وقفات رمضانية

حربي وربي الله

عضو مميز
التسجيل
13 سبتمبر 2011
المشاركات
3,084
الإقامة
جزيرة العرب
Happened_on_this_day_10.gif
 

jarrah_aam

عضو مميز
التسجيل
3 نوفمبر 2005
المشاركات
5,279
جوهر الصيام :

هذا الشهر المبارك منحة ربانية لهذه الأمة، حيث صار صالحوا هذه الأمة يجعلون منه مناسبة كبرى لإظهار العبودية لله تعالى، فهو ليس شهرًا للصيام فقط، لكنه أيضًا شهر للقيام وقراءة القرآن والصدقة وبر الفقراء والعمرة والتواصل الاجتماعي.

رمضان -أيها الأفاضل- فرصة لتقوية الإرادة وتدريب النفس على الممانعة في وجه الشهوات والمغريات، وهو فرصة لصقل الروح وتخليصها من أثقال عام مضى، كما أنه فرصة لتغير بعض الأشياء غير الجيدة في حياتنا: فرصة لمدمني الدخان أن يقلعوا عنه نهائيًّا، وفرصة لمن تعودوا هجر المصحف أن يرتبوا على أنفسهم قراءة جزء يوميًّا، وفرصة لمن يتقاعسون عن الذهاب إلى المسجد وعن قيام الليل أن يبدءوا عهدًا جديدًا مع الله تعالى.

المهم والمهم جدًّا أن نشعر أننا في شوال أصبحنا شيئًا مختلفًا عن شعبان، ولو على صعيد التخلص من عادة سيئة واحدة واكتساب عادة واحدة حميدة، وبعد خمس أو ست سنوات سيجد الواحد منا نفسه، وقد خرج من زمرة الناس العاديين إلى زمرة الناس الأخيار الذين يُقتدى بهم، وينتفع بصحبتهم.

ألا ترون كيف يمكن للمبادئ أن تفرّغ من مضامينها، فتتحول إلى شعارات، وكيف يمكن للعبادات أن تفرغ من مقاصدها ورمزيتها فتتحول إلى شكليات؟! هذا ما يفعله كثير من المسلمين اليوم في رمضان، وإلا فما معنى أن يستهلكوا في رمضان من الأطعمة أكثر من أي شهر آخر؟!

وما معنى أن يسهروا إلى ما قبيل الفجر ويناموا إلى نحو العصر وقد فاتتهم صلاة الفجر؟ وما معنى أن يجلسوا أمام المسلسلات الساعات الطويلة أكثر مما يفعلونه في أي شهر آخر؟!

نحتاج إلى أن نقف وقفة مراجعة حازمة وواعية؛ حتى لا ننجرف مع التيار، ونسلم أنفسنا للعادات السيئة.

رمضان فرصة لتقوية الصلة بالله تعالى، وزيادة رصيدنا من الحسنات، وتوفير شيء من ثمن الطعام حتى ندفعه للفقراء، هو هكذا، وينبغي أن يظل كذلك بمبادرات كريمة من مسلمين كرام.
 

jarrah_aam

عضو مميز
التسجيل
3 نوفمبر 2005
المشاركات
5,279
رمضان شهر الحرية :

ليست الحرية -كما يتوهَّمها أكثرُ الناس- مقصورةً على نوال الشعوب حقَّها في السيادة والاستقلال، فتلك هي الحرية السياسية، ووراءها حريةُ الأمَّة في تفكيرها وثقافتها، واتجاهاتها الإنسانية الكريمة.

وليست الحرية -كما يظنها كثير من الشباب- أن ينطلق الإنسان وراء أهوائه وشهواته، يأكل كما يشاء، ويفعل ما يشاء، ويحقِّق كلَّ ما يهوى ويريد، فتلك هي الفوضى أولاً، والعبودية الذليلة أخيرًا.

أمَّا إنها فوضى؛ فلأنه ليس في الدنيا حريَّةٌ مطلقة غير مقيدة بقانون أو نظام؛ بل كل شيء في الدنيا له قانونٌ يُسيِّره ويُنظِّمه، وحريةُ الفرد لا تُصان إلا حين تُقيَّد ببعض القيود لتسلمَ حرياتُ الآخرين.


إن تمام الحرية -لا كمالها- قد يكون بالمنع أحيانًا؛ فالمريض حين يُمنع من الطعام الذي يضرُّه، إنما تحدُّ حريته في الطعام مؤقتًا؛ لتسلم له بعد ذلك حريتُه في تناول ما يشاء من الأغذية، والمجرم حين يسجن، إنما تحد حريته مؤقتًا؛ ليعرف كيف يستعمل حريته بعد ذلك في إطار كريم، لا يؤذي نفسه، ولا يؤذي الناس.

