شركات الاستثمار تقلب الطاولة على البنوك
عاد المال لرد الصاع صاعين .. بحسبة « المليون بالمليون .. والبادي أظلم »
أحمد بومرعي
ليس الجديد في معركة بنك بوبيان أن تُجمّد المحكمة أمس تصرف البنك التجاري بأسهم بوبيان التابعة سابقا لشركة دار الاستثمار، والمُفترض أنه نال موافقة قانونية بملكيتها، كما أعلن على موقع البورصة الإلكتروني قبل فترة، وبالتالي تجميد تلقائيا صفقة الـ120 مليون دينار بين الوطني والتجاري، بل الحدث أن شركات الاستثمار دخلت مرحلة جديدة من قلب الطاولة على البنوك.
فبعد أن سيطرت الأخيرة على قواعد اللعبة في السوق منذ بداية الأزمة المالية على الكويت، وناورت هذه الشركات، وعلى رأسها شركتا دار الاستثمار وبيت الاستثمار العالمي (غلوبل)، وقطعت فجأة خطوط التمويل عنها منذ شهر سبتمر الماضي، بعد أن كانت تمدّها بالملايين بمجرد اتصال «بالموبايل» بين رئيس بنك ورئيس شركة، يبدو أن شركات الاستثمار عادت لتفرض نفسها كلاعب «مشاغب»، تريد ردّ «الصاع صاعين» للبنوك.
المؤشر الأول الذي يظهر من العودة الى فرض الذات، أن الشركات أصبحت قوية، لأنك لا يمكن لك الدخول في المواجهة مع خصوم أقوياء كالبنوك وأنت ضعيف، لكن الاهم هنا أن منبع هذه القوة هو المال، وهو ما يعني أن الشركات أصبحت تملك «الكاش»، وهي على أهبة الاستعداد للتعارك مع ملايين البنوك بمنطق فرضته ظروف السوق «المليون بالمليون .. والبادي أظلم».
سيولة الشركات
يُمكن استنتاج من أين أتت هذه الشركات بالسيولة، مما قالته رئيسة «غلوبل» في عموميتها أول من أمس إن 40 في المائة من أصولها أسهم مدرجة في البورصة الكويتية فقط، ومنطقيا هذه الأسهم صعدت قيمتها مع صعود البورصة، وبورصات المنطقة بشكل عام، حيث تملك «غوبل» و«الدار» وغيرهما أصولا، وما يسري على الاخيرتين، ينطبق على باقي شركات الاستثمار، وما جرى في عمومية «غلوبل» أول من أمس من إعادة المساهمين الثقة بالشركة، وموافقتهم على زيادة رأسمالها بـ150 مليون دينار، أعطى قوة مضافة للشركات الاستثمارية في معركتها مع البنوك، حتى لمدى حاجتها الى الدعم المالي من الدولة. اذ فتحت بابا «جريئا» للحصول على السيولة من المساهمين أنفسهم، اضافة الى خطوات اعادة الهيكلة «الجذرية» للنهوض والاستمرار، كما بيّنت «غلوبل» وكما تفعل «الدار»، وهي كلها خطط «ذكية».
عودة المال
فـ«الدار» مثلا أغلقت كل فروع شركاتها التمويلية، وأبقت فقط على ادارات رئيسية، تُحصّل الاموال من العُملاء الذين سبق أن موّلتهم. وهو ما يعني أن الشركة تدخل إليها سيولة منذ 6 أشهر مقابل قليل من التكاليف، هذا ناهيك عن الصندوق «الجامبو» أو «الماكرو» المُقترح من «غلوبل» في العمومية، هو يشبه الى حد ما شركات الاغراض الخاصة SPV، حيث تُجمع فيه أصول الشركة النظيفة، ثم يُطرح للاكتتاب، وتُباع وحداته في السوق، ويُدفع من عوائده للدائنين والمكتتبين في وقت تعود الاسعار في السوق الى الارتفاع، وهو ما قد تأخذ به «الدار» وشركات أخرى.
أمام هذا الواقع المالي والقوة الجديدة لشركات الاستثمار، نُقلت المعركة الى القضاء، بعد أن استنفدت طرق المفاوضات «الودية»، وبات من المُمكن اليوم دفع تكاليف اجراءات المحاكم، حيث تُرك للقانون أن يأخذ مجراه، وهو ما تعوّل عليه الدار رافعة الدعوى، ما يُفسر أن الشركة مقتنعة بحقها القانوني، لأنها من الصعب جدا اتخاذ مثل هذه الخطوة، من دون وجود حجج قانونية لديها.
