الخواطر والأفكار بين علوم تنمية الذات والإمام ابن القيم

محب المصطفى

عضو نشط
التسجيل
6 فبراير 2010
المشاركات
326
الإقامة
q8
فى علوم تنمية الذات نتحدث دائما عن أهمية الأفكار والخواطر لتحقيق الأهداف الشخصية وكذالك أحد مبادئ البرمجة اللغوية العصبية والفارق بين البرمجة الإيجابية والسلبية هى من الأفكار والخواطر وأتذكر د إبراهيم الفقى فى أحد دوراته والتى حضرتها منذ فترة طويلة كان دائما يؤكد على أهمية التخيل فى إثارة الدافعية والحماس لتحقيق الأهداف الشخصية وأنه فى بداية عمله كنادل فى أحد المطاعم الكندية وضع لنفسه هدف أن يكون مديرا للفندق كله وكان دائما ما يجعل هذا الهدف فى تخيله حتى تحقق !

أما فى علوم السلوك إلى الله عز وجل فالخواطر والأفكار تحتل مكانة أساسية فى تزكية القلب والسلوك إلى الله عز وجل وفى هذا فلنراجع إحياء علوم الدين ومدارج السالكين وفى هذا الباب هذه خاطرة من فوائد الإمام ابن القيم يتحدث فيها عن الخواطر والأفكار ولو ترجم كلامه إلى اللغة الإنجليزية من هذا العلم الذى سبق به ابن القيم أرباب علوم تنمية الذات وهذه هى خاطرته منقولة من كتاب الفوائد

الخواطر والأفكار مبدأ كل علم نظري

مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار فإنها توجب التصورات والتصورات تدعو الى الارادات والإرادات تقتضي وقوع الفعل وكثرة تكراره تعطي العادة فصلاح هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار وفسادها بفسادها



فصلاح الخواطر بأن تكون مراقبة لوليها والهها صاعدة اليه, دائرة على مرضاته ومحابه فانه سبحانه به كل صلاح ومن عنده كل هدى, ومن توفيقه كل رشد ومن تولّيه وإعراضه عنه كل ضلال وشقاء. فيظفر العبد بكل خير وهدى ورشد, بقدر اثبات عين فكرته في آلائه ونعمه وتوحيده وطرق معرفته, وطرق عبوديته, وإنزاله اياه حاضرا معه, مشاهدا له, ناظرا اليه, رقيبا عليه, مطّلعا على خواطره وإرادته وهمّه فحينئذ يستحيي منه, ويجله أن يطلعه منه على عورة يكره أن يطلع عليها مخلوق مثله, أو يرى في نفسه خاطرا يمقته عليه.

فمتى أنزل ربه هذه المنزلة منه رفعه وقرّبه منه, وأكرمه واجتباه ووالاه, وبقدر ذلك يبعد عنه الأوساخ والدناءات والخواطر الرديئة والأفكار الدنيئة. كما أنه كلما بعد منه وأعرض عنه قرب من الأوساخ والدناءات والأقذار, ويقطع عنه جميع الكمالات ويتصل بجميع النقائص.

فالإنسان خير المخلوقات, اذا تقرّب من بارئه, والتزم أوامره ونواهيه, وعمل بمرضاته, وآثره على هواه. وشرّ المخلوقات اذا تباعد عنه ولم يتحرك قلبه لقربه وطاعته وابتغاء مرضاته. فمتى اختار التقرّب اليه, وآثره على نفسه وهواه, فقد حكّم قلبه وعقله وايمانه على نفسه وشيطانه, وحكّم رشده على غيّه, وهداه على هواه. ومتى اختار التباعد منه فقد حكم نفسه وهواه وشيطانه على عقله وقلبه ورشده.