ثم إن الإنسان لا يعيش وحده، وإنما يعيش جزءًا من مجتمع متماسك، يؤذي كلَّه ما يؤذي بعضَه، وقد ضرب رسول الله لذلك مثلاً من أروع الأمثلة، بقومٍ كانوا في سفينة، وكان بعضهم في أعلاها وبعضهم في أسفلها، وكان الذين في أسفلها يأخذون الماء ممن فوقهم، فقالوا: لماذا لا نخرق في مكاننا خرقًا نأخذ منه الماء من البحر رأسًا؟ قال عليه الصلاة والسلام: "فإن تركوهم وما أرادوا، هلكوا وهلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم، نَجَوْا ونجوا جميعًا". إنه مَثَلٌ كريم من مُعلِّم الإنسانية الأكبر، يضع فيه الحدَّ الفاصل بين الحرية الشخصية التي لا تؤذي أحدًا، وبين الحرية التي تؤذي المجتمعَ، وتعرِّضه للانهيار إذا أطلقتْ يد صاحبها فيها كما يشاء.

وأمَّا إنها العبودية؛ فلأنَّ تمام الحرية هو ألاَّ يَستعبدك أحدٌ ممن يساويك في الإنسانية، أو يكون دونك فيها، وفي الفوضى التي يُعبِّر عنها بعضُ الناس بالحرية الشخصية عبوديةٌ ذليلة لمن هو مثلك، أو دونك من قيم الحياة ومادتها.

حين تستولي على الإنسان عادة الانطلاق وراء كلِّ لذة، والانفلات من كل قيد، يكون قد استعبدتْه اللَّذة على أوسع مدى، وأصبح أسيرَها، يجري في الحياة تحت إرادتها ووحْيها، لا يعمل إلا ما تريد، ولا يستطيع فكاكًا مما تهوى، فما هذه الحرية التي تنقلب إلى عبوديةٍ لأهونِ ما في الحياة من قيمة ومعنى؟! لئن كانت قيمة الإنسان بمقدار ما ينال من لذائذه، فإن الحيوان أكثرُ منه قيمة، وأعلى قدرًا.

إن الحيوانَ هو الذي يسعى وراء لذَّته بلا قيد ولا هدف، ومهما جَهَدَ الإنسانُ أن ينال من لذائذه ما يهوى، فإنه مُلاقٍ في سبيل ذلك -رغم أنفه- عوائقَ تمنعه من بعض ما يُريد، فهل يَزعم أحدٌ أن الحيوان الذي لا يعوقه دون استكمال لذته عائقٌ أكثرُ من الإنسان حرية؛ فهو أكثر منه سعادة؟!


وقلْ مثل ذلك في التهالك على المال والجاه، والتعصب للبلد والعشيرة، إن كل ذلك حين يستولي على قلب الإنسان ونفسه، ينقلب إلى عبودية ذليلة، وكل هوى يتمكن من النفس حتى تكون له السيطرة على الأعمال والسلوك، ينقلب بصاحبه إلى عبودية بشعة لا نهاية لقبحها، ومن أعجب أساليب القرآن تعبيرُه عن مثل هذه الحالة بقوله: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23]. إن الهوى عند أمثال هؤلاء له خصائصُ الألوهية في نفوس المؤمنين، أليس الإله هو الذي يُعبد ويطاع، ويُخشى ويرتجى؟! وأليس أصحاب الأهواء والشهوات قد خضعوا لأهوائهم وأطاعوها فيما تحب وتكره، فلا يستطيعون إغضابها، ولا معارضة اتجاهاتها؟!

ليست العبودية قيدًا ولا سجنًا فحسب، فهذه أهون أنواع العبودية وأسرعها زوالاً، ولكن العبودية الحقة عادةٌ تتحكم، وشهوةٌ تستعلي، ولذةٌ تطاع، وليست الحرية هي القدرةَ على الانتقال من بلد إلى بلد، فتلك أيسرُ أنواع الحرية وأقلُّها ثمنًا، ولكن الحرية الحقة أن تستطيع السيطرة على أهوائك ونوازع الخير والشر في نفسك.

إن الحرية الحقة ألاَّ تستعبدَك عادةٌ، ولا تستذلَّك شهوة.

بهذا المعنى كان المؤمنون أحرارًا، لا تُحَدُّ حريتهم بحدود ولا قيود، إن الدين حرَّر نفوسِهِم من المطامع والأهواء والشهوات، وربط نفوسِهِم بالله خالق الكون والحياة، وقيد إرادتهم بإرادته وحده، والله هو الحق، وهو عنوان الخير والحب والرحمة، فمن استعبده الحقُّ والخير والرحمة، كان متحررًا من كل ما عداها من صفات مذمومة.

