( 118 ) قصة عن الشيخ ( ابن باز ) رحمه الله

بنوتهـ كيوتـ

عضو نشط
التسجيل
19 أغسطس 2008
المشاركات
2,562
الإقامة
{{اط !ـهر م ـكانـ بالـ !ع !ـالم}}
السلام عليكم

من كم يوم قريت موضوع عن موقف ابن باز مع سارق الغاز

وحبيت اقرا المزيد من القصص عن ابن باز وعمي جوجل مابيقصر



هذه 118 قصة عن الشيخ عبد العزيز ابن باز جمعها اخوكم الضعيف من مصادر عدة على ان الغالبية العضمى منها كانت ن كتاب ( جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز ) والذي انصح بقراءته لمن اراد الاستزادة ... ولان الموضوع طويل فانه اشتمل على اخطاء في عدة جوانب فارجوا من الجميع المسامحة واسال الله ان ينفعنا بهذه السيرة العطرة المباركة وان يرحم صاحبها ويجزيه عنا وعن المسلمين خير الجزاء .

( ملاحظة : ارجوا من الجميع عدم الرد الا بعد الانتهاء من القصة 118 )


1

ركب أحد طلبة العلم مع الشيخ الألباني رحمه الله في سيارته و كان الشيخ يسرع في السير .
فقال له الطالب : خفف يا شيخ فإن الشيخ ابن باز يرى أن تجاوز السرعة إلقاء بالنفس إلى التهلكة . فقال الشيخ الألباني رحمه الله : هذه فتوى من لم يجرب فن القيادة .
فقال الطالب : هل أخبر الشيخ ابن باز .
قال الألباني : أخبره .
فلما حدث الطالب الشيخ ابن باز رحمه الله بما قال الشيخ الألباني ضحك>>>
وقال : قل له هذه فتوى من لم يجرب دفع الديات !!. (ترجمة السدحان للشيخ ابن باز ).

2

إذا جاء أحد إلى الشيخ في بيته، قال له ـ أي الشيخ ـ : العشاء معنا، فإذا قال أنا يا شيخ لا أستطيع، قال: أنت تخاف من زوجتك ؟! تعشى معنا .

3

زوج حفيدة الشيخ جاء إليه وقال : يا شيخ نريدك تأتي إلى بيتـنا، ونستضيفك . قال الشيخ : لا مانع، إذا تزوجت مرة ثانية نأتي إلى الوليمة إن شاء الله تعالى .
فذهب هذا وأخبر حفيدة الشيخ ، وقال الشيخ يقول نأتي إليكم إذا تزوجت . فأخذت الهاتف وتكلمت مع جدها الشيخ وقالت : كيف يا شيخ …؟ فقال : نحن نمزح معه، لا نريده يتـزوج ، نأتي بغير زواج .

4

الشيخ إذا جلس يسجل نورٌ على الدرب، يخلع شماغه وطاقيته، ويقول : من يحمل الأمانة ؟ فإن قال أحد الجالسين : أنا، قال : خذ.

5

في أحد المرات كان عنده أحد الأخوة وكان الشيخ يريد أن يسجل " نورٌ على الدرب" ، وكان الشيخ يريد هذا أن يخرج ، لكن بأدب ، فقال: يا هذا نحن نريد أن نسجل حلقتين متواصلات وأظن يطول عليك، قال: لا إن شاء الله أجلس وأستـفيد، قال الشيخ : أخاف تكـح ، تعرف التسجيل ما فيه كح ولا شيء، قال: لا إن شاء الله ما فيني كحة، قال الشيخ : لا الكحة تجيك، قال : ففهمت وخرجت

6

أنه إذا أراد الوضوء من المغسلة ناول من بجانبه غترته أو مشلحه ثم قال ممازحاً مداعباً: هذه يا فلان على سبيل الأمانة، لا تطمع بها.

7

ومن ذلك أنه إذا قام من المكتبة متعباً من القراءة والمعاملات، ثم تناول العشاء_قال: سنعود إلى المكتبة مرة أخرى؛ لأننا ملأنا البنزين، وتزودنا بالوقود، أو يقول بعبارته: (عَبَّينا) بنزين، ويعني بذلك أنه نشط بعد تناول الطعام.

8

وكان مرهف الشعور؛ وبمجرد إحساسه أن أحداً ممن معه متضايق من أمر ما فإنه يلاطفه بما يشرح صدره، وينسيه همه؛ فربما قال لمن معه: ماذا عندك، ماذا ترغب، وربما قال له: ممازحاً: ما تريد الزواج، وإذا أُحْضِر الطعام قال لبعض جلاسه: تغدوا معنا، أو تعشوا؛ الذي لا يخاف_يعني من أهله_يتفضل معنا.

9

ومن هذا القبيل_أيضاً_أنه إذا سلم عليه أحد سأله عن اسمه، فإذا كان في الاسم غرابة أو معنى غريب أو حسن_داعب سماحتُه صاحب ذلك الاسم، فمن ذلك أن فضيلة الشيخ متعب الطيار إذا سلم على سماحة الشيخ قال له سماحته: من ؟ فيقول متعب الطيار، فيقول: متعب من ؟ فيقول: متعب أعداء الله، فيقول سماحته: نعم، نعم.

10

وذات مرة جاءه مطلِّق فقال له: ما اسمك ؟ قال: ذيب، قال: وما اسم زوجتك قال: ذيبة؛ فقال سماحته مداعباً: أسأل الله العافية ! أنت ذيب، وهي ذيبة، كيف يعيش بينكما أولاد ؟

11

وذات يوم كان أحد الإخوة يقرأ، وفي أثناء قراءته تردد في كلمة ولم يفصح عنها، أي لم يستطع أن يقرأها.
وكان ضمن الحاضرين في المجلس الشيخ د. عبدالله بن محمد المُجَلِّي فقال سماحة الشيخ: أعطها ابن مُجلِّي؛ لعله يجلِّيها.

12

ومما يحضرني_أيضاً_أن سماحته كان كثيراً ما يمازح الشيخ عبدالرحمن بن حمد بن دايل، والشيخ عبدالرحمن_حفظه الله_من قدامى كتاب سماحة الشيخ وممن له باع طويل في تحرير قضايا الطلاق، وهو معروف بسرعة إنجاز الأعمال، وضبطها، وكان مع سماحة الشيخ في المدينة، وهو المسؤول عن الأوراق التي ترد إلى بيت سماحته وروداً وصدوراً، وكان يعمل مع سماحته جل أوقاته، وهو محبٌّ للخير، وذو همة عالية، وإتقان للعمل_كما مر ذكره_.
وكان يُعِدُّ الفتاوى على معاملات الطلاق، باسم سماحة الشيخ، ويندر أن يجد سماحته فيها نقصاً، أو خطأً.
وهو لا يرافق سماحة الشيخ إذا سافر إلى مكة أو الطائف، بل يمكث في الرياض يستقبل معاملات الطلاق التي ترد إلى مكتب الرياض، ويعد عليها، ثم يرسلها إلى سماحته في مكة أو الطائف.
وفي بعض الأحيان يرسل ثلاثين معاملة أو أربعين، أو أكثر أو أقل، وتوزع بين الموظفين لقراءتها؛ فإذا جاء وقت عرضها قال سماحة الشيخ: أبو حمد ضابط لعمله، ثم قال: ممازحاً، ولو، نختبر أبا حمد، اقرؤا ماكتبه، فإذا قرؤوه وإذا هو في غاية الضبط والإتقان.

13

وكان الشيخ عبدالرحمن يتصل بسماحة الشيخ، أو يقابله، ويبدأ بسرد الأعمال، وقراءة القضايا بكل نشاط وهمة، فإذا رآه سماحة الشيخ هكذا قال:
يا أبا حمد! ألا تريد أن تتزوج ؟ فيقول الشيخ عبدالرحمن: يا سماحة الشيخ أنا في وادٍ وأنت في وادٍ، أين أنا والزواج، فيقول سماحة الشيخ مداعباً: وسع صدرك، وسع صدرك.

14

ويقول الشيخ عبدالرحمن بن دايل: إذا أجريت اللازم على معاملة ما، ثم قرأتها على سماحته، وأعجبه ما قرىء عليه، قال: قالون، قالون، يعني: جيد؛ ب*******ة.

16

ومن النماذج على دعابة سماحة الشيخ أنه كان قبل وفاته بعام واحد مدعواً عندي، بمناسبة سكناي بيتي الجديد، وكان المجلس مليئاً بالمشايخ وطلاب العلم، وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبدالعزيز×وصاحب الفضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين، وصاحب الفضيلة الشيخ عبدالله الفنتوخ، وصاحب الفضيلة الشيخ عبدالعزيز السدحان وجمع من المشايخ من الزلفي.
وكان سماحة الشيخ يعمر المجلس بالفوائد، والإجابة على الأسئلة، وحصل أنَّ حديثاً طويلاً دار حول الرقية، وتلبس الجني بالأنسي.
ومما دار في ذلك المجلس أن الشيخ عبدالعزيز السدحان ذكر أنه ورد في ترجمة أحمد بن نصر الخزاعي أنه رقى رجلاً فيه مس من الجن، فتكلمت على لسانه جنية، فقالت لأحمد بن نصر: يا شيخ لن أخرج من هذا الرجل حتى يدع القول بخلق القرآن.
فتبسم سماحته وقال: ما شاء الله، هذه جنية سنية، هذه من أهل السنة والجماعة.

17

وأحياناً يطرح سماحته سؤالاً نحوياً والمجلس مليء بالدكاترة، والجُلَّة من أهل العلم، فيقول: على أي شيء نصبت الكلمة الفلانية ؟
فإذا لم يجب أحد أجاب، كأن يقول: نصبت على الاشتغال، أو على غير ذلك.
وكثيراً ما كان يصوب الكلمات الدارجة التي يسمعها من بعض القراء، وكثيراً ما كان يصوب بعض الأساليب التي يسمعها من بعض الخطباء أو المتحدثين.
ومن الأمثلة على تصويباته ما يلي:
1_ كلمة: طبيعي، يقول: الصواب: طبعي.
2_ بديهي، يقول: الصواب: بَدَهِّي.
3_ دُرْبة، يقول: الصواب: دَرَبََة
4_ موجِب، يقول: الصواب: موجَب، كأن يقال للعمل بموجَبه، وقد يكون الصواب بكسر الجيم حسب السياق؛ لأن الموجِب هو السبب، والموجَب هو المُسَبَّب.
5_ كِلى، يقول: الصواب: كُلَى جمع كُلْية.
6_ جَلاء الأفهام يقول: الصواب: جِلاء الأفهام.
7_ المعجم المُفهرَس يقول: الصواب: المعجم المُفَهْرِس بكسر الراء لا بفتحها، فيكون اسم فاعل لا اسم مفعول.
8_ ذي الحَجَّة بفتح الحاء، وذي القِعدة بكسر القاف يقول الصواب العكس: ذي الحِجَّة بكسر الحاء، وذي القَعدة بفتح القاف.
9_ ويقول في نهاية مكاتباته بعد الدعاء: إنه سميع قريب ويقول: إن هذا الأسلوب أولى من سميع مجيب
10_ إذا سمع أحداً يقول: كلما كان كذا كلما كان كذا قال: الصحيح أن يقول: كلما كان كذا كان كذا؛ فلا مسوغ لتكرار كلما، قال_تعالى_:[كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا] النساء: 91.
11_ كان لا يجمع بين: حفظه الله من كل سوء ومكروه، بل يقول يُكْتَفى بواحدة، فإما أن يقال: من كل سوء، أو من كل مكروه.


18

قال علي بن عبد الله ألدربي : من القصص التي وقفت عليها وتأثرت منها جدا هي أنه قام أربعة رجال من إحدى الهيئات الإغاثة في المملكة بالذهاب إلى أدغال أفريقيا لتوزيع المعونات من قبل هذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية ..
وبعد مسير أربع ساعات على الأقدام وبعد أن أضناهم السير مرَّوا على عجوز في خيمة فسلموا عليها وأعطوها بعض المعونات فقالت لهم : من أي بلاد أنتم فقالوا : نحن من المملكة العربية السعودية ..
فقالت : بلغوا سلامي للشيخ بن باز . فقالوا : يرحمكِ الله وما يدري ابن باز عنك في هذه الأماكن البعيدة .
فقالت : والله إنه يرسل لي في كل شهر ألف ريال بعد أن أرسلت له رسالة أطلبه المساعدة والعون بعد الله عز و جل .
( جريدة المدينة عدد : 13182) .

19

قال الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز بن جلال : ذهبنا كعادتنا وسلمنا على الشيخ في المسجد في المغرب وطلب مني وإخواني أن نجلس بعد المغرب في المجلس العام وقال : وبعد العشاء لابد من العشاء والجلوس قلت : طيب هذه روضتي وعندما قارب أذان العشاء قمت أتوضأ ومررت بالمكتب ..

فقال لي أحد كتابه وأظنه محمد بن موسى : جئتم اليوم والشيخ مشغول عنكم لا يمكن أن تجلسوا معه بعد العشاء فقلت : عساه خير إن شاء الله ماذا عند الشيخ قال : عنده زواج ابنته الليلة ..

قلت : خير إن شاء الله بدل الليلة ليلة أخرى وذهبت وجلست بجانب الشيخ وبعد ما أذن وقام الشيخ قبلت رأسه وقلت : أستودعك الله واسمح لنا سمعت أنكم مشغولون الليلة وبدل الليلة ليلة أخرى قال : أبدا عندنا زواج البنت والوفود الآتين عندهم الأولاد أما أنتم فأنا وإياكم بعد العشاء على العادة ..

وفعلا صلينا العشاء ورجعنا ودخل بنا في المكتبة وجلسنا معه وضيوفه عند أبنائه في المجلس وجلسنا حتى جاء موعد العشاء فجاءه ابنه عبد الله وقال يا أبي العشاء زاهب فقال : قوموا تفضلوا وذهبنا وتعشينا مع ضيوفه وكان الزواج مختصرا وبعد العشاء قال : تفضلوا وجلسنا معه في المكتبة مرة أخرى والزوج ومن معه قابلهم أولاد الشيخ وأدخلوهم على بنت الشيخ وانتهوا .

20

قام الشاعر الدكتور الشيخ الفاضل/ محمد تقي الدين الهلالي ـ رحمه الله ـ وهو من علمتم إمامته في هذا الفن، كتب قصيدة لا يمدح فيها الشيخ فحسب، وإنما يمدح فيها آل باز عموماً .

كتب هذه القصيدة الطويلة، فلما اطلع الشيخ ـ رحمه الله ـ على القصيدة كتب ردّاً عليها فقال رحمه الله: ( قد اطلعت على قصيدة نشرت في العدد التاسع من مجلة الجامعة الإسلامية في الهند لفضيلة الدكتور تقي الدين الهلالي، وقد كـدّرتنـي كثيراً، وأسفت أن تصدر من مثله، وذلك لما تضمنته من الغلو في المدح لـي ولعموم قبيلتـي، .. إلى أن قال رحمه الله: وإنني أنصح فضيلته من العود إلى مثل ذلك وأن يستغفر الله مما صدر منه ) ... إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى .

21

كتب أحد طلبة العلم قصيدة في مدح هذا الإمام ، فلما قرأها الأخ : فهد البكران ( من مجلة الدعوة ) على فضيلة الشيخ ، قال الشيخ : هل تريدون نشرها في مجلة الدعوة ؟

قال فهد : إذا أذنتم بذلك يا سماحة الشيخ .

فقال الشيخ : لا لا لا ، مزقها، مزقها .

يقول فهد : ثم إن الشيخ توجه بوجهه إلى الوجهة الأخرى ـ يعني صرف نظره عن فهد ـ وقال : ـ أي الشيخ ـ وهو يستغفر ويقول لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، وتغـيّـر وجهه.

22

في عام 1415هـ خصصت جريدة المدينة ملحق الأربعاء للحديث عن سماحة الشيخ ، وأعد الملحق ، وجهّـز للطبع، واستوفيت المعلومات . لكن ما أن علم سماحة الإمام بذلك حتى منع من إخراج الملحق وأصرّ وأخبر أن العبد بحاجة إلى الإخلاص والكتمان ولعل الله سبحانه وتعالى أن يقبله والحالة هذه ، فاستجابت الجريدة ومنع طبع هذا الملحق عن سماحته رحمه الله تعالى

23

جاءت رسالة من الفلبين لسماحة الشيخ:
فإذا فيه امرأة تقول أن زوجي مسلم أخذوه النصارى فألقوه في بئر، فأصبح أطفالي يتامى، وأصبحت أرملة وليس لي أحد بعد الله جل وعلا.
وسألت من يمكن أن اكتب له في الأرض ؟

قالوا لا يوجد إلا الشيخ عبد العزيز أبن باز، فآمل أن تساعدني.
كتب عليها الشيخ للجهات المسؤولة في دار الإفتاء لمساعدتها، فجاءته إجابة أن يا سماحة الشيخ لا يوجد بند من البنود عندنا لمساعدة امرأة وضع زوجها في البئر، فالبنود المالية محددة، فيقول الشيخ لكاتبه، أكتب مع التحية لأمين الصندوق أن أخصم من راتبي عشرة آلاف ريال وأرسله إلى هذه المرأة.