واعلم أن الخطرات والوساوس تؤدي متعلقاتها الى الفكر فيأخذها الفكر فيؤديها الى التذكر فيأخذها الذكر فيؤديها الى الارادة فتأخذها الارادة فتؤديها الى الجوارح والعمل, فتستحكم فتصير عادة فرّدها من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوتها وتمامها. فإنها تهجم عليه هجوم النفس, إلا ان قوة الايمان والعقل تعينه على قبول أحسنها, ورضاه به ومساكنته له وعلى دفع أقبحها وكراهته له ونفرته منه كما قال الصحابة رضوان الله عليهم: يا رسول الله, ان أحدنا يجد في نفسه ما لأن يحترق حتى يصير حممة أحب اليه من أن يتكلم به فقال:"أوقد وجدتموه؟" قالوا: نعم, قال: "ذاك صريح الايمان" مسلم في الايمان.

وفيه قولان: أحدهما: أن رده وكراهته صريح الايمان. والثاني: أن وجوده والقاء الشيطان له في النفس صريح الايمان, فانه انما ألقاه في النفس طلبا لمعارضة الايمان وازالته به.

وقد خلق الله سبحانه النفس شبيهة بالرحى الدائرة التي لا تسكن ولا بد لها من شيء تطحنه, فان وضع فيها حب طحنته, وان وضع فيها تراب أو حصى طحنته. فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنزلة الحب الذي يوضع في الرحى, ولا تبقى تلك الرحى معطلة قط, بل لا بد من شيء يوضع فيها, فمن الناس من تطحن رحاه حبا يخرج دقيقا ينفع به نفسه وغيره, وأكثرهم يطحن رملا وحصى وتبنا ونحو ذلك, فإذا جاء وقت تاعجن والخبز تبيّن له حقيقة طحينه.

فإذا دفعت الخاطر الوارد عليك اندفع عنك ما بعده, وان قبلته صار فكرا جوّالا فاستخدم الارادة فتساعد هي والفكر على استخدام الجوارح قان تعذّر استخدامها رجعا الى القلب بالتمني والشهوة, وتوجهوه الى جهة المراد.

ومن المعلوم أن اصلاح الخواطر أسهل من اصلاح الأفكار وإصلاح الأفكار أسهل من اصلاح الارادات, وإصلاح الارادات أسهل من تدارك فساد العمل وتداركه أسهل من قطع العوائد فأنفع الدواء أن تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك, فالفكر في ما لا يعني باب كل شر, ومن فكّر فيما لا يعنيه, فاته ما يعنيه, واشتغل عن أنفع الأشياء له بما ما لا منفعة له فيه, فالفكر والخواطر, والإرادة والهمة أحق شيء بإصلاحه من نفسك, فان هذه خاصتك وحقيقتك التي تبتعد بها أو تقرب بها من الهك ومعبودك الذي لا سعادة لك الا في قربه ورضاه عنك, وكل الشقاء في بعدك عنه وسخطه عليك, ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئا خسيسا لم يكن في سائر أمره إلا كذلك.

وايّاك أن تمكّن الشيطان من بيت أفكارك وإراداتك, فانه يفسدها عليك فسدا يصعب تداركه, ويلقي اليك أنواع الوساوس والأفكار المضرّة, ويحول بينك وبين الفكر فيما ينفعك, وأنت الذي أعنته على نفسك, بتمكينه من قلبك وخواطرك فملكها عليك. فمثلك معه مثال صاحب رحى يطحن فيها جيّد الحبوب, فأتاه شخص معه حمل تراب وبعر فحم وغثاء ليطحنه في طاحونة, فان طرده ولم يمكنه من القاء ما معه في الطاحون استمر على طحن ما ينفعه, وان مكّنه من القاء ذلك في الطاحون أفسد ما فيها من الحب وخرج الطحين كله فاسدا. والذي يلقيه الشيطان في النفس لا يخرج عن الفكر فيما كان ودخل في الوجود لو كان على خلاف ذلك, وفيما لم يكن لو كان كيف كان يكون. أ, فيما يملك الفكر فيه من أنواع الفواحش والحرام, أو في خيالات وهمية لا حقيقة لها أو في باطل, أو فيما لا سبيل الى ادراكه من أنواع ما طوى عنه علمه, فيلقيه في تلك الخواطر التي لا يبلغ منها غاية, ولا يقف منها على نهاية, فيجعل ذلك مجال فكره ومسرح همّه.