وإذا كان لا بد للإنسان من أن تَستَعبده فكرةٌ، أو نزعة، أو خلق، فالذين يستعبدهم الحق خيرٌ وأكرم ممن يستعبدهم الباطل، والذين تستعبدهم نزعة إنسانية كريمة، تستمد سموَّها من الله، أكرمُ ممن تستعبدهم نزعة شهوانية يمتدُّ نسبُها إلى الشيطان، والذين يخضعون لله، ويمتثلون أمره ونهيَه، أفضلُ وأكمل وأعقل ممن يخضعون لامرأةٍ أو كأس، أو مال أو لذة. أفلا ترى معي بَعَدَ هذا سخْفَ بعض التقدميين الذين يأبَون أن يُناديَهم الناس بأسمائهم كما سماهم آباؤهم (عبد الله، أو عبد الجواد) مثلاً، ويأنفون -في زعمهم- أن يوصفوا بالعبودية؟! أفلا ترى هؤلاء الذين يرفضون عبوديتهم لمن لا يملِكون لأنفسهم خروجًا عن سلطانه، ويَقبَلون عبوديتهم لأحقر شهوةٍ وأحط رغبة؟! ألا ترى هؤلاء يستحقون منك الإشفاق والرثاء، أكثر مما يثيرون في نفسك السخط والاستنكار؟

إن أوسع الناس حرية أشدُّهم لله عبودية، هؤلاء لا تستعبدهم غانية، ولا تتحكَّم فيهم شهوة، ولا يستذلهم مال، ولا تُضيِّع شهامتَهم لذة، ولا يَذِل كرامتَهم طمعٌ ولا جذع، ولا يتملكهم خوفٌ ولا هلع، لقد حررتْهم عبادةُ الله من خوف ما عداه {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [يونس: 62-64]. صدق الله؛ فقد انقطع هؤلاء بعبوديتهم له عن كلِّ خضوع لغير الله، فإذا هم في أنفسهم سادة، وفي حقيقتهم أحرار، وفي أخلاقهم نبلاء، وفي قلوبهم أغنياء، وذلك -لعمري- هو التحرر العظيم، وصدق رسول الله حين يقول: "ليس الغِنَى عن كثرة العَرَض، إنما الغنى غنى النفس". وما أجملَ قولَ ابن عطاء الله: أنت حر لما أنت عنه آيس، وعبد لما أنت له طامع!
 

حربي وربي الله

عضو مميز
التسجيل
13 سبتمبر 2011
المشاركات
3,084
الإقامة
جزيرة العرب
Happened_on_this_day_11.gif
 

حربي وربي الله

عضو مميز
التسجيل
13 سبتمبر 2011
المشاركات
3,084
الإقامة
جزيرة العرب
Happened_on_this_day_12.gif
 

jarrah_aam

عضو مميز
التسجيل
3 نوفمبر 2005
المشاركات
5,279
وقفة مع النفس :

لا تنظر إلى صِغرِ معصيتك . . ولكن انظر من عَصَيت؟!
* ولا تنظر إلى عظمِ طاعتك . . ولكن انظر كم أخلصت؟!
* ولا تنظر إلى مقدار علمك . . ولكن انظر كم عَمِلت؟!
* ولا تنظر إلى حجم ما تلقيت من المواعظ . . ولكن انظركم وَعَيت؟!
* ولا تنظر إلى كثرة أصحابك . . ولكن انظر من انتقيت؟!
* ولا تنظر إلى زيادة أموالك . . ولكن انظر كم تصدقت؟!
* ولا تنظر إلى كثرة ذكرك . . ولكن انظر كم لَغَوتَ؟!
* ولا تنظر إلى مقدار ما ترجوه من الرزق . . ولكن انظر كم اتقيت؟!
* ولا تنظر إلى مقدار خسارتك . . ولكن انظر كم عَصَيت؟!
* ولا تنظر إلى كثرة أبنائك . . ولكن انظر كم رَبَيت؟!
* ولا تنظر إلى الثناء على صلاحك . . ولكن انظر كم أصلحت؟!
* ولا تنظر إلى شرف نسبك . . ولكن انظر كم تواضعت؟!
* ولا تنظر إلى كمال عافيتك . . ولكن انظر كم شكرت؟!
* ولا تنظر إلى شراسة أعدائك . . ولكن انظر كم بالله اعتصمت؟
 

حربي وربي الله

عضو مميز
التسجيل
13 سبتمبر 2011
المشاركات
3,084
الإقامة
جزيرة العرب
Happened_on_this_day_13.gif
 

حربي وربي الله

عضو مميز
التسجيل
13 سبتمبر 2011
المشاركات
3,084
الإقامة
جزيرة العرب
Happened_on_this_day_14.gif
 

السعد محمد

عضو مميز
التسجيل
26 أكتوبر 2005
المشاركات
9,930
اطالب باغلاق الموضوع اونقله
الرجاء الالتزام بقانون المنتدى

شكرا لصاحب الموضوع
 

jarrah_aam

عضو مميز
التسجيل
3 نوفمبر 2005
المشاركات
5,279
اطالب باغلاق الموضوع اونقله
الرجاء الالتزام بقانون المنتدى