24

جاء شباب من أحد الدول إلى صاحب الفضيلة محمد الصالح العثيمين رحمه الله وقالوا : يا شيخ نريد منك اتصالا هاتفيا تلقي من خلاله محاضرة وإذ بالشيخ محمد يفعل ذلك ثم يبتلى أولئك النفر الذين كانوا سببا في هذه المحاضرة يبتلوا بأن يسجنوا ..

فقال الشيخ محمد لأحد طلابه الذين هم من تلك الدولة : فلان سلم على الشيخ ابن باز ( رحم الله الجميع ) وقل له : يسلم عليك محمد العثيمين ويقول لك : يا شيخ كلم الشيخ فلان في الدولة الفلانية عن الشباب فقد حصل كذا وكذا .

فجاء هذا الشاب من القصيم إلى الرياض وقال : أحسن الله إليك يا شيخ عبد العزيز يسلم عليك الشيخ محمد العثيمين ويقول : لعلك تشفع عند الشيخ فلان يكلم المسئولين في تلك الدولة لعلهم أن يخرجوا فلان وفلان وفلان الذين سجنوا الآن .

فقال الشيخ عبد العزيز رحمه الله تعالى : ما عندي مانع أكتب ولكن أخشى عليهم أن يزيد أمرهم بلاء وأن يكثر عليهم الهم والغم وأن تكبر المسألة قال : فما العمل يا شيخ ؟

قال الشيخ : هذه سنة الله للدعاة كما كانت للأنبياء من قبل عليهم الصلاة والسلام لكن الصبر والدعاء .

قال : أجل أحسن الله إليكم ادعوا الله لهم.

قال : فدعا الشيخ ابن باز لهم ثم دعا ثم دعا قال : فخرجت من مجلس الشيخ ابن باز واتصلت بتلك الدولة وأريد أن أقول أن الشيخ رحمه الله دعا لكم ..

قالوا : نبشرك نبشرك لا تكمل تراهم طلعوا الآن الآن قال : والله ما سكت الشيخ من الدعاء إلا وقد خرج أولئك الدعاة من السجن ..

25

كان يقول : ( عاهدت ُ الله – تعالى – منذ صغري أن لا أداهن فيما أراه حقا ً ، وأن أجهر به أمام الجميع ) ا.هـ

26

نساء ً – هداهن الله تعالى – قمن َ بعمل مظاهرة للدعوة لقيادة المرأة ، فلما بلغ الإمام ابن باز – رحمه الله تعالى – ذلك الخبر ، لجأ لربه – العظيم – تلك الليلة ، وانطرح بين يديه مصليا راكعا ً وساجدا ً داعيا ً ومبتهلا ً أن يكفي الرحيم ُ أهل هذه البلاد شر تلك الفعلة ،

فقام ليلته كاملة !! ، فلما أصبح بدأ بمكاتبة المسؤولين ، والاتصال بهم ؛ لإنكار ذلك المنكر ، ومحاولة إيقافه ،

27

عندما كنت معتكفا في بيت الله الحرام بالعشر الأواخر من رمضان وبعد صلاةالفجر نحضر كل يوم درس للشيخ ابن عثيمين رحمه الله وسأل احد الطلاب الشيخ عن مسألة فيها شبهة وعن رأي ابن باز فيها فأجاب الشيخ السائل وأثنى على الشيخ ابن باز رحمهما الله جميعا.وبينما كنت استمع للدرس فإذا رجل بجانبي في اواخر الثلاثينات تقريبا عيناه تذرفان الدمع بشكل غزير وارتفع صوت نشيجةحتى أحس به الطلاب.
وعندما فرغ الشيخ ابن عثيمين من درسه وأنفض المجلس ونظرت للشاب الذي كان بجواري يبكي فإذا هوفي حال حزينة ومعه المصحف فأقتربت منه اكثر ودفعني فضولي فسألته بعد ان سلمت عليه كيف حالك أخي.مايبكيك؟

فأجاب بلغة مكسره نوعا ما:جزاك الله خيرا وعاودت سؤاله مرة أخرى ما يبكيك أخي فقال بنبرة حزينة لا لاشي انما تذكرت ابن باز فبكيت.واتضح لي من حديثه انه من دولة باكستان او افغانستان وكان يرتدي الزي السعودي

وأردف قائلاً كانت لي مع الشيخ قصة وهي أنني كنت قبل عشر سنوات أعمل حارسا في احد مصانع البلك بمدينة الطائف وجاءتني رساله من باكستان بأن والدتي في حالة خطره ويلزم اجراء عملية لزرع كلية لها وتكلفةالعملية 7000 الاف ريال سعودي ولم يكن عندي سوى 1000 الف ريال ولم أجد يعطيني مالا فطلبت من المصنع سلفة ورفضوا.. فقالوا لي أن والدتي الآن في حال خطره واذا لم تجري العملية خلال اسبوع ربما تموت وحالتها في تدهور وكنت ابكي طوال اليوم فهذه أمي التي ربتني وسهرت علي.

وامام هذا الظرف القاسي قررت القفز بأحد المنازل المجاورة للمصنع الساعةالثانية ليلا وبعد قفزي لسور المنزل بلحظات لم اشعر الا برجال الشرطة يمسكون بي ويرمون بي بسيارتهم وأظلمت الدنيا بعدها في عيني.

وفجأة وقبل صلاةالفجر اذا برجال الشرطة يرجعونني لنفس المنزل الذي كنت انوي سرقة اسطوانات الغاز منه وأدخلوني للمجلس ثم انصرف رجال الشرطة فإذا بأحد الشباب يقدم لي طعاماً وقال كل بسم الله.ولم أصدق ما أنا فيه.وعندما أذن الفجر قالو لي توضأ للصلاة وكنت وقتها بالمجلس خائفا اترقب.فإذا برجل كبير السن يقوده احد الشباب يدخل علي بالمجلس وكان يرتدي بشتاً وأمسك بيدي وسلم علي قائلاً:
هل أكلت قلت له نعم وأمسك بيدي اليمنى وأخذني معه للمسجد وصلينا الفجر وبعدها رأيت الرجل المسن الذي امسك بيدي يجلس على كرسي بمقدمة المسجد والتف حوله المصلين وكثير من الطلاب فأخذ الشيخ يتكلم ويحدث عليهم ووضعت يدي على رأسي من الخجل والخوف!!!

يا آآآآالله ماذا فعلت؟سرقت منزل الشيخ ابن باز وكنت أعرفه بأسمه فقدكان مشهورا عندنا بباكستان.وعند فراغ الشيخ من الدرس أخذنوني للمنزل مرةاخرى وأمسك الشيخ بيدي وتناولنا الأفطار بحضور كثيرمن الشباب وأجلسني الشيخ بجواره وأثناء الأكل قال لي الشيخ ما اسمك؟ قلت له مرتضى. قال لي لم سرقت فأخبرته بالقصة فقال حسنا سنعطيك 9000 الاف ريال قلت له المطلوب 7000 الاف قال الباقي مصروف لك ولكن لا تعاود السرقة مرة اخرى يا ولدي.فأخذت المال وشكرته ودعوت له.وسافرت لباكستان وأجرت والدتي العملية وتعافت بحمد الله.وعدت بعد خمسة اشهر للسعودية وتوجهت للرياض ابحث عن الشيخ وذهبت اليه بمنزله فعرفته بنفسي وعرفني وسألني عن والدتي وأعطيته مبلغ 1500 ريال قال ما هذا؟قلت الباقي فقال هولك وقلت للشيخ ياشيخ لي طلب عندك فقال ما هو يا ولدي.قلت أريدك ان اعمل عندك خادما او اي شيء ارجوك ياشيخ لا ترد طلبي حفظك الله.فقال حسنا وبالفعل اصبحت أعمل بمنزل الشيخ حتى وفاته رحمه الله...

وقد أخبرني احد الشباب المقربين من الشيخ عن قصتي قائلاً:اتعرف انك عندما قفزت للمنزل كان الشيخ يصلي الليل وسمع صوتا في الحوش وضغط على الجرس الذي يستخدمة الشيخ لإيقاظ أهل بيته للصلوات المفروضة فقط.فأستيقضوا جميعا واستغربوا ذلك وأخبرهم أنه سمع صوتا فأبلغوا أحد الحراس واتصل على الشرطة وحضروا عل الفور وأمسكوا بك.وعندما علم الشيخ بذلك قال ما الخبر قالو له لص حاول السرقة وذهبوا به للشرطة فقال الشيخ وهوغاضب ( لا لا هاتوه الآن من الشرطة ؟ اكيد ما سرق الا هومحتاج )ثم حدث ما صار في القصة .قلت لصاحبي وقد بدت الشمس بالشروق هون عليك الأمة كلها بكت على فراقه. قم الآن بنا نصلي ركعتيين وندعوللشيخ رحمه الله ...

يتبع
 

بنوتهـ كيوتـ

عضو نشط
التسجيل
19 أغسطس 2008
المشاركات
2,562
الإقامة
{{اط !ـهر م ـكانـ بالـ !ع !ـالم}}
28

لما قرأ عليه الشيخ ابن قاسم في زاد المعاد قصة عائشة رضي الله عنها في الإفك الذي حصل لها، بكى الشيخ وانقطع الدرس بالبكاء .

عند قول أبي بكر - في حادثة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم - : من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، بكى الشيخ بكاء شديداً.


عند ذكر مآسي المسلمين كان يبكي، وإن كان على الطعام أو في الدرس، كان رحمه الله تعالى صاحب بكاء.

29


نشرت مجلة الدعوة فتوى لسماحة الشيخ ، لكن وقع فيها خطأ، فقد صُدِّرالجواب بِـ : أن في المذهب كذا وكذا ( وهذه ليست من ألفاظ الشيخ ) . فدعى الشيخكاتب الفتوى، وقال له: اقرأ علي!
فقرأ عليه وإذا فيها: في المذهب كذا وكذا، قالالشيخ : نحن لا نقول جاء في المذهب كذا وكذا!! نحن نقول قال الله وقال رسوله صلىالله عليه وسلم .

30





سأله أحد طلبة العلم : يا شيخ أنتم دائماً تكثرونالقراءة في كتب الحديث وتعتـنون بالحديث، فقال رحمه الله: وهل العلم إلا الحديث! هلالعلم إلا الحديث!! يا فلانالتقليد ليس بعلم! التقليد ليس بعلم!!





31قرر الشيخ ـ رحمه الله ـ في درس نكاح الكتابيات بشرطه، فقال بعض الطلبةالذين في الدرس: يا شيخ بعض الصحابة كان ينهى عن ذلك !
فالتـفت الشيخ إليه وقداحمرّ وجهه وقال: هل قول الصحابي يضاد الكتاب والسنة؟!! ليس لأحد قول بعد كلام اللهوكلام رسوله صلى الله عليه وسلم .





32لما صنف أحدهم كتاباً عن إعفاءاللحية، وذكر فيه مذهب أبي هريرة ومذهب ابن عمر وغيرهم من الصحابة ـ رضي الله عنهمـ في جواز أخذ ما زاد عن القبضة .فعلق عليه سماحة الإمام ـ رحمه الله ـ وقال: وإنكان هذا رأي لأبي هريرة وابن عمر إلا أن المقدم هو قول الله وقول رسوله وفعل رسولالله صلى الله عليه وسلم ، فلا قول لأبي هريرة و لابن عمر مع قول رسول الله صلىالله عليه وسلم .





33

ألقى الشيخ محاضرة، فقيل له في المحاضرة: إن الشيخ فلان يقول عنك إنك مبتدع ، فقال الشيخ ـ رحمه الله ـ : هو مجتهد هو مجتهد، السؤال الذي بعده . ما زاد على ذلك رحمه الله

34

الشيخ رحمه الله عنده ذاكرة قوية، فإذا سلمت عليه وقد سلمت عليه قبل سنوات عرفك.

حدثني أحدهم ، يقول : سلمت عليه بعد خمسة عشر سنة، فأخبرني باسمي !!

35

لكن أعجب أنه يحفظ الجزء والصفحة !! ويصحح الكتب من حفظه رحمه الله ، بل وأعجب من ذلك في مقام العلم والعلماء .

الإمام الشيخ الشنقيطي ـ رحمه الله تعالى ـ هو شيخ الشيخ ابن باز، كان إماماً لا يضاهى في حفظه، وكان الشيخ عبد العزيز يحضر عنده في المحاضرات، ويتعجب لسرعته في إلقاءه، فكان الشيخ في أحد الأشرطة يقول : ما شاء الله .. ما شاء الله .

36

الشيخ الشنقيطي كان يبحث من بعد صلاة الفجر إلى صلاة الضحى عن حديث ذكر ابن كثير في تفسيره أنه في سنن أبي داود، ويبحث في سنن أبي داود وما وجده، يقول الشيخ الشنقيطي: أنا لا أتهم ابن كثير، لكني لم أجده ، قال : وأنا أبحث فإذا الباب يطرق، فقمت وفتحت الباب، فإذا الشيخ عبد العزيز جاء يسلم ، وهو عند الباب لم يدخل قال : يا شيخ عبد العزيز إن ابن كثير ذكر أن حديث كذا في سنن أبي داود، وأنا من الفجر أبحث ولم أجده, أين هو؟ قال الشيخ ابن باز: هو موجود .. هو موجود، في كتاب كذا في صفحة كذا، فقال : الآن تفضل يا شيخ .

37

يحدث الشيخ عن موقف تربوي عجيب حصل له في شبابه في أول طلبه للعلم رحمه الله تعالى - وهذا له ميزة أنه من كلام الشيخ نفسه- يقول رحمه الله تعالى: ( قصة حصلت لي لا أزال متأثراً بها إلى اليوم ، حدثت أيام شبابي، فقد كنت من المحافظين على الصف الأول في الصلاة , وفي يوم من الأيام تأخرت عن الحضور مبكراً لسبب القراءة في بعض الكتب لبعض المسائل الهامة التي شغلتني عن الصلاة ، فلم أدرك الصف الأول وفاتني بعض الشيء من الصلاة، وحينما سلم الإمام، وهو قاضي الرياض الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ ، وكان أحد مشائخي رحمه الله ، حينما رآني أصلي في طرف الصف، وقد فاتـني شيء من الصلاة، تأثر لذلك كثيراً، فحمد الله وأثنى عليه ثم بدأ يتكلم وقال : بعض الناس يجلس في سواليف ومشاغل حتى تفوته الصلاة ، ـ يقول سماحته ـ فعرفت أنه يعنيني بذلك الكلام ، فلم أتأخر بعدها أبداً، وذلك الموقف الذي حصل لي لن أنساه أبداً ).

38

حدّث عنه الشيخ : محمد ابن باز ـ أخوه الأكبرـ ، حدّث بأن أخاه وشقيقه سماحة الإمام عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ كان يطلب من والدتهم أن تزيد في الغداء والعشاء، ثم يأخذه معه لطلبة العلم .
فيقول أخوه محمد : قلنا له لماذا تقوم بذلك باستمرار ؟ دائماً أنت تطلب من الوالدة أن تزيد في الغداء والعشاء وأنت تعرف حالنا .. حال ضعيفة وفقراء!!
يقول: كان الشيخ يقول لنا إن الله كريم وسيبسط لنا في الرزق .

39

هناك قريب للشيخ، اسمه: سعد بن حسين، هذا يقول الشيخ عنه إنه يكبرني بعشر سنوات، ويقول ـ أي سعد ـ : أن الشيخ كان يحضر درس الشيخ الإمام محمد بن إبراهيم، فإذا انصرف من الدرس وهو في الطريق يأخذ معه من لقي، من طلبة العلم، والغرباء، والفقراء، والمساكين، ثم يذهب بهم إلى البيت، وما وجد قدمه لهم . هذا وهو في أول الطلب!!

40

جاء رجل وسلم عليه، وكان الرجل من أهل أفريقيا، وغريب، فقال له الشيخ : تجلس عندنا، وأنت في ضيافتنا، وهللّ ورحب به، وطلب البخور، على عادته رحمه الله ، فقال الرجل : نريد أن نجلس معكم! قال الشيخ: حياكم الله.. حياكم الله! فقال الرجل: يا شيخ نتغدى عندكم اليوم! فقال الشيخ: حياكم الله اليوم كل يوم!! ثم قام الشيخ إلى الصلاة وهو يقول: حياكم الله اليوم وكل يوم .. يرددها !!!

