الاقتصادالأحـد 25/4/2010 العدد:878 | المزيد
«اللوجيستي» من الكويت إلى الأردن.. إمبراطوريات المال.. ممنوع الاقتراب!
يوسف لازم وحسان طعامنة
قبل ان يحسم الوقت أمره في إقفال أبواب التسوية لا يزال هناك وقت بدل ضائع.. وفي الصورة قاعة البورصة الكويتية - تصوير فيصل باشاإذا كان الباحث عن العسل مستعدا للنحل، فإن مجموعات اللوجيستي عسلها لا يخلو من لسعات مؤلمة، ولعل ما حدث قبل أسبوع شكّل صدمة للقطاع الأكثر حيوية في الخدمات، عندما أعلن الجيش الأميركي تخلّيه عن حليفه في الحرب والسلم على الأقل لوجستياً هذه المرة، بإخراجه شركتين كويتيين؛ إحداهما الأضخم على صعيد المنطقة في تصدير الخدمات اللوجيستية.
وبين شركة رابطة الكويت والخليج المرشحة لدور جديد للمرحلة المقبلة في قطاعها و«أجيليتي» الأكبر في قطاعها وثاني أكبر شركات الخدمات في السوق، رسا خيار المناقصة الأميركية الأضخم على صعيد العقود، وهو مناقصة عقد المورد الرئيسي في العراق والكويت والأردن لمجموعة «أنهام» الأردنية لستّ سنوات تبدأ بملياري دولار وتصل الى6.4 مليارات. لكن على ما يبدو، ليس الأمر مجرد ربح وخسارة، فالعقود الأميركية «سيرة وانفتحت» على اللوجستي.. وما أدراك ما اللوجيستي! من الكويت الى الأردن حكايات جماعات البيزنس وإمبراطوريات المال، هنا شركات تتحسس من الشفافية، وهناك شركات تفرّخ، لا تسأل أين وكيف، والأهم: ممنوع الاقتراب!
ارتباطات إمبراطورية السلطان
لعل أجيليتي لم تكن الوحيدة في السوق المطالبة بالشفافية، فعلى الرغم من القضية التي تصدّع رأسها مع «الحمائم» الأميركيين، تدرجت لتصبح مصدراً لتصدير الخدمات والخبرة، وحتى توليد بعض الدخل بالعملة الأجنبية الى البلاد، وأجيليتي إحدى شركات مجموعة السلطان يترأسها طارق السلطان، الذي عُرف بعلاقات مميزة مع «الصقور» الأميركيين تعدت إطار البيزنس الى ارتباط عائلي، وأمنّت له الحظ الأوفر لخدمتهم في العراق كمقاول تحت إشراف شركة «كي بي آر» الأميركية، قبل انفصالها عن شركة هاليبيرتون، التي كان يرأسها نائب الرئيس الأميركي في عهد جورج بوش الابن، ديك تشيني. إلا ان أحلام طارق دغدغتها توسعات أخرى عندما وقّع مع ابن عمه كمال السلطان (صاحب شركة كمال السلطان) عقدا لتوريد شركة مستلزمات لخدمة الجيش الأميركي. والعقد الذي تحول الى قضية بين أولاد العم في ما بعد استمرت مماطلته ست سنوات، الى حين أفرجت محكمة التمييز الأسبوع الفائت عن آخر فصوله بحكم نهائي رفض إثبات عقد المحاصصة المبرم بين السلطان ومخازن أجيليتي، والذي كان يُفترض أن تسدد أجيليتي بموجبه لابن العم 500 مليون دينار، وتؤكد مصادر مطلعة على القضية أن العقد كان فاقداً للصيغة القانونية.
وهكذا نجح البيزنس في تفريق الأقرباء في اللوجيستي، وخلفية الورطة الأخيرة لأجيليتي مع الأميركيين عائدة الى تدخلات من ابن العم كمال. وقد تسببت في إشعال قضيتها الأخيرة مع وزارة الدفاع الأميركية في نوفمبر الفائت، بعد أن تغيرت ملامح الإدارة في واشنطن، بوصول باراك أوباما الى رئاسة البيت الأبيض.
