أحاديث في مستقبل الحكم

nabeels8

موقوف
التسجيل
23 يونيو 2004
المشاركات
5,436
الإقامة
في البيت
محمد عبدالقادر الجاسم المحامي

أحاديث في مستقبل الحكم(1)


الحديث الأول
شراكة مع فئة من طبقة!

في دول الخليج, وتحديدا في أوساط رسمية وشعبية, هناك "عدم ارتياح" مما يجري في الكويت, فهم يعتقدون أن (الحكم) في الكويت بدأ (يضعف) أو يفقد قوته. ولا أظن أنني اختلف معهم في هذه النقطة بالذات, وإن كنت اختلف معهم حول الأسباب والعلاج.

بعيدا عن صخب الانتخابات والدوائر الانتخابية, وحركة الشباب والبرتقالي, وبعيدا عن وزراء التأزيم والرشاوى السياسية والفساد, ومن صوت لجاسم الخرافي, بعيدا عن هذا كله تعالوا نفكر بصوت مسموع حول مستقبل بلدنا, وتحديدا مستقبل (الحكم) في بلدنا. نريد نقاشا هادئا ليس فيه مؤيد ولا معارض ولا تشكيك في النوايا, نريده نقاشا يتناسب مع أهمية القضية, وهي قضية (مستقبل الحكم) في الكويت.

هناك إشارات سياسية التقطتها منذ فترة, دفعتني إلى التفكير في مستقبل الحكم في الكويت. وقد عرضت أغلبها في مقالات متفرقة في هذا الموقع وعلى مدى أكثر من عام وبصياغة مختلفة. بيد أنني أرغب اليوم في إعادة صياغة وتجميع تلك الإشارات مع ما استجد منها كي أفتح نقاشا عاما بشأن تأثيرها على قدرة (الحكم) على الاستمرار. وفي حال تلقيت تعليقات جادة حول الموضوع سأقوم بنشرها تباعا أيا كان اتجاه الرأي فيها, وليس بالضرورة ذكر الاسم الحقيقي لكاتبها.

بداية علينا أن نفرق بين شؤون (الحكم) وشؤون (الدولة). فشؤون الحكم هي ما اتصل منها بترتيب الإمارة والخلافة, وتوازن السلطة واقتسامها بين فروع ذرية مبارك, ووضع الفروع غير الحاكمة, وتوزيع المناصب الوزارية والمناصب الأخرى بين الشيوخ, وطموح السلطة لدى الشيوخ الشباب, وبصفة عامة فإننا نعني بشؤون الحكم كل ما اتصل بوجود واستمرار وشؤون أسرة الصباح مما تنفرد الأسرة باتخاذ القرار فيه.

أما شؤون الدولة فأعني بها كل ما اتصل بإدارة الشؤون السياسية والاقتصادية وغيرها في الدولة, بما في ذلك القضاء والسياسة الخارجية والتشريعية والرياضة والإعلام وسياسات الحكومة في كافة المجالات كمكافحة الجريمة وخدمات الوزارات وخطط التنمية والتعليم. وهذه الشؤون ليس للأسرة الحاكمة أن تنفرد في اتخاذ القرارات المتصلة بها, بل ليس لأسرة الصباح دور فيها خارج إطار النصوص الدستورية والقانونية المحددة لرئيس الدولة فقط الذي هو بحكم قانون توارث الإمارة والدستور من ذرية الشيخ مبارك, باعتبار أن ولي العهد ليس له صلاحيات دستورية ما لم يكن نائبا عن الأمير. فإدارة شؤون الدولة تتم من خلال مؤسسات دستورية ووفق قوانين وآلية محددة بغية تحقيق أهداف إستراتيجية عامة. ومشاركة الشيوخ في تلك الإدارة من خلال مواقع رسمية, هي مشاركة فردية حالها كحال مشاركة أي مواطن آخر في تلك الإدارة. هذا كله من الناحية النظرية.