41

في عام 1417هـ ، حين سافر رحمه الله إلى الطائف، ودخل في مسكنه، فلم يفد إليه الناس! الأبواب مفتوحة والناس لم يفدوا إليه!! فالشيخ تعب من هذا الموقف وضاق صدره! وسأل لماذا الناس لا يأتون ؟ فقالوا له : إن الناس ما علموا أنك أتيت، والذين علموا أرادوا أن ترتاح يوم أو يومين أو ثلاثة، ثم يأتون، قال الشيخ : لا، لا، اذهبوا، وأمر من عنده أن يخرجوا إلى السوق وإلى الجيران ويخبروهم بأن الشيخ موجود، وأنه سوف يغديكم هذا اليوم!! يدعو الناس كلهم!

42

بل إن الشيخ رحمه الله تعالى في طعامه لا يأكل إلا مع الفقراء! دائماً في سفرته لا يأكل إلا مع الفقراء!! حتى ضاق ذرعاً بعض الأغنياء والوجهاء وقالوا لمن حول الشيخ : كلموا الشيخ بأننا نريد الشيخ أن يجعل طعام للفقراء، وأن يجعل طعام للخاصة ونجلس معه، ونتحدث معه !
فغضب الشيخ رحمه الله تعالى لذلك غضباً، ثم قال : الذي لا يعجبه وتأبى نفسه أن يأكل مع الفقراء ليس بمجبور! ما جبرنا أحد، يخرج يأكل مع أهله، أما أنا فلن أغير من طريقتي شيئاً !!

43

الشيخ رحمه الله تعالى لا يأكل طعامه لوحده أبداً . ثم إن الشيخ يربي أهله على الكرم أيضاً .
فقد جاء مجموعة من النساء من أقارب الشيخ للسلام عليه، ودخلوا في صالة النساء وجلسوا، ثم إن الشيخ جاء من صالة الرجال وسلموا عليه، ثم لما أراد أن ينصرف أوصى زوجته أن تكرمهم، وأن لا يذهبوا حتى يأكلوا الغداء!

44

الشيخ كما يقال عنه: أبو المساكين!! تعرفون أنه في السنة الأخيرة ما حج الشيخ، لتعبه ما حج، فجاء رجل من خارج البلاد إلى مخيم الشيخ رحمه الله ، فسأل وقال: أين الشيخ ؟ فقالوا : الشيخ لم يحج هذه السنة، لكن الشيخ أوصانا بأن نلبي جميع احتياجات الناس! كل من سأل عن الشيخ وكان له حاجة نلبيها، قال: لا، أنا أريد الشيخ ، أنا أريد أبو المساكين! ورجع ولم يخبرهم بحاجته، لأنه يريد أن يخبر الشيخ شخصياً لمعرفته قدر الشيخ رحمه الله .

45

دعي إلى مركز إسلامي، وكان هذا المركز متعدد الأدوار، فطـُـلـب من الشيخ أن يصعد إلى الدور العلوي! فصعد الشيخ، ثم لما نزل، كأنه اتضح عليه بعض التعب، فقيل له في ذلك، قال: لا، أليس هذا في سبيل الله؟! أليس هذا في سبيل الله؟!!

46

الشيخ بدأ التدريس في سن مبكر من عمره، بدأ التدريس في سنة 1357هـ، وقد ولد في الثلاثين، كما ذكر ذلك هو رحمه الله في مجموع الفتاوى في المجلد الثامن.

كان يحضر الدرس قديماً بلا قائد، لأنه لم يكن له أحد يقوده ، كان يحضر درس الفجر ولا يفوته أبداً، مع أنه لم يكن له قائد ثابت، فمرة يقوده أحد عماله أو من يكون في الشارع أو أحد أقاربه أو جيرانه أو طلابه، المهم هو: أن لا يتوقف على قائد يقوده، هو يحضر للدرس، إن جاء أحد يقوده أم لا، حتى عام 1413هـ حينما أنعم الله على إبنه أحمد فلازمه إلى وفاته يقوده رحمه الله تعالى.

47

لما جاء الشيخ ليتزوج في القصيم، جاء والكتب معه، وكل من استضافه يقرأ، حتى في وقت الزواج يقرأ عليه، وألقى محاضرة في ثانوية بريدة!

48

في أحد الأيام ــ وإن كان فيه نوع من الفكاهة ــ قـُـدم للشيخ كأس عصير، فشربه، فلما شربه أعطوه الكأس الثاني، قال الشيخ لا أجد له مسلكاً، فأصروا على الشيخ، فشربه،فلم اشربه قال :صبّواثالث .
يريد أن يوتر حتى في شربه رحمه الله تعالى .





49

وفي مرضه الذي مات فيه، إذا أرادوا أن يلبسوه الحذاء والجوارب، فإن غلطوا وألبسوه اليسار رفض وأبعد رجله، حتى يبدأوا باليمين

50

تَقَصُّد الوتر في كل شيء، ومن اللطائف في ذلك أنه كان محباً للتمر، وكثيراً ما كان يسألني إذا كان يتناول تمراً فيقول: كم تناولتُ من تمرة ؟ فإذا عددت النوى قلت له على سبيل المثال: ستاً، أو ثمانياً فيزيد واحدة، وإن كان وتراً اكتفى به أو زاد اثنتين وهكذا. .

51

وأذكر أن شخصاً عطس بجانبه فلم يحمد الله، فبادر بعض الحاضرين إلى تشميته، فقال سماحة الشيخ×: وهل حمد الله حتى تشمتوه ؟.

52

يرى أن السنة عند التلاقي المصافحة إلا إذا قدم أحد المسلمين من سفر، ويقول: يقول أنس: كان أصحاب رسول الله"إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا".
وقد رأيت شخصاً سلَّم على سماحتهوعانقه، وهو لم يَقْدُم من سفر، فقال له سماحة الشيخ: السنة المصافحة، فقال الشخص: أنا أحبك يا شيخ، فقال سماحته: السنة مُقَدَّمة على حبك.

53

_ كان يذهب إلى المسجد ماشياً لما كان إماماً في الجامع الكبير، والمسافة بين منزله والمسجد كانت تقرب من الكيلو متر.
ولما كان في المدينة النبوية، كان يذهب من منزله إلى الحرم ماشياً، مع أن بيته يبعد عن الحرم مسافة كيلو ونصف تقريباً.

54

كان هو الذي ينبه أولاده، والعاملين لديه في بيته لصلاة الفجر.
وقد ذكر لي أنه يتصل على أحد عشر رقماً؛ لإيقاظهم للصلاة، وإذا رد عليه أحد منهم، سلم عليه سماحةُ الشيخ، وقال: الحمد الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور.

55

صلى الجمعة في الحرم المكي في يوم من الأيام، فقرأ إمام الحرم بعض سورة الغاشية في الركعة الأولى، وباقيها في الركعة الثانية، فنبَّهه سماحة الشيخ، وقال: الأولى أن تقرأ الأعلى في ركعة، والغاشية في ركعة، هكذا السنة.
فقال إمام الحرم: أنا أعلم ذلك، ولكن لما نظرت إلى الناس، وقد اشتد عليهم الحر رأيت التخفيف عليهم.
فقال سماحة الشيخ: ولو ! هذه هي السُّنَّة.

56

كان من عادة سماحته في كل موسم حجٍّ أنه يحج معه أعداد كثيرة من الرجال والنساء، وأغلب هؤلاء من الفقراء وغير السعوديين؛ فكلُّ مَنْ طلب من سماحته الصحبة، أو أوصى من يستأذنه فيها قال: حياه الله، ولا يسأل عمن سيذهب معه، ولا عن عددهم، ولا عن ضيق المكان، ولا عن سعته.
وكان عدد الذين يحجون مع سماحته، ويرافقونه في مخيمه ومقر إقامته في الحج_يقدر بـ 800 حاج.
وكان عدد الرجال والنساء الذين يقدم لهم الطعام في منى وعرفة يتراوح ما بين 800 إلى 1000 حاج.
وليس العجب من هذا، وإنما العجب أن يكفيهم طعام أُخذ فيه حساب 500 شخص، ولكن البركة في طعامه ظاهرة للعيان، يشهد بذلك من وقف عليه؛ وكلما زاد العدد ظننا أنه لن يكفيهم، ومع ذلك يكفيهم ويبقى منه شيء.
أما عدد الذين يتناولون طعام الغداء مع سماحته في مكة فيتراوح عددهم ما بين 300 إلى 400.
ولا أعلم أن الطعام الذي قدم إليهم لم يكفهم.
كان المرافقون لسماحته يضيقون ذرعاً من كثرة الآتين، ومن ضيق المكان، ومن خشية الحرج؛ فكانوا يعانون من ذلك معاناة شديدة؛ إذ يريدون التوفيق بين رغبة الشيخ ومنهجه في استقبال الناس، وعدم رده أحداً منهم، وبين القيام بحق الوافدين إليه مع ضيق المكان وكثرة العدد.
فإذا قلنا لسماحته: يا سماحة الشيخ ! كل يرغب في الحج معكم، سواء من داخل البلاد أو خارجها، وأنتم تعلمون أن السيارات لا تكفي، وأن المكان المخصص لكم لا يكفي_قال: الله المستعان، ما هي إلا ساعات وينتهي كل شيء، اصبروا، واحتسبوا، وأبشروا بالأجر الجزيل، وما يدريكم لعلنا لا نحج بعد عامنا هذا، ستتيسر الأمور، وينتهي كل شيء على ما يرام.
كان سماحته يحرص كل الحرص على مراعاة مشاعر ضيوفه، وكان كثير السؤال عنهم، كثير التوصية بهم، وكثيراً ما يقول للموظفين معه: ارحموهم، لو وجدوا غيركم ما أتوا إليكم.
كان عدد الصحون التي تقدم فيها المائدة في العادة، يتراوح ما بين أربعين إلى خمسة وأربعين، وقد تصل إلى خمسين.
وإذا وضعت المائدة تسابق الضيوف إلى مائدته الخاصة مع أنها لا تتميز عن غيرها، إلا أنهم يحرصون على القرب من سماحته، ويزدحمون حولها، وإذا قيل لهم ابتعدوا، أو منعوا من ذلك قالوا: نحن نحب أن نأكل مع سماحة الشيخ، نحن نريد أن نراه، ونسمع كلامه، ونأنس بقربه، ويقولون: ارحمونا، أنتم ترونه دائماً، ونحن هذه فرصتنا.
أما سماحة الشيخ فيرحب بهم، ولا يرضى بأن يساء إليهم، ولا يقوم حتى يسأل: هل انتهوا؛ خشية أن يعجلهم إذا قام مبكراً، وكان دائماً يسأل خاصته: عسى مانقص عليهم شيء ؟ عسى الذي وُضِع لهم كفاهم ؟ كم عدد الصحون ؟
فإذا قيل له: كفاهم وزيادة، تهلل وفرح، وقال: التمسوا بعض الفقراء، وأعطوهم بقية الطعام.
ولم أسمع منه كلمة فيها شيء من الفظاظة، أو الغلظة بل يظهر للفقراء والمساكين الفرح، مع أن بعضهم يزاحم الشيخ في مكانه، وربما أخذوا اللحم أو الفاكهة من بين يديه، وهو لا يتكلم كلمة واحدة، ولا يقوم من مكانه حتى يقال له: انتهوا من الطعام.
وإذا قاموا من الطعام رفعوا أيديهم يدعون لسماحته، ومما يقولونه: نسأل الله أن يجعلك تأكله من ثمار الجنة، غفر الله لك، ولوالديك.
لا فرق عند سماحته بين الفقير والغني، والشريف والوضيع، والسفير والوزير؛ فهم يجتمعون جميعاً على المائدة، وكل من أكل مع سماحته جعل يلتفت هنا وهناك ينظر في وجوه الناس على تباينهم، واختلاف ألسنتهم، ومراتبهم، وألوانهم فهذا عربي، وهذا أعجمي، وهذا أسود، وهذا أبيض، وهذا من قريب، وهذا من بعيد.
وفي أحد الأيام قال له أحد الحاضرين ممن يعرف سماحة الشيخ: يا شيخ بعض هؤلاء لا يعرفون أدب الأكل، ولا يَحْسُن الجلوس معهم؛ فلو انفردت عنهم، وأرحت نفسك من هؤلاء؛ فقال سماحة الشيخ : أنا الذي وضعت الطعام لهم، وهم جاءوا إليَّ، وراحتي بالأكل معهم، والرسول"كان يأكل مع أصحابه ومع الفقراء حتى مات، ولي فيه أسوة، وسوف أستمر على هذا إلى أن أموت، والذي لا يتحمل ولا يرغب الجلوس معهم نسامحه، ويذهب إلى غيرنا.
والعجيب في الأمر أن هذه الأعداد الكبيرة المتباينة تنتظم أمورهم، ويحملهم المكان المعد لهم، وتنقلهم السيارات التي خصصت لنقلهم، وينتظم أكلهم، وشربهم، ونومهم، ووضوؤهم، وصلاتهم، وخروجهم، ودخولهم.
وسر ذلك_والله أعلم_هو صلاح نية هذا الرجل الإمام_ولا نزكي على الله أحداً_.
والعجيب_أيضاً_أن الإمام ابن باز يعيش معهم وبينهم، وكأنه واحد منهم، لا فرق بينه وبينهم، ولا يتميز عنهم بالطعام، أو السيارة التي تُقِلُّهُ وتتنقل به بين المشاعر.
وقد عرض عليه بعض المسؤولين عن الحج، أن يُجعل لسماحته موكبٌ خاص، وسيارات رسمية تفك الزحام إذا دعت الحاجة لذلك، فامتنع سماحته، وقال: نسير مع الناس فإذا وقفوا وقفنا، وإذا ساروا سرنا، ولا نسمح بتخصيصنا بشيء، فسبحان من وهبه هذا الزهد، وهذا التواضع، وهذا التحمل، وهذه الأخلاق.

57

كان كثيراً ما يبكي عند سماع القرآن الكريم، أَيَّاً كان صوت التالي، أو حسن ترتيله من عدمه.

وكان يبكي إذا سمع شيئاً من السنة النبوية.

وقد رأيته أكثر من مرة يبكي عندما يسمع سيرة أحد العلماء في تراجمهم في البداية والنهاية، أو في تهذيب التهذيب، أو في سير أعلام النبلاء.

وكان يبكي_أيضاً_إذا سمع بأخبار الاضطهاد، والتعذيب التي تمر بالمسلمين في بعض البلاد.

أما طريقة بكائه فكان يبكي بصوت خافت جداً، ويُرَى التأثر على وجهه، أو يرى الدمع يُهْراق من عينيه، وكان لا يحب رفع الصوت بالبكاء.

وكان يبكي كثيراً إذا تكلم عن شيخه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم×تعالى_بل إنه كان لا يستطيع مواصلة الكلام عنه.

وكان كثير البكاء إذا سمع شيئاً يتعلق بتعظيم القرآن، أو السنة، وأذكر أنني كنت أقرأ عليه في كتاب ( القول القويم ) للشيخ العلامة حمود التويجري ومر أثناء القراءة كلام للشيخ حمود حول تعظيم السنة فالتفتُّ فإذا دموع سماحة الشيخ تتحادر على خديه.

58

كان يبكي كثيراً إذا توفي أحد العلماء المشهورين أو من لهم بلاء في الإسلام، حيث بكى على الشيخ صالح العلي الناصر، والشيخ حمود التويجري، والشيخ صالح بن غصون، وبكى كذلك على الرئيس الباكستاني السابق ضياء الحق_رحم الله الجميع_.

كثيراً ما كان يبكي إذا سمع حادثة الإفك، أو قصة الثلاثة الذين خُلِّفوا.
وكنت أقرأ عليه كتاب( الجواب الكافي )لابن القيم في مجالس كثيرة، فكان يبكي في بعض المواضع المؤثرة من الكتاب.

59

وكان فضيلة الدكتور محمد الشويعر يقرأ عليه في البداية والنهاية، فكان يبكي إذا سمع بعض الأخبار المتصلة بالحروب خصوصاً إذا كان فيها قتلى كثيرون من المسلمين.

60

وكان يبكي أحياناً إذا سمع شعراً مؤثراً يدعو للفضيلة، ويصور مآسي المسلمين

61

السيارة الممنوحة له ولأمثاله من قبل الدولة إذا انتهت مدتها، وأرادوا تغييرها بأحدث منها قال: وما عِلَّتُها فيقال له: انتهت مدتها؛ فماذا تريدون بدلاً عنها يا سماحة الشيخ ؟ فيَسْأَل: وما أنواع السيارات ؟ فيذكر له الكاديلاك، والمرسيدس، والفورد، والبيوك، وغيرها فيقول: والكابرس ؟ فيقال له: لا يليق بمقامك، فيقول: لماذا ؟ أليس القبر واحداً ؟!

