التصــــــدع: "آخــــر شيــــوخ الهيبــــة"

TechnoFund

عضو متميز
التسجيل
12 مايو 2004
المشاركات
918
الإقامة
الروضة
التصدع!


في خاتمة كتابي الجديد "آخر شيوخ الهيبة" كتبت:

إن لدي قناعة بدأت ترسخ يوما بعد يوم, وهي قناعة غير مريحة على الإطلاق, حفزتني كثيرا على كتابة المقالات التي احتوتها صفحات هذا الكتاب. تتلخص هذه القناعة في أن الكويت مقبلة على تغييرات رئيسية ليست في صالح الأسرة الحاكمة ولا الشعب الكويتي, وهي تغييرات ستمس جوهر النظام الحاكم, وتعيد ترتيب المواقع السياسية, كما تعيد صياغة العلاقات السياسية برمتها أيضا. لقد عرضت في المقالات السابقة مجموعة من الآراء المتناثرة, وهي تلتقط بعض الإشارات السلبية التي تنبئ -مع الأسف- عن تصدع سريع محتمل في مركز الأسرة الحاكمة. وفي خاتمة هذا الكتاب أود أن ألخص تلك الإشارات السلبية وأجمعها في مقال واحد، فقد تصل الرسالة بشكل أوضح.

قد يعتقد البعض بأن العلاقة بين الأسرة الحاكمة في الكويت والشعب الكويتي يحكمها وينظمها الدستور الذي صدر العام 1962, لكن واقع الحال أن الدستور ينظم -إلى حد ما- أسلوب العمل السياسي في البلاد, أما العلاقة بين الأسرة الحاكمة والشعب فيحكمها مبدأ أساسي غير مكتوب تعاقبت الأجيال في الأسرة الحاكمة والشعب على صيانته, وهو مبدأ الاحترام المتبادل. فالأسرة الحاكمة لم تحصل على الحكم بقوة السيف أو برائحة البارود, بل باتفاق مع الشعب, كما أن الأسرة الحاكمة لم تكن بحاجة يوما إلى استخدام القمع للحفاظ على حكمها, وفي المقابل لم ينازع الشعب الكويتي الأسرة حقها في الحكم.
ومنذ العام 1921 حين تم تأسيس أول مجلس للشورى في البلاد وحتى يومنا هذا, كان الاختلاف والخلاف في الرأي وحوله اللذان ينشبان بين الأسرة والقوى السياسية يدوران حول طريقة إدارة الدولة وحجم ونطاق المشاركة الشعبية في تلك الإدارة. وإذ خرجت الأسرة الحاكمة عن المسار التقليدي في حل بعض تلك الاختلافات والخلافات كما حدث عامي 1938 و1939 حين استعملت العنف لردع المعارضين, وكذلك حين تم وقف العمل بالدستور عامي 1976 و1986 ومواجهة الجمهور في احتجاجات العام 1990 عبر استخدام محدود جدا لبعض أساليب القمع, فإن الطبيعة المدنية للأسرة الحاكمة والأصول التاريخية للحكم وسيطرة النزعة البراغماتية واحترام الأسرة للشعب الكويتي, كل ذلك كان بمثابة الحاجز الذي يمنع تمادي الأسرة ويحول دون الاستجابة لإغراء القمع.