وجماع اصلاح ذلك: أن تشغل فكرك في باب العلوم والتصورات بمعرفة ما يلزمك من التوحيد وحقوقه, وفي الموت وما بعده الى دخول الجنة والنار. وفي آفات الأعمال وطرق التحرز منها. وفي باب الارادات والعزوم أن تشغل نفسك بإرادة ما ينفعك ارادته, وطرح ارادة ما يضرك ارادته. وعند العارفين أن تمنّى الخيانة وإشغال الفكر والقلب بها أضر على القلب من نفس الخيانة, ولا سيما اذا فرغ قلبه منها بعد مباشرتها, فان تمنيها يشغل القلب بها ويملؤه منها ويجعلها همه ومراده.

وأنت تجد في الشاهد أن الملك في البشر اذا كان في بعض حاشيته وخدمه من هو متمن لخيانته مشغول القلب والفكر بها ممتلئ منها, وهو مع ذلك في خدمته وقضاء أشغاله, فاذا اطّلع على سره وقصده, مقته غاية المقت, وأبغضه, وقابله بما يستحقّه, وكان أبغض اليه من رجل بعيد عنه جنى بعض الجنايات وقلبه وسره مع الملك غير منطو على تمنّي الخيانة ومحبتها والحرص عليها, فالأوّل يتركها عجزا واشتغالا بما هو فيه وقلبه ممتلئ بها, والثاني يفعلها وقلبه كاره لها ليس فيه اضمار الخيانة ولا الاصرار عليها, فهذا أحسن حالا وأسلم عاقبة من الأول.

وبالجملة, فالقلب لا يخلو قط من الفكر اما في واجب آخرته ومصالحها, وإما في مصالح دنياه ومعاشه, واما في الوساوس والأماني الباطلة والمقدرات المفروضة. وقد تقدم أن النفس مثلها كمثل رحى تدور بما يلقى فيها, فان ألقيت فيها حبا دارت به, وان ألقيت فيها حصى وزجاجا وبعرا دارت به,

والله سبحانه هو قيّم تلك الرحى ومالكها ومصرّفها وقد أقام لها ملكا يلقي فيها ما ينفعها فتدور به, وشيطانا يلقي فيها ما يضر فتدور به, فالملك يلم مرة والشيطان يلم بها مرة, فالحب الذي يلقيه الملك ايعاد بالخير وتصديق بالوعد, والحب الذي يلقيه الشيطان ايعاد بالشر وتكذيب بالوعد. والطحين على قدر الحب, وصاحب الحب المضر لا يتمكن من القائه إلا اذا وجد الرحى فارغة من الحب وقيّمها قد أهملها وأعرض عنها, فحينئذ يبادر الى القاء ما معه فيها.

وبالجملة, فقيّم الرحى اذا تخلى عنها وعن اصلاحها وعن القاء الحب النافع فيها وجد العدو السبيل الى افسادها وإدارتها بما معه. وأصل صلاح هذه الرحى بالاشتغال بما يعنيك, و فاسدها كله الاشتغال بما لا يعنيك, وما أحسن ما قال بعض العقلاء: لما وجدت أنواع الذخائر منصوبة غرضا للمتالف, ورأيت الزوال حاكما عليها مدركا لها, انصرفت عن جميعها الى ما لا ينازع فيه ذو الحجا أنه أنفع الذخائر وأفضل المكاسب وأربح المتاجر, والله المستعان.
 

الهمس الخجول

عضو مميز
التسجيل
6 أكتوبر 2008
المشاركات
8,739
طرح آكثر من رائع ..يساهم بشكل كبير بتطوير القدرآت الذآتيه للفرد وتنميهـ ودعم الموارد البشريهـ..بدراسهـ سيكولوجيهـ الشخصيهـ للفرد ..تشدني مثل هذي الموآضيع لآرتباطها الوثيق وعلآقاتها المباشرهـ بمجال تخصصي ..!!

تحياتي لصاحب الطرح
 

العاشق

عضو مميز
التسجيل
18 يناير 2009
المشاركات
14,324
الإقامة
هنا

جزاك الله خير​
 

سلمان222

عضو نشط
التسجيل
9 أغسطس 2006
المشاركات
419
الله ينور طريقك دنيا واخره
 
أعلى