بانتظار «هيئة السوق» / توصيات «Take away» وغياب لأي جهة رقابية على شركات الأبحاث
فوضى «الاستشارات»
يرن الهاتف الجوال الخاص بـ«أبو دعيج» إيذاناً باستلام رسالة نصية مفادها توصية بشراء إحدى الأسهم المدرجة في سوق الاوراق المالية صادرة عن واحدة من شركات الاستشارات المالية والاقتصادية الكويتية التي باتت لا تعد من كثرتها، وكون «أبو دعيج» لا يملك الخبرة الكافية التي تمكنه من قراءة الوضع المالي للشركة لمعرفة وضعها يقوم على الفور بشراء السهم وفقاً لتوصية الشركة الاستشارية، إلا أنه وبعد مرور أكثر من أسبوعين لم يشهد جديدا بل تآكل جزء من رأسمال محفظته على وقع تراجع السهم، وما كان بيده حيلة سوى الاستسلام لتحقيق الخسارة عبر البيع.
وفي اليوم الثاني من إتمام عملية البيع من خلال إحدى شركات الوساطة المالية في البورصة دق هاتفه ثانية ليتسلم رسالة أخرى تتضمن توصية بعدم شراء سهم الشركة «س». ليس مهماً ماذا فعل «أبو دعيج» إزاء التوصية الثانية، بل الأهم أن التوصيات باتت تتوافر «Take away» للمستثمرين، مع خدمة توصيل إلى الهواتف النقالة.
ليست مسجات «أبو دعيج» إلا وجهاً من أوجه الفوضى العارمة في قطاع الاستشارات والتحليلات الاقتصادية. حتى أن تأسيس شركة استشارات لم يعد يتطلب أكثر من مكتب وجهاز كمبيوتر وفاكس وعدد قليل من المحاسبين.
ولأن الترخيص لتقديم الاستشارات ليس من صلاحية أي جهة رقابية، لا إدارة البوصة ولا لجنة سوق الكويت للأوراق المالية ولا سواهما، فإن السوق مفتوح للوافدين الجدد إلى القطاع من دون أي معايير تحكم الدخول والخروج.
وتتسبب تلك الفوضى بشبهات تلاعب مكشوفة من خلال رسائل نصية تصل إلى المتداولين خلال التداول، تحض على شراء هذا السهم أو بيع ذاك، او حتى من خلال تقارير تنشر في الصحف أو توزع بالبريد الالكتروني أو تنشر على المنتديات.
وأسوأ من ذلك، أن البعض بات يتهم مراكز استشارات بأن وراء توصياتها ما هو أكثر من الحسابات الخاطئة أو المهنية المحدودة. إذ تثور شكوك حول أن تكون هناك حسابات أو صراعات شخصية تدخل في «حرب التوصيات».
فعندما ينزعج صاحب شركة استشارات من رئيس شركة يوجه ضده توصية بعدم الشراء.
وما يعزز هذا الاعتقاد أن بعض التوصيات تحمل أسباباً غريبة، فهي لا تأتي على تقييم أصول الشركة أو تنوعيتها او تدفقاتها النقدية، بل تذهب إلى كون إدارتها «تفتقد الى الخبرة والسمعة الجيدة»، أو إلى كون المجموعة التي تنتمي إليها الشركة ليست أهلاً للثقة! ومثل هذه التوصيات لم يفطن إليها من قبل أي بنك استثماري في العالم، لتكون اختراعاً كويتياً خالصاً.
وفي مجتمع صغير كالمجتمع الكويتي، سرعان ما تفسر تلك التوصيات.
يقول أحدهم إن هناك دعاوى قضائية بين تلك الشركة والشركات التي تتلقى التوصيات السلبية. ويتحدث آخرون عن مؤسسات ردت بحدة على دراسات «مستفزة»، الى أن «وخر عنها»!
الواقع المهني
بالطبع، لا يمكن اختزال صورة القطاع بالشركات المختصة بـ«توصيات الـTake away». فقطاع الاستشارات سجل نمواً كبيراً في العقد الحالي، مع التوسع الرأسمالي الكبير الذي شهده السوق الكويتي، وما رافقه من طفرة في قطاع الاستثمار.
ومع كل توسع غير منضبط قانونياً، لا بد ان تظهر بعض الفوضى. وهكذا ظهرت مئات الشركات الاستشارية في الكويت حصلت جميعها على تراخيص «قانونية» من قبل وزارة التجارة والصناعة تحمل ضمن أغراضها إمكانية تقديم الاستشارات والتدريب وغيرها، الأمر الذي أصبحت من خلاله قادرة على تدشين تقارير ودراسات وتوصيات استثمارية.
السمعة أولاً
يمكن الملاحظة أن قطاع الاستشارات موزع بين نوعين من الشركات. الأول مرتبط بشركات استثمار أو بنوك، والثاني يقدم الاستشارات بشكل مستقل، بعيداً عن أية خدمات أخرى من قبيل إدارة الأصول أو سوى ذلك.
في النوع الأول شركات ذات أسماء كبيرة، مثل «إن بي كي كابيتال»، و«جلوبل» و«المركز» و«الأمان» و«المثنى للاستثمار»، وسواها. تلك الشركات تحرص على سمعتها التي توفر رأسمال أساسي يتيح لها إدارة أصول بمليارات الدنانير لكل منها، ولذلك فهي تتوخى تطبيق الممارسات العالمية على هذا الصعيد.