أما من الناحية الواقعية, فإن أسرة الصباح تجمع بين يديها شؤون الحكم وشؤون الدولة, وهي تكاد تنفرد في القرار النهائي في الشأنين رغم وجود المؤسسات الدستورية. فالحكومة هي الواجهة الدستورية للأسرة الحاكمة. والأسرة تسعى دائما للسيطرة على مجلس الأمة المنتخب, ولهذا فإن تدخلها المباشر في الانتخابات مفضوح حيث تقوم بتمويل بعض المرشحين وتحارب غيرهم وتسخر مرافق الدولة وقراراتها لمصلحة من يواليها. كما أن الأسرة الحاكمة تسعى للتأثير في انتخابات رئاسة مجلس الأمة ولجانه, وقد يقال أن من حق الحكومة المشاركة في التصويت داخل مجلس الأمة وفقا للدستور, فأقول أن هذا الحق هو (للحكومة) التي تتشكل من مجلس وزراء له رئيس يتمتع بصلاحيات دستورية محددة, لا (للأسرة الحاكمة). وما يحدث عندنا أن الحكومة تأتمر بأمر الأسرة الحاكمة, أو هي في الواقع أداة بيد الأسرة الحاكمة لممارسة شؤون الحكم, ومن هنا تبرز أول صورة من صور الخلط بين شؤون الحكم وشؤون الدولة, حيث أننا نعلم جميعا أن مجلس الوزراء لا يتمتع باستقلالية حقيقية وهو لا يدير شؤون الدولة, وأنه الواجهة السياسية الميدانية للأسرة الحاكمة. وأن هناك إدارة مركزية موقعها إما رئاسة مجلس الوزراء, أو قصر الحكم, والأمر يعتمد على شخصية الحاكم وشخصية رئيس الوزراء. كما أن الشيوخ الوزراء يمنحون أنفسهم صلاحيات أكبر من صلاحيات الوزراء من خارج الأسرة الحاكمة.

من جهة أخرى فإن اختيار الوزراء من خارج أسرة الصباح اعتمد, في أغلب المراحل السياسية, وعلى الأخص مرحلة ما بعد رئاسة الشيخ جابر الأحمد رحمه الله للوزارة, على عنصر الولاء السياسي للوزير المختار لا على كفاءته أو ثقله السياسي. وقد تردت معايير اختيار الوزراء في السنوات الأخيرة حين تم اعتماد معيار الولاء الشخصي, أي الولاء لشخص محدد, أكثر من كونه ولاء سياسي للأسرة الحاكمة. فالولاء للأسرة الحاكمة يشترك فيه كل أفراد الشعب الكويتي, لكنهم يختلفون حول الولاء لأشخاص بعينهم. وهو الأمر الذي قضى على ما تبقى من معيار الكفاءة. ولم يعد يقبل المشاركة في الوزارة إلا من يقبل التبعية المطلقة للإدارة المركزية ويقبل إلغاء شخصيته. ومن الطبيعي أن يأتي أداء الحكومة كنتاج تلقائي لمستوى أعضائها, وكذلك من الطبيعي أن تدار شؤون الدولة وفق رؤية شخصية بحتة لا تعتمد أسلوب الدراسات ولا التخطيط الإستراتيجي ولا حتى المناقشة والاستماع إلى الآراء, فالقرار مركزي, وقرار الحكومة هو قرار الحكم, وهي الصورة التي يجسدها عنوان "بناء على تعليمات صاحب السمو... أو بناء على توجيهات سامية... أو تنفيذا للرغبة الأميرية" وتحت هذه العناوين يتم إسقاط قروض وتقدم مساعدات للدول, وتتم معالجة شخص في الخارج, وتمنح المرأة حقوقها السياسية, وتمنع إزالة المخيمات الربيعية في الموعد المحدد, وتفتح المستوصفات أبوابها أيام الخميس والجمعة, ويمنع تطبيق القانون على المخالفات الواقعة على أملاك الدولة! وفي بعض الحالات لا يتم الإعلان عن مصدر القرار, كما حدث بالنسبة لاعتماد مجلس الوزراء السابق نظام الدوائر الانتخابية العشر و قرار اللجوء إلى المحكمة الدستورية.

إن صور الخلط بين شؤون الحكم وشؤون الدولة لا حصر لها بل هي صور يومية تظهر ليس فقط في الممارسات السياسية, بل تظهر حتى في الشؤون الإدارية أيضا, كتعيين وكلاء الوزارات والوكلاء المساعدين والسفراء والقناصل وكبار الموظفين. فالحكم يسيطر على شؤون الدولة, والحكومة هي واجهة الحكم وأداته.