62

في عرفة في حج عام 1418هـ كان جالساً في المصلى، ومئات الناس حوله، فجيء له بفاكهة مقطعة؛ لأن عادته في المشاعر في الحج أنه لا يأكل في الغالب إلا الفاكهة، والتمر، واللبن.
فلما وضع أمامه قال: أكُلُّ الحاضرين وضع لهم مثل هذا ؟
قالوا: لا، فقال: أبعدوه، وغضب.

64

في عام 1402هـ كان يلقي درساً في الحرم، فسئل: هل الأنثى مثل الذكر يحلق رأسها، ويوزن، ويُتصَدق بوزنه ورقاً ؟
فأجاب×بقوله: ما عندي علم أَسْأَلُ إخواني طلبة العلم، وأخبركم إن شاء الله.

65

من صور تواضعه أنه لا يحتقر النصيحة، أو الفائدة من أي أحد.
في يوم من الأيام اتصل شاب صغير بسماحة الشيخ، وقال: يا سماحة الشيخ ! الناس بأشد الحاجة إلى علماء يُفتُونهم، وأقترح على سماحتكم أن تجعلوا في كل مدينة مفتياً؛ ليسهل الاتصال.
فقال له سماحة الشيخ: ما شاء الله، أصلحك الله، كم عمرك ؟ فقال: ثلاثة عشر عاماً.
فقال لي سماحة الشيخ: هذا اقتراح طيب، يستحق الدراسة، اكتب إلى الأمين العام لهيئة كبار العلماء بهذا، فكتبتُ ما أملى به، ومما جاء في كتابه: أما بعد فقد اتصل بي بعض الناصحين، وقال: إنه يقترح وضع مفتين في كل بلد، ونرى عرضه على اللجنة الدائمة؛ لنتبادل الرأي في الموضوع.

66

قبل ما يقارب ثلاثين عاماً من وفاة سماحته هَمَّ ببيع بيته لما كثرت ديونه؛ فعلم بذلك بعض المسؤولين، وأرسل إليه بعض المال، وقال: بلغني أنك تريد بيع بيتك بسبب ضيق ما في يدك، وهذا مما كدرني؛ فآمل قبول هديتي، والإذن لي بإبلاغ جلالة الملك في هذا الشأن.
فأجابه سماحة الشيخ بالشكر والدعاء، وقال له: ما سمعتم من الحاجة صحيح كما لا يخفى من كثرة الضيوف والمحتاجين في الرياض والمدينة، ولكن لا أسمح بإبلاغ الملك، وشكره ودعا له دعاءً كثيراً.

67

قبل أربعين سنة تقريباً من وفاته كتب لوزير المالية وقال له: علي حاجة شديدة بسبب كثرة الضيوف؛ فآمل إقراضي مبلغ كذا وكذا وأنا أعيده على أقساط شهرية، تحسم من راتبي، وتم ذلك.

68

مما يدل على زهده كثرة إنفاقه، وإسقاطه الدين عمن اقترض منه ولو كان كثيراً؛ فلا أحصي كثرة ما طرحه من الديون عن أناس اقترضوا منه.
وأذكر أنه قبل عشر سنوات أملى عليَّ كتباً لبعض من أقرضهم، وقال: ( أخشى أن يفاجئني الأجل، وأحب أن أخبركم أنني قد سامحتكم، وأبرأتكم، ولم يبق لي عليكم شيء ).


69

وأذكر أنه قبل وفاته بثلاث سنوات أقرض شخصاً سبعمائة ألف ريال، ثم أرسل إليه يخبره بأنه قد طرحه عنه، فقلت له؛ شفقة عليه، ورغبة في سماع ما عنده: أعظم الله أجر هذا الحساب_أعني حساب سماحة الشيخ الخاص_فالتفت إليَّ وقال: يا ولدي ! لا تهمك الدنيا، أنا بلغت من العمر سبعاً وثمانين، ولم أر من ربي إلا خيراً، الدنيا تذهب وتجيء، وفَرْقٌ بين من يتوفى وعنده مائة مليون، ومن يتوفى وليس لديه شيء؛ فالأول ثقيل الحساب والتبعة، والثاني بعكس ذلك كله.

70

يأتي إلى سماحته بعض الناس ويقول: رأيت فيك رؤيا منامية صالحة_إن شاء الله_.
فيلزم سماحته الصمت، ولا يطلب من الرائي ذكرها، ولكن ذلك الشخص يبدأ بذكرها، وسماحة الشيخ لا تظهر عليه الرغبة في سماعه ؛ ولكن أدبه يأبى عليه أن يُسْكِتَ المتكلم، فإذا انتهى قال: خير إن شاء الله، والمُعَوَّل على عفو الله.

72

ومن ورعه أنه لا يقبل هدية من أحد؛ لأنه في عمل حكومي، وإذا قبلها كافأ عليها، وكان يقول: إذا كانت تساوي مائة فأعطوه مائتين، وإذا كانت تساوي مائتين فأعطوه أربعمائة، وأخبروه بألا يقدم لنا شيئاً مرة أخرى.

73

وإذا أعطي شيئاً على سبيل الهدية من طيب أو سواك، أو بشت أو نحو ذلك، وكان بجانبه أحد أعطاه إياه، وقال: هدية مني إليك.

74

وقد أخبرني الشيخ إبراهيم الحصين أن الملك فيصلاً جاء إلى المدينة، ولما أراد سماحة الشيخ الذهاب لزيارته، لم يكن لديه سيارة؛ إذ كانت سيارته تحتاج إلى بعض الإصلاح، فأخبروا سماحته بذلك، فقال: خذوا سيارة أجرة، فاستأجروا له، وذهبوا إلى الملك.
ولما عاد سماحة الشيخ إلى منزله أُخبر الملك فيصل بأن الشيخ جاء بسيارة أجرة، فتكدر الملك كثيراً، وأرسل إلى سماحة الشيخ سيارة، وأخبره بتكدره.
ولما أخبر سماحة الشيخ بذلك قال: ردوها، لا حاجة لنا بها، سيارتنا تكفينا.
يقول الشيخ إبراهيم: فقلت: يا سماحة الشيخ هذه من الملك، وأنت تستحقها، فأنت تقوم بعمل عظيم، ومصلحة عامة، والذي أرسلها ولي الأمر، وإذا رددتها ستكون في نفسه، والذي أراه أن تقبلها.
فقال سماحة الشيخ: دعني أصلي الاستخارة، فصلى، وبعد الصلاة قال: لا بأس نأخذها، وكتب للملك ودعا له.

75

وفي بعض الأحيان إذا أهدي إليه شيء وقبله؛ تطييباً لقلب المهدي، ولم يعرف ما يناسب المهدي من الهدايا_كتب إليه، وشكره، ودعا له؛ وطلب منه أن يكتفي بما وصل، وضمَّن ذلك المحبة، والشكر مما يكون أوْقَعَ في نفس المهدي من أي هدية أخرى.
وإليك هذا الكتاب الذي بعثه بتاريخ 15/9/1401هـ إلى سفير المملكة في الباكستان آنذاك:

بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم معالي الشيخ سمير الشهابي، سفير جلالة الملك في الباكستان، جعله الله مباركاً أينما كان، وزاده من العلم والإيمان آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعده يا محب تلقيت كتابكم الكريم، وهداياكم الثمينة: العطور، والعود، والعسل أكثر الله من خيركم، وشكر سعيكم، وجزاكم عنا خيراً.
والحقيقة أيها المحب أنه ليس بودي أن تتكلفوا بإرسال شيء لأمرين: أحدهما: أنه ليس من عادتي قبول الهدايا؛ لكوني عاملاً، ولا يخفى عليكم ما في ذلك.
والثاني: عدم قيامي بالمكافأة؛ وذلك لعدم معرفتي لما يناسب معاليكم.
وللعجز عن المكافأة نقابل ذلك بالدعاء لمعاليكم بظهر الغيب؛ فذلك_والله_مبذول لكم، ونشهد الله على محبتكم، ولا نزال نواصل الدعاء لكم بالتوفيق والسداد، والمعونة على أداء ما حُمِّلتم.
وأرجو_حفظكم الله_الاكتفاء بما وصل إلينا أولاً وآخراً؛ ففيه الكفاية، ونسأل الله أن يكافئكم على ما نعجز عن مكافئتكم عليه، وأن يتولاكم بعنايته، ورعايته؛ إنه خير مسؤول، وأكرم مجيب.
وفي الختام نهنئكم بالشهر المبارك، ونسأل الله أن يجعل لنا ولكم من أجره أوفر الحظ والنصيب؛ إنه سميع قريب.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

76

وأذكر أن أحد المسؤولين الكبار عرض على سماحته الخروج للنزهة في وقت الربيع، فقال سماحة الشيخ: أنا لا أرغب الخروج، وليس من عادتي.
فقال له المسؤول: النفس تحتاج إلى الراحة، وتغيير الجو، وشم الهواء.
فقال سماحة الشيخ_ممازحاً_: الذي يرغب تغيير الجو، وشم الهواء النظيف يخرج إلى السطح ويكفيه ذلك

77

الشيخ عبدالرحمن ابن دايل_وهو من قدامى كتاب سماحة الشيخ وعمره قريب من عمر سماحة الشيخ، فهو من مواليد 1332هـ تقريباً، وقد عاش مع سماحته ما يقارب أربعين سنة؛ يقول: كنا في المدينة إبَّان عمل سماحته في الجامعة الإسلامية، وذات يوم سافر سماحته إلى قرية بدر التي تقع على الطريق بين جده والمدينة على الطريق القديم، حيث ذهب لمهمة دعوة يلقي خلالها محاضرة وكنت أنا والشيخ ابراهيم بن عبدالرحمن الحصين×معه في السيارة؛ فلما بدأ سيرنا ودعا سماحته بدعاء السفر التفت×وقال: توكلوا على الله، يعني ابدؤا بقراءة المعاملات، فقلنا: يا شيخ_غفر الله لك_نحن دائماً نقرأ، ولا نتمكن من الخروج خارج المدينة، وهذه هي فرصتنا؛ دعنا نستمتع بالرحلة، وننظر إلى الجبال والأودية، ونتفكر في مخلوقات الله.
فضحك سماحته وقال: اللهم اهدنا فيمن هديت، اللهم اهدنا فيمن هديت؛ ليقرأ الشيخ إبراهيم، وأنت تفكر في مخلوقات الله كما تقول، وبعد أن ينتهي الشيخ إبراهيم، أملي عليك، وينظر الشيخ إبراهيم ويتفكر وقت الإملاء، وهكذا. .

78

ومن عجائب مراعاته لشعور الآخرين، وحرصه على عدم تكدير صفوهم أنه في آخر ليلة جلسها للناس لم يدخل على الناس من باب المجلس الذي اعتاد أن يدخل عليهم معه.
وإنما دخل من باب المجلس النافذ إلى المجلس الذي يعد فيه الطعام؛ ذلك أنه أتى من داخل منزله على العربة يقوده ابنه الشيخ أحمد؛ ولما وصل إلى باب المجلس ترجَّل من العربة ومشى؛ ليري الناس أنه بخير وعافية؛ ليفرحوا بذلك، ويطمئنوا على صحته.
ولهذا لما رآه الناس تهللت وجوههم، وفرحوا أيما فرح

79

ومن ذوقه أنه إذا انتهى من غسل يديه بالصابونة الموجودة على المغسلة أراق عليها بعض الماء؛ حتى يزيل ما عليها من رغوة تطفو عليها؛ حتى إذا أراد استعمالها غيره وجدها نظيفة.

80

وكان من أدبه أنه إذا مر بأحد وظن أنه نائم مشى بهدوء ورفق.
لكنه إذا مر بأحد، أو سمع أحداً والصلاة قد دخل وقتها تغيرت طريقته، فتراه يرفع صوته، ويقول: الصلاة الصلاة، أما سمعتم الأذان، توكلوا على الله.

81

كان يوصي بشراء أحسن مافي السوق من الفاكهة، والتمر، والخضار، وسائر الأطعمة التي تقدم لضيوفه.
وقد أخبرني أكثر من شخص ممن كانوا يعملون لديه في شؤون مشتريات البيت بذلك، ويقولون: كان سماحته يأمرنا بشراء أحسن الأشياء، ويعتب علينا إذا اشترينا شيئاً متوسطاً؛ لعلمنا بأحوال سماحته المادية؛ فلا نحب أن نحمِّله مالا يطيق، ولكنه لا يرضى بذلك، ويقول: لا تَدنُ نفوسكم، إياكم أن تدنو نفوسكم، ولهذا يلحظ زواره لذة الطعام عنده مع خلوه من البذخ والكلفة

82

وكان يلح إلحاحاً شديداً إذا قدم عليه أحد أو سلم عليه، فكان يلح عليهم بأن يَحُلُّوا ضيوفاً عنده على الغداء، والعشاء، والمبيت، ولو طالت مدة إقامتهم.
ولا يكاد يتخلص منه القادم إليه إلا بعد لأْي وجهد.

83

وكان يُرَغِّبُ القادمين إليه بأن يتواصلوا معه في الزيارة، فيذكِّرهم بفضل الزيارة، والمحبة في الله، ويسوق لهم الآثار الواردة في ذلك؛ مما يبعثهم إلى مزيد من الزيارة؛ لأن بعضهم لا يرغب في الإثقال على سماحة الشيخ وإضاعة وقته؛ فإذا سمع منه ذلك انبعث إلى مزيد من الزيارات.
ولهذا لا يكاد يقدم أحد من أهل العلم، أو من معارف الشيخ إلى الطائف أو الرياض، أو مكة أو المدينة، ويعلم أن سماحته هناك إلا ويزوره، ويمكث عنده ما شاء الله أن يمكث، حتى إن غيره من أهل العلم في أي بلد من البلدان التي يكون سماحته موجوداً فيها يعذرون كل قادم إذا اعتذر عن قبول دعوتهم، وقال لهم: إنه عند سماحة الشيخ.
ولهذا لما توفي قال أحد العلماء لأحد القادمين: لا نعذركم الآن بعد وفاة سماحة الشيخ !






84

ومما يسجل في مناقب سماحته، ويدل على كرمه العجيب في هذا الصدد أنه في يوم 28/9/1406هـ كان مجلس سماحة الشيخ يغص بالناس على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم، وألوانهم، وكنا بانتظار وقت الإفطار، وبينما نحن كذلك إذا جاءت حافلة وعلى متنها خمسون شخصاً فدخلوا على سماحته، وكنت أُقدِّر الذين كانوا في مجلس سماحته بمائتي شخص، فقال لهم سماحته: تفضلوا حياكم الله.
ولقد كان الطعام المعد يقدر بكفاية ثمانين شخصاً، ولكن البركة التي تحضر في طعامه بادية ظاهرة.
ولقد ذهب بعض العاملين في بيت سماحته وأحضر بعض الطعام، وظننا أنه لن يكفي الضيوف؛ فلما انتهوا تركوا بقية من الطعام.
والأمثلة على هذا كثيرة جداً.

85

وقد ذكر معالي الشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن باز أن سماحة الشيخ لما كان في المدينة إبان عمله في الجامعة الإسلامية، قدم إليه بعض الضيوف، وكان لدى سماحته موعد محاضرة خارج البيت بعد صلاة العشاء.
ولما أراد الخروج أوصى المسؤول عن شؤون البيت بأن يعتني بالضيوف، وأن يقدم لهم العشاء.
ولما رجع سماحته سأل عنهم، فقيل له: إنهم ناموا، فسأل: هل تعشوا ؟ قالوا له؛ إنهم رغبوا في النوم بسبب أنهم متعبون من السفر، فغضب سماحته، وأمر بشراء عشاء لهم، وأمر بإيقاظهم، وإعداد العشاء لهم، وأمر بإبعاد الشخص الذي لم يقم بواجبه تجاه الضيوف كما ينبغي.