واليوم، وبعد أن كان احتمال التسوية يوازي احتمال اللاتسوية مع الأميركيين ترجّح مصادر في القطاع اللوجيستي كفة أجيليتي، على الرغم من أن الأميركيين رمقوها «بالعين الحمراء»، بعد أن منحوا نظيرتها في القطاع «أنهام» حق خدمتهم في المنطقة، والأمر ببساطة ان في اللوجيستي كل شيء ممكن، فهو عالم يمكنك فيه أن تحصل على كل شيء، عندما تتخلى عن كل شيء.
من المليار إلى الملايين
وعلى الرغم من أن شركة الرابطة تقدمت لعقد المورد الرئيسي، على غرار أجيليتي، فإنها تدرك جيداً على من سيقع الاختيار، وكما يقال من أجل الحصول على شيء عليك أن تطلب ما هو أصعب منه، وهذا ما اعترفت به الشركة، عندما قالت إنها تسعى إلى الحصول على عقود أميركية جديدة كعقد الـ«هيفي ليفت»، الذي يقدر بـ120 مليون دولار سنوياً، على أن الموعد سيكون في أغسطس المقبل. وإذا كانت آمال الرابطة معقودة على عقود أصغر مع الأميركيين، فإن آمال أجيليتي لا بد أن تكون أكبر. وحاولت «أوان» في متابعتها للملف اللوجيستي ما بعد العقد الأميركي الملياري «المحبط للعزائم» اقتفاء أثر خليفة أجيليتي (أنهام)، بعد أن جاء التخلي الأميركي عن حليفته الأولى مبهماً، فكانت أولى المحطات موقعها الإلكتروني الذي يشير الى أماكن وجودها في العالم، وبينها مكتبها في الكويت، حيث تبين من خلال البحث الميداني عن موقعها أن الشركة «غير موجودة»!
أجيليتي جديدة
البحث لم يتوقف، وكانت مصادر «أوان» في الأردن جاهزة لمتابعة جذور القصة المفترض أنها بدأت في عمان، وهنا خرج من الظلام العملاق «سختيان» صاحب المجموعة التي تضم تحتها 16 شركة تابعة ومتنوعة، تشمل الأدوية والكيماويات والسياحة والتجارة العامة والاستثمار والأغذية، والاتصالات، تدعمها مجموعة سختيان الأم من مقرها في العاصمة الأردنية عمان بمنطقة العبدلي.
بين الحقيقة والواقع فرق كبير، فالشركة ذات الخدمات السياحية الطبية لها وجهان، فمنذ تأسيسها استطاعت الشركة من خلال رئيستها ديما سختيان، ابنة نضال سختيان، الرئيس التنفيذي للمجموعة الأم، بناء شبكة علاقات قوية مع الشركات العاملة مع الجيش الأميركي. وكانت أول ثمرة العلاقات، الحصول على عقد إستراتيجي لنقل جنود من العراق إلى الأردن «ترانزيت» خلال فترة إجازتهم، ومنها بدأت قصة شركة أمانة للسياحة والسفر. وهو فصل جديد في اللوجيستي يكرر سيناريو الأصل مع أجيليتي.
والمتابعون في الأردن يقاربون بين سيناريو أجيليتي وآل سختيان، فعلى غرار الخلافات العائلية بين أولاد عم السلطان، وكما هي العادة في الشركات العائلية، شق خلاف حول آلية إدارة مجموعة سختيان الأم وطريقة العمل وتوزيع الأرباح بين الإخوة الثلاثي سختيان، وهم نضال رئيس مجلس الإدارة، ورئيس هيئة المديرين، وغياث نائب الرئيس، ومنجد عضو مجلس الإدارة، إلا أن المحافظة على إمبراطورية بهذا الحجم دفع الإخوة إلى جعل الصراع محصورا داخل أروقة القصر السختياني، مع تقديم بعض التنازلات.
معرفة «من أين تؤكل الكتف»!
