أحمد بومرعي | مناخ السوق
قروض وقرود
تُذكرك الحالة التي وصلت إليها البنوك الكويتية بالإعلان الشهير على الباصات «من يرحم دمعة هذا المسكين»، والمفارقة بهذا الإعلان أنه أثار مشاعر متناقضة من الشفقة على صورة «المسكين» (وهو طفل أفريقي ببشرة سمراء والدمعة تسقط على وجهه)، ومن الضحك على بورصة الكلام الذي كثر حول الإعلان ومن يقف وراءه.. ومن باب الدعابة قيل وقتذاك إن الكتلة السلفية وزعيمها خالد السلطان يريدان أن «يمسحا دمعة المسكين»..
ومع أن هذا الإعلان كان يشعرك بأنك أنت المسكين أثناء قيادتك سيارتك وسط الزحمة الصباحية، حيث تحاول جاهدا أن تقتل ملل الانتظار بتقليب محطات الراديو لتسمع موسيقى هادئة، بينما تقفز لك المذيعة لتعلن لك وبصوت مزعج (وينك يا فيروز) أشكال وألوان من التمويل البنكي: «خذ قرضاً واحصل على اثنين بفائدة ثابتة»، (إي علكة هي.. قرد في عينك)، بينما تقول أخرى: «قربت العطلة الصيفية.. ما تبيلك قرض»، (شو مايو سباحة هو)، وثالثة تلعب بوقاحة دور عائلة حديثة النعمة: «بوجاسم تقول أم محمد سعر الأسهم «زين».. خذ قرض واشتريلنا جم سهم» (العملية مو بالكيلو مدام أم جاسم).. بشكل يدعوك إلى التعوذ مرتين لعلك تحصل على فائدتين، وتقول في نفسك: «مو أفضل لهذه البنوك تموّل مشاريع الطرقات وتحل لنا أزمة السير، وتساهم شوي في التنمية، بدل قروض الصيف والشتاء..».
لكن كل صور زمن الرفاهية في السفر وقضاء العطلات بقروض البنوك أصبحت من الماضي، واليوم جاء زمن الحساب، و«انمسخت» القروض إلى قرود تقفز كل يوم بقرار جديد في وجه المصارف، وتحاصر أعمالها وتقلل من ربحيتها ونفوذها، وآخرها خطة التنمية التي تركز على تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري، ومن صلب اهتمام الدولة كسر احتكار البنوك وفتح المجال أمام تأسيس مصارف جديدة وشركات استثمارية، وتلقف أحدهم قبل يومين هذه السياسة الانقلابية على المتحكمين بالاقتصاد الوطني ليعلن اتجاه شركته لإطلاق بنك لمتوسطي الدخل، بعد أن صعّبت البنوك شروط القروض وفائدتها وضماناتها.
وهذا الوضع المحاصر يجعلك تشعر بأنك سترى في القريب إعلانا: «ارحموا بريستيج هذا المسكين»، على طريقة ذلك «الطرار» الذي «يشحد» ثمن «إبرة» لعلاج مرضه المستعصي، بينما هي في الحقيقة «إبرة ستلايت لقمر هوتبيرد»..
لكن لا نعرف كيف ستكون صورة الإعلان، ودمعة أي من الرؤوساء التنفيذيين والمديرين وأعضاء مجالس الإدارة المقالين من هذه البنوك بسبب أخطائهم وسياساتهم الفاشلة في تمويل الشركات من دون حساب للمخاطر أو إقراض الناس حتى من دون إحساس بالمسؤولية الاجتماعية والتنموية.
وأمام الضغط الشعبي، يتربص للبنوك، الرقيب على أعمالها، بنك الكويت المركزي، وكل يوم تنشر الصحف خبر تعميم جديد وقرار منع، بشكل خنق حركتها ولعثم لسان مسؤوليها، لدرجة أني «فطست» من الضحك عندما أبلغني زميل صحافي بأنه اتصل بمسؤول بنكي عقب اجتماع أخير مع البنك المركزي، فأخبره بأن «مُحافظ المركزي الشيخ سالم العبدالعزيز أعطى تعليمات في الاجتماع بألا يفصحوا عن أي شيء للصحافة».
