شركات الاستثمار تتمتع بـ2,2 مليار دينار احتياطيات وبنحو 1,6 مليار أرباحا مرحلية وأخرى مرحلة
كتب محسن السيد:
يعقد اتحاد شركات الاستثمار اجتماعا اليوم وسيكون أحد أهم بنود الاجتماع مناقشة المقترحات التي تقدمت بها البنوك الى البنك المركزي لمساعدة شركات الاستثمار في الخروج من أزمتها الحالية، فضلا عن تعسر الدعم الحكومي المقدم لهذه الشركات والذي لم ير النور حتى الآن، وفي هذه الأجواء تعيش شركات الاستثمار حاليا أمام خيارات محدودة لنجدتها وإيجاد الحلول الفاعلة والسريعة نسبيا لإقالتها من عثرة الديون المتراكمة والآخذة في التزايد يوما بعد آخر.
الخيار الأول ان توافق على البرنامج الذي اقترحته البنوك بتقديم تمويل بصورة قروض مضمونة لشركات الاستثمار لآماد طويلة تصل الى خمس سنوات، وهو البرنامج الذي تدعمه الجهات الحكومية بمباركة مجلس الوزراء (إذا تم الاتفاق عليه)، وتدير البنوك هذا البرنامج، مع إضافة ما تراه الشركات من بنود ترى أنها تتوافق مع أوضاعها الحالية التي هي أدرى بها، وسيكون على شركات الاستثمار، وفق هذا البرنامج تحمل جانب من المسؤولية الى جانب الجهات الحكومية والبنوك، بتقديم ضمانات حقيقية اذا كانت بالفعل لاتزال هذه الشركات تمتلك أصولا مليئة مقيمة تقييما عادلا، وسيكون على الشركات أيضا تحمل تكلفة التأخير الذي قد ينجم عن إجراءات تفعيل هذا البرنامج باعتباره سيمر في قنوات عدة.
أما الخيار الثاني فهو السعي لدى جهات سياسية لتفعيل قرار السماح لشركات الاستثمار بالاقتراض المباشر من المؤسسات الحكومية، وحسبما رشح من أوساط مسؤولي شركات الاستثمار أنهم يميلون الى تفعيل هذه الآلية، كحل سريع ومباشر يقي شركات الاستثمار تعقيدات وتشدد البنوك، ويختزل الكثير من الوقت الذي يمكن أن يستغرقه تفعيل الخيار الأول، على اعتبار أن سرعة التدخل واتخاذ القرار أشد وقعا ونفعا للشركات ربما من فلسفة القرار نفسه، في وقت تتزايد فيه تكلفة شركات الاستثمار مع كل يوم يمر، مع تزايد حجم مديونياتها وتراجع قيم أصولها. وهو ما جعل شركات الاستثمار تعتقد أن الغيمة السوداء بدأت تتبدد مع سماح البنك المركزي لها بالاقتراض من المؤسسات الحكومية، لكن الغيمة بدأت تزداد قتامة عندما تحفظت مؤسسات حكومية تجاه التجاوب مع هذا التساهل.
فكرة إنشاء صندوق صانع سوق تتبناه الهيئة العامة للاستثمار، وتقوم الية عمل الصندوق على وضع حد أدنى لأسعار الأسهم، بحيث لايسمح للسهم بالهبوط دونها لاسيما بالنسبة لأسهم الشركات التشغيلية الجيدة، وتشير مصادر استثمارية رفيعة الى أن هذا الخيار ليس مجرد فكرة، بل هو خيار فعلي يدرس بجدية وعلى نار هادئة حاليا بين الأوساط الرسمية، وقد تظهر فكرته للعلن قريبا.
علما بأنه بحاجة لمبالغ مليارية ولقرار سياسي رفيع.
فكرة رابعة تقوم على تشجيع ومساندة عمليات الاستحواذ بين الشركات، بحيث تقوم الشركات القوية التي لم تتأثر كثيرا بتداعيات الأزمة الحالية بعمليات استحواذ على وحدات أخرى أقل ترى فيها إمكانا لإعادة هيكلتها وتعزيز قدرتها وحمايتها من الاندثار، بتكلفة مالية أقل.