86

وأذكر أنه قبل سنتين من وفاته كان في الطائف، وزاره بعض الشباب من الزلفي، وكانوا طلاباً في كلية الشريعة، وبعضهم لم ير الشيخ قبل ذلك، وكان غاية ما يتمنون أن يروا سماحته في زيارتهم تلك.
فلما دخلوا مجلسه بعد المغرب حياهم، وأدناهم، وألح عليهم بالعشاء، فقالوا: نحن لا نريد سوى رؤياك والسلام عليك.
فقال: لابد من العشاء، فوافقوا.
وكان في مجلسه بعد المغرب يلتفت إليهم، ويباسطهم، ويسألهم عن المشايخ في الزلفي، فلما صلينا العشاء دخلت مع سماحته في المختصر؛ لأقرأ عليه بعض الأوراق والمعاملات ريثما يتم إعداد العشاء.
وكان الشباب الزائرون في المجلس ينتظرون.
فلما شرعت بالقراءة على سماحته رأيته منصرفاً عني، ثم قال: أبا موسى ! فقلت: نعم، فقال: تركنا الضيوف، فقلت: عفا الله عنك، هؤلاء أبناؤك، وقد جلسوا معك بعد المغرب، وسيجلسون معك بعد قليل على العشاء؛ فماذا يريدون غير ذلك ؟ ائذن لي بإكمال ما شرعنا بقراءته.
ثم شرعت بالقراءة، فقال: أبا موسى، ضيوفنا ؟ فقلت: لا بأس عليهم، فقال: في ذمتك يا أبا موسى ؟ فقلت: لن يلحق ذمتي شيء إن شاء الله، فقال: لندع القراءة الآن، هيا إلى المجلس، فتركنا القراءة، وجلس معهم يباسطهم، ويجيب عن أسئلتهم.
فلما تناولوا طعام العشاء مع سماحته استأذنوا فقال: ما نسمح لكم، لابد أن تبيتوا عندنا، فقالوا: عندنا مكان سنبيت فيه، فألح عليهم، وقال: نحجز لكم في الفندق، إن أردتم؛ لأنه ظن أنهم مستحيون، فقالوا: جزاك الله خير الجزاء، وغفر لك، وجعلك ذخراً للإسلام والمسلمين، لقد أعطيتنا من وقتك ومجلسك فوق ما نستحق، وفوق ما تصورنا؛ فودعهم، وحمَّلهم السلام لمن أمامهم.

87

كان يراعي مشاعر ضيوفه، ولا يرضى أن يهانوا بحضرته.
ومما يذكر في هذا الصدد أن أحد المرافقين لسماحة الشيخ رأى شخصاً لا يحسن الأكل، ولا أدب الجلوس على المائدة، فنهره، وقال: تأدب في أكلك، وكل مما يليك، وتكلم عليه كلاماً نحو هذا، فرد عليه ذلك الشخص، وقال: أنا على مائدة سماحة الشيخ، ولم آتِ إليك.
فلما سمع سماحة الشيخ بعض كلامهما سأل عن السبب، فأُخْبرَ بذلك، فقال سماحته: أنا لا أرضى لأحد أن يتنقص أحداً من ضيوفي، أو ينال منهم؛ فالذي يرضى أن يجلس معنا على هذا الوضع، وإلا فنحن نسمح له بأن يذهب إلى من يريد، وهذا بيتي، وهؤلاء أتوا إلي.

88

كان منزل أسرة سماحة الشيخ في الرياض لا يتسع لكثرة الضيوف القادمين إليه، وكثيراً ما يأتيه أناس بأُسَرهم إما من المدينة أو غيرها؛ إما طلباً لشفاعة أو مساعدة، أو نحو ذلك، فكانوا يسكنون عند سماحة الشيخ في المنزل.
وإذا خرج سماحة الشيخ في الصباح أخذ معه أوراقهم وطلباتهم، ويقول: اقرؤا ما فيها.
وكنت أقول لسماحة الشيخ: ألا ترون أن يقال لهؤلاء اذهبوا إلى بلدكم، ونحن ننظر في الأوراق في الوقت المناسب، ثم نخبركم ؟
فيرد سماحته قائلاً: ما نرى ذلك، نصبر ونتحمل إقامتهم عندنا حتى ينتهي موضوعهم. !

89

لدى سماحة الشيخ مكان مُهَيَّأٌ للضيوف، وهذا المكان في بدروم بيت الرياض.
وربما اجتمع فيه عشرة أشخاص، أو خمسة عشر، وربما جلسوا أياماً، وربما شهوراً !!
وفي يوم من الأيام قلت لسماحة الشيخ: إن فلاناً ساكنٌ عندنا منذ وقت طويل، فقال: لو استغنى عنكم ما جلس عندكم !

90

هناك عدد من الناس يرتادون منزل سماحته وقت الغداء بصورة مستمرة.

91

لما نشرت صحيفة الجيش السورية كلاماً كفرياً، يتضمن إنكار وجود الله_سبحانه وتعالى_كتب سماحة الشيخ للرئيس السوري آنذاك، وهو نور الدين الأتاسي، وبين له الحكم في ذلك، وأن الواجب التوبة، وإعلانها في الصحف.
ومن ذلك أنه لما نشرت بعض الصحف الخارجية أن بعض الرؤساء طعن في القرآن، وذكر أنه متناقض، وتكلم في شخص الرسول"كتب إليه سماحة الشيخ، وبين له فداحة ما قال، وأوضح له أن ذلك كفر وردة، وأن الواجب عليه إعلان التوبة في الصحف التي نشرت كلامه.
ولما لم ينشر ذلك الشخص ما أشار به سماحة الشيخ، ولم يعلن توبته ورجوعه كتب سماحته مقالاً مطولاً بين فيه كفر ذلك الشخص، وردته، ونشرت ذلك بعض الصحف.

92

وإليك هذه الحادثة التي لا يكاد يصدق وقوعها:
في عام 1413هـ كان سماحة الشيخ في مكة المكرمة، ودعي إلى افتتاح أحد المراكز الدعوية في جدة، وألحوا عليه أن يكون الحضور بعد صلاة المغرب؛ حتى لا يطول أمد الحفل إلى ساعات متأخرة.
فقال سماحته: ما يكون إلا الخير، وعندما صلى المغرب قلنا له: نذهب الآن إلى جدة؟
لكن سماحته لم تطب نفسه بترك المجلس بعد المغرب، فقال: بل نذهب إلى مجلسنا المعتاد، وننظر في حاجات الناس.
فقلنا له: إذاً نتأخر في الحضور، ونتأخر في الرجوع.
فقال: ولو! يعين الله.
فجلس في مجلسه المعتاد، ونظر في حاجات الناس، وقرئ عليه ما شاء الله أن يُقرأ، وأجاب على الأسئلة الموجهة إليه، حتى إنني حسبت له ستين إجابة على ستين سؤالاً، بعد ذلك المغرب.
وبعد أن انتهى المجلس قام لصلاة العشاء، ووجهه يتهلل فرحاً وبشراً؛ بسبب جلوسه للناس.
ثم توجَّه إلى جده، وكنت في صحبته أنا ومعالي الدكتور محمد الشويعر، والأخ صلاح، وكنا نتناوب القراءة حتى وصلنا إلى جدة.
ولما وصلنا استقبله الناس بجموعهم الكاثرة، فسلم عليهم، ودخل المشروع، واستمع إلى شرح مفصل عنه، وعن نشاطاته وأهدافه، ثم دخل قاعة المحاضرات المكتظة بالناس، واستمع إلى جميع فقرات الحفل وما ألقى فيه من كلمات وقصائد، ثم ألقى كلمته، وبعد أن انتهى الحفل، تناول طعام العشاء، وودع الناس هناك، وعاد إلى مكة، فكنا نتناوب عليه القراءة طوال الطريق؛ فما وصلنا منزله في مكة إلا الساعة الثانية ليلاً!!
وكان من عادة سماحته أنه يقوم للتهجد في حدود الساعة الثالثة ليلاً، وكان ينبه من معه لقيام الليل، وكان ينبهني أنا، والشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن باز؛ فجزمنا أنه لن يقوم تلك الليلة، بسبب ما لقيه من تعب من أول الليل، وبسبب تأخره في المجيء إلى مكة، فلما جاء وقت قيامه إذا به يوقظنا للقيام، ثم شرع بالقيام، وبقي يصلي ويدعو، ويقرأ حتى أُذِّن بالفجر، فذهبنا إلى مسجد القطان المجاور لنا، فتأخر الإمام فصلى بنا سماحته وتلا الآيات بصوت نديٍّ خاشع، فلما سلم استقبل الناس بوجهه، وألقى فيهم كلمة.
ولما عدنا إلى المنزل قلنا: لابد أن سماحته سينام؛ فماذا بعد هذا الإعياء والنصب؟
فلما وصلنا المجلس ألقى غترته وطاقيته جانباً، وجلس وقال: بسم الله، ماذا عندكم؟
فأخذت أقرأ عليه المعاملات، وأنا أرى عليه من السرور والانشراح، ما يبهر اللب؛ فبقيت أقرأ عليه حتى السابعة والثلث تقريباً، فظننت بعدها أنه سينام نومة طويلة؛ فإذا به يقول: ضع منبه الساعة على الثامنة والثلث، فلما جاء ذلك الوقت نهض إلى رابطة العالم الإسلامي؛ لحضور الندوات، والاجتماعات المطولة، التي كانت تعقد آنداك، ولم يرجع إلى منزله إلا الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، ثم أكمل الجلوس مع الحاضرين في المجلس، وتناول معهم الغداء، وصلى العصر وهو في تمام النشاط، والانشراح، ونحن نكاد نسقط على وجوهنا من جراء الإرهاق، وقلة النوم. .

93

في يوم خميس من عام 1418هـ وفي مدينة الطائف، جاء رجل إلى سماحة الشيخ، ويظهر على هذا الرجل العجلة، والاعتداد بالنفس، واعتقاده في نفسه أنه حافظ للنصوص، وأنه يُحْسَب على طلبة العلم الكبار.
فلما جلس أمام سماحة الشيخ جعل يسأل سماحتَه أسئلةً كثيرة، والمجلس مليء بالحاضرين، وكلما أجابه سماحة الشيخ قال ذلك الرجل: هذا هو رأيي، هذا يوافق ما عندي، فكان يسأل والشيخ يجيبه على هذا النحو برحابة صدر وانشراح بال، ثم انتقل الجميع إلى مجلس الطعام للغداء، وذلك الرجل لم ينقطع عن الأسئلة، والشيخ يجيبه وهو يأكل؛ فظهر التكدر والامتعاض على وجوه الحاضرين.
ولكن الشيخ لم تفارقه سكينته ولا طمأنينته.
وبعد انتقال سماحة الشيخ إلى الرياض جاء ذلك الرجل إلى سماحة الشيخ، وقال: قد أمرني مرجعي بعدم الافتاء، وعدم مخالفة سماحتكم، والمفتين المعتبرين، وقد قلت لمرجعي: إذا ثبت لدي ما يخالف الشيخ فأنا أفتي به، ولا يجوز لي تقليد الشيخ، فما رأي سماحتكم؟
فقال سماحة الشيخ: هذا هو الصحيح، لا تقلدني، ولا تقلد غيري إذا وُجِد دليل يخالف.
قال: يا شيخ أرجو أن تكتب لي كتاباً بهذا المعنى.
فبدأ سماحة الشيخ يملي: (من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى الأخ المكرم صاحب الفضيلة فلان بن فلان أما بعد: فلا يجوز تقليدي ولا تقليد غيري من طلبة العلم إذا ثبت لديك ما يخالف ما أفتي به أو غيري) .

94

قبل سنتين من وفاة سماحته×كان في الطائف، وفي يوم من الأيام جاء سماحته من الدوام قريباً من الساعة الثالثة إلا ربعاً، ولا يخفى عليك أنه قد قام في آخر الليل للتهجد، وأنه يجلس للدرس حتى الثامنة صباحاً، ثم يذهب للدوام ويقوم بما يقوم به من الأعمال العظام، فلما قدم من الدوام في ذلك اليوم دخل مجلسه، فحيا الجموع التي كانت تأتي كالعادة إليه، وبدأت الأسئلة تترى، والهاتف يستأنف رنينه.
وفي هذه الأثناء دخل على سماحته رجل ثائر، ومعه أوراق يطلب فيها شفاعة الشيخ؛ ليحصل على مال؛ ليتزوج، فشرع الرجل يتكلم بصوت مرتفع أزعج الحاضرين في المجلس، فوجهه سماحة الشيخ بما يلزم، وقال: اذهب إلى فلان في بلدكم الفلاني، واطلب منه أن يكتب لكم تزكية، ويقوم باللازم، ثم يرفعه إلينا، ونحن نكمل اللازم، ونرفع إلى أحد المحسنين في شأنك.
فقال الرجل: يا شيخ ارفعها إلى المسؤول الفلاني_يعني أحد المسؤولين الكبار_فقال سماحة الشيخ: ما يكون إلا خير، فرفع الرجل صوته، وأخذ يكرر: لابد أن ترفعها إلى فلان، وما زال يردد، وما زال الشيخ يلاطفه، ويرفق به، ويعده بالخير، حتى إن الحاضرين تكدروا، وبدا الغضب من على وجوههم، بل إن بعضهم هَمَّ بإخراج الرجل، ولكنهم تأدبوا بحضرة الشيخ. ولم يرغبوا بالتقدم بين يديه.
فقال الرجل: يا شيخ عمري يزيد على الخمسين، وماعندي زوجة، وما بقي من عمري إلا القليل، فتبسم سماحة الشيخ، وقال: ياولدي إن شاء الله ستتزوج، ويزيد عمرك_إن شاء الله_على التسعين، وسنعمل ما نستطيع في تلبية طلبك.
فما كان من ذاك الرجل الثائر المستوفز إلا أن تَبلَّجت أساريره، وأقبل على سماحة الشيخ، وأخذ برأس الشيخ يُقَبِّله، ويدعو له.
فلما همَّ بالإنصراف ودع الشيخ، فقال له سماحته: لا نسمح لك؛ غداؤك معنا، فقال: يا شيخ أنا على موعد، فقال له الشيخ: هذا الهاتف اعتذر، فما زال يحاول التخلص، وما زال سماحة الشيخ يلح عليه بتناول الغداء، ولم يقبل سماحته الاعتذار إلا بعد لأْيٍ وجَهْد.
حينئذٍ تعجب الحاضرون من تحمل الشيخ، وأصبحت ترى الدهشة بادية على وجوههم، فكأنه أعطاهم درساً عملياً في فضل الحلم، وحميد عاقبته.

95

كنت مع سماحته في الطائف عام 1418هـ، وكنت في مجلسه المعتاد عن يساره، أقرأ عليه بعض المعاملات، وكنت_على العادة_أرد على المكالمات، وإذا طلبوا سماحته ناولته سماعة الهاتف.
وفي يوم من الأيام رن الهاتف فأخذ سماحته السماعة على غير العادة، وإذا هم أهلي يطلبونني، فناولني سماحته السماعة، وأخذ ينتظرني حتى أفرغ من المكالمة.
وكنت حريصاً على الاختصار؛ لأن وقت سماحة الشيخ لا يسمح بالإطالة، والمجلس مليء بالحاضرين، وأهلي يعلمون ذلك.
والذي حصل أن أهلي سألوني: هل ستتغدى معنا هذا اليوم ؟ فقلت: لا.
وبذلك انتهى الغرض، ووضعت سماعة الهاتف.
فقال لي سماحة الشيخ: انتهيت من المكالمة ؟ قلت: نعم.
فقال×: ما هذا الجفاء ؟ أهكذا تكلمون أهليكم ؟ أسأل الله العافية.
فقلت: يا سماحة الشيخ ! المقصود قد انتهى، ولا أريد الإطالة؛ فالوقت لا يسمح.
فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، خيركم خيركم لأهله.

96

في يوم من الأيام طلب مني أحد السائقين لدى سماحة الشيخ، أن يتصل عبر الهاتف بأهله خارج البلاد، أي أنه يريد الاتصال من الهاتف الذي في منزل سماحة الشيخ؛ فقلت له: لابد من الاستئذان من سماحته، فأتيت إلى سماحة الشيخ، وقلت له: فلان طلب مني الإذن له بالاتصال بأهله.
فقال سماحته: لعلك منعته، فقلت: لابد من إذن سماحتكم، فقال: اتركه يتصل، لا تمنعوهم، ارحموهم، أما لكم أولاد، أعوذ بالله، الرسول"يقول: ( من لا يَرْحَمْ لا يُرْحَم ).

97

وحدثني الأخ صلاح الدين عثمان أمين مكتبة المنزل لسماحة الشيخ_وهو من السودان_يقول: كان سماحة الشيخ ممسكاً بيدي أَهْدِيه الطريق في يوم بارد، فلما أحس بأن ثوبي خفيف؛ قال: ما هذا ؟ كيف تلبس هذا الثوب والبرد شديد كما ترى ؟
ثم قال : انتظرني قليلاً، ثم دخل منزله وأحضر لي بشتاً وأهداه إليَّ.

98

ويحدثني الأخ صلاح_أيضاً_يقول: كنت في يوم من أيام الشتاء الباردة، وكنت في صحبة الشيخ أدله الطريق، فلما أحس بالبرد، وبأن ثوبي خفيف ويدى باردة قال: ما هذا ؟ ثم قال: انتظرني ودخل منزله، وأحضر لي ثوباً غليظاً من ثياب الشتاء، وأهداه إليَّ.