إن الخلط بين شؤون الحكم وشؤون الدولة يخالف جوهر الدستور ونظام الحكم الذي تبناه, فهذا النظام اتجه نحو تقليص صلاحيات أسرة الصباح, أو هو ألغى النظام السابق عليه, وهو نظام الحكم المطلق الذي تؤول كل الأمور بموجبه إلى الحاكم. وسعى نظامنا الدستوري إلى إسناد الحكم إلى مؤسسات دستورية لكل منها اختصاص محدد تمارسه وفق ضوابط دستورية, بما في ذلك رئيس الدولة نفسه, حيث حدد الدستور صلاحياته التي لا يجوز الخروج عليها سواء باسم "المكرمة" أو تحت مظلة السلطة الأبوية. غير أن عدم تقبل أغلب أفراد أسرة الصباح للنظام الدستوري, وعدم قدرتهم على التعايش المدني مع النظام الدستوري, دفعهم دوما لإنشاء نظام مواز, هو نظام حكم واقعي يتصادم أغلب الأحيان مع النظام الدستوري, مما أدى إلى محاولة أسرة الصباح الانقلاب على الدستور أكثر من مرة, والسعي لهجر نصوصه كل مرة, هجرا رسميا أو عمليا.

إن فكر وثقافة الحكم لدى أسرة الصباح من بعد وفاة الشيخ عبدالله السالم تتعارض مع فكرة تقليص صلاحيات الأسرة, وترفض التمييز بين شؤون الحكم وشؤون الدولة, أو "كيس الدولة وكيس الشيخ", وهم في سبيل تكريس سلطتهم على شؤون الحكم وشؤون الدولة معا, ومن أجل النجاح في مسعى تفريغ الدستور من محتواه, كان لابد لهم من الاستعانة بجهود أطراف أخرى. وإذ تداخل هذا الهدف مع التنافس على الحكم والخلافة, وبروز طموح الحكم والسيطرة لدى أكثر من شيخ, سواء من الشباب أو الكبار, فقد نشأت علاقات تحالف استراتيجي برزت على نحو واضح قبل وفاة الشيخ جابر الأحمد رحمه الله, وقبل مرض الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح, وحتى بعد مرضه وبداية تحركات الشيخ سالم العلي الصباح نحو الخلافة وترتيب شؤون الحكم. وفي هذه المرحلة بدا واضحا أن الأسرة لن تتمكن من حسم التنافس على الإمارة من بعد الشيخ جابر إلا من خلال الاستعانة "بحلفاء" من خارجها. وظهر الصراع على الحكم علنا, ولم تعد الأسرة الحاكمة قادرة على إدارة شؤون (الحكم) وليس الدولة فقط, فأمور الدولة "فالتة من زمان", دون شركاء من خارجها. لذلك اضطرت الأسرة الحاكمة إلى الاستعانة بخدمات أطراف من خارجها, ولم تكن تلك الاستعانة "مجانية" بل بمقابل دفعته الكويت وأسرة الصباح و(الحكم) ذاته, وهو مقابل مكلف جدا, وستظهر كلفته السياسية جنبا إلى جنب مع كلفة سوء الإدارة بعد فترة قصيرة.

من هم الأطراف الذين استعانت بهم الأسرة الحاكمة لإدارة شؤون الحكم؟ وهل هم مجموعة من "الحكماء" أم أنهم فئة "منتفعة" تسعى لبناء سلطة وثروة؟ وما انعكاس الاستعانة بهم على استمرار قدرة أسرة الصباح في إدارة شؤون الدولة وشؤون الحكم؟ وما هي الكلفة النهائية للتحالفات الإستراتيجية؟