كما عرفت المجموعة من أين تؤكل كتف الأميركي، فقد استطاعت الشركة من خلال مديرتها ديما، كسب ثقة المتعاملين معها، عبر تقديم خدمات النقل غير التقليدية، والتي تتميز بالسرية والتكتم، وتعتمد مجموعة سختيان على طريقة عمل سرية، وغالبا ما يلفّها الغموض والابتعاد بشكل كلّي عن وسائل الإعلام، فهي مجموعة تفضل العمل في الظلام، ما يعتبره البعض أنه رشحها مع الأميركيين الذين يفضلون غض النظر وصم آذانهم عن التفاصيل، طالما هناك من يوفر لهم ما يحتاجونه، ومن دون «عوار رأس»، وهذا بدوره ما يرجّح إرساء كفة المناقصة على المجموعة التي قامت بسرعة بإنشاء شركة تابعة لها باسم «أنهام»، من أجل الحصول على صفقة توريد الخدمات اللوجستية الجديدة للجيش الأميركي في العراق.
أسرار بين أجيليتي وسختيان
وتشير تكتيكات المجموعة إلى أنها تقوم بإنشاء شركات غير مدرجة وصغيرة تدعمها المجموعة الأم، وذلك وفق طبيعة المناقصة التي تريد الدخول فيها، وتسبقها عملية جمع كمية كبيرة من المعلومات عن الشركات المنافسة بطرق مختلفة، لتقديم عرض أفضل دائما، وبأقل سعر، وهو بدوره ما تم الحديث عنه عقب إعلان الفائز بالعقد الأميركي الجديد. وعلى الرغم من إمكانيات المجموعة وامتلاكها العديد من المخازن ذات الحجم الكبير والمتوسط، بالقرب من مطار الملكة عليا الدولي في الأردن، فإن القيمين في اللوجيستي لا يستبعدون اتفاقاً في الباطن بين أجيليتي وخليفتها، لعدة اعتبارات تقول عنها مصادر مطّلعة في السوق إنها تعود الى عدم وجود مقر للشركة في الكويت، إضافة الى أن اجيليتي لديها الإمكانيات المطلوبة لمد الجيش الأميركي بالمتفق عليه في العقد مع أنهام من مواد غذائية وخدمات دعم، إلا أن تلك المصادر أكدت ان هذه المفاوضات لن تستقر على شيء قبل الانتهاء من القضية المعلقة للشركة مع الجيش الأميركي، وعلى الرغم من نشر «أوان» لهذه المعلومات فهو يبقى في إطار كشف جميع الاحتمالات المتداولة، إلا ان ذلك لا يعني الأخذ بها لمصلحة مسلسل المضاربة الجاري في السوق حالياً.
ويبدو أن خليفة أجيليتي لديها إستراتيجية جدية على خط العراق في المستقبل القريب، حيث تتطلع مجموعة سختيان إلى الدخول على خط الفرص الاستثمارية في مدينة أربيل العراقية، التي تشهد نقلة نوعية في حجم البناء العقاري والمشاريع قيد الإنشاء، إذ يسعى عدد من رجال الأعمال البريطانيين من أصل عراقي كردي إلى تحويل تلك المدينة إلى نسخة مطابقة عن إمارة دبي. كما قامت المجموعة بعقد شراكة إستراتيجية مع الشركة العراقية للاستشارة والاستثمار، والتي تعمل من الأردن، بهدف إنشاء شركة سختيان العراق، ومن ثم نقل وكالاتها العديدة ونشرها في المدن العراقية. والفوضى في اللوجيستي، وهو القطاع القائم على مجموعات تشغيلية، قد لا تعود مستغربة بعد تفكيك سلسلة ارتباطاته المتشابكة والمتداخلة، وجلاء الصورة الشائكة، وقد يصدق الاتفاق في الباطن، خاصة أن الحديث عن تسوية أميركية يتيح لأجيليتي العودة الى العقود لايزال أمرا واردا، مع استبعاد الرابطة لنفسها عن حصة المليارات الكبيرة.
تاريخ النشر : 2010-04-25