99

قبل ما يزيد على خمس وعشرين سنة لما كان سماحته رئيساً للجامعة الإسلامية قدم من المدينة إلى الرياض، فصلى، ولما خرج من المسجد كان عند الباب ثلاثة من الفقراء يسألون الناس، فأعطى سماحته كل واحد منهم ريالاً`
 

بنوتهـ كيوتـ

عضو نشط
التسجيل
19 أغسطس 2008
المشاركات
2,562
الإقامة
{{اط !ـهر م ـكانـ بالـ !ع !ـالم}}
84

ومما يسجل في مناقب سماحته، ويدل على كرمه العجيب في هذا الصدد أنه في يوم 28/9/1406هـ كان مجلس سماحة الشيخ يغص بالناس على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم، وألوانهم، وكنا بانتظار وقت الإفطار، وبينما نحن كذلك إذا جاءت حافلة وعلى متنها خمسون شخصاً فدخلوا على سماحته، وكنت أُقدِّر الذين كانوا في مجلس سماحته بمائتي شخص، فقال لهم سماحته: تفضلوا حياكم الله.
ولقد كان الطعام المعد يقدر بكفاية ثمانين شخصاً، ولكن البركة التي تحضر في طعامه بادية ظاهرة.
ولقد ذهب بعض العاملين في بيت سماحته وأحضر بعض الطعام، وظننا أنه لن يكفي الضيوف؛ فلما انتهوا تركوا بقية من الطعام.
والأمثلة على هذا كثيرة جداً.

85

وقد ذكر معالي الشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن باز أن سماحة الشيخ لما كان في المدينة إبان عمله في الجامعة الإسلامية، قدم إليه بعض الضيوف، وكان لدى سماحته موعد محاضرة خارج البيت بعد صلاة العشاء.
ولما أراد الخروج أوصى المسؤول عن شؤون البيت بأن يعتني بالضيوف، وأن يقدم لهم العشاء.
ولما رجع سماحته سأل عنهم، فقيل له: إنهم ناموا، فسأل: هل تعشوا ؟ قالوا له؛ إنهم رغبوا في النوم بسبب أنهم متعبون من السفر، فغضب سماحته، وأمر بشراء عشاء لهم، وأمر بإيقاظهم، وإعداد العشاء لهم، وأمر بإبعاد الشخص الذي لم يقم بواجبه تجاه الضيوف كما ينبغي.

86

وأذكر أنه قبل سنتين من وفاته كان في الطائف، وزاره بعض الشباب من الزلفي، وكانوا طلاباً في كلية الشريعة، وبعضهم لم ير الشيخ قبل ذلك، وكان غاية ما يتمنون أن يروا سماحته في زيارتهم تلك.
فلما دخلوا مجلسه بعد المغرب حياهم، وأدناهم، وألح عليهم بالعشاء، فقالوا: نحن لا نريد سوى رؤياك والسلام عليك.
فقال: لابد من العشاء، فوافقوا.
وكان في مجلسه بعد المغرب يلتفت إليهم، ويباسطهم، ويسألهم عن المشايخ في الزلفي، فلما صلينا العشاء دخلت مع سماحته في المختصر؛ لأقرأ عليه بعض الأوراق والمعاملات ريثما يتم إعداد العشاء.
وكان الشباب الزائرون في المجلس ينتظرون.
فلما شرعت بالقراءة على سماحته رأيته منصرفاً عني، ثم قال: أبا موسى ! فقلت: نعم، فقال: تركنا الضيوف، فقلت: عفا الله عنك، هؤلاء أبناؤك، وقد جلسوا معك بعد المغرب، وسيجلسون معك بعد قليل على العشاء؛ فماذا يريدون غير ذلك ؟ ائذن لي بإكمال ما شرعنا بقراءته.
ثم شرعت بالقراءة، فقال: أبا موسى، ضيوفنا ؟ فقلت: لا بأس عليهم، فقال: في ذمتك يا أبا موسى ؟ فقلت: لن يلحق ذمتي شيء إن شاء الله، فقال: لندع القراءة الآن، هيا إلى المجلس، فتركنا القراءة، وجلس معهم يباسطهم، ويجيب عن أسئلتهم.
فلما تناولوا طعام العشاء مع سماحته استأذنوا فقال: ما نسمح لكم، لابد أن تبيتوا عندنا، فقالوا: عندنا مكان سنبيت فيه، فألح عليهم، وقال: نحجز لكم في الفندق، إن أردتم؛ لأنه ظن أنهم مستحيون، فقالوا: جزاك الله خير الجزاء، وغفر لك، وجعلك ذخراً للإسلام والمسلمين، لقد أعطيتنا من وقتك ومجلسك فوق ما نستحق، وفوق ما تصورنا؛ فودعهم، وحمَّلهم السلام لمن أمامهم.

87

كان يراعي مشاعر ضيوفه، ولا يرضى أن يهانوا بحضرته.
ومما يذكر في هذا الصدد أن أحد المرافقين لسماحة الشيخ رأى شخصاً لا يحسن الأكل، ولا أدب الجلوس على المائدة، فنهره، وقال: تأدب في أكلك، وكل مما يليك، وتكلم عليه كلاماً نحو هذا، فرد عليه ذلك الشخص، وقال: أنا على مائدة سماحة الشيخ، ولم آتِ إليك.
فلما سمع سماحة الشيخ بعض كلامهما سأل عن السبب، فأُخْبرَ بذلك، فقال سماحته: أنا لا أرضى لأحد أن يتنقص أحداً من ضيوفي، أو ينال منهم؛ فالذي يرضى أن يجلس معنا على هذا الوضع، وإلا فنحن نسمح له بأن يذهب إلى من يريد، وهذا بيتي، وهؤلاء أتوا إلي.

88

كان منزل أسرة سماحة الشيخ في الرياض لا يتسع لكثرة الضيوف القادمين إليه، وكثيراً ما يأتيه أناس بأُسَرهم إما من المدينة أو غيرها؛ إما طلباً لشفاعة أو مساعدة، أو نحو ذلك، فكانوا يسكنون عند سماحة الشيخ في المنزل.
وإذا خرج سماحة الشيخ في الصباح أخذ معه أوراقهم وطلباتهم، ويقول: اقرؤا ما فيها.
وكنت أقول لسماحة الشيخ: ألا ترون أن يقال لهؤلاء اذهبوا إلى بلدكم، ونحن ننظر في الأوراق في الوقت المناسب، ثم نخبركم ؟
فيرد سماحته قائلاً: ما نرى ذلك، نصبر ونتحمل إقامتهم عندنا حتى ينتهي موضوعهم. !

89

لدى سماحة الشيخ مكان مُهَيَّأٌ للضيوف، وهذا المكان في بدروم بيت الرياض.
وربما اجتمع فيه عشرة أشخاص، أو خمسة عشر، وربما جلسوا أياماً، وربما شهوراً !!
وفي يوم من الأيام قلت لسماحة الشيخ: إن فلاناً ساكنٌ عندنا منذ وقت طويل، فقال: لو استغنى عنكم ما جلس عندكم !

90

هناك عدد من الناس يرتادون منزل سماحته وقت الغداء بصورة مستمرة.

91

لما نشرت صحيفة الجيش السورية كلاماً كفرياً، يتضمن إنكار وجود الله_سبحانه وتعالى_كتب سماحة الشيخ للرئيس السوري آنذاك، وهو نور الدين الأتاسي، وبين له الحكم في ذلك، وأن الواجب التوبة، وإعلانها في الصحف.
ومن ذلك أنه لما نشرت بعض الصحف الخارجية أن بعض الرؤساء طعن في القرآن، وذكر أنه متناقض، وتكلم في شخص الرسول"كتب إليه سماحة الشيخ، وبين له فداحة ما قال، وأوضح له أن ذلك كفر وردة، وأن الواجب عليه إعلان التوبة في الصحف التي نشرت كلامه.
ولما لم ينشر ذلك الشخص ما أشار به سماحة الشيخ، ولم يعلن توبته ورجوعه كتب سماحته مقالاً مطولاً بين فيه كفر ذلك الشخص، وردته، ونشرت ذلك بعض الصحف.

92

وإليك هذه الحادثة التي لا يكاد يصدق وقوعها:
في عام 1413هـ كان سماحة الشيخ في مكة المكرمة، ودعي إلى افتتاح أحد المراكز الدعوية في جدة، وألحوا عليه أن يكون الحضور بعد صلاة المغرب؛ حتى لا يطول أمد الحفل إلى ساعات متأخرة.
فقال سماحته: ما يكون إلا الخير، وعندما صلى المغرب قلنا له: نذهب الآن إلى جدة؟
لكن سماحته لم تطب نفسه بترك المجلس بعد المغرب، فقال: بل نذهب إلى مجلسنا المعتاد، وننظر في حاجات الناس.
فقلنا له: إذاً نتأخر في الحضور، ونتأخر في الرجوع.
فقال: ولو! يعين الله.
فجلس في مجلسه المعتاد، ونظر في حاجات الناس، وقرئ عليه ما شاء الله أن يُقرأ، وأجاب على الأسئلة الموجهة إليه، حتى إنني حسبت له ستين إجابة على ستين سؤالاً، بعد ذلك المغرب.
وبعد أن انتهى المجلس قام لصلاة العشاء، ووجهه يتهلل فرحاً وبشراً؛ بسبب جلوسه للناس.
ثم توجَّه إلى جده، وكنت في صحبته أنا ومعالي الدكتور محمد الشويعر، والأخ صلاح، وكنا نتناوب القراءة حتى وصلنا إلى جدة.
ولما وصلنا استقبله الناس بجموعهم الكاثرة، فسلم عليهم، ودخل المشروع، واستمع إلى شرح مفصل عنه، وعن نشاطاته وأهدافه، ثم دخل قاعة المحاضرات المكتظة بالناس، واستمع إلى جميع فقرات الحفل وما ألقى فيه من كلمات وقصائد، ثم ألقى كلمته، وبعد أن انتهى الحفل، تناول طعام العشاء، وودع الناس هناك، وعاد إلى مكة، فكنا نتناوب عليه القراءة طوال الطريق؛ فما وصلنا منزله في مكة إلا الساعة الثانية ليلاً!!
وكان من عادة سماحته أنه يقوم للتهجد في حدود الساعة الثالثة ليلاً، وكان ينبه من معه لقيام الليل، وكان ينبهني أنا، والشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن باز؛ فجزمنا أنه لن يقوم تلك الليلة، بسبب ما لقيه من تعب من أول الليل، وبسبب تأخره في المجيء إلى مكة، فلما جاء وقت قيامه إذا به يوقظنا للقيام، ثم شرع بالقيام، وبقي يصلي ويدعو، ويقرأ حتى أُذِّن بالفجر، فذهبنا إلى مسجد القطان المجاور لنا، فتأخر الإمام فصلى بنا سماحته وتلا الآيات بصوت نديٍّ خاشع، فلما سلم استقبل الناس بوجهه، وألقى فيهم كلمة.
ولما عدنا إلى المنزل قلنا: لابد أن سماحته سينام؛ فماذا بعد هذا الإعياء والنصب؟
فلما وصلنا المجلس ألقى غترته وطاقيته جانباً، وجلس وقال: بسم الله، ماذا عندكم؟
فأخذت أقرأ عليه المعاملات، وأنا أرى عليه من السرور والانشراح، ما يبهر اللب؛ فبقيت أقرأ عليه حتى السابعة والثلث تقريباً، فظننت بعدها أنه سينام نومة طويلة؛ فإذا به يقول: ضع منبه الساعة على الثامنة والثلث، فلما جاء ذلك الوقت نهض إلى رابطة العالم الإسلامي؛ لحضور الندوات، والاجتماعات المطولة، التي كانت تعقد آنداك، ولم يرجع إلى منزله إلا الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، ثم أكمل الجلوس مع الحاضرين في المجلس، وتناول معهم الغداء، وصلى العصر وهو في تمام النشاط، والانشراح، ونحن نكاد نسقط على وجوهنا من جراء الإرهاق، وقلة النوم. .

93

في يوم خميس من عام 1418هـ وفي مدينة الطائف، جاء رجل إلى سماحة الشيخ، ويظهر على هذا الرجل العجلة، والاعتداد بالنفس، واعتقاده في نفسه أنه حافظ للنصوص، وأنه يُحْسَب على طلبة العلم الكبار.
فلما جلس أمام سماحة الشيخ جعل يسأل سماحتَه أسئلةً كثيرة، والمجلس مليء بالحاضرين، وكلما أجابه سماحة الشيخ قال ذلك الرجل: هذا هو رأيي، هذا يوافق ما عندي، فكان يسأل والشيخ يجيبه على هذا النحو برحابة صدر وانشراح بال، ثم انتقل الجميع إلى مجلس الطعام للغداء، وذلك الرجل لم ينقطع عن الأسئلة، والشيخ يجيبه وهو يأكل؛ فظهر التكدر والامتعاض على وجوه الحاضرين.
ولكن الشيخ لم تفارقه سكينته ولا طمأنينته.
وبعد انتقال سماحة الشيخ إلى الرياض جاء ذلك الرجل إلى سماحة الشيخ، وقال: قد أمرني مرجعي بعدم الافتاء، وعدم مخالفة سماحتكم، والمفتين المعتبرين، وقد قلت لمرجعي: إذا ثبت لدي ما يخالف الشيخ فأنا أفتي به، ولا يجوز لي تقليد الشيخ، فما رأي سماحتكم؟
فقال سماحة الشيخ: هذا هو الصحيح، لا تقلدني، ولا تقلد غيري إذا وُجِد دليل يخالف.
قال: يا شيخ أرجو أن تكتب لي كتاباً بهذا المعنى.
فبدأ سماحة الشيخ يملي: (من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى الأخ المكرم صاحب الفضيلة فلان بن فلان أما بعد: فلا يجوز تقليدي ولا تقليد غيري من طلبة العلم إذا ثبت لديك ما يخالف ما أفتي به أو غيري) .

94

قبل سنتين من وفاة سماحته×كان في الطائف، وفي يوم من الأيام جاء سماحته من الدوام قريباً من الساعة الثالثة إلا ربعاً، ولا يخفى عليك أنه قد قام في آخر الليل للتهجد، وأنه يجلس للدرس حتى الثامنة صباحاً، ثم يذهب للدوام ويقوم بما يقوم به من الأعمال العظام، فلما قدم من الدوام في ذلك اليوم دخل مجلسه، فحيا الجموع التي كانت تأتي كالعادة إليه، وبدأت الأسئلة تترى، والهاتف يستأنف رنينه.
وفي هذه الأثناء دخل على سماحته رجل ثائر، ومعه أوراق يطلب فيها شفاعة الشيخ؛ ليحصل على مال؛ ليتزوج، فشرع الرجل يتكلم بصوت مرتفع أزعج الحاضرين في المجلس، فوجهه سماحة الشيخ بما يلزم، وقال: اذهب إلى فلان في بلدكم الفلاني، واطلب منه أن يكتب لكم تزكية، ويقوم باللازم، ثم يرفعه إلينا، ونحن نكمل اللازم، ونرفع إلى أحد المحسنين في شأنك.
فقال الرجل: يا شيخ ارفعها إلى المسؤول الفلاني_يعني أحد المسؤولين الكبار_فقال سماحة الشيخ: ما يكون إلا خير، فرفع الرجل صوته، وأخذ يكرر: لابد أن ترفعها إلى فلان، وما زال يردد، وما زال الشيخ يلاطفه، ويرفق به، ويعده بالخير، حتى إن الحاضرين تكدروا، وبدا الغضب من على وجوههم، بل إن بعضهم هَمَّ بإخراج الرجل، ولكنهم تأدبوا بحضرة الشيخ. ولم يرغبوا بالتقدم بين يديه.
فقال الرجل: يا شيخ عمري يزيد على الخمسين، وماعندي زوجة، وما بقي من عمري إلا القليل، فتبسم سماحة الشيخ، وقال: ياولدي إن شاء الله ستتزوج، ويزيد عمرك_إن شاء الله_على التسعين، وسنعمل ما نستطيع في تلبية طلبك.
فما كان من ذاك الرجل الثائر المستوفز إلا أن تَبلَّجت أساريره، وأقبل على سماحة الشيخ، وأخذ برأس الشيخ يُقَبِّله، ويدعو له.
فلما همَّ بالإنصراف ودع الشيخ، فقال له سماحته: لا نسمح لك؛ غداؤك معنا، فقال: يا شيخ أنا على موعد، فقال له الشيخ: هذا الهاتف اعتذر، فما زال يحاول التخلص، وما زال سماحة الشيخ يلح عليه بتناول الغداء، ولم يقبل سماحته الاعتذار إلا بعد لأْيٍ وجَهْد.
حينئذٍ تعجب الحاضرون من تحمل الشيخ، وأصبحت ترى الدهشة بادية على وجوههم، فكأنه أعطاهم درساً عملياً في فضل الحلم، وحميد عاقبته.