لقد استعانت أسرة الصباح, أو قسم منها, بجهود جاسم الخرافي للمساعدة في إلغاء دور مجلس الأمة, وفي ترتيب شؤون الحكم والخلافة. وجاسم الخرافي لم يلب "نداء استغاثة" أسرة الصباح بصفته مواطنا كويتيا نابغا حكيما يملك حلولا سحرية ومراهم تشفي العلل السياسية, بل هو يمثل "فئة" من طبقة تجارية, وهذه الفئة لا تمثل طبقة تجار الكويت, ولا صلة لها بالتاريخ السياسي المشرف لطبقة التجار القديمة. ولفئة جاسم الخرافي مصالح تجارية ضخمة (تتداخل) مع القرار السياسي. كما أن الفئة التي يمثلها الخرافي, وإن انحسر عنها وصف "التنظيم السياسي" لكنها فئة تعمل من أجل السيطرة على القرار السياسي, وقد نجحت في مسعاها حتى الآن. وهي لديها "جناح" اقتصادي يفرش الطريق لبناء النفوذ السياسي, ولديها "جناح" سياسي يوهم (الحكم) أن له خصوم, ويوهمه أن لهم القدرة على إقصائهم خدمة (للحكم), وفي الوقت نفسه يوفر الغطاء لنشاطها الاقتصادي ويلغي القدرة التنافسية في كافة قطاعات السوق!

لقد تضخم نفوذ "فئة" جاسم الخرافي, ومع هذا التضخم تنامى تأثير مؤسسة الفساد والإفساد في البلاد, حتى أصبح "لفئة جاسم" نصيب من المقاعد الوزارية ونصيب من مقاعد البرلمان... وما يمكن اعتباره نصيب من ثروة الكويت. إن حاصل جمع تلك الأنصبة يساوى شراكة واقعية في الحكم! وهي شراكة تتعارض مع جوهر نظام الحكم الدستوري ولا تمت بصلة للتحالفات السياسية التي عرفها تاريخ الكويت!

لم أنته بعد من بيان أضرار الشراكة مع "الفئة", لكن وددت القول قبل أن أختم هذا المقال إن شراكة "فئة" الخرافي في الحكم ليست المؤشر الوحيد على ضعف الأسرة الحاكمة, وهي ليست العامل السياسي الوحيد الذي يجب التفكير في تأثيره على مستقبل الكويت. فهناك مؤشر آخر وعامل آخر لا يجوز التقليل من شأنهما. فماذا يعني أن يتولى د. اسماعيل الشطي ابن جماعة الإخوان المسلين, حتى وإن تمرد, منصب نائب رئيس الوزراء, وماذا يعني أن يتولى د. محمد البصيري الابن الثاني لجماعة الإخوان المسلمين منصب نائب رئيس مجلس الأمة!

هذا ما سنحاول مناقشته في المقال القادم بإذن الله بعد أن نفرغ من مناقشة أضرار التحالف بين أسرة الصباح و"فئة" من طبقة!






17/7/2006
http://meezan.aljasem.org/default.asp?opt=2&art_id=142
 

nabeels8

موقوف
التسجيل
23 يونيو 2004
المشاركات
5,436
الإقامة
في البيت
أحاديث في مستقبل الحكم(2)
"خرب عشه قبل لا يكبر طيره"!



فيما كان أعضاء مجلس الأمة يتواصلون مع الجمهور الحاشد الذي توافد إلى ساحة الحرية بعد الانتخابات, كان هناك وعلى مقربة من التجمع, تجمع آخر في ديوانية معروفة. كان تجمعا محدودا, غير أن أهدافه كانت خطيرة وكبيرة, فقد كان هذا التجمع المحدود يهدف إلى افتعال المشكلات والاعتداء بالضرب على بعض الأشخاص الذين حضروا تجمع النواب, غير أن كثافة التواجد الأمني حال دون تنفيذ الأهداف, وهي بالمناسبة تنفيذ التهديد الذي ورد في الإعلان المشبوه الذي نشرته الصحف قبل يوم من التجمع!

هناك مسابقة لحفظ القرآن الكريم باسم أمير البلاد, وهناك بطولة لكرة القدم تحت اسم كأس أمير البلاد. ويوازي هذه المسابقات وفي نفس المجالات, مسابقات أخرى تحت اسم شخصيات أخرى ليست من الأسرة الحاكمة, وتحظى هذه المسابقات بالزخم الإعلامي نفسه الذي تحظى به المسابقات التي تجري باسم أمير البلاد, وهي مسابقات يرعاها جاسم الخرافي بصفته الشخصية لا بصفته رئيسا لمجلس الأمة!