غير أنه في السنوات القليلة الماضية, ظهر فكر وواقع جديدان في محيط الأسرة الحاكمة, وقد تزامن ظهور هذا الفكر وذلك الواقع مع مرض الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح وتقلص نفوذه وتشتت فريقه, وازدياد انعزال المرحوم الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح الأمير السابق ابتداء من العام 1996 وانحسار تأثيره, وهو ما شجع على ظهور عملية إحلال واستبدال في أفكار مؤسسة الحكم من دون تغيير في الأشخاص, وقد قامت بعملية الإحلال تلك مجموعة من الشيوخ الكبار في السن بمعية مجموعة أخرى من الشيوخ الشباب. كان ذهن الشيوخ الكبار مشغولا بقضية خلافة الشيخ جابر الأحمد, سواء في حياته أو بعد وفاته, وكانوا يخشون الإخفاق في السيطرة على مقاليد الحكم في مواجهة التيار الذي يعمل تحت مظلة ولي العهد السابق الشيخ سعد العبدالله, في حين كان ذهن الشيوخ الشباب مشغولا بالبحث عن أفضل السبل للبقاء السياسي في المراحل اللاحقة لمرحلة الشيخ جابر الأحمد. وكان فريق الشيوخ الشباب يعمل على تحقيق هدفين في الوقت نفسه, يلتقي الأول منهما مع أجندة الشيوخ الكبار فيما يتصل بقضية الخلافة ومسارها وترتيباتها, أما الهدف الثاني فيخدم الأجندة الخاصة لفريق الشيوخ الشباب, والتي تتلخص في ترتيب الأوضاع لبلوغهم مرحلة حكم الكويت أو –كبديل- إحكام السيطرة على البلاد حتى لو لم يتمكنوا من الجلوس على كرسي الحكم الكبير، بحيث يصعب على من يتربع على ذلك الكرسي أن يستغني عن خدماتهم. وهم في إطار الهدف الخاص بهم يدركون أن عليهم التغلب على من ينافسهم داخل الأسرة الحاكمة, كما يدركون أنهم لن يتمكنوا من الوصول إلى هدفهم الخاص إلا إذا كانت تحت أيديهم مبالغ مالية طائلة, فالنفوذ لا يبنى عن طريق العمل السياسي فقط، بل لا بد من المال. وهم يدركون أن الطريقة الوحيدة المتاحة أمامهم لجمع المال هي التطاول على المال العام, لكن هذا التطاول السريع يحتاج إلى غطاء سياسي يعيق أي مساءلة سياسية محتملة من قبل البرلمان, فكان لا بد من العمل على تخريب البرلمان وتحويله إلى مؤسسة تابعة, ولا يتحقق ذلك إلا من خلال نشر الفساد من جهة, ومحاربة العناصر السياسية ذات التوجه الوطني وإبعادها عن العمل السياسي من جهة أخرى.

وبعد أن استقرت أمور الخلافة, برز الهدف الثاني من أهداف فريق الشيوخ الشباب وهو استكمال بناء النفوذ الخاص وضمان البقاء السياسي في مرحلة ولي العهد الحالي الشيخ نواف الأحمد الصباح, غير أن ملعب الأسرة الحاكمة وإن أصبح تحت سيطرة فرع واحد من فروع الأسرة, فإن التنافس بين أعضاء الفرع الواحد بدأ يطفو على السطح بقوة, ومن غير المعروف الآن المدى الذي سيبلغه هذا التنافس, كما يصعب توقع نتائجه حاليا.

المهم في الأمر أن عمليتي الإحلال والاستبدال في أفكار مؤسسة الحكم, وكذلك التنافس والصراع على الحكم قبل وفاة المرحوم الشيخ جابر الأحمد, والتنافس الحالي بين أفراد الفرع الواحد, وانغماس بعض الشيوخ الشباب في الفساد والتطاول على المال العام, وتخريب البرلمان... كل ذلك أدى إلى تشويه كامل لمعالم الوضع السياسي في الكويت, وهو تشويه أتوقع أن يتسبب في اهتزاز مركز الأسرة الحاكمة في الكويت, وسيظهر بوضوح قبل أن تنتهي فترة حكم الشيخ صباح الأحمد, وسيتعاظم في بداية فترة حكم ولي العهد الحالي الشيخ نواف الأحمد.

إن النتائج السلبية التي أمكننا رصدها لعمليتي الإحلال والاستبدال في فكر الأسرة الحاكمة هي: سقوط معادلة التوازن بين فروع الأسرة الحاكمة من ذرية الشيخ مبارك الصباح التي تتوارث الحكم فيما بينها, وانفراد فرع واحد فقط في الحكم. وتهميش دور الفروع الأخرى في الأسرة الحاكمة والتي لا تنتمي لذرية مبارك. والتوجه بقوة نحو الحكم الفردي, والتخلي عن آلية التشاور بين أقطاب الأسرة الحاكمة. وأيضا تنامي شهوة الحكم لدى الشيوخ الشباب ضمن ذرية مبارك, وتطلعهم للسيطرة في مرحلة الشيخ نواف الأحمد, وبروز الخلافات والتنافس المدمر بين شيوخ الفرع الواحد. وكذلك انغماس بعض الشيوخ الشباب في الفساد المالي والسياسي على نحو يصعب تداركه. والاعتماد المبالغ فيه على أسلوب شراء الولاء والإسراف في استخدام المال السياسي نتيجة نقص القدرة والكفاءة. وكذلك الاعتماد المتزايد على البطانة الفاسدة, وعلى النميمة والقيل والقال, ومصاحبة سقط القوم, والاستمتاع بكل أوجه النفاق الذي أصبح مقياسا للولاء السياسي.