95

كنت مع سماحته في الطائف عام 1418هـ، وكنت في مجلسه المعتاد عن يساره، أقرأ عليه بعض المعاملات، وكنت_على العادة_أرد على المكالمات، وإذا طلبوا سماحته ناولته سماعة الهاتف.
وفي يوم من الأيام رن الهاتف فأخذ سماحته السماعة على غير العادة، وإذا هم أهلي يطلبونني، فناولني سماحته السماعة، وأخذ ينتظرني حتى أفرغ من المكالمة.
وكنت حريصاً على الاختصار؛ لأن وقت سماحة الشيخ لا يسمح بالإطالة، والمجلس مليء بالحاضرين، وأهلي يعلمون ذلك.
والذي حصل أن أهلي سألوني: هل ستتغدى معنا هذا اليوم ؟ فقلت: لا.
وبذلك انتهى الغرض، ووضعت سماعة الهاتف.
فقال لي سماحة الشيخ: انتهيت من المكالمة ؟ قلت: نعم.
فقال×: ما هذا الجفاء ؟ أهكذا تكلمون أهليكم ؟ أسأل الله العافية.
فقلت: يا سماحة الشيخ ! المقصود قد انتهى، ولا أريد الإطالة؛ فالوقت لا يسمح.
فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، خيركم خيركم لأهله.

96

في يوم من الأيام طلب مني أحد السائقين لدى سماحة الشيخ، أن يتصل عبر الهاتف بأهله خارج البلاد، أي أنه يريد الاتصال من الهاتف الذي في منزل سماحة الشيخ؛ فقلت له: لابد من الاستئذان من سماحته، فأتيت إلى سماحة الشيخ، وقلت له: فلان طلب مني الإذن له بالاتصال بأهله.
فقال سماحته: لعلك منعته، فقلت: لابد من إذن سماحتكم، فقال: اتركه يتصل، لا تمنعوهم، ارحموهم، أما لكم أولاد، أعوذ بالله، الرسول"يقول: ( من لا يَرْحَمْ لا يُرْحَم ).

97

وحدثني الأخ صلاح الدين عثمان أمين مكتبة المنزل لسماحة الشيخ_وهو من السودان_يقول: كان سماحة الشيخ ممسكاً بيدي أَهْدِيه الطريق في يوم بارد، فلما أحس بأن ثوبي خفيف؛ قال: ما هذا ؟ كيف تلبس هذا الثوب والبرد شديد كما ترى ؟
ثم قال : انتظرني قليلاً، ثم دخل منزله وأحضر لي بشتاً وأهداه إليَّ.

98

ويحدثني الأخ صلاح_أيضاً_يقول: كنت في يوم من أيام الشتاء الباردة، وكنت في صحبة الشيخ أدله الطريق، فلما أحس بالبرد، وبأن ثوبي خفيف ويدى باردة قال: ما هذا ؟ ثم قال: انتظرني ودخل منزله، وأحضر لي ثوباً غليظاً من ثياب الشتاء، وأهداه إليَّ.

99

قبل ما يزيد على خمس وعشرين سنة لما كان سماحته رئيساً للجامعة الإسلامية قدم من المدينة إلى الرياض، فصلى، ولما خرج من المسجد كان عند الباب ثلاثة من الفقراء يسألون الناس، فأعطى سماحته كل واحد منهم ريالاً، ولم يكن في جيب سماحته في ذلك الوقت سوى خمسة ريالات، فلحقه الأول منهم وقال: أعطني فأعطاه ريالاً، فلحقه الثاني وقا ل: أعطني فأعطاه ريالاً، ولحقه الثالث فقال: أعطني، فقال: ما بقي معي شيء، ثم أخرج محفظته، وقال: انظر والله ما بقي معي شيء، ولو بقي معي شيء لأعطيتك إياه، فذهب ذلك السائل وقد طابت نفسه.

100

في يوم من الأيام تقدم بعض المشايخ إلى سماحة الشيخ قائلاً: يا سماحة الشيخ! لدي بعض الاقتراحات؛ فهل تسمح لي بإبدائها؛ لما أرى فيها من المصلحة ؟
فقال له سماحة الشيخ: تفضل.
فقال: أرى أن تجعل مجلسكم بعد المغرب لسماع ما لدى المراجعين والزائرين؛ فهم يأتون إليك، ويرغبون في التحدث معك، وفيهم المسؤولون الكبار، وفيهم وكلاء الوزارات، وفيهم القضاة، ورؤساء المحاكم، وأنتم يا سماحة الشيخ! مشغولون مع الهاتف، أو مع المعاملات التي تقرأ عليكم؛ فأرى أن تفسحوا المجال لهؤلاء القادمين، وتَدَعُوا الرد على الهاتف؛ لأنه غير خاف عليكم أن وقتكم ثمين جداً، وأن كثيراً من المتصلين يسألون أسئلة ربما كانت يسيرة، ويستطيع الإجابة عنها غيركم من طلبة العلم.
فقال له سماحة الشيخ: الذي يأتي إليَّ يتكلم معي، ويعرض حاجته، ويقول ما لديه، وأنا أضع سماعة الهاتف، وأسمع منه.
أما أن أترك الرد على الهاتف البتة فهذا ليس بصحيح، والذين يتصلون ويسألون يرون أن هذه الأسئلة هي أهم شيء لديهم؛ فهل لديكم اقتراح آخر؟
فقال المقترح: نعم أرى أن تأتي إلى بيتك إذا صليت الظهر، وتدخل عند أهلك، وتأخذ قسطاً من الراحة، ويكون غداؤك في وقته مع أولادك وبين أهلك؛ فالناس حاجاتهم لا تنتهي.
فرد عليه سماحة الشيخ×قائلاً: تقترح علي أن أترك الجلوس مع الناس، والرسول"كان يأكل مع أصحابه ومع الفقراء؟
أنا سوف استمر على هذا ما دمت أستطيع، ولن أغير عادتي.

101

وقال بعض الناس_على سبيل الاقتراح_لو أن سماحة الشيخ إذا جاء من عمله دخل في مكان خاص، وجلس معه على الغداء خواص الموظفين، وترك الجلوس مع عامة الناس؛ لأنهم يتعبونه.
فقلت لسماحة الشيخ: إن بعض الناس يقترح كذا وكذا.
فقال سماحته : مسكين! هذا لم يتلذذ بالأكل والجلوس مع الفقراء والمساكين؛ نحن سوف نستمر على هذا، والذي يحب أن يجلس معنا حياه الله، والذي لا يستطيع أو لا يريد فنحن نسامحه.

102

لما قدم الشيخ محمد الغزالي إلى الرياض؛ لاستلام جائزته المقدمة من لجنة جائزة الملك فيصل العالمية_زار سماحة الشيخ في منزله.
وكانت في ذلك الوقت ضجة حول كتاب الشيخ الغزالي: السنة النبوية بين أهل الفقه، وأهل الحديث
وقد قرئ ذلك الكتاب على سماحة الشيخ، فلما زاره الغزالي احتفى به، وأكرمه ولاطفه، وسأله عن الدعوة في الجزائر، وعن حاجتهم، وأخبر بأنه على أتم الاستعداد لدعمهم، وكان الشيخ الغزالي آنذاك رئيساً لجامعة في الجزائر.
وكان مجلس سماحته_كالعادة_عامراً بالزائرين، والسائلين، والمحتاجين، والضيوف وكان الهاتف لا يتوقف رنينه، وكان كُتَّاب سماحته حوله يقرؤون، وهكذا
وكلما سنحت لسماحته فرصة التفت إلى الشيخ الغزالي وحياه ولاطفه.
فَأُعْجِبَ الشيخ الغزالي بما رأى، وكان ذلك بادياً عليه.
وفي تلك الأثناء قال سماحته للشيخ الغزالي: لقد قرأت كتابكم المذكور، ولا يخفى عليكم أن البشر عرضة للخطأ، ونحن وغيرنا عرضة لذلك، وقد قرأت شيئاً من كتابكم، وعليه بعض الملحوظات.
فقال الشيخ الغزالي أنا يسعدني أن تكملوا قراءته، وأن توافوني بما تلاحظونه، وأنا إن شاء الله أصلحه، وذكر كلاماً نحو هذا.
وبينما كان سماحة الشيخ يرد على مكالمة هاتفية دار حديث بين الشيخ الغزالي وبين أحد المشايخ الحاضرين وهو الشيخ خير الدين وانلي من سوريا، فقال الشيخ خير الدين: أنتم قلتم: كذا وكذا، فانقض الغزالي عليه، واشتد النقاش.
ولما سمع سماحته كلامهما التفت إلى الغزالي وقال: ماذ اعندكم ؟ قال: كذا وكذا.
فخاطبهما جميعاً بأن هذه المسائل ينبغي أن توضع في إطارها، وأن نحرص كل الحرص على جمع كلمتنا والبعد عن الخلاف، فنحن أمام أمور كبار تتعلق بأصول المسائل، وسكَّن من غضبهما، وانتهى الجدال.
وكان الشيخ الغزالي مدعواً للغداء، ولكنه تأخر على من دعاه، وجلس عند سماحة الشيخ، وتناول معه الغداء.
ولما هم بالخروج ألقى نظرة على سماحة الشيخ وقال: نحن بخير مادام فينا هذا الرجل.
وبلغني أنه لما وصل إلى من دعاه قالوا له: لماذ تأخرت ؟ قال: كنا في عالم ثانٍ !

103

وقد كتب إليه أحد المسؤولين وقال له: نرى أن لا تشغل نفسك بكثرة الشفاعات؛ فالدولة جعلت دوائر كثيرة، وكلٌّ يرجع إلى الجهة التي يتبعها.

فرد عليه سماحة الشيخ بقوله: أنا أشفع؛ استجابة لقوله_سبحانه_: [مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا] النساء: 85، وقوله": ( اشفعوا تؤجروا ).
وأنا بشفاعتي أدلكم على الخير، وأرجو الأجر من الله؛ فإن استجبتم فأبشروا بالخير، وإن لم تستجيبوا فقد أديت ما عليَّ، وأنا لا ألزم أحداً.

فقال ذلك المسؤول: اتركوه يشفع لمن شاء.

وما كان سماحة الشيخ يشفع لأحد من الناس إلا ويريد بذلك وجه الله_فيما نحسبه والله حسيبه_.

104

ولقد قال في يوم من الأيام بحضرة أكثر من عشرين من طلبة العلم: والله ثم والله، ثم والله إنني لم أكتب في حياتي كتاباً إلا وأريد بذلك وجه الله.

105

وقد ذكر سماحته أنه لما كان قاضياً كتب لبعض المسؤولين يطلب تعيين شخص ليكون أميراً على قرية من القرى، فرد عليه ذلك المسؤول: بأن هذا ليس من اختصاصك، وهذا له جهة معينة، وأنت قاضٍ، وينبغي أن تترك مثل هذه الأمور.

فرد عليه سماحة الشيخ وقال: إذا كان القضاة والعلماء لا يدخلون في مثل هذه الأمور، فمن الذي يدخل ؟
القضاة أولى من غيرهم، فسكت ذلك المسؤول، واستجاب لشفاعة سماحة الشيخ.

106

شفاعة سماحة الشيخ بأنواعها المتعددة لا يمكن حصرها، وقل أن يمر عليه يوم، بل مجلس دون شفاعة لأحد.
والمواقف العظيمة في باب الشفاعة لسماحته كثيرة جداً، وإليك هذه المواقف العظيمة شاهداً على ذلك.

1_ شفاعته لدعاة في الصومال: ففي عام 1409هـ حُكم في دولة الصومال إبان رئاسة سياد بري على عشرة من الدعاة التابعين للرابطة، والرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالإعدام؛ فجاء بعض العلماء إلى سماحة الشيخ، وطلبوا منه الشفاعة في أمرهم لدى حكومة المملكة؛ أملاً في التوسط لدى حكومة الصومال؛ لحقن دماء أولئك.
فما كان من سماحته إلا أن اتصل بصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، وطلب منه الشفاعة؛ فاستجاب سموه لطلب الشيخ، واتصل بحكومة الصومال، وطلب منهم العفو عن أولئك الدعاة، فاستجابت حكومة الصومال على أن يكتفى بالسجن، ويلغى الإعدام.
وبعد مدة أعادوا الكَرَّة، وطلبوا من سماحة الشيخ أن يشفع في إخراجهم من السجن، وقالوا: إنه حصل ضرر على أولادهم من جراء سجنهم، وقد مكثوا مدة طويلة في السجن.
فاتصل سماحته مرة أخرى بولي العهد مجدداً الشفاعة، فاتصل ولي العهد بالحكومة الصومالية على الفور، وذلك ليلة عيد الفطر، فقبلت شفاعته، وأفرج عنهم، وحلت الفرحة في بيوتهم، وارتفعت الدعوات منهم ومن ذويهم لمن تسبب في إخراجهم.
وبعد أن تم الإفراج عن أولئك بعث سماحة الشيخ كتاباً رائعاً إلى صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز يشكره على موقفه النبيل، وشفاعته الحسنة.
وإليك نص ذلك الكتاب:

بسم الله الرحمن الرحيم
الرقم: 1732/خ
التاريخ: 5/12/1409هـ
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة صاحب السمو الملكي الأمير المكرم عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب خادم الحرمين الشريفين حفظه الله من كل سوء، ونصر به الحق آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
فقد وصلتني رسالتكم الكريمة المؤرخة في 30/11/1409هـ وصلكم الله بحبل الهـدى والتوفيق، واطلعت على مشفوعاتها وهي صورة من الرسالة الموجهة من سموكم إلى فخامة الرئيس محمد زياد بري في تاريخ 12/9/1409هـ المتضمنة الشفاعة من سموكم لدى فخامته في إطلاق سراح الدعاة السجناء الشيخ الشافعي محمد ورفقاه، وصورة جوابه لسموكم المؤرخ في 20/10/1409هـ المتضمن الإفادة بالاستجابة لشفاعة سموكم والأمر بإطلاق سراحهم وأن ذلك قد تم في عشية عيد الفطر، وصورة جواب سموكم لفخامته المؤرخ في 29/11/1409هـ المتضمن شكر سموكم لفخامته على الاستجابة.
وقد سرني كثيراً ما تضمنته الرسائل وحمدت الله سبحانه على ما منَّ به على سموكم من الشفاعة لهؤلاء المساكين، وما منَّ به عليهم بأسبابكم من العفو من فخامة الرئيس جزاه الله خيراً، وأصلح قلبه وعمله حتى تم إطلاقهم.
كما سرني كثيراً ما أشار سموكم إليه مما جبلكم الله عليه من محبة العفو والإحسان إلى الغير وكظم الغيظ، والحرص على بذل الشفاعة، والعفو فيما لا يعطل حداً من حدود الله، ولا يحل حراماً، ولا يحر م حلالاًإلخ.
إنها لنعمة من الله عظيمة تفضل بها_سبحانه_على سموكم وشرح صدركم لها، فأسأل الله أن يزيدكم من فضله، وأن يجعلكم مفاتيح خير، ومغاليق شر، وأن ينصر بكم الحق وأهله ويخذل بكم الباطل وأهله، وأن يعينكم على ذلك ما بقيتم، ويمنحكم البطانة الصالحة.
وإن كتاب الله العزيز، وسنة رسوله الأمين كلاهما يدعو إلى العفو، ويشيد بفضل أهله، وكلاهما يحث على الإحسان، وكظم الغيظ، والشفاعة في الخير، كما قال الله_عز وجل_: [وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى] البقرة: 237، وقال_سبحانه_في وصف المتقين: [وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ] آل عمران: 134 ويقول_عز وجل_: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ]المائدة: 2.
ويقول النبي"فيما صح عنه: ( ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه ).
وكان يقول_عليه الصلاة والسلام_لأصحابه_رضي الله عنهم_إذا جاءه طالب حاجة: (اشفعوا تؤجروا ويقض الله على لسان نبيه ما شاء).
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يمنحكم المزيد من التوفيق لكل خير، وأن يعينكم على ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يمنحكم طول العمر في حسن العمل؛ إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

107

2_ شفاعته لدى حكومة تونس في شأن بعض الدعاة والعلماء: ففي تونس إبان حكم الرئيس الأسبق أبو رقيبة، حُكِم بالإعدام على جماعة من المسلمين من بينهم علماء، ودعاة، وغيرهم؛ فضاقت بالناس الحيل، والتفتوا يمنة ويسرة، ولم يجدوا من يطرقون بابه_بعد الله_إلا سماحة الشيخ؛ فجاءوا إليه، وقالوا: يا سماحة الشيخ! إخوانكم ينتظرون ما تقومون به لحقن دمائهم، ويأملون منكم الشفاعة لدى حكومة المملكة؛ رجاء التكرم بالشفاعة لدى حكومة تونس؛ لعل الله أن يحقن دماءهم، فيسلموا من الإعدام.
فهب سماحته من فوره_كعادته_وقال: نشفع_إن شاء الله_ولعل الله يكتب الخير لهم؛ فاتصل سماحته بصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله ابن عبدالعزيز ولي العهد، فاستجاب سموه، واتصل بحكومة تونس، وبعد أخذٍ ورد قبلوا شفاعة سموه، ووافقوا على إلغاء الإعدام، والاكتفاء بالسجن.
وما هي إلا أيام ثم زال حكم الحاكم السابق، وحكم الذي بعده، وتم الإفراج عن المساجين بموجب عفو عام، فخرجوا إلى أهليهم فرحين بالسلامة من السجن والإعدام، ضاعف الله لسماحة الشيخ، ولسمو ولي العهد الأجر والمثوبة.