قبل الاسترسال في الحديث الثاني من "أحاديث في مستقبل الحكم", يجدر مناقشة معنى قوة الحكم وضعفه. فليس من القوة البطش بالخصوم السياسيين, ولا عقد المحاكمات, ولا نصب المشانق, ولا إقصاء الحريات, ولا تكميم الأفواه, ولا مصادرة العقول, ولا الحكم عن طريق الرشوة. إن كل ما سبق هو تعبير عن ضعف الحكم وهشاشته لا قوته. فالحكم الضعيف هو الحكم الذي لا يتحاور و لا يستمع للرأي الآخر, ولا يتعايش مع الحريات والانفتاح السياسي. أما الحكم القوي فهو الحكم الواثق من قدراته ومن استمراره, هو الحكم الديمقراطي الذي يعتمد على المؤسسات في بناء الدولة لا على "عبقرية" القائد! إن الحكم القوي هو الذي يتطلع للمستقبل ويخطط له ولا يغرق في مشاكل يومية.

وإذا أردنا تخصيص الحديث عن الحكم في الكويت, فإن موقف الشيخ عبدالله السالم في منح الديمقراطية وتعزيز الحريات السياسية, كان مظهرا من مظاهر قوة الحكم الواثق الواعي للمستقبل الذي لا تهزه انتخابات برلمانية ولا يخشى الحريات الصحفية "النسبية". صحيح أن أسرة الصباح فقدت بعض نفوذها وسطوتها, غير أنها, عن طريق عبدالله السالم, باعت الماضي واشترت المستقبل, وجددت ذاتها وضمنت امتداد حكمها عقود وعقود, وحصنت نفسها والمجتمع من تقلبات السياسة الدولية واضطرابات الأوضاع المحلية, وهو الأمر الذي تعاني منه الآن بعض أنظمة الحكم العائلية في الخليج. وما عليكم سوى تصور الوضع في الكويت لو استمرت أسرة الصباح في حكم البلاد حكما مطلقا!

لم يكن عبدالله السالم في حاجة لوسطاء ولا حلفاء كي يحكم, فقد تحالف مع المستقبل بعد أن أدرك أن الحكم المطلق لن يكون في صالح استمرار حكم أسرة الصباح.

وعلى الرغم من تغير المنهج بعد عبدالله السالم, فإن أسرة الصباح تستمتع حتى يومنا هذا بآثار حكمته. وحين تراجعت الديمقراطية والحريات وتراجعت الحريات النسبية للصحافة وتفشى الفساد الإداري والمالي والسياسي, ظهرت بوادر ضعف الحكم. واليوم يحتاج الحكم للوسطاء والحلفاء وجهود "فئة من طبقة" كي يسود. وحين يضطر الحكم للاستعانة بالحلفاء والوسطاء, وحين يتعاظم الفساد ويصبح له رموز عامة, وتضطرب حالة التنافس على الحكم, فإن هذا كله مظهر ضعف في الحكم لابد من تداركه بإزالة أسبابه.

إن التحالف مع "فئة من طبقة" قد يصلح كتحالف "تكتيكي" مؤقت بغرض تحقيق هدف معين, وتنتفي الحاجة له لحظة تحقق الهدف. وهذا هو أساس تحالف الحكم مع "فئة من طبقة", لكن حين تحول التحالف "التكتيكي" إلى تحالف استراتيجي, فإن بعض صفات الحكم انتقلت إلى الحليف, فنمت لديه شهوة الحكم والسيطرة, وتمادى تحت تأثير الزهو والفخر "بفضله" على الحكم, ولهذا السبب أوصى ميكيافيللي الحكام الجدد بالتخلص ممن ساعدهم في الحصول على الحكم! كما أن تحول التحالف التكتيكي إلى تحالف استراتيجي أدي إلى انتقال بعض صفات الحليف إلى الحكم, فإن كان الحليف فاسدا أفسد الحكم معه!

