مقالة اقتصادية تستحق القراءة

ابو كمال

عضو نشط
التسجيل
19 يونيو 2005
المشاركات
236
هل سينهار النظام الرأسمالي أيضاً؟


Sunday, 28 سبتمبر 2008
الكاتب : فهيد البصيري
العالم الرأسمالي يترنح، ويضع يديه على رأسه خشية الضربة القاضية.

الاقتصاد العالمي يتجه نحو الهاوية ونحن معه! والعالم العربي الظريف يذكرني بلعبة الأطفال (حلة التركيب)، يسهل تفكيكها، والاختلاف الوحيد في التشبيه، هو أنه يصعب إرجاع العالم العربي لوضعه الطبيعي بعد بعثرته، ومصير أغلب الدول العربية، مرتبط ارتباطا شبه مباشر بالولايات المتحدة، فبعضها يعتمد عليها ماليا. والبعض الآخر يقيّم سعر برميله من النفط بالعملة الخضراء، وأخيرا تعتمد أغلب دول الخليج على الولايات المتحدة سياسيا وأمنيا.

الذي يحدث الآن في العالم الغربي لم يشهد العالم مثيلا له من قبل، بحسب كلام خبراء الاقتصاد في العالم.

أصبحت الولايات المتحدة من الدول المثقلة بالديون، بدءا من المواطن الأميركي، مرورا بالمؤسسات المالية، وانتهاء بالحكومة الأميركية نفسها، وتقدر الديون بـ(36 تريليون دولار) ضع 12 صفرا فقط أمام الرقم! وبعدما كانت في السابق دائنة لأغلب شعوب الأرض، باتت تعاني من عجوزات مالية على جميع المستويات المحلية والعالمية وفي جميع حساباتها التجارية.

والهلع العالمي له مبرراته المنطقية، فالنظام الاقتصادي الأميركي، ومن خلفه العالم الرأسمالي الحر، يتعرض للانهيار، فقد وجد نفسه أمام التزامات من الديون لم تستطع أكبر مصارفه تحملها. وللعلم فإن رأس مال بنك «ليمان برذر» الذي أعلن إفلاسه قبل أيام، يفوق بمراحل ميزانيات الدول العربية مجتمعة.

ولم يكن «ليمان برذر» المؤسسة المالية الوحيدة التي أعلنت إفلاسها، فقد رافقها انهيار مؤسستي (فاني ماي- وفريدي ماك) العقاريتين، ما حدا بمؤسسة «ستانلي مورغان» المالية أن تطلب هي ومؤسسة «إيه آي جي» الضخمة، التدخل من الحكومة الفدرالية مقابل الاستحواذ على نسبة كبيرة من موجوداتهما.

لم يكن أمام الرئيس الأميركي سوى الاستنجاد بأموال الحكومة الفدرالية التي جمعتها من الضرائب، ليضخ 700 مليار لمساعدة تلك المؤسسات، وإلا فالكارثة ستقع. وستصاب البلاد بحالة من الشلل العام على جميع المستويات، وسيفقد الكثير من المستثمرين والمتقاعدين مدخراتهم، وسيتشرد الملايين في الشوارع نتيجة فقدهم لوظائفهم ومنازلهم، وسينهار النظام المالي برمته، وسيجر خلفه دول العالم التي تعول على المستهلك، والمقترض الأميركي. وستنهار العملة الأميركية، وسيرتفع سعر البترول فتصبح المشكلة أكثر تعقيدا على الاقتصاد الأميركي الضعيف، وستخسر بنوك عالمية وعربية مدخراتها في البنوك الأميركية، إنها سلسلة من التداعيات التي تذكرنا بتداعي هرم من قطع الدومينو. لذلك سارعت بنوك عدة آسيوية وأوروبية لتقديم دين بمبلغ 247 بليون دولار للحكومة الأميركية في محاولة للحيلولة دون وقوع الكارثة.

وعلى رغم التطمينات التي قدمها نائب مدير البنك الدولي والرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، إلا أن النظام الرأسمالي العالمي يحمل في مكوناته الأساسية مشاكل عدة، منها ما يطلق عليه «منحنى فلبس»، الذي يجعل حل البطالة يأتي على حساب التضخم، ومكافحة التضخم تعني زيادة في البطالة.. وقد تطورت هذه المشكلة فأصبحت البطالة تتفاقم والتضخم يرافقها بكل ثقة، ولم تستطع السياسات المالية والنقدية أن تفيد شيئا مع هذه المعضلة ولا مع ما يحدث حاليا.