شكرا لصاحب الموضوع
اخي الكريم , قد طلبت في بداية الموضوع اذن المشرفين بالابقاء على الموضوع , خلال مدة الشهر من باب التذكير بما لهذا الشهر من خصوصية , في خضم ما يذكر في باقي المواضيع من امور دنيوية صرفة . وفي نهاية الشهر ان يتم نقله الى اي قسم يراه المشرفون مناسبا . على العموم اعتذر منك ان كان الموضوع قد تسبب لك في اي ازعاج .
 

jarrah_aam

عضو مميز
التسجيل
3 نوفمبر 2005
المشاركات
5,279
كيف لا يكون شهر رمضان شهر الرحمة والمغفرة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين». متفق عليه.

وروى الترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة».

وعند الطبراني: «إن الجنة لتزخرف وتنجد من الحول إلى الحول لدخول رمضان، فتقول الحور: يا رب اجعل لنا في هذا الشهر من عبادك أزواجاً تقر أعيننا بهم، وتقر أعينهم بنا».

نعم... كيف لا يكون هذا الشهر العظيم من أسباب المغفرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر». رواه مسلم.

كيف لا يكون رمضان شهر الرحمة والمغفرة والحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه». متفق عليه.

ويقول: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه».متفق عليه.
ويقول: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه». متفق عليه.

وأخبر الصادق المصدوق عن الله تعالى أنه قال: «كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك». رواه أحمد وأصله في الصحيح.

قال ابن عمر رضي الله عنهما: "الصيام لله، لا يعلم ثواب عمله إلا الله عز وجل" رواه الطبراني

وقال سفيان بن عيينة: "إن ثواب الصيام لا يأخذه الغرماء في المظالم بل يدخره الله عنده للصائم، حتى يدخله به الجنة".

وقال بعض السلف: "طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد غيب لم يره".

ويعطى الصائم في الجنة ما شاء الله من الطعام والشراب والنكاح قال تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ } [الحاقة: 24]

قال مجاهد وغيره: "نزلت في الصائمين".

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل: «إنك لن تدع شيئاً اتقاء الله تبارك وتعالى إلا أتاك الله خيراً منه». رواه أحمد.

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم..». وفي رواية: «من دخل منه شرب ومن شرب منه لم يظمأ أبداً». رواه أحمد.

روى الإمام أحمد في سنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان، لم تعطها أمة قبلهم، خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله تعالى كل يوم جنته، ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك، ويصفد فيه مردة الشياطين، فلا يخلصوا إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة».
قيل: يا رسول الله أهي ليلة القدر؟
قال: «لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله».

وشهر رمضان هو شهر القرآن، الذي تكرم الله به على البشرية ورفع به شأن الإنسانية، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة: 185]

قال ابن عباس ترجمان القرآن رضي الله عنهما: "أنزل القرآن في رمضان في ليلة القدر، وفي ليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل على مواقع النجوم ترتيلاً في الشهور والأيام".

أوليس من حرم كل هذا الفضل محروماً؟!

أوليس الذي انقضى عنه الشهر ولم ينل الحظ الوافر من المغفرة والرحمة مغبوناً؟!

أبشروا يا معاشر المسلمين، لهذه أبواب الجنة الثمانية في هذا الشهر لأجلكم قد فتحت، ونسماتها على قلوب المؤمنين قد نفحت، وأبواب الجحيم كلها لأجلكم مغلقة، وأقدام إبليس وذريته من أجلكم موثقة.. فأين المشمرون؟

رمضان..مدرسة التقوى ..

ها قد جاءكم رمضان.. شهر القرآن والتوبة والإنابة..

لنجعل منه منطلقاً لتوبة نصوح خالصة مع الله، علها تزيل ذنوبنا، وتمحو خطايانا، وسيئاتنا..

لما سلسل الشيطان في شهر رمضان وخمدت نيران الشهوات بالصيام، انعزل سلطان الهوى، وصارت الدولة لحاكم العقل بالعدل، فلم يبق للعاصي عذر.

يا غيوم الغفلة عن القلوب تقشعي... يا شموس التقوى والإيمان اطلعي... يا صحائف أعمال الصالحين ارتفعي... يا قلوب الصائمين اخشعي... يا أقدام المجتهدين اسجدي لربك واركعي... يا عيون المجتهدين لا تهجعي... ويا سماء النفوس أقلعي... يا بروق الأشواق للعشاق المعي... يا خواطر العارفين ارتعي... يا همم المحبين بغير الله لا تقنعي...

لو قام المذنبون في هذه الأسحار على أقدام الانكسار، ورفعوا قصص الاعتذار مضمونها: { يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} [يوسف: 88]

لبرز لهم التوقيع عليها: {قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } [يوسف: 92]

إن من لم يتب في ر مضان، فمتى سيتوب؟!
من لم يعد إلى الله تعالى في رمضان، فمتى سيعود؟!
من لم يحافظ على الصلوات والواجبات في رمضان، فمتى؟!
من لم يقلع عن المعاصي والآثام في رمضان، فمتى إذاً؟!