ومن مخاطر التحالف الاستراتيجي مع "فئة من طبقة" انعزال الحكم عن الشعب, فيغدو الحليف وأعوانه عيون الحكم وآذانه, خاصة أن طول مدة التحالف تكشف الحكم أمام حليفه, فيكون الحليف قادر على قيادة الحكم الوجهة التي يريد دون أن يشعر الحكم أنه بات "محكوما". وحين يرى عامة الناس, في أي بلد, حكمهم قد انعزل وخضع لأطماع "حليفه" وسخر طاقاته لتعزيز نفوذ وسطوة الحليف, فلا لوم إن تضاءل وضع الحكم, ولا لوم إن هم أعرضوا عنه ويمموا وجههم شطر حليفه! وفي التاريخ حين يكبر الحليف فلابد من إخراجه من معادلة السلطة والحكم, والمثل الكويتي يقول "خرب عشه قبل لا يكبر طيره"!

حين تحالفت السلطة السياسية في الكويت مع التيار الإسلامي في زمن الشيخ سعد العبدالله السالم "تحجبت الدولة والتحى المجتمع", وحين تحالفت السلطة بعد ذلك مع "فئة من طبقة" عم الفساد وانتشر.

وفي نظام حكم كالنظام الكويتي, تتمتع فيه أسرة الصباح بشرعية شاملة أبدية, لا ينازعها فيها نفر أو جماعة, ما حاجة النظام للحلفاء والأعوان والوسطاء؟ إن الخطر على الحكم يأتيه من "بطنه" وأعوانه وحلفاءه وسماسرته.

أن الشعب الكويتي بكل قواه السياسية, إسلامية أو غيرها, لا يريد للحكم أن يضعف, فضعف الحكم لن يقود إلى إصلاح سياسي, ولا لانتشار العدالة, ولا لتعزيز الحريات, ولن يقضي على الفساد. بل إن ضعف الحكم سوف يستثير شهوة الحكم لدى حلفاءه و "فروخه" قبل غيرهم.

ليس من مصلحة الكويت أن نسمح لحلفاء الحكم ووسطاءه أن يتسللوا إلى زوايا السلطة, فيحكموها من أطرافها. وإذا كان هناك من يعتقد أن ضعف الحكم سوف يقود إلى "تحرير" منصب رئيس الوزراء ووزارات السيادة من سيطرة الأسرة ويمنح مساحة أكبر للشعب في إدارة شؤونه, فإنني أقول إن شعار شعبية الوزارة يبدو براقا, لكن تعالوا نتفكر ونتدبر أمرنا, من الذي يمكن أن يتولى منصب رئيس الوزراء ووزارات السيادة من خارج أسرة الصباح اليوم أو بعد حين؟ أليس الأقرب لها هم حلفاء الحكم من أعضاء "فئة من طبقة", الذين احتموا بالقوات الخاصة من الشعب, والذين هددوا الشعب علانية وفي الصحف ولم يحاسبهم أحد والذين حشدوا "المليشية" قرب تجمع النواب مع الشعب!! من جهة أخرى, أليس الفساد ينخر القوى السياسية كما هو وضع من في السلطة؟ وهل ترون اليوم أن في الطبقة السياسية السائدة من يمكن وصفهم "برجال دولة"؟

إن أسرة الصباح تحكم الكويت منذ قرون ثلاثة تقريبا, وأيا كانت عيوبهم, فهم "أبرك" من غيرهم, ولا نريد لحكمهم أن يضعف, ولا نريد "لغيرهم" أن يتسلط. لكن ماذا نفعل وهم يضعفون حكمهم بأفعالهم؟ كيف نقنعهم أن هيبتهم ومكانتهم بدأت في التآكل بفعلهم وبفعل حلفاءهم وبفعل أسلوبهم في الحكم؟ مع الأسف إنهم لا يشعرون بضعفهم, وهذا هو المفزع حقا!

