بورصة الكويت.. قبيلة بلا شيخ

الهامي

موقوف
التسجيل
19 أغسطس 2006
المشاركات
862
مسودتا قانون هيئة سوق المال إحداهما أصلها بريطاني والثانية أميركي وكلتاهما لم تراع الخصوصية الكويتية

بورصة الكويت.. قبيلة بلا شيخ

كتب:بقلم: جامي إثريدج



من المتوقع أن العملية التي تتم حاليا في مجلس الوزراء لإعادة النظر في عمل البورصة الكويتية، سوف تؤدي إلى إفراز مسودة قانون جديد يهدف إلى إنشاء هيئة تنظيمية تشرف على البورصة الكويتية وتخضع للمساءلة.
في تاريخنا العربي القديم، اعتادت القبائل في شبه الجزيرة العربية على الحياة المستقلة التي تشبه العزلة التامة، إذ لم يكن من حق أي جهة أن تسأل القبيلة العربية عما تفعل. ولذلك فقد تم ابتكار منصب شيخ القبيلة بغرض توفير الأمان وتأمين السلامة، إذ تنتخب كل قبيلة شيخا لها ليشرف على بقية أعضاء القبيلة، ويعمل على توفير العدالة بينهم ويؤدي دور الحارس الأمين على المصالح الحيوية للقبيلة.
وعلى الرغم من أن زمن القبائل في الصحراء العربية قد ولى ومضى نتيجة تبدل الأزمان وتغير الأوضاع، إلا أن ثقافة القبائل العربية يبدو أنها ما زالت مسيطرة على نواح معينة لدى دول الخليج ومؤسساتها، وخصوصا مؤسسات الأعمال الملبدة بالغيوم.
وأهم مثال على ذلك هو بورصة الكويت. فبورصة الكويت أخيرا أصبحت تتصرف كما لو كانت قبيلة بلا شيخ. فنتيجة للسلطة التنظيمية الضئيلة التي بحوزتها، وللسيطرة المتقلصة التي تتمتع بها ولعجزها عن ضبط الـ 200 شركة المدرجة بها بكفاءة، فإن بورصة الكويت أصبحت تخرج من موقف محرج لتقع في موقف أخر، كما صارت تنهض من مشكلة لتقع في معضلة، كما رأينا خلال الأشهر الأخيرة. لقد تسببت الفضائح الأخيرة التي كشفت بين أروقة البورصة أخيرا في وضع علامات استفهام كثيرة على مدى مصداقية عمل البورصة كمؤسسة، وهو الأمر الذي دفع الحكومة إلى وضع خطط مبدئية تهدف إلى إنشاء هيئة تعمل على تنظيم عمل البورصة. ولكن كما هي الحال مع كل خطط الإصلاح في الكويت، فإن التطبيق الفعلي لإنشاء مثل هذه الهيئة سيكون معقدا ومفخخا بالمقترحات المتضاربة والمطروحة من قبل مجموعات ذات مصالح متنافسة.
وتعود الشكوك التي طالت مصداقية البورصة الكويتية إلى شهر مارس من العام الماضي 2006، إذ حدث هبوط شديد في جميع البورصات الإقليمية، بما فيها البورصة الكويتية إذ وصل هبوط البورصة إلى 14.3 في المئة في شهر مارس وحده، الشيء الذي أفزع المستثمرين. وفي الكويت، باعتبارها من أكثر دول الخليج في مجال الحريات السياسية، قام المستثمرون والسماسرة بمظاهرة احتجاج أمام مبنى البورصة الكويتية وسط مدينة الكويت، داعين إلى إصلاح حال البورصة ووضع قوانين تحكم عملها.
وبالفعل تحتاج البورصة الكويتية الى أن تكون متوافقة تشريعيا مع الأسواق العالمية، وأن تتقيد في عملها بالمعايير الدولية المتعارف عليها في هذا السياق. ويقول المحلل المالي النافذ بمؤسسة غلوبال، شاندريش باط: «حاليا لا تتقيد الشركات المدرجة بالبورصة الكويتية بقواعد مناسبة للتعامل في البورصة بالطريقة الصحيحة».
ويؤكد هذا القول ما حدث على سبيل المثال في العام الماضي خلال التحقيقات التي طالت الأهلية الاستثمارية. ففي عام 2006، تم فصل رئيس مجلس إدارة الشركة الأهلية، عبدالسلام العوضي بواسطة البنك المركزي بعد اكتشاف مغالطات في تقارير الشركة الأهلية عن عام 2005. وقد تجسدت في هذه التجربة برمتها المشكلات العميقة التي تعيق عمل البورصة الكويتية، والتي تتمثل في عدم وجود لوائح لتحكم هذا العمل من الأساس، وذلك وفقا لما أدلى به بعض المسؤولين في البورصة أنفسهم.