لكن ما يجعلك تقلب على ظهرك وترفع رجليك من الضحك أن البنوك المحلية ما كادت تفلت من رقابة الشيخ سالم حتى جاءها قرار «لا ناقة لها فيه ولا جمل» من الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي يريد منع البنوك الأميركية من الاستثمار عبر أموال المودعين في الأسهم والعقارات وما شابه من الاستثمارات، غير أن هذا القرار قد تأخذ فيه لجنة المعايير المصرفية الدولية المعروفة باسم لجنة بازل، وسيصبح نافذا في الكويت كما هو في أميركا وباقي دول العالم، ويمنع مصارفنا العزيزة، خصوصا الإسلامية منها، من الأرباح المليارية، بوقف نشاطاتها الاستثمارية (وهي بالمناسبة نشاطات لشركات الاستثمار التي حاولت بعض البنوك ضربها في الأزمة)، ورفع الأسعار المفتعل في العقار والأسهم، حيث كان يُستخدم مال المودعين للمضاربة في الأسواق، كما حصل في بنك الخليج، أو التصعيد المصطنع للأسهم المأخوذة في البنوك كضمانات لقروض، في حلقة من الأرقام المفرقعة يكتب أوباما آخر فصولها، في مفارقة غريبة بأن صاحب البشرة السمراء الشبيهة لإعلان «الطفل المسكين» هو نفسه يضع حدا للعبة ظاهرها بيضاء، لكن تفاصيلها سوداء، على أمل ألا نرى إعلانا لصورة أوباما على الطرقات مذيل بعبارة: «ارشقوا هذا اللئيم بالحجارة».. وتفتح بورصة عقب ذلك للبحث عن «من يقف وراءه».
المصدر: جريدة اوان
قروض وقرود
تُذكرك الحالة التي وصلت إليها البنوك الكويتية بالإعلان الشهير على الباصات «من يرحم دمعة هذا المسكين»، والمفارقة بهذا الإعلان أنه أثار مشاعر متناقضة من الشفقة على صورة «المسكين» (وهو طفل أفريقي ببشرة سمراء والدمعة تسقط على وجهه)، ومن الضحك على بورصة الكلام الذي كثر حول الإعلان ومن يقف وراءه.. ومن باب الدعابة قيل وقتذاك إن الكتلة السلفية وزعيمها خالد السلطان يريدان أن «يمسحا دمعة المسكين»..
ومع أن هذا الإعلان كان يشعرك بأنك أنت المسكين أثناء قيادتك سيارتك وسط الزحمة الصباحية، حيث تحاول جاهدا أن تقتل ملل الانتظار بتقليب محطات الراديو لتسمع موسيقى هادئة، بينما تقفز لك المذيعة لتعلن لك وبصوت مزعج (وينك يا فيروز) أشكال وألوان من التمويل البنكي: «خذ قرضاً واحصل على اثنين بفائدة ثابتة»، (إي علكة هي.. قرد في عينك)، بينما تقول أخرى: «قربت العطلة الصيفية.. ما تبيلك قرض»، (شو مايو سباحة هو)، وثالثة تلعب بوقاحة دور عائلة حديثة النعمة: «بوجاسم تقول أم محمد سعر الأسهم «زين».. خذ قرض واشتريلنا جم سهم» (العملية مو بالكيلو مدام أم جاسم).. بشكل يدعوك إلى التعوذ مرتين لعلك تحصل على فائدتين، وتقول في نفسك: «مو أفضل لهذه البنوك تموّل مشاريع الطرقات وتحل لنا أزمة السير، وتساهم شوي في التنمية، بدل قروض الصيف والشتاء..».