إن الأعمار تفنى، والأيام تطوى، وبين غمضة عين وانتباهتها ينتقل الإنسان من ظهر الأرض إلى بطنها.
فالتوبة التوبة ، والاستغفار الاستغفار .. فهذا شهر رمضان شهر التوبة والاستغفار..

قال بعض السلف: "وأنفع الاستغفار ما قارنته التوبة، وهي حل عقدة الإصرار، فمن استغفر بلسانه وقلبه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إلى المعاصي بعد الشهر ويعود، فصومه عليه مردود، وباب القبول عنه مسدود.

قال كعب: "من صام رمضان وهو يحدث نفسه أنه إذا أفطر بعد رمضان عصى ربه فصيامه عليه مردود".

من يرد ملــك الجـــــنان *** فليدع عنه التواني
وليقم في ظلمــة الليل *** إلى نور القرآن
وليصل صــــوماً بصــــوم *** إن هذا العيش فاني

كان مطوف يقول في دعائه: "اللهم ارض عنا، فإن لم ترض عنا فاعف عنا".

وصدق والله.. فمن عظمت ذنوبه في نفسه لم يطمع في الرضا ، وكان غاية أمله أن يطمع في العفو، ومن كملت معرفته لم ير نفسه إلا في هذه المنزلة.

يارب عبـــدك قــد أتـــاك *** وقد أساء وقد هفا
يكفـــــيـه منــك حيــــاؤه *** من سوء ما قد أسلفا
حمـــــل الذنــــوب على *** الذنوب الموبقات وأسرفا
وقد استجار بذيل عفوك *** من عقابك ملحفا
يارب فـــاعف وعـــافــــه *** فلأنت أولى من عفا

هذا شهر المذنبين، هذا شهر المفرطين، هذا شهر المسرفين..

أين أنتم يا مسلمون: أما تعتبرون أما تتذكرون إن في تضمين قوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [البقرة: 186]

بين آيات الصيام عبرة للمعتبرين وآية للمذنبين ودلالة على فضل العمل الصالح، والدعاء في هذا الشهر الكريم وهو مظنة القبول والعفو والغفران.

وفي المسند وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم».
الحديث وعند أبي داود عن عبدالله بن عمرو وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة».

قال عبيد الله بن أبي مليكة: سمعت عبدالله بن عمرو يقول إذا أفطر: "اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي".

لقد فهم سلف الأمة خطاب رب الأنام، وعرفوا قيمة الزمان وحرمة الأيام، فأعطوا للتاريخ نماذج يعجر اللسان عن ذكرها ويعجب البليد من فهمها، فهذا الشافعي رحمه الله كان له في رمضان ستون ختمة، وكان الزهري إذا دخل رمضان قال إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام، وكا ن مالك إذا دخل رمضان نفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف .

أما آن لنا أن نفهم الحكمة كما فهموها، ونعمل الصالحات كما عملوها، وننال المنزلة التي نزلوها؟!

أيها المبارك... لنجعل من رمضان مدرسة نتعلم منها الصبر ، فرمضان شهر الصبر كما روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود.«والصوم نصف الصبر».
كما ورد به الخبر عنه صلى الله عليه وسلم رواه الترمذي.

لنتعلم فيه الصبر على طاعة الله من صيام وصلاة وقيام وقراءة للقرآن وصدقة.. فهذا نبي الأمة صلى الله عليه وسلم يترجم لنا ذلك واقعاً ملموساً في حياته، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتهجد في ليالي رمضان، ويقرأ قراءة مرتلة، لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ، فيجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكر وهذا أفضل الأعمال وأكملها.

وللصدقة في رمضان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم شأن ففي الصحيحين أن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة، وقد سئل عليه السلام أي الصدقة أفضل؟
قال: «صدقة في رمضان». رواه الترمذي

قال الشافعي: "أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم.

وذكر أبو بكر بن أبي مريم عن أشياخه أنهم كانوا يقولون: "إذا حضر شهر رمضان فانبسطوا فيه بالنفقة فإن النفقة فيه مضاعفة، كالنفقة في سبيل الله، وتسبيحة فيه أفضل من ألف تسبيحة في غيره.

وقد حدث زيد بن خالد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من فطر صائماً كتب له مثل أجر الصائم لا ينقص من أجر الصائم». رواه أحمد وغيره.

سئل بعض السلف لم شرع الصيام؟
قال: ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينس الجائع..

قال ابن رجب: "فمن لم يقدر فيه على درجة الإيثار على نفسه، فلا يعجز عن درجة أهل المواساة".

كان ابن عمر يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعه أهله عنهم، لم يتعش تلك الليلة.