إن من واجبنا أن نقولها لهم صريحة ومباشرة, لقد تدنت كفاءة الحكم لديكم, وباتت أخطاءكم الإستراتيجية تظهر الواحد تلو الآخر, وتعاظم نفوذ حلفاءكم. وللتخلص من ضعفكم ما عليكم سوى التفكير في المستقبل كما فعل شيخكم عبدالله السالم. إن حكمكم يقوى ويستمر كلما اقتربتم من النظام الدستوري, وكلما أدرتم شؤون الحكم وشؤون الدولة بلا شكوك وتوجس, وعليكم التخلص من فكر الخصومة, والتخلص من الحلفاء والوسطاء. فمن يحكم من خلال حليف أو وسيط, ومن يقتطع حصة من حكمه ويمنحها حليفه متجاهلا الشعب, لابد أنه يغامر بحكمه. هل وصلتكم الرسالة؟

طال المقال ولم نصل إلى الحديث عن "الاخوين" الشطي والبصيري, وللحديث بقية.




19/7/2006
http://meezan.aljasem.org/
 

nabeels8

موقوف
التسجيل
23 يونيو 2004
المشاركات
5,436
الإقامة
في البيت
أحاديث في مستقبل الحكم(3)
الشيخوخة!



بعد تحرير البلاد من الغزو العراقي الغاشم, لاحت أمام الكويت فرصة ثمينة للتجديد السياسي سواء على مستوى الحكم والأسرة الحاكمة, بأشخاصها وبأفكارها, أو على مستوى شؤون الدولة وطريقة تسييرها. غير أن عزلة الشيخ جابر الأحمد رحمه الله وعزوفه عن اتخاذ القرارات المهمة وزهده شؤون الحكم, أسقط قرارات الأسرة الحاكمة وقرارات الحكم بيد أطراف أخرى باستثناء قرار حل مجلس الأمة وقرار تنحية الشيخ سعد. وقد تسبب زهد الشيخ جابر وتحول مركز القرار في الحكم إلى غيره في أمرين مهمين, الأول هو شيخوخة نظام الحكم والدولة معه, و الثاني هو شيوع الخلافات والتنافس بين الشيوخ, كبارا وصغارا, وخروج الأسرة عن تراثها وثقافتها في تداول شؤون الحكم و شؤون الدولة. وفي هذه الفترة بالذات تفشى الفساد في البلاد بعد أن أصبح "منهج إدارة" معتمد, وظهرت إمارات ضعف أو شيخوخة النظام. وسوف نعود لهذا الموضوع بعد أن نفرغ من التعليق على قضية "الأخوين الشطي والبصيري".


إن حصول الدكتور اسماعيل الشطي على منصب نائب رئيس مجلس الوزراء, وحصول الدكتور محمد البصيري على منصب نائب رئيس مجلس الأمة حالة كونهما من تنظيم "الاخوان المسلمين", فإن الصورة خارج الإطار المحلي للمراقبين والمحللين الدوليين توحي بمستقبل مظلم للبلاد, إذ أن نمو قوة تيار ديني في دولة نفطية تجاور السعودية و الإمارات لاشك يقلق الغرب, وهم لا يحسبون الأمور كما نحسبها نحن, بل يستشرفون الخطر مبكرا. وبالنسبة لهم فإن نمو قوة "الاخوان المسلمين" في الكويت يدق نواقيس الخطر في المنطقة كلها.

بالنسبة لنا, نحن نعلم كيف أصبح د.الشطي وزيرا, وكيف تولى منصب نائب رئيس الوزراء, فهو صديق شخصي لرئيس الوزراء, وقد يكون الوزير الوحيد الذي اختاره الشيخ ناصر المحمد. ونظرا لعزوف العديد من الشخصيات عن منصب نائب رئيس الوزراء مربوطا بوزارة الدولة لشؤون مجلس الوزراء, لم يكن أمام الشيخ ناصر سوى منحه للشطي, وبالتالي فليس في الأمر مؤشر خطير, "فالاخوان" لم يحصلوا على المنصب بقوتهم الذاتية ولا من خلال تغلغلهم في النظام. ولا يختلف الأمر بالنسبة للبصيري, فقد كان حصوله على المنصب نتيجة "تكتيكات" انتخابية وتبادل أصوات.

غير ما سبق لا يقلل من الخطر, فنحن نعلم أن التيار الديني في الكويت متغلغل في عمق النظام, وأن "للاخوان" تحديدا أجندة سياسية خاصة بهم كتنظيم دولي. ومهما قيل عن عدم صلاحية الكويت لتحقيق أهداف التنظيم الدولي "للاخوان", فإن الأجندة المحلية لهم فيها الكثير مما يتطلب الحذر!