خطورة الملعب القضائي
وللعلم، ليست خطوة رمي الكرة في المعلب القضائي سهلة، فأن تقطع حبال الود بينك وبين بنك مثل التجاري، ثم تُعرقل صفقة «العُمر» بالنسبة للبنك الوطني، الذي ينتظر من سنين الاستحواذ على ذراع مصرفية اسلامية، يعني أنك خَلقت عداوة مع اكبر ذراعين مصرفيتين «تقليديتين» في البلاد. لكن التفسير الأقرب الى المنطقية لما قامت به «الدار»، أنها وَضعت مصلحة المساهمين فوق كل اعتبار، فحصة «بوبيان» هي أموال للناس المُساهمة في «الدار»، وأي سكوت عن الموضوع، في وقت اتفق «الوطني» و«التجاري» على اتمام الصفقة، يعني مباشرة تخلي «الدار» عن مساهميها، وهو ما حاول خصوم «الدار» تسويقه في الفترة السابقة، عقب اعلان «التجاري» على موقع البورصة أن الاسهم أصبحت باسمه.
غير أن «الدار» كانت ذكية في التعامل مع الملف، فلم ترفع قضية الا عندما باشر البنكان في اجراءات الصفقة، وهي على ما يبدو لم تكن تريد النزاع مع «الوطني»، بدليل أنها نصحته بعدم الدخول في الصفقة، وهي «إشارة» كان يمكن أن يَستثمرها البنك المتعطش لأسهم إسلامية مصرفية، حيث تعني بطريقة أو بأخرى أن الشركة كان يُمكنها أن تبيعه هذه الاسهم بطريقة قانونية بعد حسم الملف، خصوصا مع حاجتها للسيولة، من دون أن يَدخل في معمعة فيها لبس قانوني وعدم وضوح، فماذا سيفعل اليوم مع الـ8 في المئة من أسهم بوبيان، التي دفع ثمنها وأصبحت في ملكيته، في وقت بات من الصعب الوصول الى حصة 40 في المئة، (المسموح له مركزيا بشرائها)، من دون حصة التجاري، حيث من الصعب تلقائيا الفوز بادارة البنك، أضف الى ذلك أن البنك كله أصبح اليوم في القضاء.
نقلا عن جريدة اوان
عاد المال لرد الصاع صاعين .. بحسبة « المليون بالمليون .. والبادي أظلم »
أحمد بومرعي
ليس الجديد في معركة بنك بوبيان أن تُجمّد المحكمة أمس تصرف البنك التجاري بأسهم بوبيان التابعة سابقا لشركة دار الاستثمار، والمُفترض أنه نال موافقة قانونية بملكيتها، كما أعلن على موقع البورصة الإلكتروني قبل فترة، وبالتالي تجميد تلقائيا صفقة الـ120 مليون دينار بين الوطني والتجاري، بل الحدث أن شركات الاستثمار دخلت مرحلة جديدة من قلب الطاولة على البنوك.
فبعد أن سيطرت الأخيرة على قواعد اللعبة في السوق منذ بداية الأزمة المالية على الكويت، وناورت هذه الشركات، وعلى رأسها شركتا دار الاستثمار وبيت الاستثمار العالمي (غلوبل)، وقطعت فجأة خطوط التمويل عنها منذ شهر سبتمر الماضي، بعد أن كانت تمدّها بالملايين بمجرد اتصال «بالموبايل» بين رئيس بنك ورئيس شركة، يبدو أن شركات الاستثمار عادت لتفرض نفسها كلاعب «مشاغب»، تريد ردّ «الصاع صاعين» للبنوك.
المؤشر الأول الذي يظهر من العودة الى فرض الذات، أن الشركات أصبحت قوية، لأنك لا يمكن لك الدخول في المواجهة مع خصوم أقوياء كالبنوك وأنت ضعيف، لكن الاهم هنا أن منبع هذه القوة هو المال، وهو ما يعني أن الشركات أصبحت تملك «الكاش»، وهي على أهبة الاستعداد للتعارك مع ملايين البنوك بمنطق فرضته ظروف السوق «المليون بالمليون .. والبادي أظلم».