108

3_ شفاعته لشيخ مسنٍّ مسلم روسي: في عام 1411هـ أيام انعقاد المؤتمر في رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة بمناسبة عدوان العراق على دولة الكويت_جاء رجل كبير في السن ذو هيبة ووقار، وعلامات الصلاح عليه ظاهرة.
فلما رأى سماحة الشيخ أقبل عليه، وقال: أحقاً هذا هو الشيخ ابن باز ؟ فقلت: نعم، فتقدم وسلم عليه، وقال: الحمد لله أنني رأيتك يا سماحة الشيخ، نحن نسمع بك، ونتمنى أن نراك، أنا من الاتحاد السوفييتي، جئت إلى المملكة العربية السعودية بقصد الهجرة، وأنت يا سماحة الشيخ تعيش بيننا هناك.
فسألتُ ذلك الرجل: ماذا تعرف عن سماحة الشيخ، وأنت في الاتحاد السوفييتي ؟
فقال: سبحان الله! ماذا أعرف عن الشيخ ؟ الشيخ إمام، وقد تمر مئات السنين ولا يأتي مثله، أنا منذ خمسة عشر عاماً وأنا أتابع برنامج نور على الدرب، وقد استفدت منه كثيراً.
ثم تقدم إلى سماحة الشيخ قائلاً: إنني مهاجر بديني، وأرغب أن أقضي بقية عمري بجوار بيت الله الحرام في مكة المكرمة؛ فآمل من سماحتكم التكرم بالشفاعة لي؛ كي أُمنح الإقامة النظامية.
فقال: سماحة الشيخ : لابأس، ائت بتعريف، وأنا أشفع لك، فأتى بما طلبه منه سماحة الشيخ، فشفع له، ورتب له مقرراً شهرياً، واعتنى به، وكلما ذكره سأل عنه، ويقول له سماحة الشيخ: ستبقى هنا، وسوف نسعى لك بالزواج؛ لأن زوجة ذلك الرجل تركته، ومازال في كنف سماحة الشيخ حتى توفي سماحته وأجزل له المثوبة_.

109

4_ شفاعاته في الإصلاح بين المجاهدين الأفعان،

110

5_ شفاعته في الإصلاح بين مصر والسودان حول مسألة حلايب، والخلاف فيها؛ فقد كتب سماحته إلى الرئىس المصري حسني مبارك، واقترح أن تكون لجنة على مستوى رفيع من أهل العلم بالشرع ليحكموا في الموضوع بما يقتضيه الشرع، وبين له أن التحاكم إلى محكمة العدل الدولية لا يجوز، وأن الواجب التحاكم إلى الشرع المطهر.

111

إليك هذه الرسالة النادرة التي وجدت في طي رسائله وقد كتبها إلى أهل بلدة نعجان لما كان قاضياً في الدلم، وذلك في 14/7/1361هـ أي لما كان عمره إحدى وثلاثين سنة:

بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى من يراه من إخواننا أهل نعجان سلك الله بي وبهم سبيل أهل الإيمان، وجعلني وإياهم من المتعاونين على ما يرضي الرحمن آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد
فالموجب لهذا إخباركم بأن الله_سبحانه_قد أوجب علينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البر والتقوى، ولا قوام للإسلام والمسلمين في أمر دينهم ودنياهم إلا بذلك، قال الله_تعالى_:[وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ] آل عمران: 104، وقال_تعالى_:[كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ] آل عمران: 110
وقال_تعالى_: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ] المائدة: 2.
وقال_تعالى_: [لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ] المائدة: 78، 79.
وثبت عنه"أنه قال: ( لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم ).
وجاء عنه"أنه قال: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).
فدلت هذه الآيات والأحاديث على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى ولا صلاح للعباد في معاشهم، ومعادهم إلا بذلك، فإذا قاموا بما أوجب الله عليهم سعدوا، وتم لهم أمر دينهم ودنياهم، وكثر الخير، وقل الشر.
وإذا غفلوا، وأهملوا استحقوا المقت من الله، والبعد منه، وحلول العقوبة، وفشا فيهم الشر، وقل الخير.
وقد غلب على أكثر الناس اليوم التساهل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتكاسل عن الصلوات، والتخلف عنها في الجماعة، والوقوف في مواقف التهم، والدخول على النساء الأجانب، وكل هذه المنكرات وأشباهها بسبب ضعف الإيمان، والرغبة في الدنيا، وعدم الاهتمام بأمر الآخرة، وعدم التناصح بين المسلمين، والتعاون على البر والتقوى إلا من رحم الله.
فمن أجل ذلك نقص الدين، وعظمت غربته، وغلبت الأهواء فإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأله_تعالى_أن يردنا جميعاً إلى التوبة الصادقة، وأن يوفقنا وجميع المسلمين للقيام بما يرضيه، واجتناب ما يسخطه آمين.
وقد عَيَّنا في البلد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ستة من خواص الجماعة، وهم المطوع محمد بن عتيق، وابنه إبراهيم، وحمد بن فهيد، وأخوه فهد، وحمد بن سيف، وزيد الزيد، وأمرناهم يتفقدون أحوال الجماعة، ويمشون بالليل، ومن عرف بالتخلف عن الصلاة في الجماعة يزجرونه، ويؤدبونه حتى يرتدع هو وأمثاله، ومن عرف بالكسل عن الصلاة، وكونه يقضي دائماً ينصحونه، ويعظونه، فإن نفع فيه ذلك فالحمد لله، وإن غلب عليه الكسل يزجر، ويؤدب، كذلك من وقف في مواقف التهم، أو عرف بالدخول على النساء الأجانب فقد أمرنا النواب المذكورين ينصحونه، ويزجرونه فإن عاد إلى مثل ذلك فيؤدب أدباً يردعه وأمثاله، ومن عرف بشرب الدخان يزجر ويؤدب أدباً بليغاً؛ لأن الدخان من الخبائِث المضرة المحرمة، كذلك من عرف بالمبيت خارج بيته، وترك نسائه ومحارمه يزجر عن ذلك، ويلزم بالمبيت عند محارمه فإن عاد إلى مثل ذلك فيؤدب حتى يرتدع، ومن عارض النواب المذكورين، أو وقف في وجوههم بالكلام الرديء فلا يلومن إلا نفسه، وسيرى منا_إن شاء الله_ما يكره. وفقنا الله وإياكم لما يرضيه في القول والعمل، ونصر دينه، وأعلى كلمته، وحفظ إمام المسلمين بطاعته، ورعاه برعايته إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا ما لزم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
14/7/1361هـ

( أثر الرسالة على أهالي نعجان )
يقول الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن عتيق_حفظه الله_وهو مساعد مدير مكتب البيت لسماحة الشيخ، وابن الشيخ محمد بن عبدالله بن عتيق الذي أرسل إليه سماحة الشيخ الكتاب الآنف الذكر، يقول: لما وصلت نصيحة سماحة الشيخ، وعين النواب، وقرئت عليهم النصيحة، وقرئت على الجماعة، بدأ العمل بموجبها، فكان لها أبلغ الأثر؛ حيث عم الخير، وقلَّ الشر، وصار الناس يحافظون على الصلاة، وقلَّ السهر خارج البيوت، وصارت النساء تدعو لسماحة الشيخ؛ حيث استقرت بيوتهم، وصار الأزواج يبيتون في منازلهم.

112

وأذكر مرة أن سماحة الشيخ أثنى على شخص، وكان يدعوه بقوله: يا شيخ، فسمعه أحد الزائرين، فقال لما خرج ذلك الشخص: يا سماحة الشيخ: هذا الشخص لا يستحق أن يعطى مكانة، ولا أن يلقب وينادى بـ: يا شيخ؛ لأنه مسبل، وحالقُ لِحْيَتَهُ، ومطيل لشاربه.
فقال سماحة الشيخ: وهل نصحته ؟ فقال: لا، فغضب سماحة الشيخ، وقال: لماذا لم تنصحه ؟ كيف تقابل ربك وأنت قد رأيت المنكر ولم تنكره ؟ أتخشى الناس ؟ سوف تقابل ربك يوم القيامة.
ثم قال سماحة الشيخ: ذكروني به إذا جاء مرة أخرى؛ فلما جاء ذلك الرجل التفت إليه سماحة الشيخ، وجعل ينصحه سرَّاً.

113

في حج عام 1406 هـ قدم للمملكة أول وفد رسمي من حجاج الصين الشعبية ويتقدم هذا الوفد بعض العلماء فجاءوا للسلام على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وكان رئيس الوفد شيخا طاعنا في السن قد درس في الأزهر وهو يتقدمهم في المقابلة وعددهم سبعة ..

فقال لي بعد أن سلموا : أين الشيخ عبد العزيز بن باز ؟ ومتى يحضر ؟ فقلت له : هاهو ذا الذي سلمت عليه قبل قليل ، فلم يصدق وكان يتحدث العربية بطلاقة فقال : أريد أن أراه في سفرتي هذه ، وكأنه لم يصدقني ..

فقلت له : هاهو ذا ثم أكدت له ذلك فقام من مجلسه وتقدم للمرة الثانية ليسلم على الشيخ فأخبرت الشيخ عن رغبته هذه ، فقام إليه وتعانقا ورأيت هذا الشيخ الصيني يضم الشيخ إلى صدره بحنو ويبكي ويقول : الحمد لله الذي أراني إياك ..

فكنا نسمع عنك ونحن في الصين بأنك أمل المسلمين ومنقذهم والمدافع عنهم ، ثم قال احد مرافقي هذا الشيخ الصيني : أدعو الله يا شيخ أن تأخذ من عمري عشر سنين لمالك من نفع للإسلام وأهله ، أما أنا فإنسان عادي كغيري من أبناء الإسلام ..

ثم زاد الشيخ في البكاء ومعاودة السلام والمعانقة وهو يردد : الحمد لله الذي أراني إياك قبل موتي فقد كنت أتمنى ذلك طول عمري .

114

ومما أعجب منه تلك القصص التي لم ترو َ إلا بعد وفاة ذلك الإمام – رحمه الله تعالى – فامرأة في الفلبين تدعو له بعد أن كان سببا – بعد الله تعالى – في إنقاذها من أيادي الصليبيين الذين قتلوا زوجها وهدموا بئر مزرعتها ، فهب – رحمه الله تعالى – لنجدتها ونصرتها .

115

وعجوز مسن في أدغال أفريقيا رأت بعضا ً من الدعاة ، فعلمت أنهم من العرب ، فسألتهم : هل أنتم من بلاد ابن باز ؟ ، فدهش أؤلئك الجمع ، وكان يظنون أنهم أول الدعاة وصولا لهذه المنطقة فوجدوا أن ابن باز – رحمه الله تعالى - الأعمى المسن قد سبقهم ، فسألوا تلك العجوز : وكيف عرفت ِ ابن باز ؟!! قالت : أرسلت له قبل فترة أخبره بحالتي الضعيفة ، وحاجتي للدعم ، فأرسل لي ما أغناني ، وسد فاقتي .

116

بل يحدثني – شخصيا ًً – أحد طلبة العلم الحفاظ من دولة تشاد وهو من قرية ( بحر الغزال ) المشهورة بكثرة الحفاظ للقرآن – رجالا ً ونساء ً شيبا ً وشُبانا ً – أنه كان في قريته في وقت وفاة ابن باز – رحمه الله تعالى – وكان حال القرية عجيبا ً لما أتاهم الخبر بوفاة ذلك العالم الجليل – غفر الله تعالى له – ومما قال :

أنه كان يسير على قدميه في قريته فمر على مجموعة من العجائز يجلسن قرب بيوتهن ، فسمع إحداهن تبكي وتقول : ( اليوم مات شيخ الإسلام في بلاد الحرمين ) ، فسألها من هو ؟ ،

قالت : ابن باز !!! ، وكانت تلك المرأة قد فاقت الثمانين سنة .

117

_ قصة البلجيكي الذي قدم لإهداء إحدى عينيه لسماحة الشيخ؛ ففي عام 1410هـ قدم على سماحة الشيخ وهو في الطائف رجل مسلم من بلجيكا وهو مغربي الأصل، فلما مَثُل أمام سماحته قال:
يا سماحة الشيخ أنا فلان، من محبيك، وقد جئتك مهدياً لك إحدى عيني، ولقد سألت طبيباً مختصاً فقال لي: لا مانع، وسوف أذهب إلى المستشفى وإلى الطبيب المختص لنزعها وإهدائها لك.
فقال له سماحة الشيخ: يا أخي بارك الله لك في عينيك، ونفعك بهما، نحن راضون بما كتب الله لنا.

118

3_ قصة السوداني الذي قدم لإهداء إحدى عينيه لسماحة الشيخ: ففي عام 1418هـ رأيت رجلاً من السودان يتجول بين المكاتب في دار الإفتاء في الرياض، وهو يقول: لم أجد من يتجاوب معي، ولا من يدخلني على سماحة الشيخ، فقلت له: وماذا تريد من سماحته ؟
فقال: أنا أتيت إلى سماحته مهدياً إليه إحدى عيني، أدخلوني على سماحته؛ فأخذت بيده، وأدخلته عليه، فلما رآه وسلم عليه قال: يا سماحة الشيخ ! أنا من بلاد السودان، جئت إليك مهدياً إحدى عيني، فتفضل بقبولها، وخذ إحداهما.
فشكر له سماحة الشيخ صنيعه، ومحبته، وقال: بارك الله لك في عينيك، نحن راضون بما كتبه الله لنا.

( ولا تبخلوا علينا بدعوة في ظهر الغيب )

والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله


منقول للفائده
 

فضل

عضو مميز
التسجيل
25 يوليو 2008
المشاركات
6,792
الإقامة
بين السماااء والارض
الله يغفر له واموات المسلمين

جزاج الله خير​
 

بنوتهـ كيوتـ

عضو نشط
التسجيل
19 أغسطس 2008
المشاركات
2,562
الإقامة
{{اط !ـهر م ـكانـ بالـ !ع !ـالم}}

NICK

عضو نشط
التسجيل
23 سبتمبر 2007
المشاركات
2,071
الإقامة
kuwait
الصراحه طويله جدا الصفحه .

عشان جذيه نحاول نقراها على اكثر من مرحله

مشكوره على الموضوع ..
والله يغفر للشيخ ان شالله
 

بنوتهـ كيوتـ

عضو نشط
التسجيل
19 أغسطس 2008
المشاركات
2,562
الإقامة
{{اط !ـهر م ـكانـ بالـ !ع !ـالم}}
الصراحه طويله جدا الصفحه .

عشان جذيه نحاول نقراها على اكثر من مرحله

مشكوره على الموضوع ..
والله يغفر للشيخ ان شالله


لاتستصعب طول الموضوع انا بديت اقراهم وخلصتهم:)

بصراحه قصص روعه واستفدت منها :):)

شكرا لمرورك
 

بنوتهـ كيوتـ

عضو نشط
التسجيل
19 أغسطس 2008
المشاركات
2,562
الإقامة
{{اط !ـهر م ـكانـ بالـ !ع !ـالم}}

yoyo1983

عضو نشط
التسجيل
22 أبريل 2007
المشاركات
22,665
الإقامة
DaMBy
جزاك الله خير
 

wasmi_6

عضو مميز
التسجيل
6 مارس 2004
المشاركات
3,378
الإقامة
الكويت
مواقف مؤثره من عالم اخلص لله رب العالمين
 

Shima

عضو نشط
التسجيل
17 أغسطس 2007
المشاركات
1,116
الله يجزاج خير
 

بنوتهـ كيوتـ

عضو نشط
التسجيل
19 أغسطس 2008
المشاركات
2,562
الإقامة
{{اط !ـهر م ـكانـ بالـ !ع !ـالم}}
شكرا لمروركم جميعااا
 

العاشق

عضو مميز
التسجيل
18 يناير 2009
المشاركات
14,324
الإقامة
هنا
ارحموهم لو وجدو غيركم ما اتوا إليكم 00000000 كلمة مخلص


جزاج الله خير
 

ابوساره009

عضو نشط
التسجيل
16 فبراير 2009
المشاركات
794
الله يجزاك خير ويرحم والديك على هذا الموضوع العجيب

لسماحته العلامه الشيخ عبدالعزيز بن باز وأسئل الله أنه يرحم الشيخ

ويجزاه عن خير الجزاء وأسئل الله أنه يحشرنا مع الشيخ مع الأنبياء والشهداء والصالحين
 
أعلى