يضاف إلى ذلك تغير مفهوم أمن الدولة, واعتماد مفهوم أمن الأسرة الحاكمة, وأمن الفرع الحاكم كبديل عنه. فضلا عن تضاؤل المكانة الاجتماعية للشيوخ بصفة عامة, وفقدان هيبة الحكم نتيجة لأسباب عدة من بينها الدخول في تحالفات سياسية مع مجموعات اقتصادية في المرحلة السابقة على استقرار أمر الخلافة, ما أدى إلى نمو قوة تلك المجموعات وسعيها إلى مشاركة الأسرة الحاكمة حكمها, كما أدى إلى فتح خزائن الدولة لصالح تلك المجموعات التي تمكنت من تحقيق مكاسب سياسية ساعدتها على التحكم في القرار السياسي, بل وفي اختيار الوزراء, فظهرت قوة موازية لقوة الأسرة أصبح لها "فضل" تاريخي في إنهاء أزمة الخلافة على النحو الذي انتهت إليه.

وليس هناك من شك في أن لتلك النتائج بذاتها أثر مدمر على وضع الأسرة الحاكمة سواء على المدى القصير أو المتوسط, لكن إذا وضعنا مقابل النتائج السابقة مؤشرات محلية من أهمها نمو حالة الضجر بين الشباب الكويتي, وبروز روح التمرد لديهم، وهو الأمر الذي عكسته احتجاجاتهم العلنية في موضوع الدوائر الانتخابية, وسقوط الحواجز النفسية والاجتماعية والسياسية في استجواب رئيس الوزراء بعد أن تم تقديم أول استجواب من هذا النوع في مايو 2006, وهو استجواب يبدو أنه لن يكون الأخير بما يشكل تصعيدا للمواجهة بين القوى السياسية والأسرة الحاكمة قد تدفعها في نهاية المطاف إلى التخلي عن منصب رئاسة الوزراء، وإذا وضعنا أيضا مقابل تلك النتائج والمتغيرات المحلية, الترتيبات التي تجري في السياسية الدولية والتي تفرض عمليات الإصلاح السياسي وتشجيع الشعوب على التمرد, فإن النتيجة المحتملة لكل تلك العوامل لن تكون أقل من تقليص نفوذ الأسرة الحاكمة بشكل رئيسي.

وقد يعتقد البعض بأن تقليص نفوذ الأسرة ربما يكون أمرا إيجابيا بالنظر للحال الراهنة, لكن حين نفكر في الفراغ الذي ينتج عن تقلص نفوذ الأسرة الحاكمة, وفي من سيحتل هذا الفراغ, تبدو الأمور غير مريحة إطلاقا.

لقد تخلت الأسرة الحاكمة في الكويت عن أهم البنود التي تحكم العلاقة بينها وبين الشعب الكويتي... إنه احترام الشعب, نعم فالأسرة الحاكمة اليوم, وإن لم تلجأ للقمع, إلا أنها لجأت إلى ما هو أسوأ منه.. الإفساد واستخدام المال السياسي والبطانة السيئة, كل هذا وسط أجواء من التنافس والصراع على الكرسي الكبير.

إن الأوان لم يفت بعد, فبإمكان الأسرة الحاكمة في الكويت أن تصحح مسارها, وتتخلى عن دعم سلطتها عبر طرق غير مشروعة. لكن ما لم يتحقق ذلك في عهد الأمير الحالي للبلاد الشيخ صباح الأحمد, فإنه لن يتحقق أبدا, ذلك أنه ربما يكون الشخص الوحيد القادر على تفكيك مؤسسة الفساد, وإعادة ترتيب أوضاع الأسرة الحاكمة, فالشيخ صباح هو آخر شيوخ الهيبة!




12/8/2006

محمد عبدالقادر الجاسم المحامي

http://www.aljasem.org
 

supv

عضو نشط
التسجيل
2 سبتمبر 2005
المشاركات
320
سبحان مغير الاحوال , صج لا قالوا الحي يقلب
 
أعلى