سعد الريس
عضو نشط
الرؤية القانونية ... للخصخصة التجارية
الرؤية الأولى :
تدخّلت الدولة في البلاد المتقدمة بشكل واسع في المجال الاقتصادي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية من أجل إعادة البناء السريع لاقتصادياتها التي دمرتها الحرب. واتّخذ هذا التدخّل بشكل خاص تأميم المشروعات الاقتصادية الخاصة. أما في البلاد المستعمرة سابقا فقد اتسع نطاق تدخل الدولة في إدارة الاقتصاد الوطني خلال عقدي الستينات والسبعينات في العديد من الدول النامية بصفة عامة.
وكرد فعل للدور الاستعماري, وسعياً في الحصول على الاستقلال الاقتصادي, امتد واتسع تدخل حكومات تلك الدول, وزادت نسبة مشاركتها في النشاط الاقتصادي من خلال تقييد وتنظيم أنشطة القطاع الخاص بصفة عامة والأجنبي منه بصفة خاصة، وإن تلك الإجراءات لم تنل من اهتمام الدول المتقدمة والنامية على السواء, في توزيع مواردها ما بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص إلا في السنوات الأخيرة. وقد نجم عن ذلك أن تضخم حجم القطاع العام, وعجز عن تحقيق ما كان مستهدفا – بعد أن كان ينظر إليه على أنه وسيلة جيدة وفعالة لتحقيق التنمية الاقتصادية – أصبح عالة عليها.
وإزاء هذه المظاهر السلبية لانخفاض الكفاءة الإنتاجية التخصيصية في وحدات القطاع العام, ساد الاعتقاد لدى حكومات العديد من الدول النامية, بأن القطاع العام بات أكبر مما ينبغي, وان تكلفة الاحتفاظ به أصبحت مرتفعة على اقتصادها, وتطلعت حكومات تلك الدول إلى التطبيق الجاد لبرامج الإصلاح الاقتصادي في ظل معونات مالية وفنية من البنك الدولي وصندوق البنك الدولي. واتخذ الإصلاح الاقتصادي مسارات واتجاهات عديدة برز منها ما عرف في الأدب الاقتصادي بالخصخصة أو التخصيص. وأصبحت الخصخصة منهجا وأسلوبا اعتمد عليه العديد من الدول النامية والمتقدمة للتخلص من الحجم الزائد للقطاع العام وتحقيق الكفاءة الاقتصادية بصفة عامة والكفاءة الإنتاجية في وحدات القطاع العام بصفة خاصة.
الرؤية الثانية :
وتوصف عملية الخصخصة اليوم بأنها ظاهرة عالمية، ويرجع تاريخ أول عملية للخصخصة في العالم، بمعنى قيام شركة خاصة بخدمة عامة كانت تضطلع بها مؤسسة حكومية، يرجع إلى سماح بلدية نيويورك لشركة خاصة بأن تقوم بأعمال نظافة شوارع المدينة عام 1676
إلا أنه يجب في حالة الرغبة التشريعية في الدخول بعملية الخصخصة أن تكون وفق خطط تدريجية ومن خلال القطاعات الغير فاعلة ومنها مثل في الكويت قطاعي البريد والاتصالات.
الرؤية الثالثة :
وبالعودة إلى قانون الخصخصة الذي أقر مؤخرا في الكويت نجد أنه يحتوى على عدة مزايا وضمانات عامة بل أنه خطوة عظمية تسير بها الكويت نحو الانفتاح الاقتصادي وأن كانت لدينا بعض التحفظات من بينها أهمية أن يكون تخصيص قطاع النفط يكون بموجب قانون نستقل شأنه شأن قطاعي التعليم والصحة وذلك حفاظا على ثروات البلاد، إلا أننا ومع ذلك نقف شاكرين على الجهود المبذولة نحو هدف تحويل الكويت لمركز مالي وتجاري إقليمي بل أن إقرار مثل ذلك القانون يعد خطوة تاريخية تخدم صالح الكويت .
الرؤية الرابعة :
ونجد أن قانون الخصخصة الكويتي قد تناول عدة ضمانات حقيقة منها حق الدول في الاعتراض على قرارات الجهات التي تدخلت ضمن حدود الخصخصة وهو ما سمي قانونا بالسهم الذهبي وإن كنت اعتقد جازما أنه يجب أن يكون ذلك السهم الحكومي إجباريا لا جوازيا وكذلك حفظت الدولة حقوق العمالية في تلك الجهات والمؤسسات الحكومية بعدة ضمانات وبه يحتوي القانون على 6 ضمانات جوهرية من أهمها موافاة المجلس الأعلى للخصخصة ديوان المحاسبة بتقرير نصف سنوي عن أعماله وأنشطته .
وتناول قانون الخصخصة أيضا تشكيل مجلس أعلى للتخصيص ويتكون مجلس إدارته من رئيس مجلس الوزراء وعضوية آخرين وحسنا فعل المشرع في أن يكون رئيس مجلس إدارة تلك الهيئة هو رئيس مجلس الوزارة. كما أشار القانون إلى الملكيات ونسبها في الشركة محل الخصخصة على النحو التالي (35 % للبيع بالمزاد العلي للشركات و 5% للموظفين الكويتيين الذي نقلوا إلى الشركة من القطاع العام في تلك القطاعات و20% للدولة و 40% للاكتتاب العام ) .
الرؤية الأخيرة:
ختاما نجد أنه لازما أن يتضمن قانون الخصخصة على ضوابط لتخصيص القطاعات الحساسة في الدولة مثل قطاع النفط وقطاع الإعلام والقطاعات العسكرية، كما يجب أن يحدد القانون آلية تملك الشركات الأجنبية والضوابط العامة لذلك قانونا.
الأستاذ / سعـد الريـس
عضو المنظمة العربية للعلوم القانونية
مسئول الدائرة القانونية بمجموعة شركات كويتية