لكن كل صور زمن الرفاهية في السفر وقضاء العطلات بقروض البنوك أصبحت من الماضي، واليوم جاء زمن الحساب، و«انمسخت» القروض إلى قرود تقفز كل يوم بقرار جديد في وجه المصارف، وتحاصر أعمالها وتقلل من ربحيتها ونفوذها، وآخرها خطة التنمية التي تركز على تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري، ومن صلب اهتمام الدولة كسر احتكار البنوك وفتح المجال أمام تأسيس مصارف جديدة وشركات استثمارية، وتلقف أحدهم قبل يومين هذه السياسة الانقلابية على المتحكمين بالاقتصاد الوطني ليعلن اتجاه شركته لإطلاق بنك لمتوسطي الدخل، بعد أن صعّبت البنوك شروط القروض وفائدتها وضماناتها.
وهذا الوضع المحاصر يجعلك تشعر بأنك سترى في القريب إعلانا: «ارحموا بريستيج هذا المسكين»، على طريقة ذلك «الطرار» الذي «يشحد» ثمن «إبرة» لعلاج مرضه المستعصي، بينما هي في الحقيقة «إبرة ستلايت لقمر هوتبيرد»..
لكن لا نعرف كيف ستكون صورة الإعلان، ودمعة أي من الرؤوساء التنفيذيين والمديرين وأعضاء مجالس الإدارة المقالين من هذه البنوك بسبب أخطائهم وسياساتهم الفاشلة في تمويل الشركات من دون حساب للمخاطر أو إقراض الناس حتى من دون إحساس بالمسؤولية الاجتماعية والتنموية.
وأمام الضغط الشعبي، يتربص للبنوك، الرقيب على أعمالها، بنك الكويت المركزي، وكل يوم تنشر الصحف خبر تعميم جديد وقرار منع، بشكل خنق حركتها ولعثم لسان مسؤوليها، لدرجة أني «فطست» من الضحك عندما أبلغني زميل صحافي بأنه اتصل بمسؤول بنكي عقب اجتماع أخير مع البنك المركزي، فأخبره بأن «مُحافظ المركزي الشيخ سالم العبدالعزيز أعطى تعليمات في الاجتماع بألا يفصحوا عن أي شيء للصحافة».
لكن ما يجعلك تقلب على ظهرك وترفع رجليك من الضحك أن البنوك المحلية ما كادت تفلت من رقابة الشيخ سالم حتى جاءها قرار «لا ناقة لها فيه ولا جمل» من الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي يريد منع البنوك الأميركية من الاستثمار عبر أموال المودعين في الأسهم والعقارات وما شابه من الاستثمارات، غير أن هذا القرار قد تأخذ فيه لجنة المعايير المصرفية الدولية المعروفة باسم لجنة بازل، وسيصبح نافذا في الكويت كما هو في أميركا وباقي دول العالم، ويمنع مصارفنا العزيزة، خصوصا الإسلامية منها، من الأرباح المليارية، بوقف نشاطاتها الاستثمارية (وهي بالمناسبة نشاطات لشركات الاستثمار التي حاولت بعض البنوك ضربها في الأزمة)، ورفع الأسعار المفتعل في العقار والأسهم، حيث كان يُستخدم مال المودعين للمضاربة في الأسواق، كما حصل في بنك الخليج، أو التصعيد المصطنع للأسهم المأخوذة في البنوك كضمانات لقروض، في حلقة من الأرقام المفرقعة يكتب أوباما آخر فصولها، في مفارقة غريبة بأن صاحب البشرة السمراء الشبيهة لإعلان «الطفل المسكين» هو نفسه يضع حدا للعبة ظاهرها بيضاء، لكن تفاصيلها سوداء، على أمل ألا نرى إعلانا لصورة أوباما على الطرقات مذيل بعبارة: «ارشقوا هذا اللئيم بالحجارة».. وتفتح بورصة عقب ذلك للبحث عن «من يقف وراءه».
المصدر: جريدة اوان