَ الله بالمغفرةِ والرحمة، والفرق بين الفرحين عظيمٌ جداً، إن علامة الفرحين بفراقه: أن يعاودوا المعاصي بعده فيتهاونوا بالواجبات، ويتجرأوا على المحرمات، وتظهر آثار ذلك بالمجتمع، فيقل المصلون في المساجد وينقصون نقصاً ملحوظاً، ومن ضيعَ صلاته فهو لما سواها أضيع؛ لأن الصلاة هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، إن المعاصي بعد الطاعات ربما تحيط بثوابها فلا يكون للعامل سوى التعب، قال بعضهم: "ثواب الحسنة الحسنة بعدها، فمن عمل حسنة ثم أتبعها بحسنه كان ذلك علامةً على قبول الحسنة الأولى، كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة كانَ ذلك علامةً على رد الحسنة وعدم قبولها"(م1).

أيها الناس، إن عمل المؤمن لا ينقضي بانقضاء مواسم العمل، إن عمل المؤمن عملٌ دائم لا ينقضي إلا بالموت، واتلوا قول ربكم - تبارك وتعالى -: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر:99]، وقال الله – سبحانه -: ﴿يَا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، فلئن انقضى شهر الصيام وهو موسم عمل، فإن زمن العمل لم ينقطع، ولئن انقضى صيام رمضان، فإن الصيام لا يزال مشروعاً ولله الحمد، "فمن صام رمضان واتبعه بستة أيام من شوال كان كصيام الدهر"(1)، وقد سَنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صيام يوم الإثنين والخميس، وقال: "إن الأعمال تعرض فيه على الله فأحبُ أن يعرضَ عملي وأنا صائم"(2)، وأوصى - صلى الله عليه وسلم - ثلاثةً من أصحابه أبا هريرة، وأبا ذر، وأبا الدرداء – رضي الله تعالى عنهم – "أوصاهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر"(3)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله"(4)، وحث على العمل الصالح في عشر ذي الحجة ومنه الصيام، وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - "أنه كان لا يدعُ صيامها"(5)، وقال - صلى الله عليه وسلم - في صوم يوم عرفة: "يكفر سنةً ماضية ومستقبله"(6)، يعنى لغير الحاج، فأما الحاج فلا يصوم بعرفة، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم"(7)، وقال في صوم يوم العاشر منه: "يكفر سنةً ماضية"(8)، وقالت عائشة - رضي الله عنها -: "ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم في شهرٍ - يعنى: صومَ تطوع - ما كان يصوم في شعبان كان يصومه إلا قليلاً، بل كان يصومه كله"(9)، ولئن انقضى قيامُ رمضانَ فإن القيام لا يزال مشروعاً كلَ ليلة من ليالي السنة، حث عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ورغب فيه، وقال: "أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل"(10)، وصح عنه - صلى الله عليه وسلم -: "يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدنيا، حين يبقَى ثُلثُ الليلِ الآخِرُ، فيقول: من يَدعُوني فأَستجيبَ له؟ مَن يَسْألُني فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَسْتَغْفِرُني فَأَغْفِرَ لَهُ؟"(11)، فاتقوا الله عباد الله، وبادروا أعماركم بأعمالكم، وحققوا أقوالكم بأفعالكم، فإن حقيقة عمر الإنسان ما أمضاه في طاعة الله، وإن الكيس من دان نفسه أي حسابها وعملَ لما بعد الموت والعاجزُ من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني(12).
أيها المسلمون، لقد يسر الله لكم سبلَ الخيرات، وفتح أبوابها، ودعاكم لدخولها، وبين لكم ثوابها، فهذه الصلوات الخمس آكدُ أركان الإسلام بعد الشهادتين هي خمس بالفعل وخمسون في الميزان(13)، من أقامها كانت كفارةً له ونجاةٌ يوم القيامة(14)، شرعها الله لكم وأكملها بالرواتب التابعة لها، والرواتب التابعة لها اثنتا عشر ركعة، أربع ركعات قبل الظهر بسلامين، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، من صَلاَّهُنَّ بنى الله له بيتاً في الجنة(15)، وهذا الوتر سنةُ مؤكدة، سَنَّهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقولهِ وفعله، وقال: من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أولاً، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل(16) فالوتر سنةُ مؤكدة، لا ينبغي للإنسان أن يدعه، حتى قال بعض العلماء: إن الوتر واجب، يأثمُ بتركه، وقال الإمام أحمد: من ترك الوتر عمداً فهو رجلٌ سوء، لا ينبغي أن تقبلَ له شهادة(م2) وأقل الوتر ركعة بعد صلاة العشاء، وسنتها أقلهُ ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة(17)، ووقته من صلاة العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر(18) فمن أوتر بركعةٍ كفته، ومن أوتر بثلاث فإن شاء سردها جميعاً بتشهد واحد، وإن شاء سلمَ من ركعتين وأوتر بثالثة، ومن أوتر بخمس فسردها جميعاً ولم يتشهد إلا في آخرها، ومن أوتر بسبع سردها جميعاً ولم يتشهد إلا في آخرها، ومن أوتر بتسع سردها جميعاً، وتشهدَ بعد الثامنة، ثم قام بدون سلام وصلى التاسعة وتشهد وسلم(19) ومن أوتر بإحدى عشر ركعة، سلم من كل ركعتين وأوتر بواحدة(20)، وفي صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "كان إذا غلبه نومٌ أو وجعٌ عن قيامِ الليل، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة"(21)، وعلى هذا: فإذا فاتك الوتر في الليل، فأنت تقضيه في النهار، ولكنك لا تقضيه وتراً، بل تقضيه شِفعاً، إذا كان من عادتك أن توتر بثلاث وفاتتك في الليل فصلي في النهار أربع ركعات، وإذا كان من عادتك أن توتر بخمس فصلي في النهار ستة ركعات، وهكذا كما كان - النبي صلى الله عليه وسلم - يفعلهُ فيما إذا غلبه النوم، يصلي من النهار ثنتي عشرة ركعة، وهذه الأذكار خلف الصلوات المفروضة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إذا سلمَ من صلاته استغفر ثلاثاً، وقال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام"(22)، "ومن سبحَ الله دبر كل صلاة ثلاثة وثلاثين، وحمد ثلاث وثلاثين، وكبر ثلاث وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمامَ المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثلُ زبد البحر"(23)، والوضوء قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم قال أشهدُ أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخلُ من أيها شاء"(24)، وهذه النفقات المالية من الزكوات والصدقات والمصروفات على الأهل والأولاد حتى على نفسك.
أيها الإنسان، ما من مؤمن ينفق نفقة يبتغي بها وجه الله إلا أثيب عليها(25)، وإن الله ليرضى عن العبد، يأكل الأكلة فيحمدهُ عليها، ويشرب الشربة فيحمدهُ عليها(26)، والساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالصائم لا يفطر، والقائم لا يفتر(27)، والساعي عليهم هو الذي يسعى بطلب رزقهم، ويقوم بحاجتهم، والعائلةُ الصغار والضعفاء الذين لا يستطيعون القيام بأنفسهم هم من المساكين، فالسعي عليهم كالجهاد في سبيل الله، أو كالصيام الدائم والقيام المستمر.