لقد تطورت النظرية الرأسمالية عبر السنين، مرورا بالكساد الكبير العام 1929 - 1939 وصولا إلى عصرنا الحاضر، وفي مرحلة الثمانينيات عمل الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغن، ومعه رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر على إطلاق يد رأس المال في السوق، تاركين الأسواق لأصحاب الشركات والأموال، معتمدين على ما يسمى، آلية السوق الحرة.. بمعنى ترك الأسواق تحدد العرض والطلب للسلع والخدمات من دون أن يكون للحكومة أي يد فيما يحدث من عمليات مالية، متبنين رأي المدرسة الاقتصادية الكلاسيكية الجديدة، ومغفلين تجربة الكساد الكبير والنظريات التي قدمها الاقتصادي البريطاني الشهير كينزي آنذاك، والتي شدد فيها على ضرورة تفعيل الرقابة على الأنشطة المالية والبنكية.

فأخذ رأس المال، وبحسب النهج الاقتصادي الجديد يحدد منطقه، وهو منطق لا يهتم بالمحاذير الاقتصادية. ولا يهتم بالنتائج مادام هناك مال يتدفق، واكتفت الحكومة الأميركية باستخدام أدواتها المالية البسيطة كالضريبة وسعر الفائدة والسياسة النقدية.

إن الاقتصاديين، ورغم تطور علم الاقتصاد لا يستطيعون عمل شيء سوى وضع النظريات والخطط، ومن ثم الجلوس بانتظار النتائج.

والاقتصاد علم يصعب التحكم به، أو التنبؤ بنتائجه على الأمد الطويل. وهو نشاط إنساني ذو طبيعة معقدة، تتشابك فيه علوم كثيرة، كعلم النفس والفلسفة والثقافة والجغرافيا.. وفيه من العوامل المتغيرة الكثير والمتناقض في آن واحد، وعلى سبيل المثال، كانت الولايات المتحدة في العهد القريب تحاول الحد من التضخم عبر الحد من الاقتراض، وذلك برفع سعر الفائدة، ولكنها الآن ستترك المجال للتضخم، وتقلل من حجم الفائدة، خوفا من الدخول في ركود اقتصادي عالمي، ما يعني توقف عجلة النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة.

وهناك عوامل أخرى من الممكن أن تكون كارثية من دون أن يكون للاقتصاد والاقتصاديين ذنب في حدوثها، كتكاليف الحروب والكوارث الطبيعية وطبيعة التركيبة السكانية للمجتمع.. إضافة إلى العوامل السياسية المحضة، فطبيعة النظام السياسي من الممكن أن تحيل رخاء بلد ما إلى فقر مدقع.

لقد سقطت التجربة الاشتراكية المستلهمة للنظرية الماركسية بعد الممارسة والبرهان، والآن تتهاوى «النظرية الرأسمالية الحديثة»، وهاهي الولايات المتحدة الأميركية تؤمم مؤسساتها المالية ومصارفها لتصبح دولة اشتراكية بامتياز.

إننا نمر بمنعطف تاريخي خطير، وأميركا التي كانت تسود العالم، قد تصبح رهينة له نتيجة الديون المركبة والمتراكمة عليها، ومن العجيب أنها من اختراع الرأسماليين الأميركيين الجدد.

لقد تغيرت السياسة الاقتصادية الأميركية بين ليلة وضحاها، وسيتبع ذلك تغير كبير في سياستها الخارجية وسوف تستخدم الولايات المتحدة السياسة الخارجية للخروج من أزمتها الراهنة.

ولكن كيف؟ وما الوسائل؟ هل ستتخلى الولايات المتحدة عن دور شرطي العالم؟ وما النتائج ؟ وأين ستكون مراكز القوى الجديدة؟

ستحرجنا التساؤلات لنستدعي أسئلة أخرى لتطويق المارد الذي انفلت من عقاله.. وماذا سيستجد على معادلة الصراع العربي الإسرائيلي؟ وما انعكاسات الإستراتيجية الأميركية الجديدة على دول الخليج؟ وهل سيستعجل الأميركيون الخروج من العراق، أم سيبقون لمدة أطول؟ وما الإستراتيجية الجديدة التي سيستخدمها الأميركيون تجاه المشكلات السياسية والدولية العالقة في هذه المرحلة الحرجة؟ ومن الرابح؟ ومن الخاسر سياسيا من هذه الأزمة؟

وعلى الصعيد الاقتصادي، ماذا سيحدث لأنصار العولمة؟ وماذا سيستجد على منظمة التجارة العالمية، خصوصا أنها وصلت إلى طريق مسدودة في الآونة الأخيرة ؟ وماذا سيحدث لاسعار النفط؟ وهل ستدفع الأزمة الراهنة العالم لاكتشاف مصادر بديل للطاقة بأسرع وقت ممكن؟

وأخيرا، هل أدرك العالم الرأسمالي انه لا يوجد رأس مال عاقل؟!

كاتب كويتي
 

اللافي 22

عضو نشط
التسجيل
7 يونيو 2008
المشاركات
398
جزاك اللة خير على النقل ياابوكمال
 
أعلى