واشتهى بعض الصالحين طعاماً وكان صائماً فوضع بين يديه عند فطوره، فسمع سائلاً يقول: من يقرض المللي الوفي الغني؟
فقال: عبده المعدم من الحسنات، فقام فأخذ الصحفة فخرج بها إليه، وبات طاوياً.

وجاء سائل إلى الإمام أحمد، فدفع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره، ثم طوى أصبح صائماً.

وللعمرة في رمضان شأن خاص، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار: «ما منعك أن تحجين معنا؟»
قالت: كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه لزوجها وابنها، وترك ناضحاً ننضح عليه
قال: «فإذا كان رمضان اعتمري فيه فإن عمرة في رمضان حجة». أو نحو مما قال.

كما لنتعلم من شهرنا الصبر عن معاصي الله، من غيبة ونميمة وفحش الكلام، ومنكرات الأفعال والسماع والنظر قال صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور، والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه». أخرجه البخاري .

فليس الصوم الحقيقي الإمساك عن الطعام والشراب، ولكنه مدرسة تربى فيها النفوس على البعد عن المباحات، حتى تألف بعدها وتعتاد عليه، فيصبح البعد عن الشرور والمعاصي سهلاً يسيراً ومن باب أولى، وفي الأثر: «ليس الصيام من الطعام والشراب، وإنما الصيام من اللغو والرفث». قال الحافظ أبو موسى المديني هو على شرط مسلم.

قال بعض السلف: "أهون الصيام ترك الشراب والطعام".
وقال جابر: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم".

إذا لم يكن في السمع مني تـــــصاون *** وفي بصري غض وفي منطقي صمت
فحظي إذاً من صومي الجوع والظــــمأ *** فإن قلت إني صمت يومي فما صمت

قال ابن رجب: "وسر هذا، أن التقرب إلى الله تعالى بترك المباحات لا يكمل إلا بعد التقرب إليه بترك المحرمات.. ولهذا المعنى والله أعلم ورد في القرآن بعد ذكر تحريم الطعام والشراب على الصائم بالنهار، ذكر تحريم أكل أموال الناس بالباطل".

واعلم وفقك الله.. إنك بصبرك عما تقوم عليه حياتك، من أكل وشرب، وعن شهواتك من جماع وغيره، في نهار كامل، في شهر كامل، فأنت على الصبر عن معاصي الله وعلى طاعته باقي عمرك أقدر وأصبر.

ومتى ما تعلمنا من شهرنا الصبر على طاعة الله، والصبر عما حرم الله، فقد حققنا التقوى التي أرادها ربنا سبحانه وتعالى بفرضية الصيام علينا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]

فالقضية ليست تعطيشاً وتجويعاً، وإنما هي تربية على المبادرة للطاعات، والاستجابة للأوامر، وفي الأمر بتعديل الفطور وتأخير السحور، وتفضيل ذلك، ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، روى الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطر».

أسأل الله أن يجعلني وإياك ممن صام رمضان، وقامه إيماناً واحتساباً، وأن يجعلنا من عتقائه في هذا الشهر الكريم من النار.
 

حربي وربي الله

عضو مميز
التسجيل
13 سبتمبر 2011
المشاركات
3,084
الإقامة
جزيرة العرب
Happened_on_this_day_15.gif
 

حربي وربي الله

عضو مميز
التسجيل
13 سبتمبر 2011
المشاركات
3,084
الإقامة
جزيرة العرب
Happened_on_this_day_16.gif
 

jarrah_aam

عضو مميز
التسجيل
3 نوفمبر 2005
المشاركات
5,279
شهر القران :

