فضل
عضو مميز
حكى لي صديق موقفا طريفا لأمه ، حيث قال ..
كان أبي رحمه الله عصبيا لا يطاق ، حاد التعامل
وكان نصيب أمي من حدته وعصبيته الشيء الكثير ..
حتى خلت أنها لم تعش معه لحظة سعادة ووفاق ..
ذات يوم مرض أبي .. وتوعك بشدة ، ورغم إننا اعتدنا على مرضه في الأونة
الأخيرة ، إلا إن مرضه في هذه المرة كان مختلفا ، هكذا كان إحساسنا
وبالفعل فبعد أسبوع توفي رحمه الله ، فحزنا عليه جميعا
وكانت أمي أشدنا حزنا ..
في الواقع .. لم أكن أتوقع أن يكون حزن أمي بهذا الشكل وبهذ القدر
فرغم ما قاسته منه رحمه الله إلا إننا لمسنا منها كيف كان رحمه الله
يشكل في حياتها
أخذت تقول لنا : المرأة بلا زوج كخيمة بلا عمد .. البيت الذي بلا أب كغنم بلا
راعٍ .. وكانت لا تفتأ في كل مناسبة أن تذكره أو تذكر موقفا رائعا له ..
سألتها ذات مرة : متى أول مرة غضب منك أبي ؟ قالت : كان ذلك بعد
مضي شهر من زواجنا .. ثم غيرت حديثها بذكر مناقبه وجميل صفاته ، وكان
هذا دأبها إذا سألتها مثل هذا السؤال حول عصبيته وحدة مزاجه ..
بعدما أتمت أمي حدادها ، تلقت دعوات جيرانها وأقاربها على وليمة أو لتناول
القهوة والشاي ، وكانت كلما عادت من مناسبة ، جلست تحكي لنا عن
المناسبة وأحداثها ، وأبرز قصصها وموضوعاتها ، وكانت سعيدة كل السعادة ..
لكن في يوم من الأيام جاءت إلينا والصمت يلفها ، والبسمة غائبة عن وجهها
بل وتحولت إلى مخلوق شاحب ..
ظلت صامتة ، تتكلم قليلا ، وتستغرق في أفكارها كثيرا ، وعند العشاء
تناولت عشاء خفيفا وصعدت إلى غرفتها ..
لم تترك لنا مجالا لنسألها عما بها ، لكني في الغد .. لاحظت استمرار
شحوب وجهها ، فتأكدت أنها لم تنم ليلة البارحة ، فقررت طرد الصمت ، وفتح
باب الحوار ، سألتها :
- أماه .. ماذا حدث ؟
- أبوك
- رحمه الله .. مابه ؟
- حكت جارتي موقفا عنه كدر خاطري ..
- وما هو ؟
- كما تعرف أن من عادة والدك إذا زارني بعض جاراتي الكبيرات في السن أن
يدخل علينا ويتحدث معنا ، فهو أعمى ولا يتحرجن منه
- هذا صحيح يا أماه ..
- تقول جارتي إن أباك قد عرض عليها الزواج منها ذات مرة ، فقلت لها إن
زوجي ومن باب المزاح كان يعرض الزواج على كل امرأة تأتي عندي وليس
هذا خاص بك وحدك .. لكنها عادت لتؤكد أنه قد كرر الأمر عليها عدة مرات ..
وبلهجة جادة ..
فأصابني الغضب والحزن ، الغضب من هذه المرأة هداها الله على جرحها
لمشاعري ، والحزن فقد يكون أبوك مازحا مع كل النساء ، إلا مع تلك المرأة
فقد يكون معها صادقا ..!
ابتسمت لموقف ام صديقى هذا ..
متعجبا كيف كانت أمه تحب زوجها وهو الذي كان يقسو عليها
وكيف تغار عليه حتى بعد موته !
ولم أجد تفسيرا لما حدث سوى ..
انه الحب والوفاء ..!
< لا ينتهى الحب بموت صاحبه >