ماليزيا... ليست حقيبة سفر ولا مهاتير محمد!!

sm111

عضو جديد
التسجيل
6 فبراير 2006
المشاركات
7
ماليزيا... ليست حقيبة سفر ولا مهاتير محمد!!
فهد بن عبدالله العجلان


ثلاثة كنت أستحضرهم وأنا اكتب هذا المقال... كنت على يقين أن ما سأكتبه لن يروق لهم!! أولهم عربي استطاب عسل المؤامرة فلا يطيب في فمه سواه... وثانيهم مسلم لا تتفق ثوابت الأمة وشروط التقدم الاقتصادي في رأسه!! وآخرهم ماليزي مازال يعتقد أن أمام التجربة الكثير لتنضج!!
من يستهويه ذكرها لا يعرفها إلا من خلال حقيبة سفر!! ومن أؤتي نصيباً من العلم يختزلها في مهاتير محمد!!
هي ليست كذلك وإن كانت تخلق السياحة فيها أكثر من نصف مليون وظيفة سنوياً ويزورها أكثر من 12 مليون سائح.... وهي ليست كذلك وإن كان مهاتير محمد أول من أطلق عنان البصر فيها إلى الشرق (Looking East)... ورفض شروط البنك الدولي لإنقاذها من أزمة انهيار السوق المالية الآسيوية حين كانت هي الخشبة الوحيدة المتاحة في محيط الأزمة آنذاك!!
ماليزيا... النموذج الذي عرى نظرية المؤامرة على البلدان الإسلامية!! لا يمكن اختصارها في أدبيات الاقتصاد بالتجربة!! حتى وإن اقتفت إثر التجربتين اليابانية والكورية الجنوبية.... هي حالة تنموية وقد تكون أبعد من ذلك!!... لم أكن لا أصفها بالحالة لو لم اقرأ لأحد الماليزيين ذات يوم تحذيره من أن التجربة الماليزية لا ينبغي لها أن تدرس لأنها لم تنته بعد!!.... ربما لو كانت تجربة لقضى عليها وباء 1997م الذي أصاب الأسواق المالية الآسيوية حينها... هي رواية إنسانية تنموية لم تعتمد الإنسان فقط مصدراً للتقدم، بل إيمان الإنسان وارتباط المكان وتسابق الزمان..
كثيرون ممن درسوا ماليزيا لا يرونها أكثر من دولة نبتت في غابة الاقتصاد العالمي تحت ظلال سيوف الحرب الباردة ... وبعضهم يراها استنساخاً اقتصادياً من تنين الشرق الأول (اليابان) ولكن بشروط إسلامية... وآخرون يرونها نموذجاً أراد الغرب الرأسمالي أن يجسده في الشرق لمحاربة المد الشيوعي... كان يمكن أن أؤمن برواية من تلك الروايات لكن ماليزيا رواية أخرى قدر لي أن ادرسها وأعيش مع بعض أبنائها.. قد تكون مفاجأة للبعض حين يقال بأن ماليزيا روح قومية نشأت في خضم تنوع عرقي أسس على العدالة!! هي كذلك مع أن القومية قد لا تكون الكلمة المناسبة للتداول في تاريخ عربي أثقل بخطايا القومية التي عزلت العرب في برج اعتقدوا أن فوهته في السماء وإذ بها في الأرض!!
ماليزيا (الدولة) ظهرت إلى الوجود حين حصلت شبه جزيرة مالايا على استقلالها عام 1957م ثم شرعت في تشكيل دولة اتحادية عام 1963م عبر اتحاد مستعمرات بريطانية سابقة هي مالايا وسنغافورة وساراواك وبورنيو.... لكن الشعور القومي في ماليزيا لم يستنهضه حدث كما استنهضته صدمة انفصال سنغافورة عن ماليزيا عام 1965م.... يومها تولد شعور ماليزي قوي بأن تماسك ماليزيا وقوتها لابد أن يبنى على أساس اقتصادي قوي وعادل... ذلك التاريخ المؤلم عزز في الشخصية الماليزية الشعور بالحذر والاستعداد للصدمات والشجاعة على الاعتراف بالأخطاء وتصحيحها وهو ما دأب عليه الزعماء الماليزيون منذ أن ترك جرح انفصال ماليزيا أثراً في ذاكرة ماليزيا (التاريخ)!! وقد يكون ذلك اليوم التاريخ الحقيقي للحالة الماليزية!! الحديث عن الاعتراف بالفشل في ماليزيا لا يخطئه الدارس لماليزيا الاقتصادية فحين تجلت الشجاعة في تبين فشل سياسة إحلال الواردات ودعم مؤسسة الصناعات الثقيلة التي انتهجتها ماليزيا في مطلع الثمانينات.. تم التحول إلى سياسة التصدير إلى الخارج والاعتماد على القطاع الخاص... كانت ماليزيا تدرك انه خيار صعب وتدرك أن القطاع الخاص ودوره الفاعل هو خيار المستقبل.... مهاتير محمد (الرمز) كان يقول بأن المرء لا يمكن أن يكون مليونيرا ما لم يستطع صناعة المليونيرات!!
ما أصيبت به كثير من الدول هو الانغماس في التاريخ أو الانصراف للحاضر... لكن ماليزيا تعيش شكلاً آخر منه... شكلاً يرتبط بالشخصية الماليزية المتطلعة دائماً للمستقبل... الشخصية التي استطاعت أن تجعل نصيب الفرد الماليزي من صادرات البلد 4800 دولار متجاوزاً بذلك نصيب الفرد الأمريكي في صادرات بلاده (3100 دولار) بمبلغ 1700 دولار!! الأمر الذي هيأ ماليزيا لتحتل المرتبة التاسعة ضمن أهم 30 دولة مصدرة للتقنية المتقدمة حيث تعد أكبر مصدر في البلاد النامية لأشباه الموصلات (الشرائح الإلكترونية)... متجاوزة في ذلك دولاً صناعية مهمة مثل الصين وإيطاليا والسويد..
وقد يكون اللافت في الحالة الماليزية الاقتصادية هو عدم السعي إلى رفع مستوى النمو الاقتصادي والذي بلغ 8% طيلة السنوات الماضية وإنما الاحتفاظ بهذا المعدل باعتباره معدلاً عالياً لبلد بلغ معدل استثمار رأس المال إلى إجمالي الناتج المحلي حوالي 45% والذي يعد الأعلى بين دول جنوب آسيا!!..
أخيراً لا بد من القول ان ماليزيا تنظر إلى الأعلى وتستشرف المستقبل دائماً... ولاتزال كذلك منذ أن استعدت للدخول إلى القرن العشرين قبل قدومه من خلال الخطة التي وضعتها حتى عام 2020م.
هذه الخطة قد تمهد لماليزيا أخرى في عام 2050 أو ما بعدها باعتبار أن كثيراً من الخطط الإستراتيجية والأحداث الكبرى لا تقطف ثمارها أو تظهر آثارها إلا بعد عقود أن لم تكن قروناً!! وقد سئل أحد القادة الفرنسيين بعد مضي أكثر من 100 عام على انتهاء الثورة الفرنسية عن آثارها فأجاب: أن الوقت ما يزال مبكراً لمعرفة الآثار!!
 
أعلى