سيولة الشركات
يُمكن استنتاج من أين أتت هذه الشركات بالسيولة، مما قالته رئيسة «غلوبل» في عموميتها أول من أمس إن 40 في المائة من أصولها أسهم مدرجة في البورصة الكويتية فقط، ومنطقيا هذه الأسهم صعدت قيمتها مع صعود البورصة، وبورصات المنطقة بشكل عام، حيث تملك «غوبل» و«الدار» وغيرهما أصولا، وما يسري على الاخيرتين، ينطبق على باقي شركات الاستثمار، وما جرى في عمومية «غلوبل» أول من أمس من إعادة المساهمين الثقة بالشركة، وموافقتهم على زيادة رأسمالها بـ150 مليون دينار، أعطى قوة مضافة للشركات الاستثمارية في معركتها مع البنوك، حتى لمدى حاجتها الى الدعم المالي من الدولة. اذ فتحت بابا «جريئا» للحصول على السيولة من المساهمين أنفسهم، اضافة الى خطوات اعادة الهيكلة «الجذرية» للنهوض والاستمرار، كما بيّنت «غلوبل» وكما تفعل «الدار»، وهي كلها خطط «ذكية».
عودة المال
فـ«الدار» مثلا أغلقت كل فروع شركاتها التمويلية، وأبقت فقط على ادارات رئيسية، تُحصّل الاموال من العُملاء الذين سبق أن موّلتهم. وهو ما يعني أن الشركة تدخل إليها سيولة منذ 6 أشهر مقابل قليل من التكاليف، هذا ناهيك عن الصندوق «الجامبو» أو «الماكرو» المُقترح من «غلوبل» في العمومية، هو يشبه الى حد ما شركات الاغراض الخاصة SPV، حيث تُجمع فيه أصول الشركة النظيفة، ثم يُطرح للاكتتاب، وتُباع وحداته في السوق، ويُدفع من عوائده للدائنين والمكتتبين في وقت تعود الاسعار في السوق الى الارتفاع، وهو ما قد تأخذ به «الدار» وشركات أخرى.
أمام هذا الواقع المالي والقوة الجديدة لشركات الاستثمار، نُقلت المعركة الى القضاء، بعد أن استنفدت طرق المفاوضات «الودية»، وبات من المُمكن اليوم دفع تكاليف اجراءات المحاكم، حيث تُرك للقانون أن يأخذ مجراه، وهو ما تعوّل عليه الدار رافعة الدعوى، ما يُفسر أن الشركة مقتنعة بحقها القانوني، لأنها من الصعب جدا اتخاذ مثل هذه الخطوة، من دون وجود حجج قانونية لديها.
خطورة الملعب القضائي
وللعلم، ليست خطوة رمي الكرة في المعلب القضائي سهلة، فأن تقطع حبال الود بينك وبين بنك مثل التجاري، ثم تُعرقل صفقة «العُمر» بالنسبة للبنك الوطني، الذي ينتظر من سنين الاستحواذ على ذراع مصرفية اسلامية، يعني أنك خَلقت عداوة مع اكبر ذراعين مصرفيتين «تقليديتين» في البلاد. لكن التفسير الأقرب الى المنطقية لما قامت به «الدار»، أنها وَضعت مصلحة المساهمين فوق كل اعتبار، فحصة «بوبيان» هي أموال للناس المُساهمة في «الدار»، وأي سكوت عن الموضوع، في وقت اتفق «الوطني» و«التجاري» على اتمام الصفقة، يعني مباشرة تخلي «الدار» عن مساهميها، وهو ما حاول خصوم «الدار» تسويقه في الفترة السابقة، عقب اعلان «التجاري» على موقع البورصة أن الاسهم أصبحت باسمه.
غير أن «الدار» كانت ذكية في التعامل مع الملف، فلم ترفع قضية الا عندما باشر البنكان في اجراءات الصفقة، وهي على ما يبدو لم تكن تريد النزاع مع «الوطني»، بدليل أنها نصحته بعدم الدخول في الصفقة، وهي «إشارة» كان يمكن أن يَستثمرها البنك المتعطش لأسهم إسلامية مصرفية، حيث تعني بطريقة أو بأخرى أن الشركة كان يُمكنها أن تبيعه هذه الاسهم بطريقة قانونية بعد حسم الملف، خصوصا مع حاجتها للسيولة، من دون أن يَدخل في معمعة فيها لبس قانوني وعدم وضوح، فماذا سيفعل اليوم مع الـ8 في المئة من أسهم بوبيان، التي دفع ثمنها وأصبحت في ملكيته، في وقت بات من الصعب الوصول الى حصة 40 في المئة، (المسموح له مركزيا بشرائها)، من دون حصة التجاري، حيث من الصعب تلقائيا الفوز بادارة البنك، أضف الى ذلك أن البنك كله أصبح اليوم في القضاء.
نقلا عن جريدة اوان