فيا عباد الله، إن طرق الخير كثيرة فأين السالكون، وإن أبوابها لمفتوحة فأين الداخلون، وإن الحق لواضحٌ لا يزيغُ عنه إلا الهالكون، فخذوا عباد الله من كل طاعةٍ بنصيب، فإن الله يقول: ﴿يَا أيها الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج:77]، واعلموا أنكم مفتقرون لعبادةِ الله في كل وقت، ليست العبادة في رمضان فقط؛ لأنكم تعبدون الله وهو حيٌ لا يموت، وليست العبادة في وقت محدد من أعماركم؛ لأنكم في حاجة لها على الدوام، وسيأتي اليوم الذي يتمنى الواحدُ منا زيادة ركعة أو تسبيحة في حسناته، ويتمنى نقص سيئة أو خطيئة من سيئاته، يقول الله – تعالى -: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون:99-100].

اللهم وفقنا جميعاً لاغتنام الأوقات، اللهم وفقنا جميعاً لاغتنام الأوقات، وعمارتها بالأعمال الصالحات، وارزقنا اجتناب الخطايا والسيئات، وطهرنا من هذه الموبقات، إنك قريب مجيبٌ الدعوات. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافةِ المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
 

yoyo1983

عضو نشط
التسجيل
22 أبريل 2007
المشاركات
22,665
الإقامة
DaMBy
بارك الله فييك الله يقدرنا على صومهم
 
التسجيل
18 يوليو 2008
المشاركات
91
جزاك الله خير اخي الوافي ابو محمد ونفع الله بك كافه المسلمين

لكن اذا اذنت لي لدي سؤال عن مصدر المقاله المكتوبه مع خالص الشكر
 

طير

عضو نشط
التسجيل
28 سبتمبر 2008
المشاركات
248
الإقامة
أعالي القمم
بارك الله فيك​
 
أعلى