قال فضيلة الشيخ العلامة الصالح العثيمين رحمه الله :
" فاجْتهدوا إخواني في كثرةِ قراءةِ القرآنِ المباركِ لا سيَّما في هذا الشهرِ الَّذِي أنْزل فيه فإنَّ لكثْرة القراءةِ فيه مزيَّةً خاصةً.
كان جبريلُ يُعارضُ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم القُرْآنَ في رمضانَ كلَّ سنةٍ مرّةً. فَلَمَّا كان العامُ الَّذي تُوُفِّي فيه عارضَه مرَّتين تأكيداً وتثبيتاً.
وكان السَّلفُ الصالحُ رضي الله عنهم يُكثِرون من تلاوةِ القرآنِ في رمضانَ في الصلاةِ وغيرها.
كان الزُّهْرِيُّ رحمه الله إذا دخلَ رمضانُ يقول إنما هو تلاوةُ القرآنِ وإطْعَامُ الطَّعامِ.
وكان مالكٌ رحمه الله إذا دخلَ رمضانُ تركَ قراءةَ الحديثِ وَمَجَالسَ العلمِ وأقبَل على قراءةِ القرآنِ من المصْحف.
وكان قتادةُ رحمه الله يخْتِم القرآنَ في كلِّ سبعِ ليالٍ دائماً وفي رمضانَ في كلِّ ثلاثٍ وفي العشْرِ الأخير منه في كلِّ ليلةٍ.
وكان إبراهيمُ النَخعِيُّ رحمه الله يختم القرآن في رمضان في كلِّ ثلاثِ ليالٍ وفي العشر الأواخِرِ في كلِّ ليلتينِ.
وكان الأسْودُ رحمه الله يقرأ القرآنَ كلَّه في ليلتين في جميع الشَّهر.
فاقْتدُوا رحمَكُمُ الله بهؤلاء الأخْيار، واتَّبعوا طريقهم تلحقوا بالْبرَرَةِ الأطهار، واغْتَنموا ساعات اللَّيلِ والنهار، بما يُقرِّبُكمْ إلى العزيز الغَفَّار، فإنَّ الأعمارَ تُطوى سريعاً، والأوقاتَ تمْضِي جميعاً وكأنها ساعة من نَهار.
اللَّهُمَّ ارزقْنا تلاوةَ كتابِكَ على الوجهِ الَّذِي يرْضيك عنَّا. واهدِنا به سُبُلَ السلام. وأخْرِجنَا بِه من الظُّلُماتِ إلى النُّور. واجعلْه حُجَّةً لَنَا لا علينا يا ربَّ العالَمِين. " آمين

وقال فضيلته رحمه الله :
" فمِنْ آداب التِّلاوَةِ إخْلاصُ النيِّةِ لله تعالى فيها لأنَّ تِلاَوَةَ القرآنِ من العباداتِ الجَليلةِ، كما سبقَ بَيَانُ فضلها، وقد قال الله تعالى {فَادْعُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـفِرُونَ } [غافر: 14]، وقال: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينِ } [الزمر: 2].

وقال تعالى: {وَمَآ أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُواْ الزَّكَوةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ } [البينة: 5]، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم: «اقْرَؤُوا القرآنَ وابْتغُوا به وجهَ الله عزَّ وجلَّ مِن قبلِ أن يأتيَ قومٌ يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه»، رواه أحمد. ومعنى يتعجَّلونه يَطْلبون به أجْرَ الدُّنيا.

ومِنْ آدَابِها: أنْ يقرأ بقلْبٍ حاضرٍ يتدبَّرُ ما يقْرَأ ويتفهَّمُ معانِيَهُ ويَخْشعُ عند ذلك قَلْبُه ويَسْتحضر بأنَّ الله يخاطِبُه فيه هذا القرآن لأنَّ القُرْآنَ كلامُ الله عزَّ وجَلَّ.

ومِنْ آدَابِها: أنْ يَقْرَأ على طهارةٍ لأن هذا من تعظيم كلامِ الله عزَّ وجل، ولا يَقْرأ الْقُرآنَ وهو جُنُبٌ حَتَّى يَغْتَسِلَ إِنْ قدِر على الماءِ أو يَتيمَّم إنْ كان عاجزاً عن استعمال الماء لمرضٍ أوْ عَدَم. ولِلْجُنُبِ أن يذْكُرَ الله ويَدْعُوَهُ بِما يُوَافقُ الْقُرْآنَ إذا لم يقصدِ القرآنَ، مِثْلُ أن يقولَ: لا إِله إِلاَّ أنتَ سبحانَكَ إني كنتُ من الظالمين، أوْ يقولَ: ربنا لا تُزغْ قُلوبَنا بعد إذْ هَدَيتْنَا وهَبْ لَنَا من لَدُنْكَ رحمةً إنك أنتَ الوَهَّاب.

ومنْ آدَابِها: أنْ لا يقرأ القرآنَ في الأماكِنِ المسْتَقْذَرة أو في مجمعٍ لا يُنْصَتُ فيه لقراءتِه لأن قراءَتَه في مثل ذلكَ إهانةٌ له. ولا يجوز أن يقرأ القرآن في بْيتِ الخلاءِ ونحوه مما أُعِدَّ للتَّبَوُّلِ أو التَّغَوُّطِ لأنه لا يَلِيْقُ بالقرآنِ الكريمِ.

ومِنْ آدابِها: أن يستعيذَ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ عندَ إرادةِ القراءة لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَـنِ الرَّجِيمِ } [النحل: 98] ولئلاَّ يَصُدَّه الشيطانُ عن القراءةِ أوْ كمالِها. وأمَّا الْبَسْمَلةُ فإنْ كان ابتداءُ قِرَاءتِه منْ أثْنَاءِ السُّوْرَةِ فلا يُبَسْمِلُ، وإنْ كانَ من أوَّلِ السورةِ فَلْيُبَسْمِلْ إلا في سورةِ التَّوْبةِ فإنَّه ليس في أوَّلها بَسْملةٌ. لأنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم أشْكَلَ عليهم حينَ كتابةِ المِصْحفِ هل هي سورةٌ مُسْتَقِلَّةٌ أو بقيَّةُ الأنْفال ففَصَلُوا بينهما بدونِ بَسْمَلةٍ وهذا الاجتهاد هو المطابق للواقع بلا رَيْبٍ إذْ لو كانت البَسْمَلة قد نزلت في أولها لَبَقِيَتْ محفوظة بحفظ الله عزَّ وجل لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـفِظُونَ } [الحجر: 9].