لعل أهم ممارسات الحوكمة المطلوبة هنا، الفصل بـ«جدار صيني» بين إدارة الاستثمار وإدارة البحوث، بحيث لا تصل المعلومات الداخلية السرية التي تتوافر لإدارة البحوث عن أي من الشركات إلى إدارة الاستثمار. وبذلك تتساوى إدارة الاستثمار مع العملاء وربما الجمهور في التعرف على توصية إدارة البحوث المتعلقة بأي من الأسهم، بيعاً أو شراء أو احتفاظاً.
وعلى الرغم من أن هذه الممارسات مطبقة بالفعل لدى الكثير من الشركات الكويتية، فإن الضمان لتطبيقها ليس إلا ذاتياً، ونابعاً في الغالب من حرص الشركة على ثقة عملائها وسمعتها تجاههم. لكن ليس هناك من جهة قانونية واحدة تضمن تطبيق تلك الممارسات وتعاقب من يخالفها.
في الجانب الآخر، هناك شركات استشارات مستقلة لا تباشر نشاط إدارة الأصول، مع الإشارة إلى أن شركات الاستشارات ليست جميعها تقدم التوصيات في شأن الأوراق المالية. ولعل الاسم الأعرق من بينها «مكتب الشال للاستشارات»، وهناك أسماء أخرى جديدة، آخرها شركة وضوح للاستشارات التي تأسست برأسمال كبير نسبياً على شركة استشارات.
القانون إذا طبق!
وربما يعتقد المراقب أن السبب في فوضى سوق الاستشارات عائد إلى قصور في التشريع، وهذا صحيح لكنه ليس الحقيقة كلها.
فالمادة السادسة من القانون المعدل رقم 158 لسنة 2005، ينص على أن يكون للجنة سوق الكويت للأوراق المالية، بصفة خاصة، وضع قواعد وإجراءات، منها (البند التاسع) «إعداد ونشر التقارير والتحليلات والضوابط التي يتعين الالتزام بها في إعدادها ونشرها».
وهذه المادة القانونية، تجعل لجنة السوق مسؤولة بوضوح عن تنظيم سوق التحليلات والتقارير، لكن شيئاً من ذلك لم يظهر في قرارات لجنة السوق.
والذريعة المشهورة هنا أن «هيئة السوق» حين تأتي ستغير الأوضاع تماماً.
ويرى متابعون أن ضبط سوق التحليلات والتوصيات يتطلب وضع دفتر شروط لتأسيس شركات الاستشارات وتقديم خدمات النصح للمستثمرين، أسوة بالترخيص لشركات الوساطة وشركات إدارة الأصول، بحيث يمنع على أي من الشركات تقديم التوصيات إلى بعد الحصول على ترخيص بموافقة إدارة السوق أو لجنة، ولاحقاً هيئة سوق المال حين تؤسس فعلاً. كما أنه لابد أن تكون هناك معايير لشركات الاستشارات المتخصصة في مجالي السوق والأسهم. كما يمكن اشتراط منع بيع وشراء ورقة مالية محل الاستشارة او التقييم ولو بفترة زمنية محددة أسبوع مثلاً بعد التقييم أو التوصية.
الاستشارات و «هيئة السوق»
يلحظ قانون هيئة سوق المال الذي نشر في الجريدة الرسمية الأسبوع الجاري عدداً من المواد التي ترتب مسؤوليات قانونية على من يقدم التوصيات والاستشارات في شأن الأوراق المالية.
وتنص المادة 81 من القانون على أنه «يجب على كل شخص يعمل مستشارا لنظام استثمار جماعي الالتزام بالأمور الآتية:
-1 أن يكون مرخصا له من قبل الهيئة للعمل كمستشار استثمار.
-2 أن يعمل طبقا للوائح والإجراءات المنظمة لأنظمة الاستثمار الجماعي وبما يهدف إلى تحقيق مصالح حملة الوحدات.
-3 أن يبذل عناية الشخص الحريص على أمواله الخاصة عند تقديم الاستشارات الاستثمارية.
-4 أن يحتفظ بدفاتر وسجلات منتظمة وفقا للنظم المحاسبية وذلك في ما يتعلق بأنظمة الاستثمار الجماعي وأن يقدم للهيئة تقارير دورية، وذلك بحسب ما تطلبه منه، وذلك طبقا للوائح الصادرة عنها».
وتنص المادة 120 على أنه «يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف دينار ولا تجاوز مئة ألف دينار كل من أغفل او حجب او منع معلومة جوهرية أوجب القانون أو اللائحة الادلاء بها او الافصاح عنها للهيئة والبورصة بشأن شراء او بيع ورقة مالية او بشأن توصية لشراء او بيع ورقة مالية».
وعلى الرغم من القانون لا ينص على الاستشارات باعتبارها من الأنشطة التي تستوجب الحصول على ترخيص من الهيئة لأي شخص يريد مزاولتها، فإن المادة 63 تنص على أن الترخيص مطلوب لـ«أي شخص يشارك في نشاط آخر تعتبره الهيئة نشاط اوراق مالية منظما وفقا لأغراض هذا القانون».