إن على "اخوان الكويت" اليوم, وبعد زيادة حصتهم في البرلمان, وبعد حصول عنصرين منهم على منصبين مهمين, إثبات محلية ووطنية أجندتهم, وعليهم تقديم وعرض بنود تلك الأجندة, وعلينا أن نراقب توجهاتهم في البرلمان وتأثير المنصبين عليهم.

المهم في الأمر هو كيف يتعامل النظام معهم؟ هل يعطيهم المزيد من المكاسب؟ هل يتم قبولهم "شركاء جدد" في الحكم؟ أم يتمكن النظام من إبقاءهم في الدائرة المحلية وضمن أجندة الدولة؟ إن تجارب أسرة الصباح و"قل حيلتهم" تدفعهم دوما إلى تقديم أثمان أكبر مقابل الحصول على مكاسب قليلة. وإذا كانت تلك الأثمان تتجسد عادة في مناصب معينة تمنح للتيار الديني, أو قوانين وإجراءات تتعلق بالسلوك العام والحريات الشخصية, فإن الخطورة ليست في هذه الأثمان, رغم عدم وجوب دفعها, لكن الخطورة تظهر من مسلك النظام الذي بدأ في السنوات الأخيرة, "يمنح" المكافآت السياسية من "رصيد الحكم ومن مستقبله" كما هو حاصل حاليا مع التحالف الذي يقود طرفه الآخر جاسم الخرافي. وإذا كانت الحركة الدستورية لم تصوت للخرافي في انتخابات رئاسة مجلس الأمة فهذا لا يعني أن العلاقة بين الحركة الدستورية و"فئة من طبقة" هي علاقة خصام سياسي دائم, بل أنني أتوقع أن تعود المياه إلى مجاريها بين الحركة وبين ما يمثله الخرافي, وفي هذه العودة خطورة جسيمة على الكويت وعلى الحكم والأسرة الحاكمة, وهي خطورة تتجسد حين تتحالف الحركة الدستورية مع "فئة من طبقة", إذ أن هذا التحالف لو تم فسوف يكون أقوى من قدرة أسرة الصباح, وسوف يكون المتحكم الرئيسي في القرار السياسي في البلاد. إن تحالف الحركة الدستورية مع ما يمثله جاسم الخرافي سوف ينقل شؤون الحكم, وليس شؤون الدولة فقط, خارج نطاق أسرة الصباح خاصة في عهد الشيخ نواف الأحمد!

والآن ... فما أوردته في مقالاتي الأخيرة هو اجتهاد شخصي قد يقترب من الصواب وقد يبتعد عنه, لكن أيا كان الأمر بالنسبة لمقالاتي الأخيرة, هل يعتقد الشيوخ أن حكمهم قد بدأ يضعف فعلا أم أنهم يرونه في أوج قوته؟ هل سألوا أنفسهم عن الاحتمالات وما قد يواجهونه في المستقبل القريب؟ هل يرون أن أبدية الحكم أمر مفروغ منه, وأن استمرار حكمهم لا يحتاج إلى جهد خاص؟
ألا يرون أن النظام يمر في مرحلة شيخوخة انتقلت إليه من شيخوخة حكامه ومن خلفهم ومن سيخلفهم؟ ألا يفكرون في أثر الشيخوخة المستمرة منذ أكثر من خمسة عشر عاما؟

إن أنظمة الحكم التي تعتمد على شخصية الحاكم لا على المؤسسات الدستورية تصاب بالهرم والكبر والشيخوخة, وعلى الرغم من "براغماتية" نظام الحكم الكويتي والأسرة الحاكمة, إلا أن الوقت قد لا يسعف في بعض الأحيان, فإن لم يحصل النظام على ما يحتاجه من "إسعاف" في الوقت المناسب, فإن محاولات إنعاشه لاحقا لن تكون مجدية. إن ما أطرحه هنا ليس تكهنات لا أساس لها, بل هو قراءة في إشارات قد نغفل عنها وسط زخم العمل اليومي. على كل حال أتمنى أن أكون على خطأ في تحليلي السابق, وألا تظهر الأيام صواب رأيي!




21/7/2006
 
أعلى