كيف تربح الملايين في زمن الاكتتابات

sm111

عضو جديد
التسجيل
6 فبراير 2006
المشاركات
7
المجهر الاقتصادي
كيف تربح الملايين في زمن الاكتتابات
فهد عبدالله العجلان


فعالية سوق المال لابد لها من وعي، جملة قد تقال في مكان ما فينفض الناس عنها لأنها لا تحمل وهج الدعم ولا المساندة ولا نوبات التصحيح.... جملة تقليدية... غير أن لها وهجا أو وجعا آخر حين يصبح المرء قصة تروى بسبب اختلال في جملة!! قصة تتكرر كل يوم تبدأ أو بدأت مع اتساع دائرة الحلم بالملايين جملة واحدة.. قبل أن يزورنا في صحيفة الجزيرة اخبرني انه تردد كثيرا، تردد أن يقدم نفسه بموقع الضحية أو ان يصبح قصة يقرؤها الناس، تحدث إلي والحزن يعصر قلبه قائلا: لابد أن أتحدث حتى لا يبهر نور الملايين أعين أقوام غيري فتعمى بصيرتهم كما عميت بصيرتي.حين استقبلته في مكتبي كنت اعلم أن قلب المهنة يحمل أكثر من هم؛ هم السبق الصحفي الذي يجعل المنتمين إلى صاحبة الجلالة في ركض لا يستكين... عرفت أن الرجل لا يحمل خبرا جديدا يجهله الناس... لكني أيضا أيقنت أن هموما أخرى لا تقل شأنا هي بذات الأهمية... على الأقل في صحيفة الجزيرة حيث نعتنق هم تفعيل دورنا في تحذير الناس قبل دور المعالجة. ترددت قبل أن اكتب حول هذا الموضوع، وكان مبعث ترددي وعجبي أن المرء لا يحتاج إلى مجهر ليرى جبل، غير أن المجهر يحمل طرفا آخر يُصغر الصورة أيضا كما يكبرها، وأمر كهذا لابد من استخدام الطرف الآخر من المجهر ليساعد من اقتربت الصورة منه بشكل لا يمكن معه رؤيتها.
كان صوته متحشرجا بالحسرة وهو يحدثني، وكان يمكن أن أقوم بدور الواعظ وألومه على كل شيء لكنه حاصرني بصراحة تامة انه ضحية اللهث وراء الملايين في زمن الاكتتابات.... ضحية خدعة اسمها (كيف تربح الملايين في زمن الاكتتابات).
روى لي القصة هكذا وكما يقرؤها القارئ الكريم وليس لي من فضل سوى صياغتها لأن جرحه كان اكبر من أن يسير على ضفاف الكلمات فلا يتعثر بها، حين رأى طفرة الأسهم وسمع قصص الثراء التي نسجت من خيوط هذا السوق أصبح يحدث نفسه: لم لا يكون أحدهم؟ كان السؤال يتردد داخله بين حين وآخر وكان دائما ما يطرده بأنه لا يفهم في هذا السوق سوى ما فهم أهل عصر أبي تمام من شعره، كان يشعر بذات الشعور وذات الأسئلة تنمو فيمن حوله من الأقارب والأصدقاء حين اجتمعت كل أحلام هؤلاء في شخصه،أصبح الحلم اكبر من أن يحمله، جمع له الأقارب والأصدقاء ما يربو على سبعة مليوني ريال... مبلغ كان يفترض بأن يتضاعف إلى العشرة أو العشرين ضعفا في صفقة واحدة.وكان هذا هو الفخ الذي أوقع به والقشة التي قصمت ظهر محفظته، كان يوما يشابه هذه الأيام، حيث لايسأل المرء عن حال صاحبه وإنما عن حال اكتتابه، كان اقصر طريق للملايين جملة واحدة هو استثمار المبلغ في جمع اكبر عدد من أولئك الذين يقدمون أسماءهم للمستثمر عن طريق الاكتتاب، أو من يمكن وصفهم المكتتبين بالتبني، هذا المناخ لابد وان يفرز شيئا حتى تكتمل معادلة الحلم، ولقد ذكرني ذلك ما كنت قد قرأته أن مناخ الانتعاش الاقتصادي هو أفضل مناخ لانتعاش الاحتيال، وهذا الرأي لا يستند إلى دراسة علمية وإنما يعبر عن رأي صاحبه... والاحتيال هو من أوقع بأحلام الرجل.اتصل بالرجل عدد من الوسطاء الذين ابرموا أمرا بليل وزرعوا له طريق الملايين بالورود وأقنعوه أن بإمكانهم تأمين أسماء عدد كبير من المكتتبين نظير نسبة محددة تعود عليهم بالربح في نهاية الاكتتاب، وكان جهل الرجل أو طمعه مطية أولئك فقد سألوه المبلغ على دفعات وأوهموه أن العمل يسير على مايرام وبلغ من استهتارهم بجهله أن استأجروا احد الأشخاص ليستقبل الرجل في أحد البنوك حين أصر على أن يتأكد من أن كل شيء يسير على مايرام، قد لا تبدو الصورة واضحة للقارئ لكن إذا زرع داخل زحام بنك شخص محترف وانتحل صفة موظف وبيده أوراق مزورة وقدمها لرجل لايعرف في تفاصيل البنوك شيئا... تصبح الصورة منطقية.. بل ومنطقية جدا وهو ما حدث.
بعد أن كثرت استفسارات الرجل عن أمواله أو استثماراته وكثر من جانب أولئك التسويف... توجس الرجل الريبة وشعر بأن وراء الأكمة ماوراءها فتغيرت لغته معهم ولم يكن أمامهم حينها سوى التكذيب وإلقاء اللوم على بعضهم بعض.اخبرني الرجل بأنه ذهب إلى احد المحامين فاستبشر به كعميل جديد في ملف الاحتيال وأشار بأنه لن يمس الملف سوى بدفعة أولى وقد نالها ثم نال أخرى وباشر القضية باعتبارها قضية حقوقية وأصبح العون فرعون، حدثني الرجل أن الله قد خفف عنه بأن دله أحد المشفقين وهو محام نزيه فتح أمامه تحويل القضية باعتبارها جنائية وليست حقوقية... وتم على إثرها تقديم شكوى إلى الشرطة باعتبارها قضية تزييف وتزوير... قبل أن يخرج الرجل من مكتبي اخبرني أن عددا كبيرا من الشركات سوف يطرح للاكتتاب... وانه يشفق علي من زيارات كثيرة قد يقوم بها بعض الأفراد ليروون ذات القصة... خرج فقررت نشر ذلك حتى لا يصدق توقعه
 
أعلى