فالبنك المركزي ما زال هو القائم بالإشراف على البنوك ومؤسسات الاستثمار المتعاملة في الأوراق المالية في البورصة وليس هيئة البورصة الكويتية نفسها. كذلك تتم مطالبة الشركات المدرجة بالإفصاح عن حساباتها كل ثلاثة أشهر، بالإضافة إلى مرة عن العام المالي كاملا في نهاية العام المالي. إلا أن البنك المركزي هو الجهة التي يتوجهون إليها بتلك الحسابات، وليس إلى البورصة، حتى أثناء تعاملها في الأوراق المالية في السوق المفتوحة. ولم تظهر النتائج الكارثية لمثل هذه الممارسات إلا بعد كشف البنك المركزي فضائح الشركة الأهلية في البورصة. فحينها فقط بدأت تتكشف مخاطر مثل هذه الممارسات. وبحلول شهر سبتمبر العام الماضي، وقبل أن تتكشف أي خطوط عريضة لخطة تقنين عمل البورصة، إلا وتكتشف فضيحة جديدة، تمثلت في استحواذ شركة الخرافي على شركة المال للاستثمار، والتي تردد فيها الزعم بأن مجموعة الخرافي قد فشلت في الالتزام بقوانين البورصة الخاصة بالافصاح. وجاء رد البورصة في نوفمبر بأن حظرت التعامل في عشر شركات مملوكة للخرافي، ما هز ثقة المستثمر في استقرار البورصة الكويتية. وفي أبريل 2007، أي بعد مرور 8 أشهر على الاستحواذ الذي قامت به مجموعة الخرافي، صدر قرار المحكمة الإدارية في الكويت بنقض الحظر الذي فرضته البورصة الكويتية».
وخلال ديسمبر ومع بواكير العام 2007، انتعشت الشائعات في الديوانيات عن أثر هذا الاستحواذ في البورصة الكويتية، وجلبت معها أحاديث عن تأثير النفوذ السياسي ومحاولات النيل من الآخرين على لي القوانين وتخريب ثقة المستثمرين في عدالة وكفاءة الأداء في البورصة الكويتية.
وللوقوف في وجه هذه الشائعات، أصدر وزير التجارة، فلاح فهد الهاجري ، قوانين جديدة مع بداية العام الحالي. إذ أصبحت البورصة تقتضي من كل شركة ترغب في الاندراج بها أن تمتلك رأس مال مدفوع لا يقل عن 10 ملايين دينار، فضلا عن تحقيق أرباح لمدة سنتين متواصلتين بما يتجاوز نسبة 7.5 في المئة من رأس المال.
ومن المعايير الأخرى التي تم طرحها في هذا الإطار، التأكيد على ضرورة أن تنتظر الشركات التي ترغب في رفع رأس المال بأكثر من 50 في المئة لمدة 12 شهرا قبل أن تتقدم لتدرج في البورصة، وأن يتم تعويم نسبة لا تقل عن 30 في المئة من الأسهم في اكتتاب عام.
إلا أن أيا من هذه القوانين لن يتم تطبيقه بأثر رجعي على الشركات العاملة بالفعل في البورصة.
وتتمتع هذه القوانين بقدر كبير من المصداقية، إلا أن طريقة البورصة في فرضها على الشركات المندرجة بها ما زالت غير واضحة حتى الآن. فكثير من الشركات المدرجة هي في حد ذاتها شركات قابضة، تعمل تحتها أعداد من الشركات الفرعية. وبهذا يتعذر إجراء أي نوع من التدقيق المستقل لدفاتر أي شركة على حدة، وبشكل آني، إذ من السهل على الشركات لعب دور الغطاء أو المظلة، إذ يمكن إزاحة رأس المال من شركة فرعية لأخرى، في توقيتات التقارير الموسمية، وذلك بهدف التطابق الشكلي مع المتطلبات المفروضة على حجم رأس المال في البورصة.
إن معالجة مثل هذه المشكلات التي تقف حائلا أمام كفاءة أداء البورصة، يتطلب فهم الوضع القائم بكل جزئياته وتفصيلاته. وفي هذا الإطار يبدو أن الدفع يسير باتجاه إنشاء جهة مستقلة لتصبح الجهة المنظمة لعمل البورصة. ففي مارس الماضي، دعا الهاجري إلى إنشاء مثل هذه الهيئة المستقلة لسوق المال. وقد أعلن أن الوزارة قد طرحت مسودة قانون جديد تمهد لإنشاء مثل هذه الهيئة بغرض استعادة الثقة لكيان البورصة الكويتية. ورغم أن الهاجري، بصفته وزيرا للتجارة، يعتبر تقنيا صاحب أعلى سلطة في سوق المال الكويتية، إلا أنه يبدو غير راض عن طريقة عمل البورصة بوضعها الراهن، كما أنه لا يرى الأمور بنفس الطريقة التي يراها بها القائمون على عمل البورصة.