ومِن آدَابِها: أن يُحَسَّنَ صوتَه بالقُرآنِ ويترَّنَّمَ به، لمَا في الصحيحين من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «ما أذِنَ الله لِشَيْء (أي ما اسْتَمَع لشيءٍ) كما أذِنَ لنَبِيٍّ حَسنِ الصوتِ يَتغنَّى بالقرآنِ يَجْهرُ به». وفيهما عن جبيرِ بن مُطْعمٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم يقرأُ في المَغربِ بالطُّورِ فما سمعتُ أحداً أحسنَ صوتاً أو قراءةً منه صلى الله عليه وسلّم. لكِنْ إنْ كان حوْلَ القارأ أحدٌ يتأذَّى بِجهْرهِ في قراءتِه كالنائم والمصِّلي ونحوهما فإنَّه لا يجْهرُ جهْراً يشَوِّشُ عليه أو يؤذيه، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم خَرجَ على الناسِ وهُمْ يُصَلُّون ويجهرون بالقراءةِ فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إن المُصَلّي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به ولا يجهرْ بعضُكم على بعضٍ في القرآن»، رواه مالك في المُوَطَّأ. وقال ابن عبدالبر: وهو حديث صحيح.

ومِن آدَابِها: أنْ يُرتِّلَ القرآنَ ترتيلاً لقوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلاً } [المزمل: 4] فيقْرأهُ بتَمهُّلٍ بدونِ سُرعةٍ لأنَّ ذلك أعْوَنُ على تدَبُّر معانِيه وتقويمِ حروفِه وألْفاظِه.

وفي صحيح البخاريِّ عن أنس بن مالِك رضي الله عنه أنه سُئِل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: كانتْ مَدَّاً ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمدُّ بسم الله ويَمدُّ الرحمن ويمدُّ الرحيم،

وسُئِلتْ أمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها عنها عن قراءةِ النبي صلى الله عليه وسلّم فقالت: كان يُقَطِّعُ قراءتَه آيَةً آيةً، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَـلَمِينَ * الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ الرَّحِيمِ * مَـلِكِ يَوْمِ الدِّينِ الدِّينِ ، رواه أحمدُ وأبو داود والترمذي،

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لا تَنْثُروُه نثْرَ الرَّملِ ولا تهذُّوه هَذَّ الشِّعْرِ، قِفُوْا عند عجائِبِه وحَرِّكُوا بهِ القلوبَ ولا يكنْ هَمُّ أحَدِكم آخِرَ السورةِ. ولا بأْسَ بالسرعةِ الَّتِي ليس فيها إخْلالٌ باللفظِ بإسْقاط بعضِ الحروفِ أوْ إدغام ما لا يصح إدْغامُه. فإنْ كان فيها إخلالٌ باللفظِ فهي حرَامٌ لأنها تغييرٌ للقرآنِ.

ومِنْ آدَابِها: أنْ يسجدَ إذا مرَّ بآيةِ سَجْدةٍ وهو على وضوءٍ في أيِّ وقتٍ كان مِنْ ليلٍ أوْ نهارٍ، فيُكبِّرُ للسجودِ ويقولُ: سبحان ربِّي الأعلى، ويدْعُو، ثم يرفعُ مِنَ السجودِ بدونِ تكبير ولا سلامٍ، لأنَّه لم يردْ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم إلاَّ أنْ يكونَ السجودُ في أثْناءِ الصلاةِ فإنه يكَبِّر إذا سَجَد وإذا قام، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه كان يُكبِّر في الصلاةِ كُلَّما خَفَضَ وَرفَعَ ويُحَدِّثُ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم كان يَفْعَلُ ذَلِك، رواه مسلم.

وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم يُكبِّر في كلِّ رَفعٍ وخَفْضٍ وقيامٍ وقعودٍ، رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه. وهذا يعُمُّ سجودَ الصلاةِ وسجودَ التلاوةِ في الصلاةِ.

هذه بعض آدابِ القراءةِ، فتأدَّبُوا بِها واحرِصوا عليها وابتغُوا بها من فضلِ الله.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنا من المعظِّمين لحرماتِك، الفائزين بهباتِك، الوارِثين لِجنَّاتِكَ، واغْفِرْ لَنَا ولوالِدِينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آلِهِ وصحبه أجمعين
 

jarrah_aam

عضو مميز
التسجيل
3 نوفمبر 2005
المشاركات
5,279
أعلى