بورصة «خضراء» واستجوابات «حمراء» والعم بوبدر يسأل: وينكم عن الكهرباء؟

الهامي

موقوف
التسجيل
19 أغسطس 2006
المشاركات
862
كتب مخلد السلمان: على بعد امتار قليلة من مبنى «البورصة» الرابض في قلب العاصمة، يجلس العم بوبدر في مقهى شعبي طغى عليه بعد الزمان متكئا على الاريكة الخشبية، يتابع في القناة الرسمية للدولة حركة التداول النشطة للاسهم المحلقة في السماء «الخضراء» فيما عيناه شاخصتان في الشاشة ذاتها على عداد الكهرباء الذي يشارف «أمبيره» ملامسة المنطقة «الحمراء» المتفجرة.
ينصت العم بوبدر إلى حديث شبابي قربه بدا انه يعكر صفو اندماجه، يسحب نفسا عميقا من عنق «القدو» المشحون بالتبغ الثقيل تاركا تقاطيعه تعبر عن امتعاضه وتذمره، فبدت تجاعيد وجهه التي حاكتها السنون تزداد تكوما على سحنته التي يموج فيها الشيب.
يرتفع صوت الشباب في المقهى مبدين حماسة لافتة لما آلت اليه جلسة الاستجواب، معلقين بتندر على وضع الوزير «الذي كاد ان يحترق باتهامات مستجوبيه القاسية».
يزداد العم بوبدر هذه المرة انتباها وامتعاضا مصحوبا بغيظ لا يقوى على كظمه فيتمتم بعفوية «شوفو الكهرب هي اللي بتحترق مو الوزير، البورصة خضرا والكهرباء حمرا والله ديرة بطيخ».
هنا كان الوجوم قد احدث ربكته على وجوه رواد المقهى وكأنهم أفاقوا على واقع الحال، شمس في الخارج تصهر الحديد والبلد مهدد بانقطاع تياره الكهربائي... ماذا يعني هذا؟! سأل احدهم ليلقى الاجابة الحادة من العم بوبدر: «اسألوا نوابكم وينهم عن أزمة الكهرباء».
يكاد المشهدان يتشكلان في صورة واحدة عنوانها «الحرارة والاشتعال»...
جلسة برلمانية ساخنة تشعل الاجواء السياسية في اطار ازمة خانقة لايبدو لها مخرج في أتون المواجهات المتلاحقة، وتيار كهربائي يكاد يلفظ انفاسه الاخيرة على شفير الخط الاحمر المشتعل فيما المشهد الاخر الاكثر وضوحا بورصة يلعب مؤشرها في واحات خضراء تعكس واقعا اقتصاديا فريدا لبلد صغير تفيض خزائنه بالاموال.
لايبدو العم بوبدر مكترثا للعبة السياسية التي يقول عنها انها باتت لعبة قديمة مارسها في قديم الايام ويعرف أدواتها جيدا ويدرك نتائجها في نهاية المطاف لكنه بدا شارد الذهن غير قادر على سبر اغوار التناقض الذي يعيشه في مجتمع «لا يحدد اهتماماته وأولوياته ولا ينظر إلى واقعه غريب الاطور، اذ هو لا يجد تفسيرا مقنعا لازمة كهربائية في بلد الرفاه».
وفي خضم هذه الحالة التي تتواءم مع لوحة «الفسيفساء» التائهة في طلاسم متشابكة تزداد تعقيدا يوما بعد اخر ثمة من يعيد التساؤل المشروع في اطار مقارنة بسيطة بين ازمة سياسية اشعلها تصريح صحافي لوزير حديث العهد في العمل السياسي وازمة حقيقية تقفز شرارتها في كل بيت كويتي مهدد بأن يعيش يوما قائظا في طقس يصهر الحديد... «أي الأزمتين تستحق عناء حرقة القلب من اجلها؟!».
«بلد يقف على رجل واحدة بسبب كلام قيل في جريدة تقوم الدنيا ولا تقعد، يبلغ التصعيد أقصاه في ظل معلومات هنا عن حل مجلس الأمة وهناك عن استقالة الوزير، صدام احتدم بضراوة لتبلغ ذروة الاحتقان مداها المثير»، هكذا كانت حال الكويت ولا تزال فيما حالها على ارض الواقع غياب التصعيد الذي يوازي حجم ما يمكن اعتباره بـ «الكارثة» في بلد يعد من أغنى دول العالم قياسا بعدد سكانه ودخل افراده فيما هو يرزح تحت رحمة أمبير الذروة الذي يعرض يوميا على التلفزيون وكأنه كلما اقترب إلى الخط الاحمر احدث هول أثر صافرة الانذار على النفوس وقت الحروب.
تثير هذه التساؤلات فضول المراقبين الذين لا يجدون بدورهم تفسيرا لما اعتبروه غياب المسؤولية الحقيقية تجاه تحديد الاولويات مصنفين ازمة الكهرباء في ظل معطيات المنطق والعقل بأنها الازمة الاكثر تأثيرا على حياة الانسان كونها تشكل عصب الحياة في بلد صحراوي تتعدى درجة الحرارة فيه صيفا الـ 60 درجة مئوية، مؤكدين ان هذه الازمة في ظل واقع الاقتصاد الكويتي القوي يفترض ان تطيح حكومات وليس حكومة واحدة. ويرى المراقبون ايضا ان المسألة لم تعد متعلقة بكماليات الحياة المترفة وليست متعلقة بطموح التطور الرياضي والفني والثقافي وانما هي اقتربت من المنطقة المحظورة... منطقة توفير ابسط مقومات الحياة التي تشكل ركيزة الانطلاق على اعتبار ان انقطاع التيار الكهربائي من شأنه ان يشل الحياة.
ويذهب المراقبون ايضا إلى الاشارة بوضوح إلى وجود مادة دسمة يمكن ان ينطلق منها النواب في اثارة ملف الكهرباء بروح الباحث عن المساءلة الحقيقية المتأصلة في عمق الديموقراطيات العريقة في ظل وجود الحقائق الدامغة التي تؤكد غياب الخطط واستراتيجيات المستقبل في التعامل الحكومي مع واقع الكهرباء، لافتين إلى ان الكويت لم تشهد بعد التحرير بناء محطات تقوية للكهرباء في حين هي تنظر وتعرف وتتابع وتدرك حجم التوسع السكاني وارتفاع عدد المجمعات التجارية الشاهقة في كل مناطق الكويت.
ويسأل المراقبون بكثير من الاهتمام: «ليست القضية في تقييم استجواب وزير النفط فهو قد يكون مخطئا في كلامه وقد يكون النواب مارسوا حقا دستوريا لا غبار عليه، بل وربما أضافوا انجازا في مسيرة الديموقراطية الكويتية، غير أن الأهم من كل هذا، لماذا هم غائبون عن الملف الساخن، وانما هو غياب عن الواقع المرير، لماذا هذا التخلف يقطع اوصال مفاهيم الحضارة والبناء وتوفير الحياة الكريمة للمواطنين»؟
العم بوبدر لا يزال في المقهى وقد امتلأت رئتاه دخانا وتبغا فيما هو يبحث عن تفسير لما يراه متناقضا على الشاشة: بورصة خضراء وأمبير على الهاوية الحمراء... وبرلمان يسقط وزيرا بكلام على ما قاله من كلام.
 
أعلى