ووفقا لما أعلنته وفاء الرشيد، المتحدثة الرسمية لدى البورصة الكويتية، فقد تم وضع مسودتين لقوانين أمام مجلس الوزراء. فقد قدمت البورصة مسودة، وبادر وزير التجارة إلى تقديم مسودة أخرى. وكلا المسودتين مطروحتان أمام مجلس الوزراء، والجميع بانتظار مناقشات مجلس الأمة لاختيار القوانين التي يراها ملائمة لعمل البورصة في الفترة المقبلة.
ومن الجدير بالقول أن كلا من المسودتين تهدفن إلى إنشاء هيئة مستقلة تعمل على إدارة سوق المال الكويتية، وقادرة على ضمان تطبيق المعايير الدولية على معاملات الأوراق المالية في البورصة. إلا أن المسودتين تختلفان في التفاصيل. فوفقا للأستاذة وفاء الرشيد، فإن مسودة القانون التي قدمتها البورصة، والتي استعانت في إعدادها بمستشارين من مؤسسة الأوراق المالية البريطانية، تركز على الأخذ في الاعتبار أن الكويت تعتبر سوقا ناشئة ولابد من تطوير القوانين المطلوبة لإدارة البورصة انطلاقا من هذه الفرضية.
أما المسودة التي قدمتها وزارة التجارة، والتي تم فيها الاستعانة بمستشارين من البورصات الأميركية، فإنها، وفقا لرأي القائمين على البورصة الكويتية، لا تأخذ في الاعتبار خصوصية النموذج الاقتصادي لدولة الكويت.
إلا أنه من المرجح أن ما سيدور داخل مجلس الوزراء سيتمثل في المزج بين المسودتين، وهو الأمر الذي قد يستغرق شهورا طويلة. ولكن بمجرد الانتهاء من هذه العملية، فإنه سيتوجب على مجلس الوزراء الدفع بهذا الشكل النهائي لمسودة القوانين إلى مجلس الأمة، والذي يعده البعض بطيئا للغاية في ما يتعلق بإقرار القوانين. إذ يضيع الوقت والجهد في المهاترات والتقاذف. وبهذه الطريقة فإن مسودة القانون قد لا تصل إلى منصة النقاش تحت قبة مجلس الأمة قبل أن ينقضي شهر نوفمبر. وفي أفضل الأحوال، لن تقوم أي هيئة بالإشراف على البورصة الكويتية بشكل حقيقي قبل انقضاء عام ونصف أو عامين من اليوم.
بالطبع هناك عراقيل أخرى، تتمثل في قانون الضرائب المعلق، وكذلك قانون الشركات. ووفقا لما يقوله الهاجري، فإنه من غير الممكن أن يمرر مجلس الأمة قانون تنظيم سوق المال الكويتي، قبل إقرار قانون الضرائب الجديد وقانون الشركات. وبالنسبة إلى قانون الضرائب الجديد، فإنه مازال يتلكأ في مجلس الأمة لأعوام، على الرغم من الضغط الذي تمارسه الحكومة لمحاولة استصداره. ولا تملك البورصة الكويتية حاليا خيارا بديلا سوى أن تستمر في السير بنفس الطريقة التي تسير عليها. كان الاستبيان الذي أجراه بنك Hsbc في أبريل قد أظهر أن البورصة الكويتية تعتبر من أفضل البورصات الخليجية، لدى المؤسسات الاستثمارية. إذ اختارتها نسبة 28 في المئة من إجمالي المستجيبين للاستبيان، مقارنة بنسبة 19 في المئة ممن اختاروا بورصة دبي، ثم نسبة 17 في المئة اختارت بورصة السعودية. ومع نهاية الربع الأول من العام، كانت البورصة الكويتية قد أدرجت نحو 200 شركة، برأس مال يصل إلى 31 بليون دينار. تجاوز (50) بليون دينار بنهاية يونيو 2007. ويبقى أمر البورصة كما وصفته وفاء الرشيد، إذ قالت: «لدينا مسؤوليات كثيرة وصلاحيات قليلة. ووفقا للتشريعات الحالية، يصبح من غير الممكن إدانة المتعاملين في الأسرار الداخلية بالبورصة واعتقالهم، إذ ان الصلاحيات القانونية الحالية لا تنص على ذلك. وحتى يتم التغيير نحو الأفضل، ستظل الشركات العاملة في البورصة الكويتية تعمل تحت إشراف البنك المركزي وحده، وستضطر البورصة الكويتية الى أن تعاني وتتحمل التبعات وآثار المشكلات التي تنجم عن التصرفات غير المسؤولة الصادرة عن كثير من هذه المؤسسات».

- الكويت
(أرابيز ترندز)
 
أعلى