مصادر استثمارية مسؤولة تؤكد أن الخيارات السابقة جميعها وجية للغاية ومناسبة، وليس من بينها ما يلغي الاقتراحات الأخرى، بل يمكن الأخذ بها جميعا أو بأغلبها، المهم تطبيقها في الوقت المناسب وبالآلية المناسبة.
في الوقت ذاته، تلفت المصادر الى أن تطبيق بعض من هذه الخيارات سيوقع الحكومة في حرج شديد وربما يفتح عليها بوابة من جهنم، فعلى سبيل المثال، في الوقت الذي يرى فيه الخبراء أن اقتراح تقديم قروض حكومية للشركات عبر البنوك اقتراح جيد ومن بين حسناته أن تتملك الحكومة أسهما جديدة أو إضافية في بعض الشركات، وهو ما يحدث الآن في أسواق رأسمالية عالمية متطورة، لكن ثمة تساؤلات حول وفق أي أساس ستقرض الحكومة شركات دون أخرى، وما نوعية الأصول التي ستقبلها الحكومة مقابل منح التسهيلات ومدى جودة وملاءة هذه الأصول، وهل ستقرض الحكومة الشركات الجيدة والورقية، وغيرها من التساؤلات التي ستسبب حرجا سياسيا.
الى هنا يجب أن تضع شركات الاستثمار أيضا في حسبانها الخيار الأصعب غير المطروح بين السيناريوهات الأربعة انفة الذكر، وأن تستعد له. ماذا لو لم يتحقق أي من تلك السيناريوهات؟ وبات على شركات الاستثمار أن تساعد نفسها بنفسها من واقع إمكاناتها وفي ضوء ميزانياتها. شركات الاستثمار وغيرها أمامها ميزانيات، كيف يمكن أن تتحوط لتدخل عام 2009 بميزانيات نظيفة على افتراض أن الجهود الحالية لم تسفر عن أي حلول للإنقاذ، لاشك أن القراءة المتأنية في ميزانيات شركات الاستثمار تؤكد أن أمام هذه الشركات حلولا ذاتية يمكن أن تلجأ اليها، على الأقل للتقليل من حجم التزاماتها الحالية بدلا من الصراخ على عتبات الجهات الحكومية، وعلى هذه الشركات أن تقف أمام مسؤولياتها في الوقت الذي تستمر فيه في مطالباتها بإنقاذ سريع، وهنا السيناريوهات التحوطية التي يطرحها خبراء الاستثمار من واقع دفاتر شركات الاستثمار.
1 ــ الدفاتر تظهر الخيط الأبيض من الأسود
ـ أولا وقبل كل شيء بات لزاما على شركات الاستثمار أن تفتح دفاترها وتفصح عن أصولها وموجوداتها ومدى جودة هذه الأصول من جديد بعد تراجع الأسعار، اذا أرادت هذه الشركات مساعدة عاجلة وسريعة عليها أولا أن تفتح دفاترها ليتبين حجم تأثرها وليظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود، من يستحق ومن لا يستحق المساعدة، وهو ما أكده محافظ البنك المركزي أنه لن يتم الوقوف بدقة على حجم تأثر شركات الاستثمار ومدى حاجتها للمساعدة من دون أن تفصح عن بياناتها كاملة.
2 ــ تسييل أصول خارجية مقابل ديون خارجيةـ
بيع الأصول الخارجية والاستفادة من العائد في تسديد الالتزامات الداخلية والخارجية، يبدو هذا السيناريو حلا واقعيا ان أرادت الشركات أن تساعد نفسها بنفسها، هذا اذا استطاعت ان تبيع تلك الأصول كليا أو جزئيا، فميزانيات شركات الاستثمار تكشف عن حجم هائل من الأصول، حيث عكفت تلك الشركات خلال فترات الرواج السابقة على التوسع في الاتجاهات الجغرافية الأربعة، أليس الآن الوقت الملائم لتنفع فيه هذه الأصول التي خلفتها الشركات في الخارج، ولتظهر الشركات التي دخلت في أصول جيدة قابلة للتسييل والتي ستجد من يقبل عليها حتى في هذه الظروف من الأخرى التي توسعت والسلام.
3 ــ استخدام الأرباح المرحلة كليا أو جزئياـ
اللجوء للأرباح المرحلة: اذا كانت شركات الاستثمار قد حققت نموا كبيرا في أرباحها خلال فترات الرواج السابقة، وادخرت جزءا من هذه الأرباح التي تحققت في السنوات السمان لتغذي السنوات العجاف، وقد حلت السنوات العجاف فلماذا لاتلجأ الآن إلى هذا الخيار وتستخدم الأرباح المرحلة، فمن واقع ميزانيات شركات الاستثمار حتى النصف الأول من العام الجاري (وفق احصائية أعدتها «القبس») بلغ حجم الأرباح المرحلة 1.66 مليار دينار، وعلى افتراض أن هذه الأرقام حقيقية وواقعية، والعهدة على شركات الاستثمار، ألا يجب أن تسد جانبا كبيرا من التزامات شركات الاستثمار؟
4 ــ استخدام الاحتياطيات كليا أو جزئيا
ـ اللجوء إلى الاحتياطيات لإطفاء جزء من الالتزامات سواء الخسائر أو الديون وغيرها من الالتزامات الأخرى، ففي مثل هذه الظروف غير الاعتيادية تلجأ الشركات، كخيار لاطفاء التزاماتها، بداية الى الأرباح المرحلة ثم الاحتياطي الاختياري ثم للاحتياطي الاجباري، واذا لم يف الاستقطاع من الأرباح المرحلة والاحتياطيات بحجم الالتزامات، يتم اللجوء الى رأس المال، بيد أن شركات الاستثمار تزخر باحتياطيات عامرة، حيث يبلغ حجم هذه الاحتياطيات وفق ميزانيات 30 يونيو الماضي نحو 2.2 مليار دينار. تجدر الاشارة الى أن بند الاحتياطيات يتألف
من الاحتياطي الاجباري أو القانوني، ويتم تكوينه من خلال اقتطاع 10% سنويا من الأرباح. والاحتياطي الاختياري ويتم تكوينه من الأرباح التي لا ترغب الشركة في توزيعها ويتم ترحيلها لبناء مركز مالي جيد.
5 ــ أخذ مخصصات كافية لمواجهة 2009
ـ اقتطاع المخصصات من الآن للتحوط لمواجهة أي مستجدات خلال الربع الأخير من العام الجاري ودخول العام الجديد بميزانية نظيفة، فاذا كان المعيار المحاسبي المعدل قد أنقذ الشركات وسمح لها بنقل خسائر الأصول المحققة من بند الأرباح والخسائر الى بند حقوق المساهمين بما ينتفي معه اقتطاع المخصصات لمواجهة الخسائر، فانه من الحصافة التحوط لأي مستجدات بأخذ مخصصات.
6 ــ تخفيض رأس المال خيار مطروح
ـ تخفيض رأس المال كخيار أخير، وفي حال تأثرت أصول الشركة بشدة ولم يكن أمامها حلول أخرى ليس عيبا أن تلجأ الشركة الى تخفيض رأسمالها بقدر الأصول أو الاستثمارات المتهالكة التي استنزفت خلال هذه الفترة والتي ترى الشركة أن تعويضها قد يستغرق سنوات طويلة، فعلى سبيل المثال اذا كانت شركة ما تملك أسهما في شركة أخرى وتراجعت أسهم الثانية بشكل كبير، وليس ثمة بصيص في تعويض هذه الخسائر لا بأس من أن تعلن الشركة بكل شفافية أمام مساهميها أنها ترغب في تخفيض رأسمالها مقابل الخسائر التي تكبدتها، وسبق أن لجأت شركات استثمار الى هذا الخيار ابان أزمة عام 1997 وهي الآن في وضع جيد، لكن الأهم من وجهة نظر خبراء الاستثمار، أن يتزامن هذا الاجراء مع وضع ادارة تنفيذية جديدة أكثر كفاءة وقدرة على المضي في اعادة هيكلة الشركة وتنفيذ استراتيجيتها الجديدة والا فسيعني ذلك استمرار تآكل رأس المال طالما بقيت الادارة ذاتها التي كانت مسؤولة عن القرار الاستثماري الذي كبد الشركة هذه الخسائر وأوصلها إلى خيار خفض رأس المال.
من واقع هذه السيناريوهات المتاح بعضها فعليا وبشكل عاجل أمام شركات الاستثمار، فان الكرة ربما في ملعب هذه الشركات. وفي هذا الصدد يؤكد الخبراء أن نحو 30 شركة استثمارية قادرة على أن تشغل نفسها بنفسها، بينما الأخرى غارقة.